ماذا قال علماء الإسلام في مسألة التبرع بالأعضاء ؟
ماذا قال علماء الإسلام في مسألة التبرع بالأعضاء ؟
ذهب بعض العلماء إلى أن التبرع بالأعضاء لا يجوز إطلاقاً؛ لأن الإنسان ملك لله، لا يملك نفسه حتى يحق له أن يتبرع بشيء منها والتبرع ـ فوق أنه تصرف فيما لا يملكه المتبرع ـ هو إضرار بالنفس، وهو لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)
هذا إذا كان المتبرع على قيد الحياة، فإذا كان ميتاً كان قطع شيء منه انتهاكاً لكرامته، وهو لا يجوز أيضاً؛ لمخالفته قول الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء/70].
وذهب آخرون إلى عكس هذا فأجازوا التبرع؛ لأنه من باب الإيثار.
فكما يجوز للإنسان أن يدافع في القتال عن أخيه المؤمن حتى يموت في الدفاع، كذلك يجوز أن يعطيه بعض أعضائه لينتفع به، وإن تضرر هو بذلك.
وليس ذلك تصرفاً في ملك الله تعالى بدون إذنه، بل هو تصرف بإذنه؛ لأنه سبحانه يحب الإيثار ويكافئ عليه، ويثني على أهله، كما قال سبحانه: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر/9] وإذا كان الإيثار في الحياة جائزاً فهو بعد الموت أحق بالجواز؛ لأن الميت لا ينتفع بأعضائه، فهو ينفع غيره بدون أن يتضرر، وليس ذلك انتقاصاً من كرامة الميت، بل هو رفع لها؛ لأنها مبذولة لنفع من يستحق النفع.
إلا أنهم مع ذلك منعوا التبرع بعضو يؤدي فقده إلى الموت؛ لكونه قتلاً، وهو مسؤولية كبرى، ولا فائدة في إضاعة إنسان لإحياء آخر مع احتمال ألا يعيش الآخر.
وذهب آخرون إلى طريق وسط بين هذا وذاك: فلاحظوا أدلة التحريم وما فيها من معقولية وحكمة، ولاحظوا أدلة الجواز وما فيها من وجاهة في باب الإحسان والإيثار، فرأوا أنه ما دام بتر الأعضاء في الحياة لغير التبرع ضرراً محرماً، وما دام بترها بعد الموت بدون التبرع امتهاناً لكرامة الميت محرماً أيضاً، فينبغي أن يكون الإذن بذلك مبنياً على قواعد الضرورة.
والضرورات هي الحالات التي يكون الضرر ـ الذي يراد دفعه عمن نتبرع له ـ ضرراً لا يطاق، وهو أشد من الضرر الذي يصيب المتبرع، فيجوز عند هؤلاء أن يتبرع الإنسان بعد موته لإنقاذ حياة غيره، كالتبرع بالقلب والكبد ، والتبرع بالعيون مثلاً.
ويجوز التبرع ولو في الحياة بالأعضاء التي يخف تحمل ضررها، كالتبرع بالكلية، ولا يجوز فيما يشتد ضرره كالعينين، أو يؤدي إلى الموت كالقلب والكبد..
ولا تظن أيها القارئ أن هذا تناقض في الشرع كالاختلاف الذي لا تخلو منه القوانين البشرية، لا سيما عند التطبيق، ويؤدي إلى ضياع الحقوق.
إنما هو اختلاف في الحدود التي يتوقف عندها الإحسان إلى الآخرين، فأنت ترى أن الكل يتفقون هنا على أن هذا التبرع لا يكون إلا باختيار صاحب الحق الأصلي، وعلى أن مصلحته هي الأحق بالتقديم، وعلى منعه من أن يضر بنفسه عند التبرع ضرراً لا يطاق، وينحصر الخلاف في حدود فضيلة الإيثار أين تتوقف؟ هل يسمح به فيما لا يضر أصلاًظ أو فيما يخف ويشتد إذا كان في حدود الطاقة؟
وجهات نظر تختلف في فهم القواعد، وإدراك الحل الأفضل، والمصلحة الأحق بالتقديم، مع أن الكل فيه مصلحة. غير أنك تجد المعقولية في جميعها، وتجد الجميع يعتمد على قواعد معقولة أيضاً، كما تجد الترجيح يقوم على قواعد لا تقل في معقوليتها عنهما، مما يكشف عن جدارة هذا التشريع بمعايشة تجدد الأحداث، وأنه لا يمكن أن يجيء من عقل إنسان أمي، لولا أنه علمه الحكيم العليم، الذي أحاط علمه بالأحداث من وراء الغيب، بل هو الذي قدر الأحداث قبل أن تكون، وشرع لها من الأحكام الملائمة ما يبهر العقول؛ ليعرف كل ذي عقل أن هذا الشرع لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثله {لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} [الإسراء/88]. فيقول المنصف حين يرى أحكامه: {ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر} [الإسراء/102].
صدق الله العظيمم
الدكتور : محمود الزين . نقلت هذا البحث من كتاب : القرآن إعجاز تشريعي متجدد من ص 42- 45
ذهب بعض العلماء إلى أن التبرع بالأعضاء لا يجوز إطلاقاً؛ لأن الإنسان ملك لله، لا يملك نفسه حتى يحق له أن يتبرع بشيء منها والتبرع ـ فوق أنه تصرف فيما لا يملكه المتبرع ـ هو إضرار بالنفس، وهو لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)
هذا إذا كان المتبرع على قيد الحياة، فإذا كان ميتاً كان قطع شيء منه انتهاكاً لكرامته، وهو لا يجوز أيضاً؛ لمخالفته قول الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء/70].
وذهب آخرون إلى عكس هذا فأجازوا التبرع؛ لأنه من باب الإيثار.
فكما يجوز للإنسان أن يدافع في القتال عن أخيه المؤمن حتى يموت في الدفاع، كذلك يجوز أن يعطيه بعض أعضائه لينتفع به، وإن تضرر هو بذلك.
وليس ذلك تصرفاً في ملك الله تعالى بدون إذنه، بل هو تصرف بإذنه؛ لأنه سبحانه يحب الإيثار ويكافئ عليه، ويثني على أهله، كما قال سبحانه: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر/9] وإذا كان الإيثار في الحياة جائزاً فهو بعد الموت أحق بالجواز؛ لأن الميت لا ينتفع بأعضائه، فهو ينفع غيره بدون أن يتضرر، وليس ذلك انتقاصاً من كرامة الميت، بل هو رفع لها؛ لأنها مبذولة لنفع من يستحق النفع.
إلا أنهم مع ذلك منعوا التبرع بعضو يؤدي فقده إلى الموت؛ لكونه قتلاً، وهو مسؤولية كبرى، ولا فائدة في إضاعة إنسان لإحياء آخر مع احتمال ألا يعيش الآخر.
وذهب آخرون إلى طريق وسط بين هذا وذاك: فلاحظوا أدلة التحريم وما فيها من معقولية وحكمة، ولاحظوا أدلة الجواز وما فيها من وجاهة في باب الإحسان والإيثار، فرأوا أنه ما دام بتر الأعضاء في الحياة لغير التبرع ضرراً محرماً، وما دام بترها بعد الموت بدون التبرع امتهاناً لكرامة الميت محرماً أيضاً، فينبغي أن يكون الإذن بذلك مبنياً على قواعد الضرورة.
والضرورات هي الحالات التي يكون الضرر ـ الذي يراد دفعه عمن نتبرع له ـ ضرراً لا يطاق، وهو أشد من الضرر الذي يصيب المتبرع، فيجوز عند هؤلاء أن يتبرع الإنسان بعد موته لإنقاذ حياة غيره، كالتبرع بالقلب والكبد ، والتبرع بالعيون مثلاً.
ويجوز التبرع ولو في الحياة بالأعضاء التي يخف تحمل ضررها، كالتبرع بالكلية، ولا يجوز فيما يشتد ضرره كالعينين، أو يؤدي إلى الموت كالقلب والكبد..
ولا تظن أيها القارئ أن هذا تناقض في الشرع كالاختلاف الذي لا تخلو منه القوانين البشرية، لا سيما عند التطبيق، ويؤدي إلى ضياع الحقوق.
إنما هو اختلاف في الحدود التي يتوقف عندها الإحسان إلى الآخرين، فأنت ترى أن الكل يتفقون هنا على أن هذا التبرع لا يكون إلا باختيار صاحب الحق الأصلي، وعلى أن مصلحته هي الأحق بالتقديم، وعلى منعه من أن يضر بنفسه عند التبرع ضرراً لا يطاق، وينحصر الخلاف في حدود فضيلة الإيثار أين تتوقف؟ هل يسمح به فيما لا يضر أصلاًظ أو فيما يخف ويشتد إذا كان في حدود الطاقة؟
وجهات نظر تختلف في فهم القواعد، وإدراك الحل الأفضل، والمصلحة الأحق بالتقديم، مع أن الكل فيه مصلحة. غير أنك تجد المعقولية في جميعها، وتجد الجميع يعتمد على قواعد معقولة أيضاً، كما تجد الترجيح يقوم على قواعد لا تقل في معقوليتها عنهما، مما يكشف عن جدارة هذا التشريع بمعايشة تجدد الأحداث، وأنه لا يمكن أن يجيء من عقل إنسان أمي، لولا أنه علمه الحكيم العليم، الذي أحاط علمه بالأحداث من وراء الغيب، بل هو الذي قدر الأحداث قبل أن تكون، وشرع لها من الأحكام الملائمة ما يبهر العقول؛ ليعرف كل ذي عقل أن هذا الشرع لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثله {لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} [الإسراء/88]. فيقول المنصف حين يرى أحكامه: {ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر} [الإسراء/102].
صدق الله العظيمم
الدكتور : محمود الزين . نقلت هذا البحث من كتاب : القرآن إعجاز تشريعي متجدد من ص 42- 45
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق