استحباب القيام عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم
استحباب القيام عند ذكر ولادته صلى الله عليه
وسلم
للعلامة الشيخ محمود العطار الدمشقى (ت 1362 هـ)
تمهيد :
العمل على استحباب ذلك هو الذى رأيت عليه مشايخنا
بمصر عندما يقرؤون المولد الشريف فى ليلة المولد أو فى غيرها من الليالى يقومون عند
ذكره مولده الشريف ، وإن صارت هذه المسألة اليوم مما لا يكاد يعرف بالقاهرة لغلبة الحياة
الحديثة على الناس ، وصار قراءة المولد أصلا عادة كادت تنقطع ، ولا يعرفها أكثر الناس
، رغم أن ذلك كان شائعا منذ أقل من مائة سنة فى أكثر مساجد البلاد ليلة المولد ، يجتمع
الناس بعد العشاء ويقرأون أحد الموالد ، وأشهرها مولد البرزنجى ، وغيرها من الموالد
، ولم تبق هذه العادة إلا فى احتفالات بعض الطرق الصوفية الأصلية بالمولد الشريف .
وقد كان مولانا شيخ الإسلام السيد عبد الله بن الصديق الغمارى ربما حضر ليلة المولد
– إذا كان بمصر – ببيت مولانا الولى الكبير سيدى نجم الدين الكردى أو خلفائه ، فيقوم
سيدنا الشيخ نجم الدين ، وسيدنا الشيخ عبد الله بن الصديق ، ومن حضر من علماء مصر وغيرهم
، وكان وما زال بيت سيدنا الكردى مجتمع العلماء من كافة المذاهب فيقومون عند ذكر مولده
الشريف صلى الله عليه وسلم بلا نكير من أحد .
وهذه الرسالة لطيفة فى بابها ، اعتنى مؤلفها –
ولم يؤلف غيرها فى مسائل العلم( ) – ببيان حكمها . وعندما وقفت عليها سنة (2000 م)
قبيل وفاة مولانا شيخ الإسلام ضياء الدين الكردى ذهبت إليه قدس الله سره بنسخة منها
، فسر بها ، وذكر أن هناك بعض أقوال للعلماء متناثرة فى المسألة ، ولكن هذه أول مرة
يطلع على رسالة مفردة فيها .
ويعجبنى تقدير الله لهذا العالم الكبير الشيخ محمود
العطار ألا يؤلف غيرها ، وقد كان كثير من العلماء المتأخرين على واسع علمهم وتحقيقهم
لا يعتنون بالتصنيف ، ويرون أن المتقدمين قد كفونا ذلك ، ولكن يبدو أن عظيم تعلق العلامة
الشيخ محمود العطار بالجناب المحمدى الشريف هو الذى دفعه إلى الخروج عن عادته ، فيؤلف
لنا هذه الرسالة اللطيفة الفريدة فى بابها .
ونعرض هنا لأهم ما ورد فيها مختصرا :
1- يؤكد المؤلف العلامة الشيخ محمود العطار فى
مقدمته رسالته أن المقام يحتاج أولا لبيان حكم القيام لأهل الشرف إكراما وتعظيما لهم
، ومنه يعلم استحباب القيام عند ذكر مولده الشريف صلى الله عليه وسلم بالأولى ، إذ
الفرض أنه إنما يفعل إكراما وتعظيما ومحبة لأشرف الرسل صلى الله عليه وسلم .
2- نقل المؤلف عن الإمام النووى قال يستحب القيام
للقادم من أهل الفضل وقد جاءت به أحاديث ، ولم يصح فى النهى عنه شىء صريح .
3- فإذا ثبت أن القيام مطلوب للتعظيم والإكرام
لأهل الشرف ، فكيف يمنع منه عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم تعظيما له ، بل إنه أولى
وأحق من القيام لأحد من أمته ، وقد نص غير واحد من فقهاء الأئمة الأربعة ومن المحدثين
وأهل السير على استحبابه .
4- فالذى ينبغى أن يعول عليه ولا يلتفت لغيره استحبابه
وتأكده لعموم المسلمين ، ولا يغتر بقول ابن حجر الهيتمى فى فتواه من ((أن الناس إنما
يفعلونه تعظيما ، فالعوام معذورون بخلاف الخواص)) . فهذا هفوة منه ، بل الخواص أحق
بتعظيمه صلى الله عليه وسلم ، وقد فعله العالم الشهير تقى الدين السبكى وغيره ممن لا
يحصى ، واستمر عليه العمل إلى يومنا هذا ويستمر إن شاء الله إلى يوم القيامة ، ولا
ينكره ويحرمه إلا مبتدع غال .
5- فإن تخيل له أنه بدعة مذمومة فنقول : نعم هو
بدعة ولكنها حسنة ، وليست كل بدعة مذمومة ، بل البدعة تعتريها الأحكام الخمسة كما هو
معلوم ، فكم من بدعة هى فرض أو واجب كتدوين العلوم الدينية ، ورد الشبه على الفرق الضلالية
.
6- فماذا يقول هذا المانع فى قيام بعضنا لبعض ،
وفى القيام عند ذكر مولده الشريف ، هل فيه تعظيم أم لا ؟ فإن منع التعظيم فهو مكابر
معاند للحس والمشاهدة ، فلا يليق أن يخاطب .
7- وإن سلم أنه يفيد التعظيم ، وعد تعظيمه صلى
الله عليه وسلم حماقة فيكون تنقيصا وإهانة لجنابه الشريف صلى الله عليه وسلم ، ومن
أهانه يحكم بكفره وردته وهدر دمه .
8- والعرف أحد مدارات الشرع الشريف تبنى عليه الأحكام
، وكم من مسألة لا نص فيها وقد تعارف الناس
عليها ، وحكم الفقهاء بها وتداولوها فى كتبهم ، فكيف يقول المانع : إن فاعل القيام
بلا شك حرى باللوم والحرمة والفسق .
9- فقول المانع افتراء وتهور عظيم لا يصدر مثله
من مسلم فضلا عن عالم ، فالمسلم الموحد إذا قام عند ذكر مولده الشريف لا يريد إلا التعظيم
والاحترام لمنصب الرسالة .
10- والمقصود التعظيم بكل ما يفيده ، ومنه القيام
كما هو العرف العام .
11- ونظير هذا القيام تعظيما له صلى الله عليه
وسلم الأمر بغض الصوت بحضرته صلى الله عليه وسلم فى حياته ، وعند قراءة حديثه وسيرته
بعد وفاته ، وكذا مناداته باسم يشعر بتعظيمه . إلى غير ذلك من النظائر .
12- فانظر بعين الإنصاف إلى مجموع هذه النظائر
المنصوص عليها ، المقصود منها تعظيمه صلى الله عليه وسلم ، أليس هذا القيام مثلها فى
التعظيم فيكون مأمورا به ، ليس بدعة منكرة ، على أن نجعله فردا من أفراد التعظيم الذى
كلفنا به عموما ، فحينئذ يدخل تحت الأمر ، فيكون من باب دلالة النص ، لا من باب القياس
، كما حرره علماء الأصول .
13- فهنا لما كان القيام خصوصا فى زمننا هذا من
جملة التعظيم للنبى صلى الله عليه وسلم دخل فى النص الدال على تعظيمه ، وهو كثير فى
القرآن والسنة ، فمنه قوله تعالى {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه} ، فقد فرض
الله تعالى علينا تعظيمه ، وجعله مثل الإيمان به .
14- فحينئذ لا يكون هذا القيام بدعة ، بل منصوصا
عليه بدلال النص ، فمن يدعى إنكاره وتحريمه فهو مبتدع ضال ، وعند قصد الإهانة والتنقيص
لمنصبه الشريف صلى الله عليه وسلم يكون كفرا وردة .
15- ومن أراد بسط الكلام على وجوب تعظيمه وفرضيته
على كل مكلف مبرهنا عليه بالأدلة القاطعة فليرجع لكتب السير كالشفا للقاضى عياض ، والمواهب
اللدنية للإمام القسطلانى وزاد المعاد لابن القيم ، وغيرها فيجد فيها ما يشفى الغليل.
16- وربما كان فى ترك القيام إثارة فتنة عند عموم
الناس ونسبة من لا يقوم عند قيام الناس تعظيما له صلى الله عليه وسلم إلى مذهب الوهابية
(هذا كلام الشيخ بلفظه) الذين تجاوزوا الحد فى الغلو بتكفير أهل التوحيد حيث يقولون
بالتوسل بالأنبياء والأولياء وزيارتهم والتبرك بهم .
17- واستحباب القيام عند ذكر مولده صلى الله عليه
وسلم أولى لأهل العلم فهم أحق بالقيام إذا قام الناس ليعلموهم أن تعظيمه صلى الله عليه
وسلم مطلوب ومؤكد ظاهرا وباطنا
18- ولا يقال إن التعظيم إنما هو بالقلب وحسب وباتباع
سنته صلى الله عليه وسلم لا بهذا القيام المبتدع ، لأن القيام عنوان على التعظيم بالقلب
دال عليه ، ومعاملة الشرع الشريف ظاهرية ، حتى حكم على من أقر بلسانه بالشهادتين بالإسلام
مع عدم اطلاعنا على قلبه ، ومن أين يعلم ما فى القلب إذا لم يدل الظاهر عليه .
19- فتلخص من هذا أنه يندب القيام ويتأكد ويستحب
عند ذكر ولادته الشريفة تعظيما له صلى الله عليه وسلم ، وإكراما وفرحا بإيجاده صلى
الله عليه وسلم ، الذى هو أجل نعمة على العالم ، وقد استحسن المسلمون ذلك ورأوه حسنا
، وقد ورد مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم : ((ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن))
إلى غير ذلك من الأحاديث .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
...................
...................
قلت : إن الله سبحانه وتعالى لم يذكر في كل
النعم التي أنعمها على الخلق كلمة ( المن )
إلا في معرض الحديث عن بعثة النبي صلى الله
عليه وسلم فقال (لقد من الله
على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) ال عمران . فأي منة أعظم من هذه المنة بأبي هو وأمي
صلوات ربي وسلامه عليه ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق