الأدلة على أن قول ( علي الحرام ) يمينا
الأدلة على أن قول ( علي الحرام ) يمينا
أ- بالرجوع إلى كتب أهل اللغة والمعاجم لن تجد
كلمة ( علي الحرام ) لها معنى
فلو سألت شخصا مامعنى علي الحرام فلن يعرف معناها
هل تعني أني حرمت الحلال ؟
أو الحرام فوقي ؟
أو إيتوني بالحرام ؟
فهذا مما لا معنى له إلا إن قرنها بقرينة كقوله
( إنت علي حرام ) أو ( أنت حرام علي )
وهاتان اللفظتان قد أريد بهما اليمين كما سنأتي
بدليله
ب- 1- قال تعالى ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل
الله لك تبتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم) ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله
مولاكم وهو العليم الحكيم).
فالله تعالى سماها يمينا والأصل أنه إن اختلفنا
أن نرجع الحكم إلى الله قال تعالى ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) وقال
( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)
كذلك أن الاستصحاب من مصادر الشريعة
بمعنى إبقاء ماكان على ماكان عليه
2- أخرج
عبد الرزاق والبخاري وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في الحرام يكفر وقال:
(لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) (سورة الأحزاب 21)
3- أخرج ابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه
عن ابن عباس أنه جاءه رجل فقال: جعلت امرأتي علي حراما فقال: كذبت ليست عليك بحرام
ثم تلا {لم تحرم ما أحل الله لك} قال: عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة
4- أخرج الحارث بن أبي أسامة عن عائشة قالت: لما
حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح فأنزل الله {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} فأحل يمينه
وأنفق عليه
5- أخرج ابن المنذر وابن مردويه من طريق علي عن
ابن عباس {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} قال: أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين
إذا حرموا شيئا مما أحل الله لهم أن يكفروا أيمانهم
بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة وليس
يدخل في ذلك الطلاق
6- أخرج عبد بن حميد عن ميمون بن مهران رضي الله
عنه في قوله: {تحلة أيمانكم} قال: يقول قد أحللت لك ما ملكت يمينك فلم تحرم ذلك وقد
فرضت لك تحلة اليمين بها يمينك كل ذلك في هذا
7- وروى ابن أبي شيبة (5 / 73-74) عَنْ عُمَرَ
وابْنِ عَبَّاسٍ وعائشة وَعَنِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَسَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ ومَكْحُولٍ أنهم
قالوا : " الْحَرَامُ يَمِينٌ
8- أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الشعبي وقتادة
رضي الله عنهما {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} قال: حرم جاريته قال الشعبي:
وحلف يمينا مع التحريم فعاتبه الله في التحريم
وجعل له كفارة اليمين وقال قتادة: حرمها فكانت
يمينا
9- أخرج ابن سعد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم حرم أم إبراهيم فقال: هي علي حرام فقال: والله لا أقربها
فنزلت {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم}
10- أخرج الهيثم بن كليب في مسنده والضياء المقدسي
في المختارة من طريق نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة:
لا تحدثي أحدا وإن أم إبراهيم علي حرام فقالت:
أتحرم ما أحل الله لك قال: فوالله لا أقربها فلم
يقربها نفسه حتى أخبرت عائشة فأنزل الله {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم}
11- أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مسروق
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف لحفصة أن لا يقرب أمته وقال: هي علي حرام فنزلت
الكفارة ليمينه وأمر أن لا يحرم ما أحل الله له
12- أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الضحاك
أن حفصة زارت أباها ذات يوم وكان يومها فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجدها في
المنزل فأرسل إلى أمته مارية فأصاب منها في بيت حفصة
وجاءت حفصة على تلك الحال فقالت يا رسول الله:
أتفعل هذا في بيتي وفي يومي قال: فإنها علي حرام ولا تخبري بذلك أحدا فانطلقت حفصة
إلى عائشة فأخبرتها بذلك فأنزل الله
{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} إلى قوله:
{وصالح المؤمنين} فأمر أن يكفر عن يمينه ويراجع أمته
13- أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند
ضعيف عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية سريته بيت
حفصة فوجدتها معه فقالت:
يا رسول الله في بيتي من بين بيوت نسائك قال: فإنها
علي حرام أن أمسها واكتمي
هذا علي فخرجت حتى أتت عائشة فقالت: ألا أبشرك
قالت: بماذا قالت: وجدت مارية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فقلت:
يا رسول الله في بيتي من بين بيوت نسائك فكان أول
السر أنه أحرمها على نفسه ثم قال لي: يا حفصة ألا أبشرك فأعلمي عائشة أن أباك يلي الأمر
من بعده وأن أبي يليه بعد أبيك وقد استكتمني ذلك
فاكتميه
فأنزل الله {يا أيها النبي لم تحرم} إلى قوله: {غفور رحيم} أي لما كان منك
أقوال الفقهاء في هذا
1- الاحناف
قال في البزازية : حتى لو قال حرمت نفسي ولم يقل
عليك ونوى الطلاق لا يقع ( قوله : أو أنت علي كالحمار
قال في البزازية : وإن قال أنت علي كالحمار والخنزير
، أو ما كان محرم العين كقوله أنت علي حرام ، وإن لم ينو هل يكون يمينا فقد اختلفوا
فيه .
ومقتضاه أنه لو لم ينو الطلاق لا يكون طلاقا لعدم
العرف ، بخلاف " أنت علي حرام " فإن العرف فيه قام مقام النية كما مر فافهم
قال صاحب
اللباب في شرح الكتاب
(وإذا قال) الرجل (لامرأته أنت علي حرام) أو أنت
معي في الحرام، أو نحو ذلك (سئل عن نيته: فإن قال أردت الكذب فهو كما قال) ،
لأنه نوى
حقيقة كلامه، قال في التصحيح: هذا ظاهر الرواية، ومشى عليه الحلواني، وقال السرخسي:
لا يصدق في القضاء،
حتى قال في الينابيع: في قول القدوري (فهو كما
قال) يريد فيما بينه وبين الله تعالى، أما في القضاء فلا يصدق بذلك، ويكون يميناً،
ومثله في شرح الإسبيجاني، وفي شرح الهداية: وهذا
هو الصواب وعليه العمل والفتوى، اهـ (وإن قال أردت الطلاق فهي تطليقة بائنة) ؛
لأنه كناية (إلا أن ينوي الثلاث) فيكون الثلاث
اعتباراً بسائر الكنايات (وإن قال أردت الظهار فهو ظهار) ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي
يوسف،
وقال محمد: ليس بظهار لانعدام التشبيه بالمحرمة،
وهو الركن فيه، ولهما أنه أطلق الحرمة، وفي الظهار نوع حرمة، والمطلق يحتمل المقيد.
هداية.
قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما، واعتمده المحبوبي
والنسفي وغيرهما. تصحيح (وإن قال أردت التحريم أو لم أرد به شيئاً فهو يمين يصير به
مولياً) ؛
لأن الأصل في تحريم الحلال إنما هو اليمين عندنا،،
فإذا قال (أردت التحريم) فقد أراد اليمين، وإن قال (لم أرد شيئاً) لم يصدق في القضاء؛
لأن ظاهر ذلك اليمين،
وإذا ثبت أنه يمين كان به مولياً. جوهرة.
2- المالكية
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير
حكى البدر القرافي في الحرام أقوالا كلها ضعيفة
فقيل إن الحرام لغو لا يلزمه به شيء، وقيل إنه طلقة رجعية وقيل ينوى فيه إن نوى به
الطلاق لزمه وإن لم ينوه لا يلزمه طلاق وإذا نوى به الطلاق فينوى في عدده
3- الشافعية
جاء في تحفة المحتاج مانصه
ومثل أنت حرام ما لو قال علي الحرام ولم ينو به
طلاقا فلا كفارة فيه كما ذكره شيخنا الشوبري
وجاء في كتاب حاشيتا قليوبي وعميرة
قال الزركشي ومثل هذا علي الحرام الحرام يلزمني
وأما علي الطلاق ففي البحر عن المزني أنه كناية ،
وفي شرح الكفاية للصيمري أنه صريح ، وأفتى ابن
الصلاح بعدم الوقوع لكونها صيغة يمين ،
وكذا حكى في المطلب عن الطوسي تلميذ ابن يحيى صاحب
الغزالي أنه كان يفتي بعدم الوقوع ،
وإن نوى في قول القائل الطلاق يلزمني لأنه التزام
ما لا يلزمه ، وكان يقول الطلاق وضع لحل النكاح لا لليمين ،
قال الزركشي
بعد حكاية ذلك والحق الوقوع لاشتهاره في معنى الطلاق ، وكأنه لم يشتهر له في ذلك الزمان
،
ونقل في
شرح البهجة أن الرافعي في كتاب الأيمان والنووي في النذر جزما بالصراحة في الطلاق لازم
لي
جاء في كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح
الكبير
قال الشيخ أبو عليٍّ: الحرام وإن كان صريحاً في
التزام الكفَّارة، فليس على طريق القَطْع؛ بل يَحْتَمِل الطَّلاق وغيره؛ لأنه مجْتَهَد
فيه.
وذهب أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنه- وعائشةُ
-رضي الله عنها- إلى أنَّه يمين وكفَّارته كفارة يمين وعمر -رضي الله عنه- إلى أنه
صريح في طلقة رجعيَّة،
وعثمان -رضي الله عنه- إلى أنَّه ظهار، وعليٌّ
-رضي الله عنه- إلى أنَّه صريح في الطلقات الثلاث وبه قال زيد، وأبو هريرة -رضي الله
عنهما-
وذهب ابن
مَسْعُود -رضي الله عنه- إلى أنَّه ليس بيمين، وفيه كفارةُ يمينٍ، كما هو أصحُّ قولي
الشَّافعي في الطلاق [و] إنَّما يجعل الصريح
في بابه على القَطْع كنايةً عن غيره؛ كالطلاق والظهار الصريحين في بابهما.
4- الحنابلة
جاء قي الإقناع مانصه
ولو قال
علي الحرام أو يلزمني الحرام أو الحرام يلزمني فلغو لا شيء فيه مع الإطلاق ومع نية
أو قرينة ظهار
قال ابن قدامة في المغني
فصل: فإن قال: أنا مظاهر، أو علي الظهار، أو علي
الحرام، أو الحرام لي لازم. ولا نية له، لم يلزمه شيء؛ لأنه ليس بصريح في الظهار، ولا
نوى به الظهار.
وإن نوى به الظهار، أو اقترنت به قرينة تدل على
إرادته الظهار، مثل أن يعلقه على شرط، فيقول: علي الحرام إن كلمتك. احتمل أن يكون ظهارا؛
لأنه أحد نوعي تحريم الزوجة،
فصح بالكناية مع النية، كالطلاق. ويحتمل أن لا
يثبت به الظهار؛ لأن الشرع إنما ورد به بصريح لفظه، وهذا ليس بصريح فيه، ولأنه يمين
موجبة للكفارة، فلم يثبت حكمه بغير الصريح، كاليمين بالله تعالى
قال صاحب نَيْلُ المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب
(وإن قال: عليّ الحرامُ)، أو يلزمني الحرام، أو:
الحرام يلزمني (إن نوى امرأتَه) أو دلتْ قرينةٌ على إرادة ذلك، (فـ) هو (ظهارٌ، وإلا
فلغوٌ) لا شيء فيه.
قال صاحب حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ
إن قول "علي الحرام" الذي تولّع به المتأخرون
يظهر لي أنه لا يقع به طلاق ولا ظهار ولا غيرهما، لأنه لا يفيد ذلك لغةً، لأنه بمعنى
"الحرامُ عليّ" فأي شيى يفيده هذا؟
وهو لا
يفيده عرفًا أيضًا، بل الذي يتكلم بقوله "عليّ الحرام " يقوله وهو لا يعلم
له مضمونًا، فليس صريحًا، ولا كناية. وقد سألتُ عددًا ممن قال ذلك: ماذا تفهم من هذه
الكلمة؟ فقالوا: لا أدري
وجاء في كشاف القناع
(ولو قال علي الحرام أو يلزمني الحرام أو الحرام
يلزمني فلغو لا شيء فيه مع الطلاق) لأنه لا يقتضي تحريم شيء مباح بعينه (ومع نية) تحريم
الزوجة (أو قرينة) تدل على إرادة ذلك فهو (ظهار) لأنه يحتمله وقد صرفه
إليه بالنية فتعين له
قال القرطبي في تفسيره
اختلف العلماء في الرجل يقول لزوجته:" أنت
علي حرام" على ثمانية عشر قولا
أولها- لا شي عليه. وبه قال الشعبي ومسروق وربيعة
وأبو سلمة وأصبغ. وهو عندهم كتحريم الماء والطعام، قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا
لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [المائدة: 87] والزوجة من الطيبات ومما أحل الله.
وقال تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام»
[النحل: 116]. وما لم يحرمه الله فليس لأحد أن
يحرمه، ولا أن يصير بتحريمه حراما. ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
لما أحله الله هو علي حرام. وإنما امتنع من مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله: (والله
لا أقربها بعد اليوم) فقيل له: لم تحرم ما أحل الله لك، أي لم تمتنع منه بسبب اليمين.
يعني أقدم عليه وكفر.
ثانيها - أنها يمين يكفرها، قاله أبو بكر الصديق
وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وعائشة- رضي الله عنهم- والأوزاعي، وهو
مقتضى الآية قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: إذا حرم الرجل عليه امرأته فإنما هي يمين
يكفرها. وقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، يعني أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان حرم جاريته فقال الله تعالى: لم تحرم ما أحل الله لك- إلى قوله تعالى-
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فكفر عن يمينه وصير الحرام يمينا. خرجه الدارقطني.
ثالثها- أنها تجب فيها كفارة وليست بيمين، قاله
ابن مسعود وابن عباس أيضا في إحدى روايتيه، والشافعي في أحد قوليه، وفي هذا القول نظر.
والآية ترده على ما يأتي.
رابعها- هي ظهار، ففيها كفارة الظهار، قاله عثمان
وأحمد بن حنبل وإسحاق.
خامسها- أنه إن نوى الظهار وهو ينوي أنها محرمة
كتحريم ظهر أمه كان ظهارا. وإن نوى تحريم عينها عليه بغير طلاق تحريما مطلقا وجبت كفارة
يمين. وإن لم ينو شيئا فعليه كفارة يمين، قاله الشافعي.
سادسها- أنها طلقة رجعية، قاله عمر بن الخطاب والزهري
وعبد العزيز بن أبي سلمة وابن الماجشون.
سابعها- أنها طلقة بائنة، قاله حماد بن أبي سليمان
وزيد بن ثابت. ورواه ابن خويز منداد عن مالك.
ثامنها- أنها ثلات تطليقات، قاله علي بن أبي طالب
وزيد بن ثابت أيضا وأبو هريرة.
تاسعها- هي في المدخول بها ثلاث، وينوي في غير
المدخول بها، قاله الحسن وعلي ابن زيد والحكم. وهو مشهور مذهب مالك.
عاشرها- هي ثلاث، ولا ينوي بحال ولا في محل وإن
لم يدخل، قاله عبد الملك في المبسوط، وبه قال
ابن أبي ليلى
حادي عشرها- هي في التي لم يدخل بها واحدة، وفي
التي دخل بها ثلاث، قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم
ثاني عشرها- أنه إن نوى الطلاق أو الظهار كان ما
نوى. فإن نوى الطلاق فواحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا. فإن نوى ثنتين فواحدة. فإن لم
ينو شيئا كانت يمينا وكان الرجل موليا من امرأته، قاله أبو حنيفة وأصحابه. وبمثله قال
زفر، إلا أنه قال: إذا نوى اثنتين ألزمناه.
ثالث عشرها- أنه لا تنفعه نية الظهار وإنما يكون
طلاقا، قاله ابن القاسم.
رابع عشرها- قال يحيى بن عمر: يكون طلاقا، فإن
ارتجعها لم يجز له وطؤها حتى يكفر كفارة الظهار.
خامس عشرها- إن نوى الطلاق فما أراد من أعداده.
وإن نوى واحدة فهي رجعية. وهو قول الشافعي رضي الله عنه. وروي مثله عن أبي بكر وعمر
وغيرهم من الصحابة والتابعين.
سادس عشرها- إن نوى ثلاثا فثلاثا، وإن واحدة فواحدة.
وإن نوى يمينا فهي يمين. وإن لم ينو شيئا فلا شي عليه. وهو قول سفيان. وبمثله قال الأوزاعي
وأبو ثور، إلا أنهما قالا: إن لم ينو شيئا فهي واحدة.
سابع عشرها- له نيته ولا يكون أقل من واحدة، قاله
ابن شهاب. وإن لم ينو شيئا لم يكن شي، قاله ابن العربي. ورأيت لسعيد بن جبير وهو
الثامن عشر- أن عليه عتق رقبة وإن لم يجعلها ظهارا.
ولست أعلم لها وجها ولا يبعد في المقالات عندي. قلت: قد ذكره الدارقطني في سننه عن
ابن عباس فقال: حدثنا الحسين بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا روح قال:
حدثنا سفيان الثوري عن سالم الأفطس
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال:
إني جعلت امرأتي علي حراما. فقال: كذبت! ليست عليك بحرام، ثم تلا يا أيها النبي لم
تحرم ما أحل الله لك عليك أغلظ الكفارات: عتق رقبة. وقد قال جماعة من أهل التفسير:
إنه لما نزلت هذه الآية كفر عن يمينه بعتق رقبة،
وعاد إلى مارية صلى الله عليه وسلم، قاله زيد بن
أسلم وغيره.
قال علماؤنا: سبب الاختلاف في هذا الباب أنه ليس
في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نص ولا ظاهر صحيح يعتمد عليه
في هذه المسألة، فتجاذبها العلماء لذلك.
فمن تمسك بالبراءة الأصلية فقال: لا حكم، فلا يلزم
بها شي.
وأما من قال إنها يمين، فقال: سماها الله يمينا.
وأما من قال: تجب فيها كفارة وليست بيمين، فبناه على أحد أمرين:
أحدهما- أنه ظن أن الله تعالى أوجب الكفارة فيها
وإن لم تكن يمينا. والثاني- أن معنى اليمين
عنده التحريم، فوقعت الكفارة على المعنى.
وأما من قال: إنها طلقة رجعية، فإنه حمل اللفظ
على أقل وجوهه، والرجعية محرمة الوطي كذلك، فيحمل اللفظ عليه. وهذا يلزم مالكا، لقوله:
إن الرجعية محرمة الوطي.
وكذلك وجه من قال: إنها ثلاث، فحمله على أكبر معناه
وهو الطلاق الثلاث.
وأما من قال: إنه ظهار، فلأنه أقل درجات التحريم،
فإنه تحريم لا يرفع النكاح.
وأما من قال: إنه طلقة بائنة، فعول على أن الطلاق
الرجعي لا يحرم المطلقة، وأن الطلاق البائن يحرمها.
وأما قول يحيى بن عمر فإنه احتاط بأن جعله طلاقا،
فلما ارتجعها احتاط بأن يلزمه الكفارة. ابن العربي
وهذا لا
يصح، لأنه جمع بين المتضادين، فإنه لا يجتمع ظهار وطلاق في معنى لفظ واحد، فلا وجه
للاحتياط فيما لا يصح اجتماعه في الدليل.
وأما من قال: إنه ينوى في التي لم يدخل بها، فلأن
الواحدة تبينها وتحرمها شرعا إجماعا.
وكذلك قال من لم يحكم باعتبار نيته: إن الواحدة
تكفي قبل الدخول في التحريم بالإجماع، فيكفي أخذا بالأقل المتفق عليه.
وأما من قال: إنه ثلاث فيهما، فلأنه أخذ بالحكم
الأعظم، فإنه لو صرح بالثلاث لنفذت في التي لم يدخل بهانفوذها في التي دخل بها. ومن
الواجب أن يكون المعنى مثله وهو التحريم". والله أعلم. وصل اللهم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق