استفسارات حول حديث الجارية و الجهة و حول الحوادث و فناء النار و غيرها
استفسارات حول حديث الجارية و الجهة و حول الحوادث و فناء النار و غيرها
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
عندي استفسارات عن:
أولا: حديث الجارية كما نعلم له عدة روايات صحيحة ومختلفة الألفاظ ، فمنها ( أتشهدين أن لا إله إلا الله ... ) ومنها ( سألها من ربك ..) ، فهل يحمل ذلك على تصرف الراوي أم على اختلاف الحادثة ، وكيف نجمع بين الروايات ..؟؟ وما تعليقك على قول ابن حجر : ولو قال من ينسب إلى التجسيم من اليهود لا إله إلا الذي في السماء لم يكن مؤمنا كذلك، إلا إن كان عاميا لا يفقه معنى التجسيم فيكتفي منه بذلك كما في قصة الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم أنت مؤمنة، قالت نعم، قال فأين الله؟ قالت في السماء، فقال أعتقها فإنها مؤمنة.
وبالنسبة لراويه : معاوية بن الحكم السلمي : قال عنه البخاري : له صحبة ، ولا أدري لماذا لا يقال أنه صحابي ، وما تأثير ذلك على درجة حديثه .. فكيف إذا قيل عنه أعرابي ؟؟
- في الحديث نفسه ورد : (كَانَ نَبِيّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطّ فَمَنْ وَافَقَ خَطّهُ فَذَاك) ، وهذا قد يستغله البعض لإباحة العرافة والتكهن ، وهل يفعل ذلك الأنبياء ..؟
فهل ورد عن غير معاوية هذا شيء شبيه بهذه الرواية ، أم تفرد بها ، ؟؟
وقد أجمع العلماء على عدم جواز الخط ، خلافا لظاهر الرواية ..!
قال النووي: قد اتفقوا على النهي عنه الاَن
في حديثه أيضا أنه تكلم أثناء الصلاة ، مما يدل على عدم علمه بأحكام الصلاة ، قال النووي :
أما كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام فهو ككلام الناسي فلا تبطل الصلاة بقليله لحديث معاوية بن الحكم
انظر كيف وصفه : جاهل قريب عهد بالإسلام !!!
كما أن عبد الرزاق رواه في الجامع بلفظ :
عن زيد بن أسلم قال: عطس رجل في الصلاة فقال له (( أعرابي )) إلى جنبه: رحمك الله، قال الأعرابي: فنظر إلي القوم، فقلت: واثكلاه
ثانيا: كيف تفسر عبارة (الذي في السماء ) الواردة في الأحاديث التالية :
-أخرج أحمد والنسائي والبزار والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: ماشطة بنت فرعون وأولادها كانت تمشطها، فسقط المشط من يدها، فقالت بسم الله، فقالت ابنة فرعون، أبي؟ قالت: بل ربي وربك ورب أبيك. قالت: أولك رب غير أبي؟ قالت: ألك رب غيري؟ قال: نعم، ربي وربك الله الذي في السماء.
- في سنن أب داوود : عن أبِي الدّرْدَاءِ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ اشْتَكَى مِنْكُم شَيْئاً أو اشْتَكَاهُ أخٌ لَهُ فَلْيَقُلْ: رَبّنَا الله الّذِي في السّماء تَقَدّسَ اسْمُكَ أَمْرُكَ في السّمَاءِ وَالأرْضِ كما رَحْمَتُكَ في السّمَاء فاجْعَلْ رَحْمَتَكَ في الأرْضِ اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا أنْتَ رَبّ الطّيّبِينَ أنْزِلْ رَحْمَةً مِن رَحْمَتِكَ وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ فَيَبْرَأُ"
- وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس ـ مولى لعبد اللهابن عمرو بن العاص ـ عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
- في صحيح مسلم :عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلاّ كَانَ الّذِي فِي السّمَاءِ سَاخِطاً عَلَيْهَا، حَتّى يَرْضَى عَنْهَا"
ثالثا: قال العز بن عبد السلام : إن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس ، فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة، بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ، فلا يعفى عنه ( قال السيوطي بعده : مقصود الشيخ أنه لا يجري في تكفيرهم الخلاف الذي جرى في المجسمة ، بل يقطع بتكفير القائلين بالحلول إجماعا ، وإن جرى في المجسمة خلاف ).
وقال ابن رشد الفيلسوف ما معناه : إنه وإن كان الحق أن الله تعالى ليس جسما ، إلا أنه لا يجوز التصريح بذلك لعامة الناس وذلك لأن عقولهم لا تستطيع أن تستوعب مثل هذا الكلام ..
ما رأيك في هذه الأقوال ..؟
رابعا: رأيتك تعتقد بتوبة ابن تيمية من أشياء خطيرة ( مثل حلول الحوادث - قدم العالم - فناء النار ) ، فما قولك بمن يعتقد هذه الأشياء الآن ولا يقتنع برواية التوبة التي تتمسك بها ..؟؟
الجواب:
الأخ الكريم:
سأجيب باختصار على ما فهمته من الأسئلة على هذا النحو :
أولا: بالنسبة لاختلاف ألفاظ حديث الجارية فمبني على اتحاد الحادثة ، وبالتالي عدم التعويل على أين الله من باب ما طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال ، أقول هذه طريقة الإمام البيهقي وآخرون ، وقد سبق وأشرت إلى كلام للإمام أحمد كما رواه الخلال عنه قال فيه ليس كل أحد يقول إنها مؤمنة ، وهذه الطريقة مرجعها إلى اختلاف الألفاظ ودخول الاحتمال كما ترى حتى على القول بتعدد الحادثة ، وهي وجيهة ، ومن قال بتعدد الحادثة يلزمه قول أحمد المؤسس على نفي الإيمان أو نفيه في الحال ، أو يصير إلى التاوبل بحمل كلام الجارية على محمل يخرجه عن الحلول والجهة ..
وأما الكلام على معاوية بن الحكم باعتباره أعرابيا فطريقة لا تعجبني ، ويلزم عليها اطراح أحاديث الأعراب أو الشك فيها مع أن العبرة بصحة النقل والوثاقة وفهم اللغة وهذا حاصل ..
وأما رواية الخط فقد قدح فيها أبو الوليد بن رشد الجد الفقيه المالكي في رسالة له طبعت باسم ( الرد على من ذهب إلى تصحيح علم الغيب من جهة الخط لما روي في ذلك من أحاديث ووجه تاويلها)
وقال في هذه الرسالة طبع دار ابن حزم ص42 :
(( وأما ما ذكرت أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخط فلا يصح عنه من طريق صحيح ، وإن صح فلا بد من تأويل على ما يطابق القرآن ولا يخرج عما انعقد عليه بين أهل السنة الإجماع ، فنقول إن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: فمن وافق خطه علم ، الإنكار لا الإخبار )) اهـ .
كما يفهم القدح أيضا من إطلاق ابن العربي في أحكام القرآن عدم صحة شيء في الخط 4/696 وقد تعقبه القرطبي في التفسير 16/179 بتصحيح حديث معاوية بن الحكم .. لكن الشذوذ لا ينافي صحة السند.
وأما هل وردت آثار تؤيد حديث معاوية هذا فنعم جاء هذا عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى (أو أثارة من علم) وروي أيضا عن أبي هريرة ، وفي الرسالة السالفة لابن رشد بيان لذلك ، وراجع فتح الباري 8/576 وغيره ..
ونعته بالجهل اعتذار عنه وبيان لوجه صدور ما صدر منه لعدم مؤاخذته لا استصغارا واحتقارا ، وهذا معقول في حديث عهد بالإسلام ..
ثانيا: وأما كيف أفسر عبارة (الذي في السماء ) الذي في قصة الماشطة فهذا ظاهره أن الله حال في السماء التي تعرفها الماشطة !!! وهذا إما لقرب عهدها بالإيمان فتعذر للجهل ، وإما عنت الذي في السماء سلطانه وقهره ونحو ذلك مما قاله الأئمة في مناسبات كثيرة ، على أن هذه القصة لا يصح سندها لأن راويها هو عطاء بن السائب وقد اختلط فسقطت روايته ، وحماد بن سلمة الراوي عنه اختلف العلماء في روايته عن عطاء هل هي قبل أو بعد الاختلاط ، فلا تقوم به حجة على هذا ، وقد أشار الهيثمي إلى هذا في مجمع الزوائد ..
وأما رواية ( رَبّنَا الله الّذِي في السّماء تَقَدّسَ اسْمُكَ ) فهذه فيها جار وجرور هما ( في السماء ) فيجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقين بما قبلهما يعني ( الله الذي في السماء ) ويجوز أن يكونا متعلقين بما بعدهما أي ( في السماء تقدس اسمك ) وعلى هذا الوجه فلا دلالة فيه لأن الذي في السماء إنما هو تقديس الاسم من الملائكة .. وسيأتي أن هذا الوجه تؤيده رواية صريحة سيأتيك ذكرها ..
وقد كنت من مدة طويلة كتبت تعليقا على هذا الحديث في هامش كتاب السيف الصقيل ص 140 طبعة مكتبة زهران استدركت به على العلامة الكوثري وهذا هو أثبته بنصه :
(( لهذا الخبر ثلاث طرق هذه إحداها ، وهي كما ترى [ أعني التي أشار إليها الكوثري وفي سندها زيادة بن محمد منكر الحديث ] ، والثانية عن أبي بكر بن أبي مريم وهو ضعيف عن أشياخه وهم مجاهيل ، والثالثة من طريق طلق بن حبيب عن أبيه ، ورواها شعبة فقال : عن طلق عن رجل من أهل الشام عن أبيه أن رجلا .. وصححها الحافظ عبدان !! عن [ الرواية ] السابقة ، لكن لفظها : ( ربنا الله الذي تقدس في السماء اسمه ) فبين أن الجملة متعلقة بتقدس اسمه وهي معينة لأحد الاحتمالين ، وعليها لا حجة .. لابن القيم ، والطرق كلها ضعيفة )) اهـ وهو واضح .
وأما حديث الراحمون فهو مشهور لكنه ضعيف لذاته وإن حسنه الحفاظ لشواهده لأن راويه أبا قابوس مجهول ومع هذا فالقول فيه كالقول في قوله تعالى ءأمنتم من في السماء سواء بسواء ..
وأما حديث إِلاّ كَانَ الّذِي فِي السّمَاءِ سَاخِطاً عَلَيْهَا، فراجع صحيح مسلم تر الروايات مصرحة بأن الساخط واللاعن هم الملائكة ..
ثالثا: وأما كلام العز بن عبدالسلام فقد شرحه السيوطي ومقصوده بالتجسيم القول بالجهة الحسية لاسيما مع نفي اللوازم فهذا في إكفاره خلاف ، والأصح عند الأشاعرة عدم الإكفار بها والله أعلم ، وليس كذلك الحلول ، فمقصود العز أن الخلاف على الإكفار في الجهة والإجماع عليه في الحلول دليل على اختلاف المسألتين بسبب وضوح الكفر في الثاني ..
وأما ابن رشد فهذا هو الفيلسوف ولا ينبغي الالتفات إليه وقد كاد يقتل على الزندقة بفتاوى أشاعرة المغرب لولا السلاطين ، وكون الحديثي العهد في الإسلام ـ فضلا عن العوام من المسلمين ـ ينزهون الله عن كونه صنما وحجرا ونارا وعجلا وجسدا ـ وكلها أجسام ـ فأمر لا يحتاج إلى تدليل وفيه رد على هذا الفيلسوف ، وكل العوام عقيدتهم أحسن من عقيدة هذا الفيلسوف الخبيث الذي دافع عن كفريات الفلاسفة ورد على الغزالي ..
رابعا: ينبغي التنبيه إلى أن ابن تيمية لم يقل بقدم العالم بل قال بقدم النوع وبينهما فرق كبير ، وقدم النوع حكم قائله حكم المعتزلة الذين أثبتوا قادرا ولم يثبتوا قدرة فلم يكفرهم أهل السنة بسبب التنتاقض في كلامهم ، وأما حلول الحدواث في الذات وهي عقيدة الكرامية فتكفير قائلها واجب ، وأما فناء النار فهو جهمي ولا نكفره ، فبان أن المستحق للتكفير هو القائل بحلول الحوادث بالذات دون القول بالقدم النوعي أو فناء النار في الأصح إن شاء الله ، فمن قال من أتباعه بحلول الحوادث بالذات فهو كافر .. والله أعلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
عندي استفسارات عن:
أولا: حديث الجارية كما نعلم له عدة روايات صحيحة ومختلفة الألفاظ ، فمنها ( أتشهدين أن لا إله إلا الله ... ) ومنها ( سألها من ربك ..) ، فهل يحمل ذلك على تصرف الراوي أم على اختلاف الحادثة ، وكيف نجمع بين الروايات ..؟؟ وما تعليقك على قول ابن حجر : ولو قال من ينسب إلى التجسيم من اليهود لا إله إلا الذي في السماء لم يكن مؤمنا كذلك، إلا إن كان عاميا لا يفقه معنى التجسيم فيكتفي منه بذلك كما في قصة الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم أنت مؤمنة، قالت نعم، قال فأين الله؟ قالت في السماء، فقال أعتقها فإنها مؤمنة.
وبالنسبة لراويه : معاوية بن الحكم السلمي : قال عنه البخاري : له صحبة ، ولا أدري لماذا لا يقال أنه صحابي ، وما تأثير ذلك على درجة حديثه .. فكيف إذا قيل عنه أعرابي ؟؟
- في الحديث نفسه ورد : (كَانَ نَبِيّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطّ فَمَنْ وَافَقَ خَطّهُ فَذَاك) ، وهذا قد يستغله البعض لإباحة العرافة والتكهن ، وهل يفعل ذلك الأنبياء ..؟
فهل ورد عن غير معاوية هذا شيء شبيه بهذه الرواية ، أم تفرد بها ، ؟؟
وقد أجمع العلماء على عدم جواز الخط ، خلافا لظاهر الرواية ..!
قال النووي: قد اتفقوا على النهي عنه الاَن
في حديثه أيضا أنه تكلم أثناء الصلاة ، مما يدل على عدم علمه بأحكام الصلاة ، قال النووي :
أما كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام فهو ككلام الناسي فلا تبطل الصلاة بقليله لحديث معاوية بن الحكم
انظر كيف وصفه : جاهل قريب عهد بالإسلام !!!
كما أن عبد الرزاق رواه في الجامع بلفظ :
عن زيد بن أسلم قال: عطس رجل في الصلاة فقال له (( أعرابي )) إلى جنبه: رحمك الله، قال الأعرابي: فنظر إلي القوم، فقلت: واثكلاه
ثانيا: كيف تفسر عبارة (الذي في السماء ) الواردة في الأحاديث التالية :
-أخرج أحمد والنسائي والبزار والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: ماشطة بنت فرعون وأولادها كانت تمشطها، فسقط المشط من يدها، فقالت بسم الله، فقالت ابنة فرعون، أبي؟ قالت: بل ربي وربك ورب أبيك. قالت: أولك رب غير أبي؟ قالت: ألك رب غيري؟ قال: نعم، ربي وربك الله الذي في السماء.
- في سنن أب داوود : عن أبِي الدّرْدَاءِ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ اشْتَكَى مِنْكُم شَيْئاً أو اشْتَكَاهُ أخٌ لَهُ فَلْيَقُلْ: رَبّنَا الله الّذِي في السّماء تَقَدّسَ اسْمُكَ أَمْرُكَ في السّمَاءِ وَالأرْضِ كما رَحْمَتُكَ في السّمَاء فاجْعَلْ رَحْمَتَكَ في الأرْضِ اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا أنْتَ رَبّ الطّيّبِينَ أنْزِلْ رَحْمَةً مِن رَحْمَتِكَ وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ فَيَبْرَأُ"
- وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس ـ مولى لعبد اللهابن عمرو بن العاص ـ عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
- في صحيح مسلم :عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلاّ كَانَ الّذِي فِي السّمَاءِ سَاخِطاً عَلَيْهَا، حَتّى يَرْضَى عَنْهَا"
ثالثا: قال العز بن عبد السلام : إن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس ، فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة، بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ، فلا يعفى عنه ( قال السيوطي بعده : مقصود الشيخ أنه لا يجري في تكفيرهم الخلاف الذي جرى في المجسمة ، بل يقطع بتكفير القائلين بالحلول إجماعا ، وإن جرى في المجسمة خلاف ).
وقال ابن رشد الفيلسوف ما معناه : إنه وإن كان الحق أن الله تعالى ليس جسما ، إلا أنه لا يجوز التصريح بذلك لعامة الناس وذلك لأن عقولهم لا تستطيع أن تستوعب مثل هذا الكلام ..
ما رأيك في هذه الأقوال ..؟
رابعا: رأيتك تعتقد بتوبة ابن تيمية من أشياء خطيرة ( مثل حلول الحوادث - قدم العالم - فناء النار ) ، فما قولك بمن يعتقد هذه الأشياء الآن ولا يقتنع برواية التوبة التي تتمسك بها ..؟؟
الجواب:
الأخ الكريم:
سأجيب باختصار على ما فهمته من الأسئلة على هذا النحو :
أولا: بالنسبة لاختلاف ألفاظ حديث الجارية فمبني على اتحاد الحادثة ، وبالتالي عدم التعويل على أين الله من باب ما طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال ، أقول هذه طريقة الإمام البيهقي وآخرون ، وقد سبق وأشرت إلى كلام للإمام أحمد كما رواه الخلال عنه قال فيه ليس كل أحد يقول إنها مؤمنة ، وهذه الطريقة مرجعها إلى اختلاف الألفاظ ودخول الاحتمال كما ترى حتى على القول بتعدد الحادثة ، وهي وجيهة ، ومن قال بتعدد الحادثة يلزمه قول أحمد المؤسس على نفي الإيمان أو نفيه في الحال ، أو يصير إلى التاوبل بحمل كلام الجارية على محمل يخرجه عن الحلول والجهة ..
وأما الكلام على معاوية بن الحكم باعتباره أعرابيا فطريقة لا تعجبني ، ويلزم عليها اطراح أحاديث الأعراب أو الشك فيها مع أن العبرة بصحة النقل والوثاقة وفهم اللغة وهذا حاصل ..
وأما رواية الخط فقد قدح فيها أبو الوليد بن رشد الجد الفقيه المالكي في رسالة له طبعت باسم ( الرد على من ذهب إلى تصحيح علم الغيب من جهة الخط لما روي في ذلك من أحاديث ووجه تاويلها)
وقال في هذه الرسالة طبع دار ابن حزم ص42 :
(( وأما ما ذكرت أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخط فلا يصح عنه من طريق صحيح ، وإن صح فلا بد من تأويل على ما يطابق القرآن ولا يخرج عما انعقد عليه بين أهل السنة الإجماع ، فنقول إن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: فمن وافق خطه علم ، الإنكار لا الإخبار )) اهـ .
كما يفهم القدح أيضا من إطلاق ابن العربي في أحكام القرآن عدم صحة شيء في الخط 4/696 وقد تعقبه القرطبي في التفسير 16/179 بتصحيح حديث معاوية بن الحكم .. لكن الشذوذ لا ينافي صحة السند.
وأما هل وردت آثار تؤيد حديث معاوية هذا فنعم جاء هذا عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى (أو أثارة من علم) وروي أيضا عن أبي هريرة ، وفي الرسالة السالفة لابن رشد بيان لذلك ، وراجع فتح الباري 8/576 وغيره ..
ونعته بالجهل اعتذار عنه وبيان لوجه صدور ما صدر منه لعدم مؤاخذته لا استصغارا واحتقارا ، وهذا معقول في حديث عهد بالإسلام ..
ثانيا: وأما كيف أفسر عبارة (الذي في السماء ) الذي في قصة الماشطة فهذا ظاهره أن الله حال في السماء التي تعرفها الماشطة !!! وهذا إما لقرب عهدها بالإيمان فتعذر للجهل ، وإما عنت الذي في السماء سلطانه وقهره ونحو ذلك مما قاله الأئمة في مناسبات كثيرة ، على أن هذه القصة لا يصح سندها لأن راويها هو عطاء بن السائب وقد اختلط فسقطت روايته ، وحماد بن سلمة الراوي عنه اختلف العلماء في روايته عن عطاء هل هي قبل أو بعد الاختلاط ، فلا تقوم به حجة على هذا ، وقد أشار الهيثمي إلى هذا في مجمع الزوائد ..
وأما رواية ( رَبّنَا الله الّذِي في السّماء تَقَدّسَ اسْمُكَ ) فهذه فيها جار وجرور هما ( في السماء ) فيجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقين بما قبلهما يعني ( الله الذي في السماء ) ويجوز أن يكونا متعلقين بما بعدهما أي ( في السماء تقدس اسمك ) وعلى هذا الوجه فلا دلالة فيه لأن الذي في السماء إنما هو تقديس الاسم من الملائكة .. وسيأتي أن هذا الوجه تؤيده رواية صريحة سيأتيك ذكرها ..
وقد كنت من مدة طويلة كتبت تعليقا على هذا الحديث في هامش كتاب السيف الصقيل ص 140 طبعة مكتبة زهران استدركت به على العلامة الكوثري وهذا هو أثبته بنصه :
(( لهذا الخبر ثلاث طرق هذه إحداها ، وهي كما ترى [ أعني التي أشار إليها الكوثري وفي سندها زيادة بن محمد منكر الحديث ] ، والثانية عن أبي بكر بن أبي مريم وهو ضعيف عن أشياخه وهم مجاهيل ، والثالثة من طريق طلق بن حبيب عن أبيه ، ورواها شعبة فقال : عن طلق عن رجل من أهل الشام عن أبيه أن رجلا .. وصححها الحافظ عبدان !! عن [ الرواية ] السابقة ، لكن لفظها : ( ربنا الله الذي تقدس في السماء اسمه ) فبين أن الجملة متعلقة بتقدس اسمه وهي معينة لأحد الاحتمالين ، وعليها لا حجة .. لابن القيم ، والطرق كلها ضعيفة )) اهـ وهو واضح .
وأما حديث الراحمون فهو مشهور لكنه ضعيف لذاته وإن حسنه الحفاظ لشواهده لأن راويه أبا قابوس مجهول ومع هذا فالقول فيه كالقول في قوله تعالى ءأمنتم من في السماء سواء بسواء ..
وأما حديث إِلاّ كَانَ الّذِي فِي السّمَاءِ سَاخِطاً عَلَيْهَا، فراجع صحيح مسلم تر الروايات مصرحة بأن الساخط واللاعن هم الملائكة ..
ثالثا: وأما كلام العز بن عبدالسلام فقد شرحه السيوطي ومقصوده بالتجسيم القول بالجهة الحسية لاسيما مع نفي اللوازم فهذا في إكفاره خلاف ، والأصح عند الأشاعرة عدم الإكفار بها والله أعلم ، وليس كذلك الحلول ، فمقصود العز أن الخلاف على الإكفار في الجهة والإجماع عليه في الحلول دليل على اختلاف المسألتين بسبب وضوح الكفر في الثاني ..
وأما ابن رشد فهذا هو الفيلسوف ولا ينبغي الالتفات إليه وقد كاد يقتل على الزندقة بفتاوى أشاعرة المغرب لولا السلاطين ، وكون الحديثي العهد في الإسلام ـ فضلا عن العوام من المسلمين ـ ينزهون الله عن كونه صنما وحجرا ونارا وعجلا وجسدا ـ وكلها أجسام ـ فأمر لا يحتاج إلى تدليل وفيه رد على هذا الفيلسوف ، وكل العوام عقيدتهم أحسن من عقيدة هذا الفيلسوف الخبيث الذي دافع عن كفريات الفلاسفة ورد على الغزالي ..
رابعا: ينبغي التنبيه إلى أن ابن تيمية لم يقل بقدم العالم بل قال بقدم النوع وبينهما فرق كبير ، وقدم النوع حكم قائله حكم المعتزلة الذين أثبتوا قادرا ولم يثبتوا قدرة فلم يكفرهم أهل السنة بسبب التنتاقض في كلامهم ، وأما حلول الحدواث في الذات وهي عقيدة الكرامية فتكفير قائلها واجب ، وأما فناء النار فهو جهمي ولا نكفره ، فبان أن المستحق للتكفير هو القائل بحلول الحوادث بالذات دون القول بالقدم النوعي أو فناء النار في الأصح إن شاء الله ، فمن قال من أتباعه بحلول الحوادث بالذات فهو كافر .. والله أعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق