هل الحج يكفر الكبائر ؟
هل الحج يكفر الكبائر ؟
ورد في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ...... والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ). رواه البخاري ومسلم.
وفي صحيح ابن حبان وغيره: ( وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيتباهى بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي.....فلم ير يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة.... )
وفي رواية: ( اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم وإن كان عدد قطر السماء... ).
فهذه الأحاديث وما أشبهها تدل دلالة واضحة على أن أهل عرفة مغفور لهم مهما كان عددهم، وما ذلك على الله بعزيز، فهو سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين وواسع المغفرة ورحمته وسعت كل شيء.
وقد رجح الحافظ ابن حجر في الفتح : غفران الصغائر والكبائر بالحج، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفر الصغائر دون الكبائر، وأنه لا بد للكبائر من توبة تخصها.
والحاصل : أن الحاج إذا حج ولم يرفث ولم يفسق، وقرن ذلك بالتوبة إلى الله تعالى من جميع ذنوبه، كفرت عنه الكبائر والصغائر فضلاً من الله ومنه.
ولما رأيت الشيخ ابن عابدين رحمه الله قد حقق في المسألة تحقيقاً مفصلاً أردت أن أنقل كلامه رحمه الله تعالى بطوله من الحاشية :
هل الحج يكفر الكبائر ؟
قيل : نعم كحربي أسلم .
وقيل : غير المتعلقة بالآدمي كذمي أسلم .
وقال عياض : أجمع أهل السنة أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة ، ولا قائل بسقوط الدين ولو حقا لله تعالى كدين صلاة وزكاة ، نعم إثم المطل وتأخير الصلاة ونحوها يسقط ، وهذا معنى التكفير على القول به ، وحديث ابن ماجه { أنه عليه الصلاة والسلام استجيب له حتى في الدماء والمظالم } ضعيف .
الشرح :
مطلب في تكفير الحج الكبائر :
( قوله قيل نعم إلخ ) أي لحديث ابن ماجه في سننه المروي عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه " { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة فأجيب إني قد غفرت لهم ما خلا المظالم فإني آخذ للمظلوم منه ، فقال : أي رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشية عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل } " الحديث .
وقال ابن حبان : إن كنانة روى عنه ابنه منكر الحديث وكلاهما ساقط الاحتجاج .
وقال البيهقي : هذا الحديث له شواهد كثيرة ذكرناها في كتاب الشعب ، فإن صح بشواهده ففيه الحجة وإلا فقد قال تعالى { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وظلم بعضهم بعضا دون الشرك ".اهـ
وروى ابن المبارك أنه صلى الله عليه وسلم قال :
" { إن الله عز وجل قد غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات ، فقام عمر فقال يا رسول الله هذا لنا خاصة ؟ قال : هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة ، فقال عمر رضي الله عنه كثر خير ربنا وطاب } " وتمامه في الفتح ، وساق فيه أحاديث أخر .
والحاصل أن حديث ابن ماجه وإن ضعف فله شواهد تصححه والآية أيضاً تؤيده ، ومما يشهد له أيضاً حديث البخاري مرفوعاً " { من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه } " وحديث مسلم مرفوعاً :
" { إن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وإن الحج يهدم ما كان قبله } " .
لكن ذكر الأكمل في شرح المشارق في هذا الحديث أن الحربي تحبط ذنوبه كلها بالإسلام والهجرة والحج ، حتى لو قتل وأخذ المال وأحرزه بدار الحرب ثم أسلم لم يؤاخذ بشيء من ذلك ، وعلى هذا كان الإسلام كافياً في تحصيل مراده ، ولكن ذكر صلى الله عليه وسلم الهجرة والحج تأكيداً في بشارته وترغيباً في مبايعته فإن الهجرة والحج لا يكفران المظالم ولا يقطع فيهما بمحو الكبائر ، وإنما يكفران الصغائر .
ويجوز أن يقال والكبائر التي ليست من حقوق أحد كإسلام الذمي .اهـ ملخصاً .
وكذا ذكر الإمام الطيبي في شرحه وقال : إن الشارحين اتفقوا عليه ، وهكذا ذكر النووي والقرطبي في شرح مسلم كما في البحر .
وفي شرح اللباب ومشى الطيبي على أن الحج يهدم الكبائر والمظالم .
ووقع منازعة غريبة بين أمير بادشاه من الحنفية حيث مال إلى قول الطيبي وبين الشيخ ابن حجر المكي من الشافعية ، وقد مال إلى قول الجمهور وكتبت رسالة في بيان هذه المسألة . اهـ .
قلت : وظاهر كلام الفتح الميل إلى تكفير المظالم أيضاً ، وعليه مشى الإمام والسرخسي في شرح السير الكبير وقاس عليه الشهيد الصابر المحتسب ، وعزاه أيضاً المناوي إلى القرطبي في شرح حديث " { من حج فلم يرفث } إلخ فقال : وهو يشمل الكبائر والتبعات ، وإليه ذهب القرطبي .
وقال عياض : هو محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها .
وقال الترمذي : هو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحق الله تعالى لا العباد ، ولا يسقط الحق نفسه بل من عليه صلاة يسقط عنه إثم تأخيرها لا نفسها ، فلو أخرها بعد تجدد إثم آخر .اهـ ونحوه في البحر ، وحقق ذلك البرهان اللقاني في شرحه الكبير على جوهرة التوحيد بأن قوله صلى الله عليه وسلم " { خرج من ذنوبه } :
" لا يتناول حقوق الله تعالى وحقوق عباده لأنها في الذمة ليست ذنباً وإنما الذنب المطل فيها ، فالذي يسقط إثم مخالفة الله تعالى . اهـ .
والحاصل : أن تأخير الدين وغيره وتأخير نحو الصلاة والزكاة من حقوقه تعالى ، فيسقط إثم التأخير فقط عما مضى دون الأصل ودون التأخير المستقبل .
قال في البحر : فليس معنى التكفير كما يتوهمه كثير من الناس أن الدين يسقط عنه ، وكذا قضاء الصلاة والصوم والزكاة إذ لم يقل أحد بذلك . اهـ .
وبهذا ظهر أن قول الشارح : كحربي أسلم في غير محله لاقتضائه كما قال ح سقوط نفس الحق ولا قائل به كما علمته بل هذا الحكم يخص الحربي كما مر عن الأكمل .
قلت :
قد يقال بسقوط نفس الحق إذا مات قبل المقدرة على أدائه سواء كان حق الله تعالى أو حق عباده ، وليس في تركته ما يفي به لأنه إذا سقط إثم التأخير ولم يتحقق منه إثم بعده فلا مانع من سقوط نفس الحق ، أما حق الله تعالى فظاهر ، وأما حق العبد فالله تعالى يرضي خصمه عنه كما مر في الحديث .
والظاهر أن هذا هو مراد القائلين بتكفير المظالم أيضاً وإلا لم يبق للقول بتكفيرها محل ، على أن نفس مطل الدين حق عبد أيضاً لأن فيه جناية عليه بتأخير حقه عنه ، فحيث قالوا بسقوطه فليسقط نفس الدين أيضاً عند العجز كما تقدم عن عياض ، لكن تقييد عياض بالتوبة والعجز غير ظاهر لأن التوبة مكفرة بنفسها وهي إنما تسقط حق الله تعالى لا حق العبد ، فتعين كون المسقط هو الحج كما اقتضته الأحاديث المارة ؛ أما أنه لا قائل بسقوط الدين فنقول : نعم ذلك عند القدرة عليه بعد الحج ، وعليه يحمل كلام الشارحين المار ، وحينئذ صح قول الشارح كحربي أسلم بهذا الاعتبار فافهم .
ثم اعلم أن تجويزهم تكفير الكبائر بالهجرة والحج مناف لنقل عياض الإجماع على أنه لا يكفرها إلا التوبة ولا سيما على القول بتكفير المظالم أيضاً ، بل القول بتكفير إثم المطل وتأخير الصلاة ينافيه لأنه كبيرة وقد كفرها الحج بلا توبة .
وكذا ينافيه عموم قوله تعالى : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وهو اعتقاد أهل الحق أن من مات مصراً على الكبائر كلها سوى الكفر فإنه قد يعفى عنه بشفاعة أو بمحض الفضل .
والحاصل كما في البحر أن المسألة ظنية فلا يقطع بتكفير الحج للكبائر من حقوقه تعالى فضلاً عن حقوق العباد ، والله تعالى أعلم .
( قوله ضعيف ) : أي بكنانة وابنه عبد الله فإنهما ساقطا الاحتجاج كما مر لا بأبيه العباس بن مرداس كما وقع في البحر فإنه صحابي والصحابة كلهم عدول كما بين في محله فافهم . اهـ حاشية ابن عابدين : 2 / 255.
ورد في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ...... والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ). رواه البخاري ومسلم.
وفي صحيح ابن حبان وغيره: ( وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيتباهى بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي.....فلم ير يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة.... )
وفي رواية: ( اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم وإن كان عدد قطر السماء... ).
فهذه الأحاديث وما أشبهها تدل دلالة واضحة على أن أهل عرفة مغفور لهم مهما كان عددهم، وما ذلك على الله بعزيز، فهو سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين وواسع المغفرة ورحمته وسعت كل شيء.
وقد رجح الحافظ ابن حجر في الفتح : غفران الصغائر والكبائر بالحج، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفر الصغائر دون الكبائر، وأنه لا بد للكبائر من توبة تخصها.
والحاصل : أن الحاج إذا حج ولم يرفث ولم يفسق، وقرن ذلك بالتوبة إلى الله تعالى من جميع ذنوبه، كفرت عنه الكبائر والصغائر فضلاً من الله ومنه.
ولما رأيت الشيخ ابن عابدين رحمه الله قد حقق في المسألة تحقيقاً مفصلاً أردت أن أنقل كلامه رحمه الله تعالى بطوله من الحاشية :
هل الحج يكفر الكبائر ؟
قيل : نعم كحربي أسلم .
وقيل : غير المتعلقة بالآدمي كذمي أسلم .
وقال عياض : أجمع أهل السنة أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة ، ولا قائل بسقوط الدين ولو حقا لله تعالى كدين صلاة وزكاة ، نعم إثم المطل وتأخير الصلاة ونحوها يسقط ، وهذا معنى التكفير على القول به ، وحديث ابن ماجه { أنه عليه الصلاة والسلام استجيب له حتى في الدماء والمظالم } ضعيف .
الشرح :
مطلب في تكفير الحج الكبائر :
( قوله قيل نعم إلخ ) أي لحديث ابن ماجه في سننه المروي عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه " { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة فأجيب إني قد غفرت لهم ما خلا المظالم فإني آخذ للمظلوم منه ، فقال : أي رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشية عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل } " الحديث .
وقال ابن حبان : إن كنانة روى عنه ابنه منكر الحديث وكلاهما ساقط الاحتجاج .
وقال البيهقي : هذا الحديث له شواهد كثيرة ذكرناها في كتاب الشعب ، فإن صح بشواهده ففيه الحجة وإلا فقد قال تعالى { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وظلم بعضهم بعضا دون الشرك ".اهـ
وروى ابن المبارك أنه صلى الله عليه وسلم قال :
" { إن الله عز وجل قد غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات ، فقام عمر فقال يا رسول الله هذا لنا خاصة ؟ قال : هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة ، فقال عمر رضي الله عنه كثر خير ربنا وطاب } " وتمامه في الفتح ، وساق فيه أحاديث أخر .
والحاصل أن حديث ابن ماجه وإن ضعف فله شواهد تصححه والآية أيضاً تؤيده ، ومما يشهد له أيضاً حديث البخاري مرفوعاً " { من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه } " وحديث مسلم مرفوعاً :
" { إن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وإن الحج يهدم ما كان قبله } " .
لكن ذكر الأكمل في شرح المشارق في هذا الحديث أن الحربي تحبط ذنوبه كلها بالإسلام والهجرة والحج ، حتى لو قتل وأخذ المال وأحرزه بدار الحرب ثم أسلم لم يؤاخذ بشيء من ذلك ، وعلى هذا كان الإسلام كافياً في تحصيل مراده ، ولكن ذكر صلى الله عليه وسلم الهجرة والحج تأكيداً في بشارته وترغيباً في مبايعته فإن الهجرة والحج لا يكفران المظالم ولا يقطع فيهما بمحو الكبائر ، وإنما يكفران الصغائر .
ويجوز أن يقال والكبائر التي ليست من حقوق أحد كإسلام الذمي .اهـ ملخصاً .
وكذا ذكر الإمام الطيبي في شرحه وقال : إن الشارحين اتفقوا عليه ، وهكذا ذكر النووي والقرطبي في شرح مسلم كما في البحر .
وفي شرح اللباب ومشى الطيبي على أن الحج يهدم الكبائر والمظالم .
ووقع منازعة غريبة بين أمير بادشاه من الحنفية حيث مال إلى قول الطيبي وبين الشيخ ابن حجر المكي من الشافعية ، وقد مال إلى قول الجمهور وكتبت رسالة في بيان هذه المسألة . اهـ .
قلت : وظاهر كلام الفتح الميل إلى تكفير المظالم أيضاً ، وعليه مشى الإمام والسرخسي في شرح السير الكبير وقاس عليه الشهيد الصابر المحتسب ، وعزاه أيضاً المناوي إلى القرطبي في شرح حديث " { من حج فلم يرفث } إلخ فقال : وهو يشمل الكبائر والتبعات ، وإليه ذهب القرطبي .
وقال عياض : هو محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها .
وقال الترمذي : هو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحق الله تعالى لا العباد ، ولا يسقط الحق نفسه بل من عليه صلاة يسقط عنه إثم تأخيرها لا نفسها ، فلو أخرها بعد تجدد إثم آخر .اهـ ونحوه في البحر ، وحقق ذلك البرهان اللقاني في شرحه الكبير على جوهرة التوحيد بأن قوله صلى الله عليه وسلم " { خرج من ذنوبه } :
" لا يتناول حقوق الله تعالى وحقوق عباده لأنها في الذمة ليست ذنباً وإنما الذنب المطل فيها ، فالذي يسقط إثم مخالفة الله تعالى . اهـ .
والحاصل : أن تأخير الدين وغيره وتأخير نحو الصلاة والزكاة من حقوقه تعالى ، فيسقط إثم التأخير فقط عما مضى دون الأصل ودون التأخير المستقبل .
قال في البحر : فليس معنى التكفير كما يتوهمه كثير من الناس أن الدين يسقط عنه ، وكذا قضاء الصلاة والصوم والزكاة إذ لم يقل أحد بذلك . اهـ .
وبهذا ظهر أن قول الشارح : كحربي أسلم في غير محله لاقتضائه كما قال ح سقوط نفس الحق ولا قائل به كما علمته بل هذا الحكم يخص الحربي كما مر عن الأكمل .
قلت :
قد يقال بسقوط نفس الحق إذا مات قبل المقدرة على أدائه سواء كان حق الله تعالى أو حق عباده ، وليس في تركته ما يفي به لأنه إذا سقط إثم التأخير ولم يتحقق منه إثم بعده فلا مانع من سقوط نفس الحق ، أما حق الله تعالى فظاهر ، وأما حق العبد فالله تعالى يرضي خصمه عنه كما مر في الحديث .
والظاهر أن هذا هو مراد القائلين بتكفير المظالم أيضاً وإلا لم يبق للقول بتكفيرها محل ، على أن نفس مطل الدين حق عبد أيضاً لأن فيه جناية عليه بتأخير حقه عنه ، فحيث قالوا بسقوطه فليسقط نفس الدين أيضاً عند العجز كما تقدم عن عياض ، لكن تقييد عياض بالتوبة والعجز غير ظاهر لأن التوبة مكفرة بنفسها وهي إنما تسقط حق الله تعالى لا حق العبد ، فتعين كون المسقط هو الحج كما اقتضته الأحاديث المارة ؛ أما أنه لا قائل بسقوط الدين فنقول : نعم ذلك عند القدرة عليه بعد الحج ، وعليه يحمل كلام الشارحين المار ، وحينئذ صح قول الشارح كحربي أسلم بهذا الاعتبار فافهم .
ثم اعلم أن تجويزهم تكفير الكبائر بالهجرة والحج مناف لنقل عياض الإجماع على أنه لا يكفرها إلا التوبة ولا سيما على القول بتكفير المظالم أيضاً ، بل القول بتكفير إثم المطل وتأخير الصلاة ينافيه لأنه كبيرة وقد كفرها الحج بلا توبة .
وكذا ينافيه عموم قوله تعالى : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وهو اعتقاد أهل الحق أن من مات مصراً على الكبائر كلها سوى الكفر فإنه قد يعفى عنه بشفاعة أو بمحض الفضل .
والحاصل كما في البحر أن المسألة ظنية فلا يقطع بتكفير الحج للكبائر من حقوقه تعالى فضلاً عن حقوق العباد ، والله تعالى أعلم .
( قوله ضعيف ) : أي بكنانة وابنه عبد الله فإنهما ساقطا الاحتجاج كما مر لا بأبيه العباس بن مرداس كما وقع في البحر فإنه صحابي والصحابة كلهم عدول كما بين في محله فافهم . اهـ حاشية ابن عابدين : 2 / 255.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق