الفقه الحنبلي - المكاتبة - امهات الاولاد
نصفه؟ على وجهين بناء على القول في تعجيز العبد نفسه مع القدرة على الاداء ان قلنا له ذلك فللمنكر استرقاقه، وان قلنا ليس له ذلك فليس للمنكر استرقاقه لانه قادر على الاداء فان قيل فلم لا يرجع
المنكر على القابض بنصف ما قبضه إذا استرق نصف العبد؟ قلنا لانه لو رجع بها لكان قابضا جميع حقه من مال الكتابة فيعتق المكاتب بذلك الا ان يتعذر قبضها في نجومها فتنفسخ الكتابة ثم يطالب بها بعد ذلك فيكون له الرجوع بنصفها كما لو كانت غائبة في بلد آخر وتعذر تسليمها حتى فسخت الكتابة والله أعلم (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وان اختلفا في الكتابة فالقول قول من ينكرها) لان الاصل معه (مسألة) (وان اختلفا في عوضها فالقول قول السيد في احدى الروايتين) إذا اختلفا في عوض الكتابة فقال السيد كاتبتك على الفين وقال المكاتب على الف فعنه ثلاث روايات (أحدها) القول قول السيد ذكره الخرقي قال القاضي هذا المذهب نص عليه أحمد
في رواية الكوسج وهو قول الثوري والاوزاعي واسحاق وقال أبو بكر اتفق أحمد والشافعي على أنهما يتحالفان ويترادان وهو قول أبي يوسف ومحمد لانهما اختلفا في عوض العقد القائم بينهما فيتحالفان إذا لم تكن بينة كالمتبايعين وحكي عن احمد رواية ثالثة ان القول قول المكاتب وهو قول أبي حنيفة لانه منكر للالف الزائد والقول قول المنكر لانه مدعى عليه فيدخل في عموم قوله عليه السلام (ولكن اليمين على المدعى عليه) ووجه الاولى أنه اختلاف في الكتابة فالقول قول
السيد فيه كما لو اختلفا في أصلها ويفارق البيع من وجهين (احدهما) ان الاصل في البيع عدم ملك كل واحد منهما لما صار إليه والاصل في المكاتب وكسبه أنه لسيده فالقول قوله فيه (الثاني) ان التحالف في البيع مفيد ولا فائدة في التحالف في الكتابة فان الحاصل منه يحصل بيمين السيد وحده وبيان ذلك ان الحاصل بالتحالف فسخ الكتابة ورد العبد إلى الرق إذا لم يرض بما حلف عليه سيده وهذا يحصل عند من جعل القول قول السيد مع يمينه فلا يشرع التحالف مع عدم فائدته
وانما قدمنا قول المنكر في سائر المواضع لان الاصل معه والاصل ههنا مع السيد لان الاصل ملكه للعبد وكسبه.
إذا ثبت هذا فمتى حلف السيد ثبتت الكتابة بالفين كما لو اتفقا عليها وسواء كان اختلافهما قبل العتق أو بعده مثل ان يدفع إليه الفين فيعتق ثم يدعي المكاتب ان احدهما عن الكتابة والاخر وديعة ويقول السيد بل هي جميعا مال الكتابة ومن قال بالتحالف قال إذا تحالفا فلكل واحد منهما فسخ الكتابة الا ان يرضى بقول صاحبه وان كان التحالف بعد العتق في مثل الصورة التي ذكرناها لم ترتفع الحرية لانها لا يمكن رفعها بعد حصولها ولا اعادة الرق بعد رفعه ولكن يرجع السيد بقيمة ويرد إليه ما أدى إليه فان كانا من جنسن واحد تقاصا بقدر أقلهما وأخذ ذو الفضل فضله (مسألة) (وان اختلفا في وفاء مالها فقال العبد اديت وعتقت وأنكر السيد فالقول قول السيد مع يمينه) لانه منكر والقول قول المنكر وان اختلفا في ابرائه من مال الكتابة أو شئ منه فالقول قول السيد مع يمينه لذلك
(فصل) إذا كاتب عبدين واستوفى من احدهما ولم يدر أيهما استوفى فقياس المذهب ان يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق ورق الآخر كما لو اعتق عبدا من عبيده وأنسيه وان ادعى الآخر عليه أنه ادى فعليه اليمين أنه ما أدى فان نكل عتق الآخر وان مات السيد قبل القرعة أقرع الورثة فان ادعى الآخر عليهم أنه المؤدي فعليهم اليمين أنهم لا يعلمون انه أدى لانها يمين على نفي فعل الغير
فان أقام احد العبدين بينة أنه أدى عتق سواء كان قبل القرعة أو بعدها في حياة سيده أو بعد موته وإن كان ذلك قبل القرعة تعينت الحرية فيه ورق الآخر فان كان بعدها فكذلك لان القرعة ليست عتقا وإنما هي معينة للعتق والبينة أقوى منها فيثبت بها خطأ القرعة فيتبين بقاء الرق في الذي ظننا حريته كما تبينا حرية من ظننا رقه ولان من لم يؤد لا يصير مؤديا بوقوع القرعة له فلا يوجد حكمه الذي هو العتق ويتخرج على قول ابي بكر وابن حامد ان يعتقا على ما نذكر في الطلاق، وكذلك الحكم فيما إذا ذكر السيد المؤدي منهما ومتى ادعى الآخر انه أدى فله اليمين على المدعى عليه من
السيد والورثة الا ان السيد يحلف على البت، وأما الورثة فان ادعى أنه دفع إلى موروثهم حلفوا على نفي العلم وإن ادعى أنه دفع إليهم حلفوا على البت وعلى كل واحد من الورثة يمين لان كل واحد منهم مدعى عليه فلزمته اليمين كما لو انفرد بالدعوى (فصل) إذا كان للمكاتب أولاد من معتقة غير سيده فقال سيده قد أدى الي وعتق فانجر ولاء ولده الي فأنكر ذلك مولى امهم وكان المكاتب حيا صار حرا بهذا القول لانه اقرار من سيده بعتقه وينجر ولاء ولده إليه وإن كان ميتا فالقول قول مولى أمهم لان الاصل بقاء الرق وبقاء ولائهم له فيحلف ويبقى ولاؤهم له (مسألة) (وإن اقام العبد شاهدا وحلف معه أو شاهد وامرأتين ثبت الاداء وعتق وهذا قول الشافعي) لان النزاع بينهما في اداء المال والمال يقبل فيه الشاهد واليمين والرجل والمرأتان فان قيل القصد من هذه الشهادة العتق وهو لا يثبت بشاهد ويمين قلنا بل يثبت بشاهد
ويمين في رواية، وان سلمنا ان الشهادة لا تثبت لكن الشهادة ههنا باداء المال والعتق يحصل عند أدائه بالعقد الاول ولم يشهد الشاهد به ولا بينهما فيه نزاع ولا يمتنع أن يثبت بشهادة الواحد ما يترتب عليه أمر لا يثبت الا بشاهدين كما ان الولادة تثبت بشهادة النساء ويترتب عليها ثبوت النسب الذي لا يثبت بشهادة النساء ولا بشاهد واحد
(فصل) فان لم يكن للعبد شاهد وأنكر السيد فالقول قوله فان قال لي شاهد غائب انظر ثلاثا فان جاء وإلا حلف السيد ثم متى جاء شاهده وأدى الشهادة ثبتت حريته وان جرح شاهده فقال لي شاهد آخر أنظر ثلاثا لما ذكرناه (فصل) وإن أقر السيد بقبض مال الكتابة عتق العبد إذا كان ممن يصح اقراره وإن أقر بذلك في مرض موته قبل لانه اقرار لغير وارث فيقبل وإن قال استوفيت كتابتي كلها عتق العبد وإن قال استوفيتها كلها إن شاء الله أو ان شاء زيد عتق ولم يؤثر الاستثناء لان هذا الاستثناء لا
مدخل له في الاقرار قال احمد في رواية أبي طالب إذا قال له الف إن شاء الله كان مقرا بها ولان هذا الاستثناء تعليق بشرط والذي يتعلق بالشرط انما هو المستقبل، وأما الماضي فلا يمكن تعليقه لانه قد وقع على صفة لا يتغير عنها بالشرط وانما يدل الشرط على الشك فيه فكأنه قال استوفيت كتابتي وانا اشك فيه فيلغو الشك ويثبت الاقرار وان قال استوفيت آخر كتابتي وقال انما أردت أني استوفيت النجم الآخر دون ما قبله وادعى العبد اقراره باستيفاء الكل فالقول قول السيد لانه أعرف بمراده والله أعلم (فصل) قال رضي الله عنه (والكتابة الفاسدة مثل أن يكاتبه على خمر أو خنزير تغلب فيها حكم الصفة في أنه إذا أدى عتق ولا يعتق بالابراء) إذا كاتبه كتابة فاسدة على عوض مجهول أو حال أو محرم كالخمر والخنزير فقد روي عن أحمد رحمه الله ما يدل عليه ان الكتابة على العرض المحرم باطلة لا يعتق بالاداء فيها اختاره أبو بكر فانه
روي عن احمد أنه قال: إذا كاتبه كتابة فاسدة فأدى ما كوتب عليه عتق ما لم تكن الكتابة محرمة فحكم بالعتق بالاداء الا في المحرمة واختار القاضي انه يعتق بالاداء كسائر الكتابات الفاسدة ويمكن حمل كلام القاضي على ما إذا جعل السيد الاداء شرطا للعتق فقال إذا اديت لي فأنت حر فأدى فانه يعتق بالصفة المجردة لا بالكتابة ويثبت في هذه الكتابة حكم الصفة في العتق بوجودها لا حكم الكتابة فأما ان شرط في
في الكتابة شرطا فاسدا فالمنصوص أنه لا يفسدها لكن يلغو الشرط وتصح الكتابة ويتخرج ان يفسدها بناء على الشروط الفاسدة في البيع وهو مذهب الشافعي وقد ذكرناه فاما الكتابة الفاسدة التي لا تكون عوضا محرما فانها تساوي الصحيحة في أربعة أحكام (أحدها) أنه يعتق ما كوتب عليه سوا صرح بالصفة بان يقول إذا اديت الي فانت حر أو لم يقل لان معنى الكتابة يقتضي هذا فيصير كالمصرح به فيعتق بوجوده كالصحيحة (الثاني) إذا اعتقه بالاداء لم تلزمه قيمة نفسه ولم يرجع على سيده بما أعطاه ذكره أبو بكر وهو
ظاهرا كلام أحمد وقال الشافعي يتراجعان فيجب على العبد قيمته وعلى السيد ما أخذه فيتقاصان بقدر اقلهما ان كانا من جنس واحد ويأخذ ذو الفضل فضله لانه عقد معاوضة فاسد فوجب التراجع فيه كالبيع الفاسد ولنا أنه عقد كتابة حصل العتق فيه بالاداء فلم يجب التراجع كما لو كان العقد صحيحا ولان ما يأخذه السيد فهو من كسب عبده الذي يملك كسبه فلم يجب رده والعبد عتق بالصفة فلم تجب عليه قيمته كما لو قال ان دخلت الدار فانت حر وأما البيع الفاسد فانه ان كان بين هذا وسيده فلا رجوع على السيد بما أخذه وان كان بينه وبين غيره فانه أخذ مالا يستحقه ودفع إلى الآخر ما لا يستحقه بعقد المقصود منه المعاوضة بخلاف هذا في مسئلتنا (الثالث) ان المكاتب يملك التصرف في كسبه لان عقد الكتابة تضمن الاذن في ذلك وله أخذ الصدقات والزكوات لانه مكاتب يعتق بالاداء اشبه الكتابة الصحيحة (الرابع) أنه إذا كاتب جماعة كتابة فاسدة فادى أحدهم حصتهم عتق على قول من قال إنه يعتق
بالكتابة الصحيحة باداء حصته لان معنى العقد ان كل واحد منهم مكاتب بقدر حصته متى أدى الي كل واحد منكم قدر حصته فهو حر ومن قال لا يعتق في الصحيحة الا ان يؤدي جميعهم فههنا أولى (فصل) وتفارق الصحيحة في ثلاثة أحكام (أحدها) ان السيد إذا أبرأه من المال لم تصح البراءة ولم يعتق بذلك لان المال غير ثابت في العقد بخلاف الكتابة الصحيحة وصار هذا كالصفة المجردة
في قوله إذا اديت الي الفا فانت حر (الثاني) ان لكل واحد من السيد والمكاتب فسخها سواء كان ثم صفة أو لم تكن وهذا قول أصحاب الشافعي لان الفاسد لا يلزم حكمه والصفة ههنا مبنية على المعاوضة وتابعة لها لان المعاوضة هي المقصودة فلما أبطل المعاوضة التي هي الاصل بطلت الصفة المبنية عليها بخلاف الصفة المجردة ولان السيد لم يرض بهذه الصفة الا بان يسلم له العوض المسمى فإذا لم يسلم كان له إبطالها بخلاف الصحيحة فان العوض سلم له فكان العقد لازما له
(الثالث) أنه لا يلزم السيد ان يؤدي إليه شيئا من الكتابة لان العتق ههنا بالصفة المجردة فاشبه ما لو قال إذا اديت الي الفا فانت حر (مسألة) (وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر للسفه) اختلف في انفساخها بموت السيد فذهب القاضي وأصحابه إلى بطلانها به وهو قول الشافعي لانه عقد جائز من الطرفين لا يئول إلى اللزوم فبطل بالموت كالوكالة ولان المغلب فيها حكم الصفة المجردة والصفة تبطل بالموت كذلك هذه الكتابة وقال أبو بكر لا تبطل بالموت ويعتق بالاداء إلى الوارث وهو قول أبى حنيفة لانه مكاتب يعتق بالاداء إلى السيد فيعتق بالاداء إلى الوارث كالكتابة الصحيحة في باب العتق بالاداء فكذلك في هذا واختلف في انفساخها بجنون السيد والحجر عليه والخلاف فيه كالخلاف في بطلانها بموته قال شيخنا والاولى أنها لا تبطل ههنا الا بالصفة المجردة لا بذلك والمغلب في هذه الكتابة حكم الصفة المجردة فلا تبطل به فعلى هذا لو أدي إلى سيده
بعد ذلك عتق ولا يعتق عند من أبطالها (فصل) ويملك السيد أخذ ما في يده وان فضل من الاداء فضل فهو لسيده هذا قول أبي الخطاب لان كسب العبد لسيده بحكم الاصل والعقد ههنا فاسد لم يثبت الحكم في وجوب العوض في ذمته فلم ينقل الملك في المعوض كسائر العقود الفاسدة ولان المغلب فيها حكم الصفة المجردة وهي
لا تثبت له في كسبه فكذا ههنا وفارق الكتابة الصحيحة فانها اثبتت الكتابة في العوض فاثبتته في المعوض وقال القاضي ما في يد المكاتب وما يكسبه وما يفضل في يده بعد الاداء وهو مذهب
الشافعي لانها كتابة يعتق بالاداء فيها فيثبت هذا الحكم فيها كالصحيحة والاول اصح لما بين الفاسدة والصحيحة من الفروق (مسألة) (وهل يتبع المكاتبة ولدها فيها؟ على وجهين)
(أحدها) يتبعها لانها كتابة تعتق فيها بالاداء فيعتق ولدها به كالكتابة الصحيحة (والثاني) لا يتبعها وهو اقيس وأصح لان الاصل بقاء الرق فيه فلا يزول الا بنص أو معنى نص وما وجد واحد منهما ولا يصح القياس على الكتابة الصحيحة لما ذكرنا من الفرق بينهما فيما تقدم فيبقى على الاصل (مسألة) (وقال أبو بكر لا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه للسفه) وقد ذكرناه
(باب أحكام أمهات الاولاد) أم الولد هي التي ولدت من سيدها في ملكه ولا خلاف في اباحة التسري ووطئ الاماء لقول الله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين) وقد كانت مارية القبطية أم ولد للنبي صلى الله عليه وسلم وهي أم ابراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم (اعتقها ولدها) وكانت هاجر سرية ابراهيم عليه الصلاة والسلام ام اسماعيل عليه السلام وكان لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه أمهات اولاد أوصى لكل واحدة منهن باربعمائة وكان لعلي رضي الله عنه أمهات أولاد ولكثير من الصحابة وكان علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله من أمهات أولاد ويروى ان الناس لم يكونوا يرغبون في أمهات الاود حتى ولد هؤلاء الثلاثة فرغب الناس فيهن وروي عن سالم بن عبد الله قال كان لابن رواحة جارية وكان يريد الخلوة بها وكانت امرأته ترصده فخلا البيت فوقع عليها فندرت به امرأته وقالت افعلتها؟ قال ما فعلت قالت فاقرا إذا فقال
شهدت بان وعد الله حق * وان النار مثوى الظالمينا وان العرش فوق الماء طاف * وفوق العرش رب العالمينا ويحمله ملائكة شداد * ملائكة الآله مسومينا
قالت أما إذا أقرأت فاذهب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره قال فلقد رأيته يضحك حتى تبدو نواجذه ويقول (هيه كيف قلت؟) فأكرره عليه فيضحك (مسألة) (إذا حملت الامة من سيدها فوضعت ما يتبين فيه خلق الانسان صارت له بذلك ام ولد فإذا مات عتقت وان لم يملك غيرها) ذكر ههنا لمصير الامة ام ولد شرطين (احدهما) ان تحمل به في ملكه سواء كان من وطئ مباح أو محرم كالوطئ في الحيض والنفاس والاحرام والظهار فاما ان علقت منه في غير ملكه لم تصر بذلك ام ولد سواء علقت منه بمملوك مثل ان يطأها في ملك غيره بنكاح أو زنا أو علقت بحر مثل أن يطأها بشبهة أو غر من امة فنزوجها على انها حرة فاستولدها أو اشترى جارية فاستولدها ثم ظهرت مستحقة فان الولد حر ولا تصير الامة ام ولد في هذه المواضع بحال فان ملكها بعد ذلك ففيه اختلاف نذكره ان شاء الله تعالى (الشرط الثاني) ان تضع ما يتبين فيه شئ من خلق الانسان من رأس أو يد أو رجل أو تخطيط سواء وضعته حيا أو ميتا وسواء أسقطته أو كان تاما قال عمر رضي الله عنه إذا ولدت الامة من سيدها فقد عتقت وان كان سقطا وروى الاثرم باسناده عن ابن عمر انه قال اعتقها ولدها وان كان سقطا وقال الاثرم قلت لابي عبد الله ام الولد إذا اسقطت لا تعتق فقال إذا تبين فيه يد أو
رجل أو شئ أو خلقة فقد عتقت هذا قول الحسن والشافعي وقال الشعبي إذا نكس في الخلق الرابع فكان مخلقا انقضت به عد الحرة وعتقت به الامة قال شيخنا ولا اعلم في هذا خلافا بين من قال بثبوت حكم الاستيلاد، فاما ان القت نطفة أو علقة لم يثبت به شئ من احكام الولادة لانه ليس بولد وروى يوسف بن موسى ان ابا عبد الله قيل له ما تقول في الامة إذا ألقت مضغة أو علقة؟ قال تعتق
وهذا قول ابراهيم النخعي وذكر الخرقي لمصيرها أم ولد شرطا ثالثا وهو ان تحمل بحر ويتصور ذلك في الملك في موضعين (أحدهما) في العبد إذا ملكه سيده وقلنا إنه يملك فوطئ أمته فاستولدها فولده مملوك ولا تصير الامة به أم ولد يثبت لها حكم الاستيلاد بذلك وسواء اذن له سيده في التسري بها أو لم يأذن (الثاني) إذا استولد المكاتب أمته فان ولد مملوك له ولا يثبت للامة أحكام أم الولد في العتق بموته في الحال لان المكاتب ليس بحر وكذلك ولده منها فاولى ان لا تتحرر هي ومتى عجز المكاتب وعاد إلى الرق أو مات قبل أداء كتابته فهي أمة قن كالعبد القن وهل يملك المكاتب بيعها؟ فيه اختلاف ذكرناه في باب المكاتب
(مسألة) (وتعتق بموت سيدها من رأس المال وان لم يملك سواها) وهذا قول كل من رأى عتقهن لا نعلم بينهم خلافا في ذلك وسواء ولدت في الصحة أو المرض لانه حاصل بالنذاذه وشهوته وما يتلفه في لذاته يستوي فيه حال الصحة والمرض كالذي يأكله ويلبسه ولان عتقها بعد الموت وما يكون بعد الموت يستوي فيه المرض والصحة كقضاء الدين والتدبير والوصية قال سعيد ثنا عن يحيى بن سعيد عن نافع قال أدرك ابن عمر رجلان فقالا انا تركنا هذا الرجل يبيع أمهات الاولاد يعنيان ابن الزبير فقال ابن عمر اتعرفان أبا حفص؟ فانه قضى في أمهات الاولاد ان لا يبعن ولا يوهبن يستمتع بها صاحبها فإذا مات فهي حرة وقال ثنا عتاب عن حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال قال عمر ما من رجل كان يقر بانه كان يطأ جاريته يموت الا اعتقتها وان كان سقطا وروى ابن ماجة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ايما امة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه) (فصل) وإذا عتقت بموت سيدها فما كان في يدها من شئ فهو لورثة سيدها لان ام الولد أمة وكسبها لسيدها وسائر ما في يدها له فإذا مات سيدها فعتقت انتقل ما في يدها إلى ورثته كسائر
ماله وكما في يد المدبرة بخلاف المكاتبة فان كسبها في حياة سيدها لها فإذا عتقت بقي لها كما
كان لها قبل العتق (فصل) ولا فرق بين المسلمة والكافرة والعفيفة والفاجرة ولا بين المسلم والكافر والعفيف والفاجر في هذا في قول أهل الفتاوى من أهل الامصار لان ما يتعلق به العتق يستوي فيه المسلم والكافر كالتدبير والكتابة ولان عتقها بسبب اختلاط دمها بدمه ولحمها بلحمه فإذا استويا في حكمه وقد روى سعيد ثنا هشيم ثنا منصور عن ابن سيرين عن أبي عطية الهمداني عن عمر بن الخطاب قال في أم الولد: ان اسلمت وأحصنت وعفت اعتقت وان كفرت وفجرت وغدرت رقت وقال هشيم حدثنا يحيى بن آدم عن أم ولد رجل ارتدت عن الاسلام فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فكتب عمران بيعوها ليسبيها أحد من أهل دينها فعلى هذا الحديث ينبغي ان يختص العتق بالمسلمة العفيفة وترق الكافرة الفاجرة والله أعلم (مسألة) (وان وضعت جسما لا تخطيط فيه فعلى روايتين) أما إذا وضعت مضغة لم يظهر فيها شئ من خلق الآدمي فشهد ثقات من القوابل ان فيها صورة خفية تعلقت بها الاحكام لانهن اطلعن على الصورة التي خفيت على غيرهن وان لم يشهدن
بذلك لكن علم أنه مبتدأ خلق آدمي بشهادتهن أو غير ذلك ففيه روايتان (إحداهما) لا تصير به الامة أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة ولا يجب على الضارب المتلف له غرة ولا كفارة وهذا ظاهر كلام الخرقي والشافعي وظاهر ما نقله الاثرم عن أحمد وظاهر قول الحسن والشعبي وسائر من اشترط ان يتبين فيه شئ من خلق الآدمي (والثانية) تتعلق به الاحكام الاربعة لانه مبتدأ خلق آدمي أشبه إذا تبين وخرج أبو عبد الله ابن حامد رواية ثالثة وهي ان الامة تصير ام ولد ولا تنقضي به عدة الحرة لانه روي عن أحمد إذا وضعت شيئا فمسته القوابل فعلمن أنه لحم ولم يتبين لحمه فيحتاط في العدة باخرى ويحتاط بعتق الامة فظاهر هذا أنه حكم بعتق الامة ولم يحكم بانقضاء العدة لان عتق الامة تحصيل للحرية فاحتيط بتحصيلها والعدة يتعلق بها تحريم التزويج وحرمة الفرج فاحتيط بابقائها وقال بعض الشافعيا بالعكس لا تجب
العدة ولا تصير الامة ام ولد لان الاصل عدم كل واحد منهما فيبقى على أصله ولا يصح لان العدة كانت ثابتة والاصل بقاؤها على ما كانت عليه والاصل في الآدمي الحرية فتغلب على ما يفضي إليها (مسألة) (وان اصابها في ملك غيره بنكاح أو غيره ثم ملكها حاملا عتق الجنين ولم تصر أم ولد له وعنه تصير)
وسواء ملكها حاملا فولدت في ملكه أو ملكها بعد ولادتها وبه قال الشافعي لانها علقت منه بمملوك فلم يثبت لها حكم الاستيلاد كما لو زنى بها ثم اشتراها لان الاصل بقاء الرق وانما خولف هذا الاصل فيما إذا حملت منه في ملكه بقول الصحابة رضي الله عنهم ففيما عداه يبقى على الاصل ونقل ابن أبي موسى عن أحمد أنها تصير ام ولد في الحالين وهو قول الحسن وأبي حنيفة لانها أم ولده وهو مالك لها فيثبت لها حكم الاستيلاد كما لو حملت في ملكه قال شيخنا ولم أجد هذه الرواية عن أحمد فيما إذا ملكها بعد ولادتها انما نقل عنه التوقف عنها في رواية مهنا فقال لا اقول فيها شيئا وصرح في رواية سواه بجواز بيعها فقال لا أرى بأسا ان يبيعها انما الحسن وحده قال إنها أم ولد وقال أكثر ما سمعنا فيه من التابعين يقولون انها لا تصير أم ولد حتى تلد عنده وهو يملكها، كان عبيدة السلماني يقول ببيعها وشريح وابراهيم والشعبي اما إذا ملكها حاملا فظاهر كلام أحمد أنها تصير ام ولد وهو مذهب مالك لانها ولدت منه في ملكه فاشبه ما لو أحبلها في ملكه وقد صرح أحمد في رواية اسحاق بن منصور أنها لا تكون ام ولد حتى تحدث عنده حملا وروى عنه ابنه صالح قال سألت أبي عن الرجل ينكح الامة فتلد منه ثم يبتاعها قال لا تكون ام ولد له قلت فان اشتراها وهي حامل منه قال إذا كان الوطئ يزيد في الولد وكان يطؤها بعد ما اشتراها وهي حامل كانت ام ولد له قال ابن حامد ان وطئها في ابتداء حملها أو بواسطة صارت له بذلك ام
ولد لان الماء يزيد في سمع الولد وبصره وقال القاضي ان ملكها حاملا فلم يطأها حتى وضعت لم تصر ام ولد وان وطئها حال حملها نظرنا فان كان بعد ان كمل الولد وصار له خمسة اشهر لم تصر بذلك ام ولد وان وطئها قبل ذلك صارت له بذلك ام ولد لان عمر قال ابعد ما اختلطت دماؤكم
ودماؤهن ولحومكم ولحومهن بعتموهن؟ فعلل بالمخالطة والمخالطة ههنا حاصلة لان الماء يزيد في الولد ولان لحرية البعض اثرا في تحرير الجميع بدليل ما لو اعتق احد الشريكين نصيبه من العبد وقال ابو الخطاب ان وطئها بعد الشراء فهي ام ولد وكلام الخرقي يقتضي ان لا تكون ام ولد الا ان تحبل منه في ملكه وهو الذي رواه اسحاق بن منصور عن احمد وهو ظاهر المذهب لانها لم تعلق منه بحر فلم يثبت له حكم لاستيلاد كما لو زنى بها ثم اشتراها ولان حملها منه إذا لم يفد الحرية لولدها فلان لا يفيدها الحرية اولى ويفارق هذا ما إذا حملت منه في ملكه فان الولد حر فتحرر بتحريره وما ذكروه من ان الولد يزيد فيه الوطئ غير مستيقن فلا يثبت الحكم بالشك ولو ثبت انه زاد لم يثبت الحكم بهذه الزيادة بدليل ما لو ملكها وهي حامل منه من زنا أو غيره فوطئها لم تصر أم ولد وان زاد الولد به ولان حكم الاستيلاد انما ثبت بالاجماع
في حق من حملت منه في ملكه وما عداه ليس في معناه وليس فيه نص ولا إجماع فوجب ان لا يثبت هذا الحكم ولان الاصل الرق فتبقى على ما كانت عليه (فصل) قال أحمد فيمن اشترى جارية حاملا من غيره فوطئها قبل وضعها فان الولد لا يلحق بالمشتري ولا يبيعه لكن يعتقه لانه قد شرك فيه لان الماء يزيد في الولد، وقد روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بامرأة مجح على باب فسطاط فقال (لعله يريد أن يلم بها؟) قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد هممت ان ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له؟ أم كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟) رواه أبو داود يعني أنه لو استلحقه وشركه في ميراثه لم يحل له لانه ليس بولده فان اتخذه مملوكا يستخدمه لم يحل له لانه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد.
(فصل) إذا وطئ الرجل جارية ولده فان كان قد تملكها وقبضها ولم يكن الولد وطئها ولا تعلقت بها حاجته فقد ملكها الاب بذلك وصارت جاريته والحكم فيه كما لو اشتراها وان وطئها قبل تملكها فقد فعل محرما لقول الله تعالى (والذين هو لفروجهم حافظون * الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون) وهذه ليست زوجته ولا ملك يمينه فان قيل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لابيك) فأضاف مال الابن إلى أبيه بلام الملك والاستحقاق فيدل
على أنه ملكه قلنا لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الملك بدليل أنه اضاف إليه الولد وليس بمملوك وأضاف
إليه ماله في حال اضافته إلى الولد ولا يكون الشئ ملكا لمالكين حقيقة بدليل انه يحل له وطئ إمائه والتصرف في ماله وصحة بيعه وهبته وعتقه ولان الولد لو مات لم يرث ابوه منه الا ما قدر له ولو كان ماله لاختص به ولو مات الاب لم يرث ورثته مال ابنه ولا يجب على الاب حج ولا زكاة ولا جهاد بيسار ابنه فعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم انما أراد التجوز بتشبيهه بما له في بعض أحكامه.
إذا ثبت هذا فانه لاحد على الاب للشبهة لانه إذا لم يثبت له حقيقة الملك فلا أقل من أن يكون شبهة تدرأ الحد فان الحد يدرأ بالشبهات ولكن يعزر لانه وطئ وطئها محرما فأشبه وطئ الجارية المشتركة وفيه وجه آخر أنه لا يعزر لان مال ولده كماله ولا يصح لان ماله مباح له غير ملوم عليه بخلاف وطئ الاب فانه عاد فيه ملوم عليه فان علقت منه فالولد حر لانه من وطئ درئ فيه الحد لشبهة الملك فكان حرا كولد الجارية المشتركة ولا يلزمه قيمته لان الجارية تصير ملكا له بالوطئ فيحصل علوقها بالولد وهي ملكه وتصير ام ولد له تعتق بموته وتنتقل إلى ملكه فيحل له وطؤها بعد ذلك وبهذا قال ابو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر لا تصير ام ولد له ولا يملكها لانه استولدها في غير ملكه فأشبه الاجنبي ولان ثبوت احكام الاستيلاد انما كان بالاجماع فيما إذا استولد مملوكته وهذه ليست مملوكته ولا في معنى مملوكته لانها محرمة عليه فوجب ان لا يثبت لها هذا الحكم لان
الاصل الرق فتبقى على الاصل ولان الوطئ المحرم لا ينبغي أن يكون سببا للملك الذي هو نعمة وكرامة لانه يفضي إلى تعاطي المحرمات.
ولنا أنها علقت منه بحر لاجل الملك فصارت أم ولد له كالجارية المشتركة وبهذا فارق وطأ الاجنبي.
إذا ثبت هذا فانه لا يلزمه مهرها ولا قيمتها، وقال أبو حنيفة لا يلزمه مهرها وتلزمه قيمتها لانه أخرجها عن ملك سيدها بفعل محرم أشبه ما لو قتلها وانما لم يلزمه مهرها لانه إذا ضمنها فقد دخلت قيمة البضع في ضمانها فلم يضمنه ثانيا كما لو قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها فانه يضمن قيمة النفس
دون قيمة اليد، وقال الشافعي يلزمه مهرها لانه وطئ جارية غيره وطئا محرما فلزمه مهرها كالاجنبي وتلزمه قيمتها على القول بكونها أم ولد كما يلزم أحد الشريكين نصيب شريكه إذا استولد الجارية المشتركة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لابيك) ولانه لا يلزمه قيمة ولدها فلم يلزمه مهرها ولا قيمتها كمملوكته ولانه وطئ صارت به الموطوءة أم ولد لامر لا يختص ببعضها فاشبه استيلاد مملوكته (فصل) فان كان الابن قد وطأ جاريته ثم وطئها أبوه فأولدها فقد روي عن احمد فيمن وقع على جارية ابنه ان كان الاب قابضا لها ولم يكن الابن وطئها فهي أم ولده فليس للابن فيها شئ قال القاضي: فظاهر هذا أن الابن ان كان قد وطئها لم تصر أم ولد للاب باستيلادها لانها تحرم عليه تحريما مؤبدا بوطئ ابنه ولا تحل له بحال فأشبه وطئ الاجنبي فعلى هذا القول لا يملكها
ولا تعتق بموته فاما ولدها فيعتق على أخيه لانه ذو رحمه كما لو استولد مملوكته التي وطئها ابنه فانها تصير أم ولد له مع تحريمها عليه على التأبيد فكذلك ههنا لانه وطئ يدرأ فيه الحد لشبهة الملك فصارت به أم ولد كما لو لم يطأها الابن (فصل) فان وطئ الابن جارية ابيه فهو زان عليه الحد إذا كان عالما بالتحريم ولا تصير أم ولد له ويلزمه مهرها ويعتق ولده على جده لانه ابن ابنه إذا قلنا انه ولد الزنا يعتق على ابيه وتحرم الجارية على الاب على التأبيد ولا تجب قيمتها على الابن لانه لم يخرجها عن ملك ابيه ولم يمنعه بيعها ولا التصرف فيها بغير الاستمتاع فان استولدها الاب بعد ذلك فقد فعل محرم ولا حد عليه لانه وطئ صادف ملكا وتصير أم ولد له لانه استولد مملوكته فاشبه ما لو وطئ امته المرهونة (فصل) فان وطئ أمته وهي مزوجة فقد فعل محرما ولا حد عليه لانها مملوكته ويعزر قال احمه يجلد ولا برجم يعني انه يعزر بالجلد لانه لو وجب عليه الحد لوجب الرجم إذا كان محصنا فان أولدها صارت أم ولد له لانه استولد مملوكته وتعتق بموته وولده حر وما ولدت بعد ذلك من الزوج فحكمه حكم أمه.
(فصل) ولو ملك رجل امه من الرضاع أو اخته أو ابنته لم يحل له وطؤها فان وطئها فلا حد عليه في اصح الروايتين لانها مملوكته ويعزر وان ولدت منه فالولد حر ونسبه لاحق به وهي ام ولده ولذلك لو ملك امة مجوسية أو وثنية فاستولدها أو ملك الكافر امة مسلمة فاستولدها فلا حد عليه ويعزر ويلحقه نسب ولده وتصير ام ولد تعتق بموته لما ذكرنا وكذلك لو وطئ امته المرهونة أو وطئ رب المال امة من مال المضاربة فأولدها صارت له بذلك ام ولد وخرجت من الرهن والمضاربة وان كان فيها ربح جعل الربح في مال المضاربة وعليه قيمتها للمرتهن تجعل مكانها رهنا أو يوفيه عن دين الرهن والله اعلم (مسألة) واحكام ام الولد احكام الامة في الاجارة والاستخدام والوط وسائر امورها الا فيما ينقل الملك في رقبتها كالبيع والهبة والوقف أو ما يراد له كالرهن وعنه ما يدل على جواز بيعها مع الكراهة ولا عمل عليه) وجملة ذلك ان الامة إذا حملت من سيدها وولدت منه ثبت لها حكم الاستيلاد وحكمها حكم الاماء في حل وطئها لسيدها واستخدامها وملك كسبها وتزويجها واجارتها وعتقها وتكليفها وحدها
وعورتها، وهذا قول اكثر اهل العلم وحكي عن مالك انه لا يملك اجارتها وتزويجها لانه لا يملك بيعها فلا يملك تزويجها واجارتها كالحرة ولنا انها مملوكة ينتفع بها فيملك سيدها تزويجها واجارتها كالحرة وانما منع بيعها لانها استحقت ان تعتق بموته وبيعها يمنع ذلك بخلاف التزويج والاجارة ويبطل دليلهم بالموقوفة والمدبرة عند من منع بيعها.
إذا ثبت هذا فانها تخالف الامة القن في انها تعتق بموت سيدها من رأس المال ولا يجوز بيعها ولا التصرف فيها بما ينقل الملك من الهبة والوقف ولا ما يراد للبيع وهو الرهن ولا تورث لانها تعتق بموت سيدها ويزول الملك عنها روي هذا عمر وعثمان وعائشة وعامة الفقهاء وروي عن علي وابن عباس وابن الزبير اباحة بيعهن واليه ذهب داود قال ثنا سعيد ثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس في أم الولد قال بعها كما تبيع ثيابك أو بعيرك قال وثنا أبو عوانة
عن مغيرة عن الشعبي عن عبيدة قال خطب علي الناس فقال شاورني عمر في أمهات الاولاد فرأيت انا وعمر ان اعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته فلما وليت رأيت ان ارقهن قال عبيدة فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب الينا من رأي علي وحده وقد روى صالح بن أحمد قال قلت لابي إلى أي
شئ تذهب في بيع أمهات الاولاد؟ قال اكرهه وقد باع على بن ابي طالب وقال في رواية اسحاق ابن منصور لا يعجبني بيعهن، قال أبو الخطاب وظاهر هذا أنه يصح بيعهن مع الكراهة فجعل هذا رواية ثانية عن احمد قال شيخنا والصحيح ان هذا ليس برواية مخالفة لقوله انهن لا يبعن لان السلف رحمة الله عليهم كانوا يطلقون الكراهة على التحريم كثيرا ومتى كان التحريم والمنع مصرحا به في سائر الروايات عنه وجب حمل هذا اللفظ المحتمل على المصرح به ولا يجعل ذلك اختلافا وحجة من أجاز بيعهن ما روى جابر قال بعنا امهات الاولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا وما كان جائزا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وابي بكر لم يجز نسخه بقول عمر ولا غيره ولان نسخ الاحكام انما يجوز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لان النص انما ينسخ بنص، وأما قول الصحابي فلا ينسخ ولا ينسخ به وان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتركون اقوالهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتركونه بأقوالهم وانما تحمل مخالفة عمر لهذا النص على أنه لم يبلغه ولو بلغه لم يعده إلى غيره ولانها مملوكة لم يعتقها سيدها ولا شيئا منها ولا قرابة بينه وبينها فلم تعتق كما لو ولدت منه ابنه في نكاح أو غيره ولان الاصل الرق ولم يرد بزواله نص ولا اجماع ولا ما في معنى ذلك فوجب البقاء عليه ولان ولادتها لو كانت موجبة لعتقها لثبت العتق بها حين وجودها كسائر اسبابه
وروي عن ابن عباس رواية اخرى انها تجعل في سهم ولدها لتعتق عليه قال سعيد ثنا سفيان ثنا الاعمش عن زيد بن وهب قال: مات رجل منا وترك أم ولد فأراد الوليد بن عقبة أن يبيعها في دينه فأتينا عبد الله بن مسعود فذكرنا ذلك له فقال ان كان ولابد فاجعلوها من نصيب أولادها ولنا ما روى عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ايما أمة ولدت من سيدها فهي
حرة عن دبر منه) وقال ابن عباس ذكرت أم ابراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أعتقها ولدها) رواهما ابن ماجه، وذكر الشريف ابو جعفر في مسائله عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع امهات الاولاد ولا يبعن ولا يرهن ولا يرثن يستمتع بها سيدها ما بداله فان مات فهي حرة قال شيخنا وهذا فيما اظن عن عمر ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولانه اجماع الصحابة رضي الله عنهم بدليل قول علي كان رأيي ورأي عمر ان لا تباع امهات الاولاد وقوله فقضي به عمر حياته وعثمان حياته وقول عبيدة رأي علي في الجماعة احب الينا من رأيه حده وروى عكرمة عن ابن عباس قال قال عمر ما من رجل يقر بأنه يطأ جارية ثم يموت الا اعتقها إذا ولدت وان كان سقطا فان قيل فكيف تصح دعوى الاجماع مع مخالفة علي وابن عباس وابن الزبير قلنا قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة فروى عبيدة قال بعث الي علي والى شريح فقال لي اقضوا كما كنتم تقضون فاني أبغض الاختلاف
وابن عباس قال: ولد أم الولد بمنزلتها وهو الراوي لحديث عتقهن عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر فيدل على موافقته لهم ثم قد ثبت الاجماع باتفاقهم قبل المخالفة واتفاقهم معصوم عن الخطأ فان الامة لا تجمع على ضلالة ولا يجوز ان يخلو من زمن عن قائم لله بحجته ولو جاز ذلك في بعض العصر لجاز في جميعه ورأي الموافق في زمن الاتفاق خير من رأيه في الخلاف بعده فيكون الاتفاق حجة على المخالف له منهم كما هو حجة على غيره فان قيل فلو كان الاتفاق في بعض العصر اجماعا حرمت مخالفته فكيف خالفه هؤلاء الائمة الذين لا تجوز نسبتهم إلى ارتكاب الحرام قلنا الاجماع ينقسم إلى مقطوع به ومظنون وهذا من المظنون فتمكن المخالفة منهم مع كونه حجة كما وقع منهم مخالفة النصوص الظنية ولم تخرج مخالفتهم عن كونها حجة كذا ههنا فأما قول جابر بعنا امهات الاولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر فليس فيه تصريح بأنه كان بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا علم ابي بكر فيكون ذلك واقعا منهم على انفرادهم فلا تكون فيه حجة ويتعين حمل الامر على هذا لانه لو كان هذا واقعا بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر واقرا عليه لم تجز مخالفته ولم يجمع الصحابة
بعدهما على مخالفتهما ولو فعلوا ذلك لم يخل من منكر عليهم ويقول كيف تخالفون فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل صاحبيه؟ وكيف تتركون سنتهما وتحرمون ما احلا ولانه لو كان ذلك واقعا بعلمهما لاحتج به علي حين رأي بيعهن واحتج به كل من وافقه على بيعهن ولم يجر شئ من هذا فوجب أن يحمل الامر على ما حملناه عليه فلا يكون فيه إذا حجة ويحتمل انهم باعوا امهات الاولاد في النكاح لا في الملك (فصل) ومن اجاز بيعهن فعلى قوله ان لم يبعها سيدها حتى مات ولم يكن له وارث إلا ولدها عتقت عليه وان كان له وارث سوى ولدها حسبت منه نصيبه فعتقت وكان له ما بقي من ميراثه وان لم يبق شئ فلا شئ له وان كانت اكثر من نصيبه عتق منها قدر نصيبه وباقيها رقيق لسائر الورثة إلا على قول من قال انه إذا ورث سهما ممن يعتق عليه سرى العتق إلى باقيه فانه يعتق ان كان موسرا وإن لم يكن لها ولد من سيدها ورثها ورثته كسائر رقيقه (مسألة) (وإن ولدت من غير سيدها فلولدها حكمها في العتق بموت سيدها سواء عتقت أو ماتت) إذا ولدت ام الولد بعد ثبوت حكم الاستيلاد لها من غير سيدها من زوج أو غيره فحكمه حكمها في أنه يعتق بموت سيدها ويجوز فيه من التصرفات ما يجوز فيها ويمتنع فيه ما يمتنع فيها قال
احمد قال عمر وبن عباس وغيرهما ولدهما بمنزلتها ولا نعلم في هذا خلافا بين القائلين بثبوت حكم الاستيلاد إلا أن عمر بن عبد العزيز قال هم عبيد فيحتمل أنه اراد انهم لا يثبت لهم حكم أمهم لان الاستيلاد يختص بها فتختص بحكمه كولد من علق عتقها بصفة ويحتمل انه أراد انهم عبيد حكمهم حكم أمهم مثل قول الجماعة لان الولد يتبع امه في الرق والحرية فيتبعها في سببه إذا كان متاكدا كولد المكاتبة والمدبرة بل ولد أم الولد اولى لان سبب العتق فيها مستقر لا سبيل إلى ابطاله بحال وإن ماتت أم الولد قبل سيدها لم يبطل حكم الاستيلاد في الولد وتعتق بموت سيدها لان السبب لم يبطل وانما لم تثبت الحرية فيها لانها لم تبق محلا وكذلك ولد المدبرة لا يبطل الحكم فيه بموت أمه وأما ولد المكاتبة إذا ماتت فانه يعود رقيقا بموتها فلم يبق حكمه فيه وفي ذلك اختلاف ذكرناه في بابه فان أعتق السيد أم الولد أو المدبرة لم يعتق ولدها لانها عتقت بغير السبب الذي تبعها
فيه ويبقى عتقه موقوفا على موت سيده وكذلك ان اعتق ولدهما لم يعتقا بعتقه وان أعتق المكاتبة
فقد قال أحمد وسفيان واسحاق المكاتبة إذا أدت أو أعتقت عتق ولدها وأم الولد والمدبرة إذا أعتقت لم يعتق ولدها حتى يموت السيد فظاهر هذا أن ولد المكاتبة إذا أعتقها سيدها أنه يتبعها في العتق لانه في حكم مالها تستحق كسبه فيتبعها في العتق كمالها ولان اعتاقها منع أداءها بسبب من السيد فأشبه ما لو أبرأها من مال الكتابة (فصل) فاما ولد ام الولد قبل استيلادها وولد المدبرة قبل تدبيرها وولد المكاتبة قبل كتابتها فلا يتبعها لوجوده قبل انعقاد السبب فيها وزوال حكم التبعية عنه قبل تحقق السبب في امه ولهذا لا يتبعها في العتق المنجز ففي السبب أولى وذكر أبو الخطاب في ولد المدبرة قبل التدبير روايتين فيخرج ههنا مثله وهذا بعيد لان الولد المنفصل لا يتبعها في عتق ولا بيع ولا هبة ولا في شئ من الاحكام سوى الاسلام بشرط كونه صغيرا فيكف يتبع في التدبير؟ ولانه لا نص فيه ولا قياس يقتضيه فيبقى بحاله (مسألة) (وان مات سيدها وهي حامل فهل تستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين) هذا يشبه ما إذا مات عن امرأة حامل هل تستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين ومبنى الخلاف على الخلاف في نفقة الحامل هل هي للحمل أو للحامل؟ فان قلنا هي للحمل فلا نفقة لها ولا للامة الحامل لان الحمل
له نصيب في الميراث فتجب نفقته في نصيبه لا في انصباء شركائه، وان قلنا للحامل فالنفقة على الزوج والسيد لانهما شغلاها بحملها فكان عوض ذلك عليهما كما لو استأجرا دارا كانت اجرتها عليهما (مسألة) (وإذا جنت ام الولد فداها سيدها بقيمتها أو دونها وعنه يفديها بارش الجناية كله) إذا جنت أم الولد تعلق أرش جنايتها برقبتها وعلى السيد ان يفديها باقل الامرين من قيمتها أو دونها وبهذا قال الشافعي وحكى أبو بكر عبد العزيز قولا آخر انه يفديها بارش جنايتها بالغة ما بلغت لانه لم يسلمها في الجناية فلزمه أرش جنايتها بالغة ما بلغت كالقن وقال أبو ثور وأهل الظاهر ليس عليه فدؤاها وجنايتها في ذمتها تتبع بها إذا عتقت لانه لا يملك بيعها فلم يكن عليه فداؤها كالحرة
ولنا أنها مملوكة له يملك كسبها لم يسلمها فلزمه أرش جنايتها كالقن ولا تلزمه زيادة على قيمتها لانه لم يمتنع من تسليمها وانما الشرع منع ذلك لكونها لم تبق محلا للبيع ولا لنقل الملك فيها وأما القن إذا لم يسلمها فلنا فيه منع وان سلم فلان القن أمكن ان يسلمها للبيع فربما زاد فيها راغب أكثر
من قيمتها فإذا امتنع مالكها من تسليمها أوجبنا عليه الارش بكماله بخلاف ام الولد فان ذلك لا يحتمل فيها لانه لا يجوز بيعها فلم يكن عليه أكثر من قيمتها (فصل) فان ماتت قبل فدائها فلا شئ على سيدها لانه لم يتعلق بذمته شئ وانما تعلق برقبتها فإذا ماتت سقط الحق لتلف متعلقه وان نقصت قيمتها قبل فدائها وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء لانها لو تلفت جميعها لسقط الفداء فيجب ان يسقط بعضه بتلف بعضها وان زادت قيمتها زاد فداؤها لان متعلق الحق زاد فزاد الفداء بزيادته كالقن وينبغي ان تجب قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد لان ذلك ينقصها فاعتبر كالمرض وغيره من العيوب ولان الواجب قيمتها في حال فدائها وقيمتها ناقصة عن قيمة ام الولد فيجب ان ينقص فداؤها وان يكون مقدرا بقيمتهما في حال كونها ام ولد والحكم في المدبرة كالحكم في ام الولد ان قلنا لا يجوز بيعها وان قلنا يجوز بيعها فيمكن تسليمها للبيع ان اختار كيدها فان امتنع منه فهل يفديها بقيمتها أو ارش الجناية بالغة ما بلغت يخرج على روايتين (فصل) فان كسبت بعد جنايتها شيئا فهو لسيدها لان الملك ثابت له دون المجني عليه وكذلك ولدها لانه منفصل عنها فاشبه الكسب ان فداها في حال حملها فعليه قيمتها حاملا لان الولد متصل بها أشبه سمنها وان اتلفها سيدها فعليه قيمتها لانه اتلف حق غيره أشبه اتلاف الرهن وان نقصها فعليه نقصها لانه لما ضمن العين ضمن اجزاءها
(مسألة) (فان عادت فجنب فداها أيضا وعنه يتعلق ذلك بذمتها) فاما ان جنت جنايات فان كانت الجنايات كلها قبل فداء شئ منها تعلق أرش الجميع برقبتها ولم يكن عليه فيها كلها الا قيمتها أو ارش جميعها وعليه الاقل منهما ويشترك المجني عليهم في الواجب لهم
فان لم يف بها تحاصوا فيها بقدر اروش جناياتهم وان كانت الجناية الثانية بعد فدائه من الاولى فعليه فداؤها من التي بعدها كالاولى وحكى أبو الخطاب رواية ثانية عن أحمد أنه إذا فداها بقيمتها مرة لم يلزمه فداؤها بعد ذلك لانها جانية فلم يلزمه أكثر من قيمتها كما لو لم يكن فداها وقال الشافعي في أحد قوليه لا يضمنها ثانيا ويشارك الثاني الاول فيما أخذه كما لو كانت قبل فدائها ولنا أنها أم ولد جانية فلزمه فداؤها كالاولى ولان ما أخذه الاول عوض جنايته أخذه بحق فلم يجز ان يشاركه غيره فيه كارش جناية الحر أو الرقيق القن وفارق ما قبل الفداء لان ارش الجنايات
تعلق برقبتها في وقت واحد فلم يلزم السيد أكثر من قيمة واحدة كما لو كانت الجنايات على واحد (فصل) فان أبرأ بعضهم من حقه توفر الواجب على الباقين إذا كانت كلها قبل الفداء وان كانت المعفو عنها بعد فدائه توفر ارشها على سيدها (فصل) وللسيد تزويجها وان كرهت وبهذا قال أبو حنيفة وهو احد قولي الشافعي واختيار المزني وقال في القديم ليس له تزويجها الا برضاها لانه قد ثبت لها حكم الحرية على وجه لا يملك السيد ابطالها فلم يملك تزويجها بغير رضاها كالمكاتبة وقال في الثالث ليس له تزويجها وان رضيت لان ملكه فيها قد ضعف وهي لم تكمل فلم يملك تزويجها كاليتيمة وهل يزوجها الحاكم على هذا القول؟ فيه خلاف وقد روي عن أحمد أنه قيل له ان مالكا لا يرى تزويجها فقال وما يصنع مالك؟ هذا ابن عمر وابن عباس يقولان إذا ولدت من غيره كان لولدها حكمها ولنا أنها أمة يملك الاستمتاع منها واستخدامها فملك تزويجها كالقن وفارق المكاتبة فانه لا يملك ذلك منها والقول الثالث فاسد لذلك ولانه يفضي إلى منع النكاح لامرأة بالغة محتاجة إليه وقولهم يزوجها الحاكم لا يصح فان الحاكم لا يزوج الا عند عدم الولي أو غيبته أو عضله ولم يوجد واحد منهما.
إذا ثبت هذا فانه إذا زوجها فالمهر له لانه بمنزلة كسبها وكسبها له
(مسألة) (وان قتلت سيدها عمدا فعليها القصاص وان عفوا على مال أو كانت الجناية خطأ
فعليها قيمة نفسها وتعتق في الموضعين) إذا قتلت ام الولد سيدها عمدا فعليها القصاص لورثة سيدها ان لم يكن له منها ولد كما لو لم تكن ام ولد وان كان له منها ولد وهو الوارث وحده لم يجب عليها القصاص لانه لو وجب لوجب لولدها ولا يجب للولد على امه قصاص وقد توقف احمد عن هذه المسألة في رواية مهنا وقال دعنا من هذه المسائل وقياس مذهبه ما ذكرناه وان كان مع ولده منها اولاد له من غيرها لم يجب القصاص ايضا لان حق ولدها من القصاص يسقط فيسقط كله ونقل مهنا عن احمد انه يقتلها اولاده من غيرها وهذه الرواية تخالف اصول مذهبه والصحيح انه لا قصاص عليها وإذا لم يجب القصاص فعليها قيمة نفسها وهذا قول ابي يوسف وقال الشافعي عليها الدية لانها تصير حرة ولذلك لزمها موجب جنايتها والواجب على الحر بقتل الحر ديته.
ولنا انها جناية من ام ولد فلم يجب بها اكثر من قيمتها كما لو وجب على اجنبي ولان اعتبار
الجناية في حق الجاني بحال الجناية بدليل ما لو جنى عبد فاعتقه سيده وهي في حال الجناية امة فانها انما عتقت بالموت الحاصل بالجناية فيكون عليها فداء نفسها بقيمتها كما يفديها سيدها إذا قتلت غيرها ولانها ناقصة بالرق اشبهت القن وتفارق الحر فانه جنى وهو كامل وانما تعلق موجب الجناية بها لانها فوتت رقها بقتلها سيدها فاشبه ما لو فوت المكاتب الجاني رقه بادائه (مسألة) (ولا حد على قاذفها وعنه عليه الحد) والاول قول أكثر أهل العلم وروي عن أحمد ان عليه الحد لان ذلك يروى عن ابن عمر ولان قذفها قذف لولدها الحر وفيها معنى منع بيعها اشبهت الحرة والاول أصح لانها أمة حكمها حكم الاماء في اكثر أحكامها ففي الحد أولى لان الحدود تدرأ بالشبهات ويحتاط لاسقاطها ولانها أمة تعتق بالموت اشبهت المدبرة وتفارق والحرة فانها كاملة (فصل) ولا يجب القصاص على الحرة بقتلها لعدم المكافأة فان كان القاتل رقيقا وجب القصاص عليه لانها اكمل منه وان جنت على عبد أو امة جناية فيها القصاص لزمها القصاص لانها أمة احكامها
أحكام الاماء واستحقاقها العتق لا يمنع القصاص كالمدبرة
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإذا اسلمت أم ولد الكافر منع من غشيانها وحيل بينه وبينها واجبر على نفقتها ان لم يكن لها كسب فان مات قبل ذلك عتقت وعنه أنها تستسعى في حياته وتعتق يصح استيلاد الكافر لامته كما يصح منه عتقها وإذا استولد أمته ثم اسلمت لم تعتق في الحال، وبه قال الشافعي وقال مالك تعتق إذ لا سبيل إلى بيعها ولا إلى اقرار ملكه عليها لما فيه من اثبات ملك كافر على مسلمة فلم يجز كالامة القن ونقل مهنا عن احمد مثل ذلك، وعن احمد رواية أخرى انها تستسعى فان أدت عتقت، وهو قول أبي حنيفة لان فيه جمعا بين الحقين حقها في ان لا يبقى ملك الكافر عليه وحقه في حصول عوض ملكه فأشبه بيعها إذا لم تكن أم ولد.
ولنا انه اسلام طرأ على ملك فلم يوجب عتقا ولا سعاية كالعبد القن وما ذكروه حكمة لم يعرف من الشارع اعتبارها ويقابلها ضرر فان في اعتاقها مجانا اضرارا بالمالك بازالة ملكه بغير عوض وفي الاستسعاء الزامها الكسب بغير رضاها وتضييع لحق سيدها لان فيه إحالة على سعاية لا يدرى هل يحصل منها شئ أولا؟ وان حصل فالظاهر انه يكون يسيرا في أوقات متفرقة وجوده قريب من عدمه والاولى أن يبقى الملك على ما كان عليه ويمنع من وطئها والتلذذ بها كيلا يفعل ذلك وهو مشرك ويحال بينه وبينها ويمنع الخلوة بها لئلا يفضي إلى الوطئ المحرم ويجبر على نفقتها على التمام لانها مملوكته ومنعه من وطئها بغير معصية منها فأشبهت الحائض والمريضة وتسلم إلى امرأة ثقة تكون عندها لتحفظها وتقوم بامرها، وان احتاجت إلى آجر أو اجر مسكن فعلى سيدها وذكر
القاضي أن نفقتها في كسبها والفاضل منه لسيدها فان عجز كسبها عن نفقتها فهل يلزم سيدها تمام نفقتها؟ على روايتين، ونحو هذا مذهب الشافعي قال شيخنا والصحيح أن نفقتها عل سيدها وكسبها له يصنع به ما شاء وعليه نفقتها على التمام سواء كان لها كسب أو لم يكن لانها مملوكته ولم يجر بينهما عقد يسقط نفقتها ولا تملك به كسبها فهي كامته القن أو ما قبل اسلامها ولان الملك سبب لهذين
الحكمين والحادث منهما لا يصلح مانعا لان الاستيلاد لا يمنع منها بدليل ما قبل اسلامها والاسلام لا يمنع بدليل ما لو وجد قبل ولادتها واجتماعهما لا يمنع لانه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه لانه إذا لم تلزمه نفقتهه ولم يكن لها كسب أفضى إلى هلاكها وضياعها ولانه يملك فاضل كسبها فلزمه فضل نفقتها كسائر مماليكا (مسألة) (وإذا وطئ احد الشريكين الجارية واولدها صارت أم ولد له وولده حر وعليه قيمة نصيب شريكه فان كان معسرا كان في ذمته) وطئ الجارية المشتركة محرم بغير خلاف علمناه بين أهل العلم ولا حد فيه في قول اكثر اهل العلم، وقال أبو ثور يجب عليه الحد لانه وطئ محرم فاشبه وطئ الامة الاجنبية.
ولنا انه وطئ صادف ملكه فلم يجب الحد كوطئ زوجته الحائض ويفارق مالا ملك له فيه فانه لا شبهة له فيها ولهذا لو سرق عينا له فيها شرك لم يقطع ولو لم يكن له فيها ملك قطع ويجب عليه التعزير بغير خلاف نعلمه لما ذكرنا في حجة أبي ثور فان وطئها ولم تحمل منه فهي باقية على ملكهما وعليه نصف مهر مثلها لانه وطئ سقط فيه الحد للشبهة فاوجب مهر المثل كما لو وطئها يظنها امرأته وسواء طاوعته أو اكرهها لان وطئ جارية الغير يوجب المهر وان طاوعت لان المهر لسيدها لا يسقط
بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع بعض أعضائها والواجب عليه من المهر بقدر ملك الشريك فيها، فاما ان أحبلها ووضعت ما يتبين فيه بعض خلق الانسان فانها تصير بذلك أم ولد للواطئ كما لو كانت خالصة له وتخرج بذلك عن ملك الشريك كما تخرج بالاعتاق موسرا كان الواطئ أو معسرا لان الايلاد أقوى من الاعتاق.
وهذا قول الخرقي ويلزمه نصف قيمتها لانه أخرج نصفها من ملك الشريك فلزمته قيمته كما لو أخرجه بالاعتاق أو الاتلاف فان كان موسرا أداه وان كان معسرا فهو في ذمته كما لو أتلفها والولد حر يلحق نسبه بوالده لانه من وطئ في محل له فيه ملك فأشبه ما لو وطئ زوجته فعلى هذا القول ان وطئها الثاني بعد ذلك فأولدها فعليه مهرها لانه وطئ صادف ملك الغير فاشبه وطئ الامة الاجنبية فان كان عالما فولده رقيق لانه وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك فهو كوطئ مملوكة غيره وان جهل ايلاد شريكه وانها صارت أم ولد له فولده حر لانه من وطئ شبهة وعليه فداؤه
بقيمته يوم الولادة لانه الوقت الذي يمكن التقويم فيه ذكره الخرقي.
وقال القاضي الصحيح عندي أن الاول لا يسري استيلاده إذا كان معسرا ولا يقوم عليه نصيب شريكه بل يصير نصفها أم ولد ونصفها قن باق على ملك الشريك لان الاحبال كالعتق ويجري مجراه في التقويم والسراية واعتبر في سرايته اليسار كالعتق وهو قول أبي الخطاب ومذهب الشافعي فعلى هذا إذا ولدت يحتمل ان يكون الولد كله حرا، واحتمل ان يكون نصفه حرا ونصفه رقيقا كامه وكولد المعتق بعضها وبهذا يتبين انه لم يستحل انعقاد الاول من حر وقن، ووجه القول الاول أن الاستيلاد أقوى من العتق ولهذا ينفذ من رأس المال من المريض ومن المجنون بخلاف الاعتاق
(فصل) وهل يلزمه نصف قيمة الولد؟ على وجهين ذكرهما أبو الخطاب (احدهما) لا يلزمه وهو ظاهر كلام الخرقي لان الولد خلق حرا فلم يلزمه قيمة ولده الحر (والثاني) يلزمه نصف قيمته لشريكه لان الوطئ صادف ملك غيره وانما انتقلت بالوطئ الموجب للمهر فيكون الوطئ سبب الملك ولا يثبت الحكم الا بعد تمام سببه فيلزم حينئذ تقدم الوطئ على ملكه فيكون في ملك غيره وفعله ذلك مع انخلاق الولد على ملك الشريك فيجب عليه نصف قيمته كولد المغرور، وقال القاضي ان وضعت الولد بعد التقويم فلا شئ على الواطئ لانها وضعته في ملكه ووقت الوجوب حالة الوضع ولا حق للشريك فيها ولا في ولدها، وان وضعته قبل التقويم فهل تلزمه قيمة نصفه؟ على روايتين ذكرهما أبو بكر واختار انه لا يلزمه (مسألة) وعند القاضي وابي الخطاب ان كان الاول معسرا لم يسر استيلاده وتصير ام ولد لهما يعتق نصفها بموت احدهما) لانها ام ولد له وقد ذكرنا ذلك وان اعتق احدهما نصيبه بعد ذلك وهو موسر فهل يقوم عليه نصيب شريكه؟ على وجهين (احدهما) لا يسري عتقه لانه يبطل حقه صاحبه من الولاء الذي قد انعقد سببه بالاستيلاد (والثاني) يقوم عليه لحديث ابن عمر وهو اولى واصح ان شاء الله تعالى.
(فصل) ولا فرق بين ان يكون في الامة ملك قليل أو كثير فالحكم في ذلك واحد لان مالك اليسير يملك بعضها اشبه الكثير
والله سبحانه وتعالى اعلم * (تم الجزء الثاني عشر من كتابي..والشرح الكبير وبه تم الكتاب) *
خاتمة الطبع الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على المصلح الاعظم بالآيات البينات، والعلم النافع والحكم الباهرات، محمد رسول الله وخاتم النبيين، وآله الطاهرين، وأصحابه الهداة المهديين، ومن تبعهم إلى يوم الدين أما بعد فانه قد تم طبع كتاب (المغني) في فقه الاسلام، ومدارك المجتهدين من أئمته الاعلام، مع كتاب الشرح الكبير المقتبس منه مع زيادة بعض الفوائد والاستدراكات، وقد بينا مزايا الكتابين ووجوه الحاجة اليهما وترجمة مؤلفيهما في المقدمة التي نشرناها في الجزء الاول، وقد بلغت أجزاؤهما 12 مجلدا كبيرا ولا يسعنا الا أن نعود في هذه الخاتمة إلى الثناء على مسدي هذا الخير العظيم إلى الامة الاسلامية بالامر بطبعه والانفاق عليه من ماله الخاص به، امام السنة، ومحيي عدل الخلفاء وعلوم الائمة، مؤسس المملكتين، وخادم الحرمين الشريفين، عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك الحجاز ونجد، وعاهل العرب في كل غور ونجد، أعزه الله تعالى وأعز به العرب والاسلام، ونفع به الانام، وقد كان أمرنا أولا بطبع خمسمائة نسخة منه فقط ليوزعها على علماء نجد، وأذن لنا أن نطبع منه ما شئنا على حسابنا لاجل نشره في سائر الامصار، وبعد صدور عدة أجزاء منه وكان قد استولى على الحجاز، واتسع الباب لنشر مطبوعاته فيه وفي غيره من الاقطار، فاشترى منا أكثر النسخ التي طبعناها لاجل البيع، وكان قد اشتهر الكتاب في مصر وغيرها، وصار يزيد عدد طالبيه فاضطررنا إلى زيادة ما كنا نطبعه لمكتبتنا عما تحتاج إليه لتكملة نسخ الذين اشتروا الاجزاء الاولى وما زالوا يكثرون حتى اضطررنا إلى إعادة طبع الاجزاء الاولى، ولا شك أن لهذا الامام والملم الهمام ثواب الالوف من النسخ التي يوزعها على العلماء مجانا وثواب سائر النسخ التي يشتريها منا المنتفعون بهذا الكتاب الجليل لانه هو السبب في وجوده، ولولاه لما أقدمنا ولا أقدم غيرنا على
الاعلام، مع كتاب الشرح الكبير المقتبس منه مع زيادة بعض الفوائد والاستدراكات، وقد بينا مزايا الكتابين ووجوه الحاجة اليهما وترجمة مؤلفيهما في المقدمة التي نشرناها في الجزء الاول، وقد بلغت أجزاؤهما 12 مجلدا كبيرا ولا يسعنا الا أن نعود في هذه الخاتمة إلى الثناء على مسدي هذا الخير العظيم إلى الامة الاسلامية بالامر بطبعه والانفاق عليه من ماله الخاص به، امام السنة، ومحيي عدل الخلفاء وعلوم الائمة، مؤسس المملكتين، وخادم الحرمين الشريفين، عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك الحجاز ونجد، وعاهل العرب في كل غور ونجد، أعزه الله تعالى وأعز به العرب والاسلام، ونفع به الانام، وقد كان أمرنا أولا بطبع خمسمائة نسخة منه فقط ليوزعها على علماء نجد، وأذن لنا أن نطبع منه ما شئنا على حسابنا لاجل نشره في سائر الامصار، وبعد صدور عدة أجزاء منه وكان قد استولى على الحجاز، واتسع الباب لنشر مطبوعاته فيه وفي غيره من الاقطار، فاشترى منا أكثر النسخ التي طبعناها لاجل البيع، وكان قد اشتهر الكتاب في مصر وغيرها، وصار يزيد عدد طالبيه فاضطررنا إلى زيادة ما كنا نطبعه لمكتبتنا عما تحتاج إليه لتكملة نسخ الذين اشتروا الاجزاء الاولى وما زالوا يكثرون حتى اضطررنا إلى إعادة طبع الاجزاء الاولى، ولا شك أن لهذا الامام والملم الهمام ثواب الالوف من النسخ التي يوزعها على العلماء مجانا وثواب سائر النسخ التي يشتريها منا المنتفعون بهذا الكتاب الجليل لانه هو السبب في وجوده، ولولاه لما أقدمنا ولا أقدم غيرنا على طبعه، لان التجار لا يقدمون على طبع اثني عشر مجلدا في الفقه لاحد فقهاء مذهب الامام أحمد بن حنبل مع قلة الحنابلة في الامصار وفقرهم، وقلة من يعلم ان هذا الكتاب هو في فقه الاسلام في جملته لا فقه الحنابلة وحدهم وقد بذلت مطبعتنا الجهد في تصحيح الكتاب بالمقابلة على أحسن النسخ الخطية المحفوظة في خزائن المكتبة المصرية الكبرى العامة وهذه النسخ من وقف الملك المؤيد رحمه الله تعالى ونسأل الله تعالى أن يثيبنا على ذلك وينفعنا نحن وسائر علماء المسلمين بهذا الكتاب النفيس.
ولله الحمد أولا وآخرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق