وفد عند ملك الروم يباحثهم ويريهم صور الأنبياء
وفد عند ملك الروم يباحثهم
ويريهم صور الأنبياء
أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري، قال حدثنا الحسن ابن علي بن زكرياء العدوي أبو سعيد البصري قال حدثنا أحمد بن محمد المكي أبو بكر قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المديني عن محمد بن عبد الواحد الكوفي قال حدثنا محمد بن أبي بكر الأنصاري عن عبادة بن الصامت، وكان عقبياً بدرياً نقيباً، أنه قال:
بعثني أبو بكر رضي الله عنه إلى ملك الروم يدعوه إلى الإسلام ويرغبه فيه، ومعي عمرو بن العاص بن وائل السهمي، وهشام بن العاص بن وائل السهمي وعدي بن كعب ونعيم بن عبيد الله النحام، فخرجنا حتى قدمنا على جبلة بن الأيهم دمشق، فأدخلنا على ملكهم بها الرومي، فإذا هو على فرش له مع الأسقف، فأجلسنا وبعث إلينا رسوله وسألنا أن نكلمه، فقلنا: لا والله لا نكلمه برسول بيننا وبينه، فإن كان له في كلامنا حاجة فليقربنا منه، فأمر بسلم فوضع ونزل إلى فرش له في الأرض فقربنا، فإذا هو عليه ثياب سود مسوح، فقال له هشام بن العاص بن وائل: ما هذه المسوح التي عليك؟ قال: لبستها ناذراً أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام، فقلنا: قال القاضي: وذكر كلاماً خفي علي من كتابي معناه: بل نملك مجلسك وبعده ملككم الأعظم فوالله لنأخذنه إن شاء الله، فإنه قد أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم الصادق البار، قال: إذاً أنتم السمراء، قلنا: وما السمراء؟ قال: لستم بها، قلنا: ومن هم قال: الذين يقومون الليل ويصومون النهار، قال فقلنا: نحن والله هم، قال فقال: وكيف صومكم وصلاتكم وحالكم؟ فوصفنا له أمرنا، فنظر إلى أصحابه وراطنهم وقال لنا: ارتفعوا، ثم علا وجهه سواد حتى كأنه قطعة مسح من شدة سواده، وبعث معنا رسلاً إلى ملكهم الأعظم بالقسطنطينية فخرجنا حتى انتهينا إلى مدينتهم، ونحن على رواحلنا علينا العمائم والسيوف، فقال لنا الذين معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم جئناكم ببراذين وبغال، قلنا: لا والله لا ندخلها إلا على رواحلنا، فبعثوا إليه يستأذنونه، فبعث إليهم أن خلوا سبيلهم، فدخلنا على رواحلنا حتى انتهينا إلى غرفة مفتوحة الباب، فإذا هو جالس فيها ينظر، قال: فأنخنا تحتها ثم قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيعلم الله لانتفضت حتى كأنها نخلة تصفقها الريح، فبعث إلينا رسولاً: إن هذا ليس لكم أن تجهروا بدينكم في بلادنا، وأمر بنا فأدخلنا عليه، فإذا هو مع بطارقته، وإذا عليه ثياب حمر، وإذا فرشه وما حواليه أحمر، وإذا رجل فصيح بالعربية يكتب، فأومأ إلينا فجلسنا ناحيته فقال لنا وهو يضحك: ما منعكم أن تحيوني بتحيتكم فيما بينكم؟ فقلنا: نرغب بها عنك، وأما تحيتك التي لا ترضى إلا بها فإنا لا يحل لنا أن نحييك بها، قال: وما تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: السلام، قال: فما كنتم تحيون به نبيكم؟ قلنا: بها، قال: فما كان تحيته هو؟؟ قلنا: بها، قال: فبم تحيون ملككم اليوم؟ قلنا: بها، قال: فبم يحييكم؟ قلنا: بها، قال: فما كان نبيكم يرث منكم؟ قلنا: ما كان يرث إلا ذا قرابة، قال: وكذلك ملككم اليوم؟ قلنا: نعم، قال: فما أعظم كلامكم عندكم؟ قلنا: لا إله إلا الله، قال: فيعلم الله لانتفض حتى كأنه طير ذو ريش من حسن ثيابه، ثم فتح عينيه في وجوههنا، قال فقال: هذه الكلمة التي قلتموها حين نزلتم تحت غرفتي؟ قلنا: نعم، قال: كذلك إذا قلتموها في بيوتكم تنفضت لها سقوفكم؟ قلنا: والله ما رأيناها صنعت هذا قط إلا عندك، وما ذلك إلا لأمر أراده الله تعالى، قال: ما أحسن الصدق! أما والله لوددت أني خرجت من نصف ما أملك وأنكم لا تقولونها على شيء إلا انتفض لها، قلنا: ولم ذاك؟ قال: ذلك أيسر لشأنها وأحرى أن لا تكون من النبوة وأن تكون من حيل ولد آدم، قال: فماذا تقولون إذا فتحتم المدائن والحصون؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، قال: تقولون لا إله إلا الله والله أكبر ليس غيره شيء؟ قلنا: نعم، قال وتقولون: الله أكبر الله أكبر هو أكبر من كل شيء، قلنا: نعم، قال: فنظر إلى أصحابه فراطنهم ثم أقبل علينا فقال: تدرون ما قلت لهم؟ قلت: ما أشد اختلاطهم. ثم أمر لنا بمنزل وأجرى لنا نزلاً فأقمنا في منزلنا تأتينا ألطافه غدوة وعشيةً ثم بعث إلينا فدخلنا عليه ليلاً وحده ليس معه أحد، فاستعادنا الكلام فأعدناه عليه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة ضخمة مذهبة فوضعها بين يديه ثم فتحها فإذا فيها بيوت وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء وإذا رجل شبه المرأة ذو عجيزة وساقين، وسأل قال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا داود عليه السلام، فأعادها وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل أوقص قصير الظهر طويل الرجلين على فرس لكل شيء منه جناح، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا سليمان وهذه الريح تحمله عليه السلام. ثم أعادها وفتح بيتاً آخر فيه حريرة خضراء، فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل شاب حسن الوجه حسن العينين شديد سواد اللحية يشبه بعضه بعضاً فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا عيسى بن مريم عليه السلام فأعادها وأطبق الربعة، قال قلنا: فأخبرنا عن قصة الصور ما حالها فإنا نعلم أنها تشبه الذين صورت صورهم فإنا رأينا نبينا صلى الله عليه وسلم يشبه صورته قال: أخبرت أن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه أنبياء بنيه فأنزل عليه صورهم فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم في مغرب الشمس فصورها لنا دانيال في خرق الحرير على تلك الصور فهي هذه بعينها، أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج من ملكي فتابعتكم على دينكم، وأن أكون عبداً لأسوئكم ملكة، ولكن نفسي لا تطيب، فأجازنا وأحسن جوائزنا وبعث معنا من يخرجنا إلى مأمننا فانصرفنا إلى رحالنا.صغار عليها أبواب، ففتح منها بيتاً فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فنشرها، فإذا فيها صورة حمراء، وإذا رجل ضخم العينين عظيم الاليتين لم ير مثل طول عنقه في مثل جسده، أكثر الناس شعراً، فقال لنا: هل تدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا آدم صلى الله عليه، ثم أعاده وفتح باباً آخر فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فنشرها فإذ فيها صورة بيضاء، وإذا رجل أشعر كثير الشعر قال القاضي: أراه قال: ضخم العينين بعيد ما بين المنكبين عظيم الهامة فقال: هل تدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا نوح عليه السلام، ثم أعادها في موضعها وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء، فإذا فيها صورة شديدة البياض، فإذا رجل حسن العينين شارع الأنف سهل الخدين أشيب الرأس أبيض اللحية كأنه حي يتنفس فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ثم أعادها وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فإذا فيها صورة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: هذا محمد صلى الله عليه وسلم وبكينا، فقال: بدينكم أنه محمد؟ قلنا: نعم بديننا إنها صورته كأنما ننظر إليه حياً، قال: فاستخف حتى قام على رجليه قائماً ثم جلس فأمسك طويلاً فنظر في وجوهنا قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لأنظر ما عندكم، فأعاده وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فإذا فيها صورة رجل جعد أبيض قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان مقلص الشفة كأنه من رجال أهل البادية فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا موسى صلى الله عليه وسلم وإلى جانبه صورة شبيهة به رجل مدور الرأس عريض الجبين بعينه قبل قال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا هارون عليه السلام. وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء وإذا رجل شبه المرأة ذو عجيزة وساقين، وسأل قال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا داود عليه السلام، فأعادها وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل أوقص قصير الظهر طويل الرجلين على فرس لكل شيء منه جناح، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا سليمان وهذه الريح تحمله عليه السلام. ثم أعادها وفتح بيتاً آخر فيه حريرة خضراء، فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل شاب حسن الوجه حسن العينين شديد سواد اللحية يشبه بعضه بعضاً فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا عيسى بن مريم عليه السلام فأعادها وأطبق الربعة، قال قلنا: فأخبرنا عن قصة الصور ما حالها فإنا نعلم أنها تشبه الذين صورت صورهم فإنا رأينا نبينا صلى الله عليه وسلم يشبه صورته قال: أخبرت أن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه أنبياء بنيه فأنزل عليه صورهم فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم في مغرب الشمس فصورها لنا دانيال في خرق الحرير على تلك الصور فهي هذه بعينها، أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج من ملكي فتابعتكم على دينكم، وأن أكون عبداً لأسوئكم ملكة، ولكن نفسي لا تطيب، فأجازنا وأحسن جوائزنا وبعث معنا من يخرجنا إلى مأمننا فانصرفنا إلى رحالنا.
تعليق القاضي على الخبر المتقدم
قال القاضي: قد كنا أمللنا هذا الخبر من طريق آخر، ومعاني الخبرين متقاربة، ولما حضرنا هذا الخبر من هذا الطريق رسمناه هاهنا، وقد تضمن ما يدل على صدق نبيناً صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته على كثرة الأخبار والروايات فيه وشهادة الكتب السالفة مع تأييد الله جل اسمه إياه بالآيات التي أظهرها الله على يديه والأعلام الشاهدة له. وفي هذا الخبر عند ذكر داود عليه السلام وصفته بأنه ذو عجيزة وقد أنكر كثير من علماء الفقه أن يقال في الرجل: ذو عجيزة وذكروا أن هذا يقال في النساء خاصة دون الرجال، وذكروا أنه إنما يقال عجز فلان، وقد رأيت بعض أهل العلم قال في صفة الصلاة وما ينبغي للمصلي أن يكون عليه في صلاته: ويرفع عجيزته ولست أدري أهذا شيء وقع إليه من جهة اللغة أم ذكره لأنه وصف جملة المصلين ذكورهم وإناثهم وقد أتى في هذا الخبر ما وصفناه، والله أعلم بصواب ذلك.
انتهى من كتاب : الجليس الصالح والأنيس الناصح المؤلف : المعافى بن زكريا
أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري، قال حدثنا الحسن ابن علي بن زكرياء العدوي أبو سعيد البصري قال حدثنا أحمد بن محمد المكي أبو بكر قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المديني عن محمد بن عبد الواحد الكوفي قال حدثنا محمد بن أبي بكر الأنصاري عن عبادة بن الصامت، وكان عقبياً بدرياً نقيباً، أنه قال:
بعثني أبو بكر رضي الله عنه إلى ملك الروم يدعوه إلى الإسلام ويرغبه فيه، ومعي عمرو بن العاص بن وائل السهمي، وهشام بن العاص بن وائل السهمي وعدي بن كعب ونعيم بن عبيد الله النحام، فخرجنا حتى قدمنا على جبلة بن الأيهم دمشق، فأدخلنا على ملكهم بها الرومي، فإذا هو على فرش له مع الأسقف، فأجلسنا وبعث إلينا رسوله وسألنا أن نكلمه، فقلنا: لا والله لا نكلمه برسول بيننا وبينه، فإن كان له في كلامنا حاجة فليقربنا منه، فأمر بسلم فوضع ونزل إلى فرش له في الأرض فقربنا، فإذا هو عليه ثياب سود مسوح، فقال له هشام بن العاص بن وائل: ما هذه المسوح التي عليك؟ قال: لبستها ناذراً أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام، فقلنا: قال القاضي: وذكر كلاماً خفي علي من كتابي معناه: بل نملك مجلسك وبعده ملككم الأعظم فوالله لنأخذنه إن شاء الله، فإنه قد أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم الصادق البار، قال: إذاً أنتم السمراء، قلنا: وما السمراء؟ قال: لستم بها، قلنا: ومن هم قال: الذين يقومون الليل ويصومون النهار، قال فقلنا: نحن والله هم، قال فقال: وكيف صومكم وصلاتكم وحالكم؟ فوصفنا له أمرنا، فنظر إلى أصحابه وراطنهم وقال لنا: ارتفعوا، ثم علا وجهه سواد حتى كأنه قطعة مسح من شدة سواده، وبعث معنا رسلاً إلى ملكهم الأعظم بالقسطنطينية فخرجنا حتى انتهينا إلى مدينتهم، ونحن على رواحلنا علينا العمائم والسيوف، فقال لنا الذين معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم جئناكم ببراذين وبغال، قلنا: لا والله لا ندخلها إلا على رواحلنا، فبعثوا إليه يستأذنونه، فبعث إليهم أن خلوا سبيلهم، فدخلنا على رواحلنا حتى انتهينا إلى غرفة مفتوحة الباب، فإذا هو جالس فيها ينظر، قال: فأنخنا تحتها ثم قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيعلم الله لانتفضت حتى كأنها نخلة تصفقها الريح، فبعث إلينا رسولاً: إن هذا ليس لكم أن تجهروا بدينكم في بلادنا، وأمر بنا فأدخلنا عليه، فإذا هو مع بطارقته، وإذا عليه ثياب حمر، وإذا فرشه وما حواليه أحمر، وإذا رجل فصيح بالعربية يكتب، فأومأ إلينا فجلسنا ناحيته فقال لنا وهو يضحك: ما منعكم أن تحيوني بتحيتكم فيما بينكم؟ فقلنا: نرغب بها عنك، وأما تحيتك التي لا ترضى إلا بها فإنا لا يحل لنا أن نحييك بها، قال: وما تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: السلام، قال: فما كنتم تحيون به نبيكم؟ قلنا: بها، قال: فما كان تحيته هو؟؟ قلنا: بها، قال: فبم تحيون ملككم اليوم؟ قلنا: بها، قال: فبم يحييكم؟ قلنا: بها، قال: فما كان نبيكم يرث منكم؟ قلنا: ما كان يرث إلا ذا قرابة، قال: وكذلك ملككم اليوم؟ قلنا: نعم، قال: فما أعظم كلامكم عندكم؟ قلنا: لا إله إلا الله، قال: فيعلم الله لانتفض حتى كأنه طير ذو ريش من حسن ثيابه، ثم فتح عينيه في وجوههنا، قال فقال: هذه الكلمة التي قلتموها حين نزلتم تحت غرفتي؟ قلنا: نعم، قال: كذلك إذا قلتموها في بيوتكم تنفضت لها سقوفكم؟ قلنا: والله ما رأيناها صنعت هذا قط إلا عندك، وما ذلك إلا لأمر أراده الله تعالى، قال: ما أحسن الصدق! أما والله لوددت أني خرجت من نصف ما أملك وأنكم لا تقولونها على شيء إلا انتفض لها، قلنا: ولم ذاك؟ قال: ذلك أيسر لشأنها وأحرى أن لا تكون من النبوة وأن تكون من حيل ولد آدم، قال: فماذا تقولون إذا فتحتم المدائن والحصون؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، قال: تقولون لا إله إلا الله والله أكبر ليس غيره شيء؟ قلنا: نعم، قال وتقولون: الله أكبر الله أكبر هو أكبر من كل شيء، قلنا: نعم، قال: فنظر إلى أصحابه فراطنهم ثم أقبل علينا فقال: تدرون ما قلت لهم؟ قلت: ما أشد اختلاطهم. ثم أمر لنا بمنزل وأجرى لنا نزلاً فأقمنا في منزلنا تأتينا ألطافه غدوة وعشيةً ثم بعث إلينا فدخلنا عليه ليلاً وحده ليس معه أحد، فاستعادنا الكلام فأعدناه عليه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة ضخمة مذهبة فوضعها بين يديه ثم فتحها فإذا فيها بيوت وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء وإذا رجل شبه المرأة ذو عجيزة وساقين، وسأل قال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا داود عليه السلام، فأعادها وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل أوقص قصير الظهر طويل الرجلين على فرس لكل شيء منه جناح، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا سليمان وهذه الريح تحمله عليه السلام. ثم أعادها وفتح بيتاً آخر فيه حريرة خضراء، فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل شاب حسن الوجه حسن العينين شديد سواد اللحية يشبه بعضه بعضاً فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا عيسى بن مريم عليه السلام فأعادها وأطبق الربعة، قال قلنا: فأخبرنا عن قصة الصور ما حالها فإنا نعلم أنها تشبه الذين صورت صورهم فإنا رأينا نبينا صلى الله عليه وسلم يشبه صورته قال: أخبرت أن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه أنبياء بنيه فأنزل عليه صورهم فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم في مغرب الشمس فصورها لنا دانيال في خرق الحرير على تلك الصور فهي هذه بعينها، أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج من ملكي فتابعتكم على دينكم، وأن أكون عبداً لأسوئكم ملكة، ولكن نفسي لا تطيب، فأجازنا وأحسن جوائزنا وبعث معنا من يخرجنا إلى مأمننا فانصرفنا إلى رحالنا.صغار عليها أبواب، ففتح منها بيتاً فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فنشرها، فإذا فيها صورة حمراء، وإذا رجل ضخم العينين عظيم الاليتين لم ير مثل طول عنقه في مثل جسده، أكثر الناس شعراً، فقال لنا: هل تدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا آدم صلى الله عليه، ثم أعاده وفتح باباً آخر فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فنشرها فإذ فيها صورة بيضاء، وإذا رجل أشعر كثير الشعر قال القاضي: أراه قال: ضخم العينين بعيد ما بين المنكبين عظيم الهامة فقال: هل تدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا نوح عليه السلام، ثم أعادها في موضعها وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء، فإذا فيها صورة شديدة البياض، فإذا رجل حسن العينين شارع الأنف سهل الخدين أشيب الرأس أبيض اللحية كأنه حي يتنفس فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ثم أعادها وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فإذا فيها صورة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: هذا محمد صلى الله عليه وسلم وبكينا، فقال: بدينكم أنه محمد؟ قلنا: نعم بديننا إنها صورته كأنما ننظر إليه حياً، قال: فاستخف حتى قام على رجليه قائماً ثم جلس فأمسك طويلاً فنظر في وجوهنا قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لأنظر ما عندكم، فأعاده وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فإذا فيها صورة رجل جعد أبيض قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان مقلص الشفة كأنه من رجال أهل البادية فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا موسى صلى الله عليه وسلم وإلى جانبه صورة شبيهة به رجل مدور الرأس عريض الجبين بعينه قبل قال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا هارون عليه السلام. وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء وإذا رجل شبه المرأة ذو عجيزة وساقين، وسأل قال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا داود عليه السلام، فأعادها وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل أوقص قصير الظهر طويل الرجلين على فرس لكل شيء منه جناح، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا سليمان وهذه الريح تحمله عليه السلام. ثم أعادها وفتح بيتاً آخر فيه حريرة خضراء، فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل شاب حسن الوجه حسن العينين شديد سواد اللحية يشبه بعضه بعضاً فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا عيسى بن مريم عليه السلام فأعادها وأطبق الربعة، قال قلنا: فأخبرنا عن قصة الصور ما حالها فإنا نعلم أنها تشبه الذين صورت صورهم فإنا رأينا نبينا صلى الله عليه وسلم يشبه صورته قال: أخبرت أن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه أنبياء بنيه فأنزل عليه صورهم فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم في مغرب الشمس فصورها لنا دانيال في خرق الحرير على تلك الصور فهي هذه بعينها، أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج من ملكي فتابعتكم على دينكم، وأن أكون عبداً لأسوئكم ملكة، ولكن نفسي لا تطيب، فأجازنا وأحسن جوائزنا وبعث معنا من يخرجنا إلى مأمننا فانصرفنا إلى رحالنا.
تعليق القاضي على الخبر المتقدم
قال القاضي: قد كنا أمللنا هذا الخبر من طريق آخر، ومعاني الخبرين متقاربة، ولما حضرنا هذا الخبر من هذا الطريق رسمناه هاهنا، وقد تضمن ما يدل على صدق نبيناً صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته على كثرة الأخبار والروايات فيه وشهادة الكتب السالفة مع تأييد الله جل اسمه إياه بالآيات التي أظهرها الله على يديه والأعلام الشاهدة له. وفي هذا الخبر عند ذكر داود عليه السلام وصفته بأنه ذو عجيزة وقد أنكر كثير من علماء الفقه أن يقال في الرجل: ذو عجيزة وذكروا أن هذا يقال في النساء خاصة دون الرجال، وذكروا أنه إنما يقال عجز فلان، وقد رأيت بعض أهل العلم قال في صفة الصلاة وما ينبغي للمصلي أن يكون عليه في صلاته: ويرفع عجيزته ولست أدري أهذا شيء وقع إليه من جهة اللغة أم ذكره لأنه وصف جملة المصلين ذكورهم وإناثهم وقد أتى في هذا الخبر ما وصفناه، والله أعلم بصواب ذلك.
انتهى من كتاب : الجليس الصالح والأنيس الناصح المؤلف : المعافى بن زكريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق