بيان ان المصافحة بعد الصلاة ليست بدعة منكرة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى اله
وصحبه وبعد:
اعلم اخي وفقني الله وإياك ان المصافحة سنة، ويندب إليها
عند التلاقي؛ وقد أجمع على هذا كافة الفقهاء في جميع الأعصار والأمصار، جاء في «الأذكار
المنتخبة من كلام سيد الأبرار»: «اعلم أنها سنة مجمع عليها عند التلاقي». وقال المناوي:
«فإن المصافحة سنة مؤكدة»..
وقد أوضحت كثير من الأدلة مشروعيتهاواستحبابها؛ وبالإضافة
إلى ما سبق ذِكره من أدلة نقول:
أخرج البخاري بسنده عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال:
«...حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس حوله الناس فقام إليَّ
طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره
ولا أنساها لطلحة...»..
وأخرج أيضًا بسنده أن قتادة رضي الله عنه قال لأنس بن مالك
رضي الله عنه: «كانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم»..
وقد أجمع الفقهاء وأئمة المذاهب على مشروعية المصافحة، وأنها
سنة؛ وفي هذا يقول الإمام النووي عن المصافحة: «اعلم أنها سنة مجمع عليها عند التلاقي»..
وقال ابن بطال: «...المصافحة حسنة عند عامة العلماء، وقد
استحبها مالك»..
وجاء في «فتح الباري» قول ابن حجر: «قال ابن عبد البر: روى
ابن وهب عن مالك: أنه كره المصافحة والمعانقة؛ وذهب إلى هذا سحنون وجماعة. وقد جاء
عن مالك جواز المصافحة؛ وهو الذي يدل عليه صنيعه في «الموطأ»، وعلى جوازه جماعة العلماء
سلفًا وخلفًا».
وأما المصافحة عقب الصلاة فإنها أيضًا مشروعة، وهي دائرة
بين الإباحة والاستحباب؛ لأنها داخلة في عموم استحباب التصافح بين المسلمين واختار
الإمام النووي في «المجموع» أن مصافحة من كان مع المصلي قبل الصلاة مباحة، ومصافحة
من لم يكن معه قبل الصلاة سنة.
وقال في «الأذكار»: «اعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل
لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع
على هذا الوجه، ولكن لا بأس به؛ فإن أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض
الأحوال وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة
التي ورد الشرع بأصلها».اهـ..
ثم نقل عن الإمام العز بن عبد السلام أن المصافحة عقيب الصبح
والعصر من البدع المباحة..
وقال السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: «ظاهر
كلام العز بن عبد السلام من الشافعية أنها بدعة مباحة، وظاهر كلام الإمام النووي أنها
سنة. قال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: «قال النووي: وأصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا
عليها في بعض الأحوال لا يخرج ذلك عن أصل السنة». اهـ..
وفي فتاوى الرملي الشافعي: «سئل عما يفعله الناس من المصافحة
بعد الصلاة هل هو سنة أو لا؟ فأجاب: بأن ما يفعله الناس من المصافحة بعد الصلاة لا
أصل لها، ولكن لا بأس بها». اهـ..
وأما ما ذهب إليه بعض العلماء من القول بكراهة المصافحة عقب
الصلاة فإنهم نظروا فيه إلى أن المواظبة عليها قد تؤدي بالجاهل إلى اعتقاد أنها من
تمام الصلاة أو سننها المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا بالكراهة؛
سدًّا لذريعة هذا الاعتقاد، ومنهم من استدل بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذا
الفعل على عدم مشروعيته، ومع قول هؤلاء بكراهتها فإنهم نصوا -كما ذكر القاري في «مرقاة
المفاتيح»- على أنه إذا مد مسلم يده إليه ليصافحه فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد؛
لما يترتب عليه من أذى بكسر خواطر المسلمين وجرح مشاعرهم، وذلك على سبيل المجابرة،
ودفع ذلك بجبر الخواطر مقدم على مراعاة الأدب بتجنب الشيء المكروه عندهم؛ إذ من المقرر
شرعًا أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. على أن جمهور العلماء ومحققيهم على ترك
التوسع في باب سد الذرائع؛ لما يجر إليه من التضييق على الخلق وإيقاعهم في الحرج، والاستدلال
بالترك على عدم المشروعية موضع نظر عند الأصوليين؛ بل الأصل في الأفعال الإباحة، هذا
مع أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصافحة الصحابة الكرام له وأخذهم بيديه
الشريفتين بعد الصلاة في بعض الوقائع، ففي صحيح الإمام البخاري عن أبي جحيفة رضي الله
عنه قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ، ثم
صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة، وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون
بها وجوههم. قال أبو جحيفة: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب
رائحة من المسك»..
قال المحب الطبري : «ويستأنس بذلك لما تطابق عليه الناس من
المصافحة بعد الصلوات في الجماعات، لا سيما في العصر والمغرب، إذا اقترن به قصد صالح
من تبرك أو تودد أو نحوه» اهـ..
وعموم مشروعية المصافحة في مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
«إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما»، لا يجوز تخصيصه
بوقت دون وقت إلا بدليل؛ و«إذا» ظرف لكل ما يستقبل من الزمان، فدعوى أنها مخصوصة بغير
أدبار الصلوات المكتوبات دعوى لا دليل عليها، بل ورد في السنة النبوية الصحيحة ما يردها..
والخلاصة:
إن المصافحة مشروعة بأصلها في الشرع الشريف، وإيقاعها عقب
الصلاة لا يخرجها من هذه المشروعية، فهي مباحة أو مندوب إليها -على أحد قولي العلماء،
أو على التفصيل الوارد عن الإمام النووي في ذلك- مع ملاحظة أنها ليست من تمام الصلاة
ولا من السنن التي نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المداومة عليها بعد الصلاة..
وعلى من قلد القول بالكراهة أن يراعي أدب الخلاف في هذه المسألة ويتجنب إثارة الفتنة
وبث الفرقة والشحناء بين المسلمين بامتناعه من مصافحة من مد إليه يده من المصلين عقب
الصلاة، وليعلم أن جبر الخواطر وبث الألفة وجمع الشمل أحب إلى الله تعالى من مراعاة
تجنب فعل نقلت كراهته عن بعض العلماء، في حين أن جمهورهم والمحققين منهم قالوا بإباحته
أو استحبابه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق