الرد على من قال بعدم مشروعية زواج الصغيرة
قال الله تعالى {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا، ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}.
قال القرطبي والطبري وابن كثيروالسيوطي والخازن والبغوي والالوسي والنسفي والنيسابوري والزمخشري وأبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان في المحيط والشوكاني في الفتح وابن الجوزي في زاد المسيروالرازي في تفسيره وابن عباس في تنوير المقباس وإبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسورو ابن عادل في اللباب و أبو السعود في إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم وابن عاشور في التحريرو سيد قطب في الظلال وابن عجيبة في تفسيره والطنطاوي في الوسيط وابن السعدي في التيسير
(واللائي لم يحضن) يعني الصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر؛. وإنما كانت عدتها بالأشهر لعدم الأقراء فيها عادة، والأحكام إنما أجراها الله تعالى على العادات؛ فهي تعتد بالأشهر. فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء أنتقلت إلى الدم لوجود الأصل، وإذا وجد الأصل لم يبق للبدل حكم؛ كما أن المسنة إذا اعتدت بالدم ثم ارتفع عادت إلى الأشهر. وهذا إجماع.
قال السيوطي في تفسيره
أخرج إسحق بن راهويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي بن كعب أن ناسا من أهل المدينة لما أنزلت هذه الآية التي في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء مدة لم تذكر في القرآن: الصغار والكبار اللائي قد انقطع عنهن الحيض وذوات الحمل، فأنزل الله التي في سورة النساء القصرى {واللائي يئسن من المحيض} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه من وجه آخر عن أبي كعب قال: لما نزلت عدة المتوفى والمطلقة قلت يا رسول الله: بقي نساء الصغيرة والكبيرة والحامل فنزلت {واللائي يئسن من المحيض} الآية.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق الثوري عن إسماعيل قال: لما نزلت هذه الآية (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (سورة البقرة الآية 228) سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أرأيت التي لم تحض، والتي قد يئست من المحيض فاختلفوا فيهما، فأنزل الله {إن اربتتم} يعني، إن شككتم {فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن بمنزلتهن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}.
قال ابن حجر في الفتح في
(باب إنكاح الرجل ولده الصغار)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا
ضبط ولده بضم الواو وسكون اللام على الجمع وهو واضح، وبفتحهما على أنه اسم جنس، وهو أعم من الذكور والإناث.
لقول الله تعالى(واللائي لم يحضن) فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ أي فدل على أن نكاحها قبل البلوغ جائز، وهو استنباط حسن، لكن ليس في الآية تخصيص ذلك بالوالد ولا بالبكر.
ويمكن أن يقال الأصل في الإيضاع التحريم إلا ما دل عليه الدليل، وقد ورد حديث عائشة في تزويج أبي بكر لها وهي دون البلوغ فبقي ما عداه على الأصل، ولهذا السر أورد حديث عائشة، وفي صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت:تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين.
وفي صحيح مسلم عن عروةعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع، سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين ولُعَبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة.
وقد تواترت كتب الحديث والسيرة وشروح الحديث على ذلك، وانظرعلى سبيل المثال الروض الأنف (4/427)للسهيلي،وسبل الهدى والرشاد فيسيرة خير العباد للصالحي
الشامي (11/164). والبداية والنهاية لابن كثير.
و ظاهر كلام المحدثين وأصحاب السير أن عائشة ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنين، وقيل سبع، ودخل بها وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة. ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج فوعكت فتمزق شعري، فوفى جميمة، فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها، لاأدري ما تريد بي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن وأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين.
قال المهلب: أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة
البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها، إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ، وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا أن الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه، ومقابله وتجويز الحسن والنخعي للأب إجبار بنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق يونس عن الزهري قال: الارتياب والله أعلم في المرأة التي تشك في قعودها عن الولد وفي حيضها أتحيض أو لا، وتشك في انقطاع حيضها بعد أن كانت تحيض وتشك في صغرها هل بلغت المحيض أم لا؟ وتشك في حملها أبلغت أن تحمل أو لا؟ فما ارتبتم فيه من ذلك فالعدة فيه ثلاثة أشهر
قال الحاكم في مستدركه
أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، حدثنا محمد بن عبد السلام، حدثنا إسحاق، أنبأ جرير، عن مطرف بن طريف، عن عمرو بن سالم، عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - قال:
لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد من عدد النساء قالوا قد بقي عدد من النساء لم يذكرن الصغار، والكبار، ولا من انقطعت عنهن الحيض، وذوات الأحمال.
فأنزل الله - عز وجل - الآية التي في سورة النساء {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق:4]
صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
قال الامام مالك في الموطأ في معرض هذه الآية
وحاصله أن العدة المذكورة في كتاب اللّه على أربعة أوجه لأربعة أقسام، أحدها: العدة للحامل سواء كانت مطلقة أو متوفَّى عنها زوجها، وهي وضع الحمل في قوله تعالى: { وأولاتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أن يضعنَ حملهنَّ} (سورة الطلاق: الآية 4) وثانيها: العدة للآيسة التي أيست لِكَبرِها فارتفع حيضها. ثالثها: العدة للصغيرة التي لم تبلغ مبلغ الحيض، وهي ثلاثة قروء، في قوله تعالى: {والائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتُم فعدَّ تُهُنَّ ثلاثةُ أشهر واللائي لم يحضن} (سورة الطلاق: الآية: 4). ورابعها: العدة للمطلقة التي تحيض وهي ثلاثة قروء في قوله تعالى: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (سورة البقرة: الآية 228).
قال السرخسي في المبسوط
( بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تزوج عائشة - رضي الله عنها - وهي صغيرة بنت ستة سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين وكانت عنده تسعاً) و الحديث دليل على جواز نكاح الصغير والصغيرة بتزويج الآباء.
بخلاف ما يقوله ابن شبرمة وأبو بكر الأصم - رحمهم الله تعالى - أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا لقوله تعالى {حتى إذا بلغوا النكاح} فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة ولأن ثبوت الولاية على الصغيرة لحاجة المولى عليه حتى أن فيما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات ولا حاجة بهما إلى النكاح، لأن مقصود النكاح طبعاً هو قضاء الشهوة وشرعاً النسل والصغر ينافيهما ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ وحجتنا قوله تعالى {واللاتي لم يحضن} (الطلاق: 4) بين الله تعالى عدة الصغيرة وسبب العدة شرعاً هو النكاح، وذلك دليل تصور نكاح الصغيرة والمراد بقوله تعالى {حتى إذا بلغوا النكاح} (النساء: 6) الاحتلام ثم حديث عائشة - رضي الله عنها - نص فيه وكذلك سائر ما ذكرنا من الآثار فإن قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير - رضي الله عنه - يوم ولدت، وقال إن مت فهي خير ورثتي وإن عشت فهي بنت الزبير- وزوج ابن عمر رضي الله عنه بنتاً له صغيرة من عروة بن الزبير - رضي الله عنه - وزوج عروة بن الزبير - رضي الله عنه - بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران ووهب رجل ابنته الصغيرة من عبدالله بن الحسن فأجاز ذلك علي رضي الله عنه - وزوجت امرأة ابن مسعود رضي الله عنه بنتاً لها صغيرة ابناً للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبدالله رضي الله عنه - واما أبو بكر الأصم - رحمه الله تعالى - كان أصم لم يسمع هذه الأحاديث، والمعنى فيه أن النكاح من جملة المصالح وضعاً في حق الذكور والإناث جميعاً وهو يشتمل على أغراض ومقاصد لا يتوفر ذلك إلا بين الأكفاء، والكفء لا يتفق في كل وقت فكانت الحاجة ماسة إلى إثبات الولاية للولي في صغرها ولأنه لو انتظر بلوغها لفات ذلك الكفء ولا يوجد مثله ولما كان هذا العقد يعقد للعمر تتحقق الحاجة إلى ما هو من مقاصد هذا العقد فتجعل تلك الحاجة كالمتحققة للحال لإثبات الولاية للولي
قال الجزيري في فقهه
الآيسات من المحيض نوعان: إحداهما الصغيرة التي دون تسع سنين، فإنها إذا رأت الدم كان دم فساد.
هل تجب العدة على الصغيرة
قال المالكية لا تجب العدة على الصغيرة إلا إذا كانت تطيق الوطء، ولو كانت دون تسع سنين، أما إذا لم تطق الوطء فإنها لا تجب عليها العدة، ولو كانت تزيد على تسع، وعلى كل حال فعدتها بالأشهر ما لم تحض.
وقال الحنابلة إذا طلق الزوج صغيرة لا يوطأ مثلها، وهي التي دون تسع سنين، فإنها لا تعتد، ولو دخل بها وأولج فيها، وقد عرفت أنه لا عدة عليها أيضاً إذا وطئها صغير دون عشر سنين أما بنت تسع فإن عليها العدة إذا وطئها ابن عشر، لاحتمال التلذذ والإمناء.
قال الشافعية الصغيرة التي لا تطيق الوطء لا تجب عليها العدة. وكذا إذا كان طفلاً، فإنه لا يعتد بوطئه، كابن سنة مثلاً.
وقال الحنفية العدة تجب على الصغيرة، ولو طفلة، ثم إنه إن طلق الصغيرة التي لم تحض وكانت دون تسع سنين، فإن عدتها تنقضي بالأشهر قولاً واحداً، ولو رأت الدم فيها على المعتمد لأنه لا يكون دم حيض، أما إذا كانت بنت تسع سنين فأكثر ولم تحض - ويقال لها المراهقة - ففيها قولان: أحدهما أن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر دون غيرها، وإذا حاضت في أثنائها انتقلت عدتها إلى حيض، وإلا فلا.و القول الثاني: أن عدتها لا تنقضي بالأشهر الثلاثة، بل ينبغي أن توقف حتى يتحقق من براءة رحمها بانقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام لأنها هي المدة التي يظهر فيها الحمل ويتحرك، فتنتظر زيادة على عدتها شهراً وعشرة أيام. فإذا لم يظهر الحمل بعد ذلك فإنه يعلم أن العدة قد انقضت بانقضاء ثلاثة أشهر. فإذا ادعت أنها بلغت خمس عشرة سنة فإنه يؤخذ بقولها، وإذا ادعت أنها بلغت بالاحتلام والإنزال، وهي دون خمس عشرة سنة فإنها تصدق أيضاً
واما من يتولى زواج الصغير والصغيرة
فقال مالك - رحمه الله تعالى - ليس لأحد سوى الأب تزويج الصغير والصغيرة.
وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - ليس لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة.
فمالك يقول القياس أن لا يجوز تزويجهما إلا أنا تركنا ذلك في حق الأب للآثار المروية فيه فبقي ما سواه على أصل القياس.
والشافعي - رحمه الله تعالى - استدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - (لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر) واليتيمة الصغيرة التي لا أب لها قال - صلى الله عليه وسلم - لا يتم بعد الحلم، فقد نفي في هذا الحديث نكاح اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر وفي الحديث أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه عثمان بن مظعون من ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - فردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال إنها يتيمة وإنها لا تنكح حتى تستأمر وهو المعنى في المسألة فنقول هذه يتيمة فلا يجوز تزويجها بغير رضاها كالبالغة،
وتأثير هذا الوصف أن مزوج اليتيمة قاصر الشفقة عليها ولقصور الشفقة لا تثبت ولايته في المال وحاجتها إلى التصرف في المال في الصغر أكثر من حاجتها إلى التصرف في النفس، فإذا لم يثبت للولي ولاية التصرف في مالها مع الحاجة إلى ذلك فلأن لا يثبت له ولاية التصرف في نفسها كان أولى وحجتنا قوله تعالى {إذا خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} الآية معناه في نكاح اليتامى وإنما يتحقق هذا الكلام إذا كان يجوز نكاح اليتيمة وقد نقل عن عائشة - رضي الله عنها - في تأويل الآية أنها نزلت في يتيمة تكون في حجر وليها يرغب في مالها وجمالها ولا يقسط في صداقها فنهوا عن نكاحهن حتى يبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، وقالت في تأويل قوله تعالى في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن ما كتب لهن أنها نزلت في يتيمة تكون في حجر وليها ولا يرغب في نكاحها لدمامتها ولا يزوجها من غيره كيلا يشاركه في مالها فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر الأولياء بتزوج اليتامى أو بتزويجهن من غيرهم،
فذلك دليل على جواز تزويج اليتيمة وزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنت عمه حمزة رضي الله عنه من عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنه - وهي صغيرة والآثار في جواز ذلك مشهورة عن عمر وعلي وعبدالله بن مسعود وابن عمر وأبي هريرة رضوان الله عليهم والمعنى فيه أنه وليها بعد البلوغ فيكون ولياً لها في حال الصغر كالأب والجد وهذا لأن تأثير البلوغ في زوال الولاية فإذا جعل هو ولياً بعد بلوغها بهذا السبب عرفنا أنه وليها في حال الصغر وبه فارق المال لأنه لا يستفيد الولاية بهذا السبب في المال بحال، وكان المعنى فيه أن المال تجري فيه الجنايات الخفية وهذا الولي قاصر الشفقة فربما يحمله ذلك على ترك النظر لها، فأما الجناية في النفس من حيث التقصير في المهر والكفاءة وذلك ظاهر يوقف عليه إن فعله يرد عليه تصرفه ولأنه لا حاجة إلى إثبات الولاية لهؤلاء في المال، فإن الوصي يتصرف في المال والأب متمكن من نصب الوصي وباعتباره تنعدم حاجتها فأما التصرف في النفس لا يحتمل الإيصاء إلى الغير، فلهذا يثبت للأولياء بطريق القيام مقام الآباء والمراد بالحديث اليتيمة البالغة قال الله تعالى {وآتوا اليتامى أموالهم} والمراد البالغين والدليل عليه أنه مده إلى غاية الاستئمار، وإنما تستأمر البالغة دون الصغيرة
وتأويل حديث قدامة - رضي الله عنه - أنها بلغت فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختارت نفسها ألا ترى أنه روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال والله لقد انتزعت مني بعد أن ملكتها فإذا ثبت جواز تزويج الأولياء الصغير والصغيرة فلهما الخيار إذا أدركا في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وهو قول ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهما - وبه كان يقول أبو يوسف - رحمه الله تعالى - ثم رجع وقال لا خيار لهما، وهو قول عروة بن الزبير - رضي الله عنهما - قال: لأن هذا عقد عقد بولاية مستحقة بالقرابة فلا يثبت فيه خيار البلوغ كعقد الأب والجد
وعلى هذا فلاعبرة بمن قال بتحديد نكاح الصغير والصغيرة ورددنا كلامه بالنص الذي ورد الينا عن السيدة عائشة رضي الله عنها ( 1) وبالنصوص التي اوردها العلامة السرخسي
.................................................. ...............................
1- اقول ان النص ورد في صحيح البخاري ومسلم وقد اجمعت الامة على صحتهما وتلقتهما بالقبول
2- قول الصحابي حجه عندي وراجع ان شئت كتب الاصول
3- من قال ان النبي صلى الله عليه وسلم له خصوصية طالبناه بالدليل على الخصوصية من باب اذا نقلت فالصحة واذا ادعيت فالدليل وخصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم لاتثبت بالتحلي وانما بالدليل كما في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من اربعة وتخصيص الشارع لنا بأربع
4- وعلى هذا يكون من طعن بخبر السيدة عائشة رضي الله عنها قد طعن بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وبشرع الله سبحانه وتعالى
فالمرأة التي تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر من الله عن طريق المنام هي السيدة عائشة رضي الله عنها. وقد ثبت ذلك في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أريتك في المنام ثلاث ليالٍ. جاءني بك الملَك في سرقةٍ من حرير. فيقول هذه امرأتك؟ فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي. فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه" (سرقة من حرير: قطعة حرير جيد )
وحيث يقول المولى سبحانه وتعالى ( وما كان ربك نسيا ) ويقول (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ )
.................................................. ..................................
تنبيــــــــــــــــــــــــــه
قد يعترض البعض فيقول بناء على ماتقدم مما سقتموه يجوز وطء الرضيعة ولم يرد تخصيص
قلت اخرج البخاري ومسلم عن عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: بينا أنا أمشي مع عبد الله رضي الله عنه فقال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء
والباءة كما قال العلماء هي الجماع في اصح الاقوال فتقاس على الذكر والانثى
ووطء الرضيعة محال عقلا لذلك لم يذكره الشارع وهو من باب العرف والمعروف عرفا كالمشروط شرطا
اما مجرد العقد فهو جائز من حين الولادة بناء على ماتقدم
قال القرطبي والطبري وابن كثيروالسيوطي والخازن والبغوي والالوسي والنسفي والنيسابوري والزمخشري وأبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان في المحيط والشوكاني في الفتح وابن الجوزي في زاد المسيروالرازي في تفسيره وابن عباس في تنوير المقباس وإبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسورو ابن عادل في اللباب و أبو السعود في إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم وابن عاشور في التحريرو سيد قطب في الظلال وابن عجيبة في تفسيره والطنطاوي في الوسيط وابن السعدي في التيسير
(واللائي لم يحضن) يعني الصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر؛. وإنما كانت عدتها بالأشهر لعدم الأقراء فيها عادة، والأحكام إنما أجراها الله تعالى على العادات؛ فهي تعتد بالأشهر. فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء أنتقلت إلى الدم لوجود الأصل، وإذا وجد الأصل لم يبق للبدل حكم؛ كما أن المسنة إذا اعتدت بالدم ثم ارتفع عادت إلى الأشهر. وهذا إجماع.
قال السيوطي في تفسيره
أخرج إسحق بن راهويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي بن كعب أن ناسا من أهل المدينة لما أنزلت هذه الآية التي في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء مدة لم تذكر في القرآن: الصغار والكبار اللائي قد انقطع عنهن الحيض وذوات الحمل، فأنزل الله التي في سورة النساء القصرى {واللائي يئسن من المحيض} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه من وجه آخر عن أبي كعب قال: لما نزلت عدة المتوفى والمطلقة قلت يا رسول الله: بقي نساء الصغيرة والكبيرة والحامل فنزلت {واللائي يئسن من المحيض} الآية.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق الثوري عن إسماعيل قال: لما نزلت هذه الآية (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (سورة البقرة الآية 228) سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أرأيت التي لم تحض، والتي قد يئست من المحيض فاختلفوا فيهما، فأنزل الله {إن اربتتم} يعني، إن شككتم {فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن بمنزلتهن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}.
قال ابن حجر في الفتح في
(باب إنكاح الرجل ولده الصغار)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا
ضبط ولده بضم الواو وسكون اللام على الجمع وهو واضح، وبفتحهما على أنه اسم جنس، وهو أعم من الذكور والإناث.
لقول الله تعالى(واللائي لم يحضن) فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ أي فدل على أن نكاحها قبل البلوغ جائز، وهو استنباط حسن، لكن ليس في الآية تخصيص ذلك بالوالد ولا بالبكر.
ويمكن أن يقال الأصل في الإيضاع التحريم إلا ما دل عليه الدليل، وقد ورد حديث عائشة في تزويج أبي بكر لها وهي دون البلوغ فبقي ما عداه على الأصل، ولهذا السر أورد حديث عائشة، وفي صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت:تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين.
وفي صحيح مسلم عن عروةعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع، سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين ولُعَبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة.
وقد تواترت كتب الحديث والسيرة وشروح الحديث على ذلك، وانظرعلى سبيل المثال الروض الأنف (4/427)للسهيلي،وسبل الهدى والرشاد فيسيرة خير العباد للصالحي
الشامي (11/164). والبداية والنهاية لابن كثير.
و ظاهر كلام المحدثين وأصحاب السير أن عائشة ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنين، وقيل سبع، ودخل بها وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة. ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج فوعكت فتمزق شعري، فوفى جميمة، فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها، لاأدري ما تريد بي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن وأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين.
قال المهلب: أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة
البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها، إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ، وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا أن الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه، ومقابله وتجويز الحسن والنخعي للأب إجبار بنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق يونس عن الزهري قال: الارتياب والله أعلم في المرأة التي تشك في قعودها عن الولد وفي حيضها أتحيض أو لا، وتشك في انقطاع حيضها بعد أن كانت تحيض وتشك في صغرها هل بلغت المحيض أم لا؟ وتشك في حملها أبلغت أن تحمل أو لا؟ فما ارتبتم فيه من ذلك فالعدة فيه ثلاثة أشهر
قال الحاكم في مستدركه
أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، حدثنا محمد بن عبد السلام، حدثنا إسحاق، أنبأ جرير، عن مطرف بن طريف، عن عمرو بن سالم، عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - قال:
لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد من عدد النساء قالوا قد بقي عدد من النساء لم يذكرن الصغار، والكبار، ولا من انقطعت عنهن الحيض، وذوات الأحمال.
فأنزل الله - عز وجل - الآية التي في سورة النساء {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق:4]
صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
قال الامام مالك في الموطأ في معرض هذه الآية
وحاصله أن العدة المذكورة في كتاب اللّه على أربعة أوجه لأربعة أقسام، أحدها: العدة للحامل سواء كانت مطلقة أو متوفَّى عنها زوجها، وهي وضع الحمل في قوله تعالى: { وأولاتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أن يضعنَ حملهنَّ} (سورة الطلاق: الآية 4) وثانيها: العدة للآيسة التي أيست لِكَبرِها فارتفع حيضها. ثالثها: العدة للصغيرة التي لم تبلغ مبلغ الحيض، وهي ثلاثة قروء، في قوله تعالى: {والائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتُم فعدَّ تُهُنَّ ثلاثةُ أشهر واللائي لم يحضن} (سورة الطلاق: الآية: 4). ورابعها: العدة للمطلقة التي تحيض وهي ثلاثة قروء في قوله تعالى: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (سورة البقرة: الآية 228).
قال السرخسي في المبسوط
( بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تزوج عائشة - رضي الله عنها - وهي صغيرة بنت ستة سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين وكانت عنده تسعاً) و الحديث دليل على جواز نكاح الصغير والصغيرة بتزويج الآباء.
بخلاف ما يقوله ابن شبرمة وأبو بكر الأصم - رحمهم الله تعالى - أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا لقوله تعالى {حتى إذا بلغوا النكاح} فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة ولأن ثبوت الولاية على الصغيرة لحاجة المولى عليه حتى أن فيما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات ولا حاجة بهما إلى النكاح، لأن مقصود النكاح طبعاً هو قضاء الشهوة وشرعاً النسل والصغر ينافيهما ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ وحجتنا قوله تعالى {واللاتي لم يحضن} (الطلاق: 4) بين الله تعالى عدة الصغيرة وسبب العدة شرعاً هو النكاح، وذلك دليل تصور نكاح الصغيرة والمراد بقوله تعالى {حتى إذا بلغوا النكاح} (النساء: 6) الاحتلام ثم حديث عائشة - رضي الله عنها - نص فيه وكذلك سائر ما ذكرنا من الآثار فإن قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير - رضي الله عنه - يوم ولدت، وقال إن مت فهي خير ورثتي وإن عشت فهي بنت الزبير- وزوج ابن عمر رضي الله عنه بنتاً له صغيرة من عروة بن الزبير - رضي الله عنه - وزوج عروة بن الزبير - رضي الله عنه - بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران ووهب رجل ابنته الصغيرة من عبدالله بن الحسن فأجاز ذلك علي رضي الله عنه - وزوجت امرأة ابن مسعود رضي الله عنه بنتاً لها صغيرة ابناً للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبدالله رضي الله عنه - واما أبو بكر الأصم - رحمه الله تعالى - كان أصم لم يسمع هذه الأحاديث، والمعنى فيه أن النكاح من جملة المصالح وضعاً في حق الذكور والإناث جميعاً وهو يشتمل على أغراض ومقاصد لا يتوفر ذلك إلا بين الأكفاء، والكفء لا يتفق في كل وقت فكانت الحاجة ماسة إلى إثبات الولاية للولي في صغرها ولأنه لو انتظر بلوغها لفات ذلك الكفء ولا يوجد مثله ولما كان هذا العقد يعقد للعمر تتحقق الحاجة إلى ما هو من مقاصد هذا العقد فتجعل تلك الحاجة كالمتحققة للحال لإثبات الولاية للولي
قال الجزيري في فقهه
الآيسات من المحيض نوعان: إحداهما الصغيرة التي دون تسع سنين، فإنها إذا رأت الدم كان دم فساد.
هل تجب العدة على الصغيرة
قال المالكية لا تجب العدة على الصغيرة إلا إذا كانت تطيق الوطء، ولو كانت دون تسع سنين، أما إذا لم تطق الوطء فإنها لا تجب عليها العدة، ولو كانت تزيد على تسع، وعلى كل حال فعدتها بالأشهر ما لم تحض.
وقال الحنابلة إذا طلق الزوج صغيرة لا يوطأ مثلها، وهي التي دون تسع سنين، فإنها لا تعتد، ولو دخل بها وأولج فيها، وقد عرفت أنه لا عدة عليها أيضاً إذا وطئها صغير دون عشر سنين أما بنت تسع فإن عليها العدة إذا وطئها ابن عشر، لاحتمال التلذذ والإمناء.
قال الشافعية الصغيرة التي لا تطيق الوطء لا تجب عليها العدة. وكذا إذا كان طفلاً، فإنه لا يعتد بوطئه، كابن سنة مثلاً.
وقال الحنفية العدة تجب على الصغيرة، ولو طفلة، ثم إنه إن طلق الصغيرة التي لم تحض وكانت دون تسع سنين، فإن عدتها تنقضي بالأشهر قولاً واحداً، ولو رأت الدم فيها على المعتمد لأنه لا يكون دم حيض، أما إذا كانت بنت تسع سنين فأكثر ولم تحض - ويقال لها المراهقة - ففيها قولان: أحدهما أن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر دون غيرها، وإذا حاضت في أثنائها انتقلت عدتها إلى حيض، وإلا فلا.و القول الثاني: أن عدتها لا تنقضي بالأشهر الثلاثة، بل ينبغي أن توقف حتى يتحقق من براءة رحمها بانقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام لأنها هي المدة التي يظهر فيها الحمل ويتحرك، فتنتظر زيادة على عدتها شهراً وعشرة أيام. فإذا لم يظهر الحمل بعد ذلك فإنه يعلم أن العدة قد انقضت بانقضاء ثلاثة أشهر. فإذا ادعت أنها بلغت خمس عشرة سنة فإنه يؤخذ بقولها، وإذا ادعت أنها بلغت بالاحتلام والإنزال، وهي دون خمس عشرة سنة فإنها تصدق أيضاً
واما من يتولى زواج الصغير والصغيرة
فقال مالك - رحمه الله تعالى - ليس لأحد سوى الأب تزويج الصغير والصغيرة.
وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - ليس لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة.
فمالك يقول القياس أن لا يجوز تزويجهما إلا أنا تركنا ذلك في حق الأب للآثار المروية فيه فبقي ما سواه على أصل القياس.
والشافعي - رحمه الله تعالى - استدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - (لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر) واليتيمة الصغيرة التي لا أب لها قال - صلى الله عليه وسلم - لا يتم بعد الحلم، فقد نفي في هذا الحديث نكاح اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر وفي الحديث أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه عثمان بن مظعون من ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - فردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال إنها يتيمة وإنها لا تنكح حتى تستأمر وهو المعنى في المسألة فنقول هذه يتيمة فلا يجوز تزويجها بغير رضاها كالبالغة،
وتأثير هذا الوصف أن مزوج اليتيمة قاصر الشفقة عليها ولقصور الشفقة لا تثبت ولايته في المال وحاجتها إلى التصرف في المال في الصغر أكثر من حاجتها إلى التصرف في النفس، فإذا لم يثبت للولي ولاية التصرف في مالها مع الحاجة إلى ذلك فلأن لا يثبت له ولاية التصرف في نفسها كان أولى وحجتنا قوله تعالى {إذا خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} الآية معناه في نكاح اليتامى وإنما يتحقق هذا الكلام إذا كان يجوز نكاح اليتيمة وقد نقل عن عائشة - رضي الله عنها - في تأويل الآية أنها نزلت في يتيمة تكون في حجر وليها يرغب في مالها وجمالها ولا يقسط في صداقها فنهوا عن نكاحهن حتى يبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، وقالت في تأويل قوله تعالى في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن ما كتب لهن أنها نزلت في يتيمة تكون في حجر وليها ولا يرغب في نكاحها لدمامتها ولا يزوجها من غيره كيلا يشاركه في مالها فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر الأولياء بتزوج اليتامى أو بتزويجهن من غيرهم،
فذلك دليل على جواز تزويج اليتيمة وزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنت عمه حمزة رضي الله عنه من عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنه - وهي صغيرة والآثار في جواز ذلك مشهورة عن عمر وعلي وعبدالله بن مسعود وابن عمر وأبي هريرة رضوان الله عليهم والمعنى فيه أنه وليها بعد البلوغ فيكون ولياً لها في حال الصغر كالأب والجد وهذا لأن تأثير البلوغ في زوال الولاية فإذا جعل هو ولياً بعد بلوغها بهذا السبب عرفنا أنه وليها في حال الصغر وبه فارق المال لأنه لا يستفيد الولاية بهذا السبب في المال بحال، وكان المعنى فيه أن المال تجري فيه الجنايات الخفية وهذا الولي قاصر الشفقة فربما يحمله ذلك على ترك النظر لها، فأما الجناية في النفس من حيث التقصير في المهر والكفاءة وذلك ظاهر يوقف عليه إن فعله يرد عليه تصرفه ولأنه لا حاجة إلى إثبات الولاية لهؤلاء في المال، فإن الوصي يتصرف في المال والأب متمكن من نصب الوصي وباعتباره تنعدم حاجتها فأما التصرف في النفس لا يحتمل الإيصاء إلى الغير، فلهذا يثبت للأولياء بطريق القيام مقام الآباء والمراد بالحديث اليتيمة البالغة قال الله تعالى {وآتوا اليتامى أموالهم} والمراد البالغين والدليل عليه أنه مده إلى غاية الاستئمار، وإنما تستأمر البالغة دون الصغيرة
وتأويل حديث قدامة - رضي الله عنه - أنها بلغت فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختارت نفسها ألا ترى أنه روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال والله لقد انتزعت مني بعد أن ملكتها فإذا ثبت جواز تزويج الأولياء الصغير والصغيرة فلهما الخيار إذا أدركا في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وهو قول ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهما - وبه كان يقول أبو يوسف - رحمه الله تعالى - ثم رجع وقال لا خيار لهما، وهو قول عروة بن الزبير - رضي الله عنهما - قال: لأن هذا عقد عقد بولاية مستحقة بالقرابة فلا يثبت فيه خيار البلوغ كعقد الأب والجد
وعلى هذا فلاعبرة بمن قال بتحديد نكاح الصغير والصغيرة ورددنا كلامه بالنص الذي ورد الينا عن السيدة عائشة رضي الله عنها ( 1) وبالنصوص التي اوردها العلامة السرخسي
.................................................. ...............................
1- اقول ان النص ورد في صحيح البخاري ومسلم وقد اجمعت الامة على صحتهما وتلقتهما بالقبول
2- قول الصحابي حجه عندي وراجع ان شئت كتب الاصول
3- من قال ان النبي صلى الله عليه وسلم له خصوصية طالبناه بالدليل على الخصوصية من باب اذا نقلت فالصحة واذا ادعيت فالدليل وخصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم لاتثبت بالتحلي وانما بالدليل كما في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من اربعة وتخصيص الشارع لنا بأربع
4- وعلى هذا يكون من طعن بخبر السيدة عائشة رضي الله عنها قد طعن بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وبشرع الله سبحانه وتعالى
فالمرأة التي تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر من الله عن طريق المنام هي السيدة عائشة رضي الله عنها. وقد ثبت ذلك في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أريتك في المنام ثلاث ليالٍ. جاءني بك الملَك في سرقةٍ من حرير. فيقول هذه امرأتك؟ فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي. فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه" (سرقة من حرير: قطعة حرير جيد )
وحيث يقول المولى سبحانه وتعالى ( وما كان ربك نسيا ) ويقول (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ )
.................................................. ..................................
تنبيــــــــــــــــــــــــــه
قد يعترض البعض فيقول بناء على ماتقدم مما سقتموه يجوز وطء الرضيعة ولم يرد تخصيص
قلت اخرج البخاري ومسلم عن عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: بينا أنا أمشي مع عبد الله رضي الله عنه فقال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء
والباءة كما قال العلماء هي الجماع في اصح الاقوال فتقاس على الذكر والانثى
ووطء الرضيعة محال عقلا لذلك لم يذكره الشارع وهو من باب العرف والمعروف عرفا كالمشروط شرطا
اما مجرد العقد فهو جائز من حين الولادة بناء على ماتقدم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق