حكم كتابة القرآن الكريم بغيراللغة العربية
حكم كتابة القرآن الكريم بغيراللغة العربية
المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث يحرّم كتابة النص القرآني بغير الحرف العربي
أصدر المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، في نهاية أشغال دورته العادية الثامنة عشرة، التي عقدها بالعاصمة الفرنسية باريس من 1 إلى 5 يوليو الجاري، فتوى حرّم بموجبها كتابة النّص القرآني بغير الحرف العربي. واعتبر المجلس أنّ نصّ القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلّم باللغة العربية، لا يمكن أن ينطق بشكل سليم، إلاّ إذا كتب باللغة العربية، نظرا لخصوصيات هذه اللغة في نطق الحروف ومخارجها.
وقال المجلس إنّ كتابة القرآن، أو حتى آية منه، بالحرف اللاتيني أو غيره من الحروف الأخرى غير العربية، يجعل النّطق به محرّفا، بل مخالفا أو حتى مناقضا إلى معنى نصّه الأصلي، وهو ما يوجب الحيطة البالغة في كتابة كلام الله تعالى بالشكل الذي أنزل به. واستثنى المجلس من ذلك حالات تعلّم القرآن لغير العرب من المسلمين، في مرحلتهم الأولى، ولفترة قصيرة وجدّ محدّدة، ريثما يتيسّر لهم تعلّم النطق بالحروف العربية وحفظ ما تيسّر من القرآن للصّلاة، واشترط في ذلك أن تكون تلك النصوص مصحوبة بالنّطق العربي، وأن تمحى حال الإنتهاء منها.
وكان الشيخ صالح العود، أحد علماء المسلمين المقيمين في باريس، وصاحب أوّل مدرسة إسلامية في فرنسا، قد تقدّم للمجلس ببحث واف في الموضوع، بيّن فيه مخاطر انتشار مصاحف كتب فيها النّصّ القرآني بالحرف اللاّتيني، على أبناء المسلمين في أوربا.
وقال الشيخ العود في كلمته التي قدّم بها بحثه، إنّ كتابة النصّ القرآني بالحرف اللاتيني، بدأت بكتب تعليم الصّلاة باللغة الفرنسية، ضمّت كتابة سورة الفاتحة، بالنّطق العربي ومكتوبة بالحرف اللاتيني. ثم تطوّر الأمر إلى الفاتحة وقصار السّور، ثم طباعة ما اعتبره هؤلاء "مصحفا" يحمل جزئي عمّ وتبارك، وانتهى إلى طباعة القرآن كاملا.
وأوضح فضيلته أنّ هذا العمل، إضافة إلى أنّه يقدّم نصّا لكتاب الله مشوّها في طريقة نطقه، ما يجعل معانيه محرّفة ومسيئة لكتاب الله العزيز، فإنّه أيضا يصرف المسلمين عن لغة القرآن، وينأى بهم عن مصادر فهم دينهم وثقافتهم. وأوضح الشيخ العود أنّ تعلّم العربية من تعلّم الدين" لأنّ اللغة العربيّة هي « اللسان » لقراءة القرآن ، وفهم الدين ، وأداء الفرائض ، وإقامة الشّعائر، و هذه هي قناعة رسول الله وأصحابه ، والتّابعون لهم بإحسان ، بل ويجب أن تكون قناعة كلّ مسلم عربيّ أو أعجميّ في كلّ مكان وزمان. وأضاف: هاهو الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب رضي الله عنه - كما يروي ابن أبي شيبة عن عمر بن يزيد - أنّه قال : كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى الأشعري : أمّا بعد ، فتفقّهوا في السُّنَّة ، وتفقّهوا في العربيّة . وفي رواية أخرى له عن عمر أنّه قال : تعلّموا العربيّة فإنّها من دينكم." وأضاف: يتساءل البعض: هل نُعَرّب أم نُغَرّب؟ أُجِيبُ سريعا وأقول : نُعَرّب اللّسان، ولا نُغَرّبُ القُرْآن.
واستدلّ الشيخ العود برسائل الرسول صلى الله عليه وسلّم حين راسل الملوك والعظماء: يدعوهم إلى الإسلام، ويبيّن لهم الشّرائع والأحكام، وقد كان منهم « عرب » و « عجم »، ومع ذلك لم يكتُب لهم آية واحدة بلغاتهم، مع وجود من يترجم له مثل أُبَيّ، وسَلْمَان، وصُهَيْب، وغيرهم. فما هو السّبب يا ترى؟ في حين أنّهم أعداء له ولدينه، وأنّه قد يُخشى منهم أن لا يهتمّوا بقراءة مكاتيبه؟ وأجاب على ذلك بما أورده الإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) فيقول : « ليس من سبب سوى أن يسلّطهم على تعليمه ، ولا سبيل إلى ذلك إلاّ العربيّة، فكأنّه عليه السّلام حملهم على تعلّمها، حتّى يفهموا ما جاءهم من عنده من بيان وقرآن ».
وخلص الشيخ العود، إلى أنّ "أخطر هجمات الغزو الفكري الحديث ضدّنا، حين يصل الحال إلى كتابة القرآن الكريم بالحرف اللاّتيني عوضا عن الحرف العربي، وتبَنّي هذه الفكرة الغاشمة من أمكر الوسائل الخبيثة والحاقدة نحو أعظم مقدّسات الإسلام". وقال إنّ فكرة استبدال الحروف العربيّة بالحروف اللاّتينيّة في كتابة النّص القرآني، « مؤامرة دنيئة » على نصّ القرآن المقدّس، تستهدف « مصحف المسلمين » في أرجاء العالم، لتجرّده من أعظم خصائصه الّتي أنزله الله بها، وتستبدل الرّسم العثمانيّ الخالد، الّذي كتِب به منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنا، والمجمع عليه عند جمهرة أئمّة الدّين، بحروف قاصرة غير عربيّة.
وقدّم الشيخ العود سردا للمصاحف التي طبعت بغير الحرف العربي، وبيعت في الأسواق، ثمّ أتبعها بمواقف كبار العلماء والهيئات العلمية والشرعية التي تحرّم ذلك بشكل قطعي، من أهمّها قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربيّة السّعوديّة رقم 67 بتاريخ 21/10/1399هـ في دورتها الرّابعة عشرة، والذي قضى بالإجماع بتحريم كتابة القرآن بالحروف اللاتينية أو غيرها من حروف اللغات الأخرى. وكذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرّمة، الذي صدر بتاريخ 21/10/1399هـ الذي أكّد نفس الموقف الشرعي، وكذلك مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة.
وتداول الكلمة أعضاء المجلس، فأكّد الشيخ الخمار البقالي، رئيس هيأة الأئمة في هولندا، مخاطر هذه الكتابة، من خلال تجربته في تحفيظ القرآن الكريم في هولندا، مثل قولهم "كلا سيألمون" بدل "كلا سيعلمون"، و أنأمت أليهم" بدل قوله تعالى "أنعمت عليهم". وقال إنّ مخاطر هذه الكتابة واضحة على أبناء المسلمين ولا بدّ من وقفة تجاهها. وأكّد جميع المتحدّثين هذا المعنى. لكنّ الشيخ عبد الله الدعيج (إيرلندا) نبّه إلى ضرورة استثناء الحاجة التعليمية، لأنّ بعض المسلمين من غير العرب يصعب عليهم جدّا حفظ ما تيسّر من القرآن انطلاقا من اللغة العربية، بهدف أداء فريضة الصّلاة، ومن الحكمة مراعاة حالاتهم، استثناء.
وقال الشيخ يوسف القرضاوي إنّ فتح الباب لكتابة القرآن بالحرف غير العربي، يفتح باب فتنة خطيرة، وأكّد أنّ الحكم في هذه الكتابة التحريم، وأنّ طباعة هذه المصاحف حرام، وحرام كذلك بيعها والإتجار فيها، وطلبها وتوزيعها، وأنّ المطلوب إحراق ما طبع منها وإتلافه، وإزالتها من الأسواق تماما. واستثنى من التحريم، ما تقتضيه الضرورة التعليمية، لجزء يسير من القرآن، على أن يكون ذلك مصحوبا وجوبا، بنفس النصّ القرآني منطوقا بالعربية، وقد يسّرت الوسائل التقنية الشائعة هذا، وجعلته في متناول عموم الناس. وهذا ما انتهى إليه المجلس في قراره الختامي، بعد مناقشة مستفيضة للموضوع.
لا تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية، لما اتفق عليه العلماء من أهل المذاهب الأربعة من وجوب المحافظة على الرسم العثماني، سئل مالك رحمه الله: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء، فقال: لا إلا على الكتبة الأولى.
قال بعض أئمة القراء ونسبته إلى مالك لأنه المسؤال وإلا فهو مذهب الأئمة الأربعة.
نقل ذلك الإمام ابن حجر الهيتمي في فتاويه، وابن حجر هذا ذهب إلى تحريم كتابة القرآن بالعجمية ولو كان لمصلحة التعليم، قال رحمه الله: وإذا وقع الإجماع كما ترى على منع ما أحدث الناس اليوم من مثل كتابة الربا بالألف مع أنه موافق للفظ الهجاء فمنع ما ليس من جنس الهجاء أولى..... وزعم أن كتابته بالعجمية فيها سهولة للتعليم كذب مخالف للواقع والمشاهدة فلا يلتفت لذلك.
ولا شك أن فتح الباب أمام كتابة القرآن بغير العربية قد يؤدي إلى تحريف القرآن وتبديله، قال الزرقاني في كتابه القيم مناهل العرفان ج2ص96: ونسترعي نظرك إلى أمور مهمة، أولها أن علماءنا حظروا كتابة القرآن بحروف غير عربية، وعلى هذا يجب عند ترجمة القرآن بهذا المعنى إلى أية لغة أن تكتب الآيات القرآنية إذ كتبت بالحروف العربية كيلا يقع إخلال وتحريف في لفظه فيتبعهما تغير وفساد في معناه، سئلت لجنة الفتوى في الأزهر عن كتابة القرآن بالحروف اللاتينية فأجابت بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسوله بما نصه: لا شك أن الحروف اللاتينية المعروفة خالية من عدة حروف توافق العربية فلا تؤدي جميع ما تؤديه الحروف العربية، فلو كتب القرآن الكريم بها على طريقة النظم العربي كما يفهم من الاستفتاء لوقع الإخلال والتحريف في لفظه ويتبعهما تغير المعنى وفساده، وقد قضت نصوص الشريعة بأن يصان القرآن الكريم من كل ما يعرضه للتبديل والتحريف، وأجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على أن كل تصرف في القرآن يؤدي إلى تحريف في لفظه أو تغيير في معناه ممنوع منعاً باتاً ومحرم تحريماً قاطعاً، وقد التزم الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا كتابة القرآن بالحروف العربية. انتهى.
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار: فإذا كانت الحروف العجمية التي يراد كتابة القرآن بها لا تغني غناء الحروف العربية لنقصها كحروف اللغة الإنجليزية فلا شك أنه يمتنع كتابة القرآن بها، لما فيها من تحريف كلمه، ومن رضي بتغيير كلام الله فهو كافر، وإذا كان الأعجمي الداخل في الإسلام لا يستقيم لسانه بلفظ محمد فينطق بها "مهمد"، وبلفظ خاتم النبيين فيقول: كاتم النبيين، فالواجب أن يجتهد بتمرين لسانه حتى يستقيم، وإذا كتبنا له أمثال هذه الكلمات بلغته فقرأها كما ذكر فلن يستقيم لسانه أبد الدهر، ولو أجاز المسلمون هذا للروم والفرس والقبط والبربر والإفرنج وغيرهم من الشعوب التي دخلت في الإسلام لعلة العجز لكان لنا اليوم أنواع من القرآن كثيرة، ولكان كل شعب من المسلمين لا يفهم قرآن الشعب الآخر.... وبهذا النقل نعلم أن كتابة القرآن بحروف غير عربية لا تجوز ولو كانت هذه اللغة تحتوي على حروف العربية، وذلك لأنه منذ نزول القرآن وجمعه في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما والقرآن يكتب بالحروف العربية، وأجمع على ذلك التابعون ومن بعدهم إلى عصرنا رغم وجود الأعاجم فوجبت المحافظة على ذلك عملاً بما كان في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه وأصحابه رضي الله عنهم، وعملاً بإجماع الأمة
المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث يحرّم كتابة النص القرآني بغير الحرف العربي
أصدر المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، في نهاية أشغال دورته العادية الثامنة عشرة، التي عقدها بالعاصمة الفرنسية باريس من 1 إلى 5 يوليو الجاري، فتوى حرّم بموجبها كتابة النّص القرآني بغير الحرف العربي. واعتبر المجلس أنّ نصّ القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلّم باللغة العربية، لا يمكن أن ينطق بشكل سليم، إلاّ إذا كتب باللغة العربية، نظرا لخصوصيات هذه اللغة في نطق الحروف ومخارجها.
وقال المجلس إنّ كتابة القرآن، أو حتى آية منه، بالحرف اللاتيني أو غيره من الحروف الأخرى غير العربية، يجعل النّطق به محرّفا، بل مخالفا أو حتى مناقضا إلى معنى نصّه الأصلي، وهو ما يوجب الحيطة البالغة في كتابة كلام الله تعالى بالشكل الذي أنزل به. واستثنى المجلس من ذلك حالات تعلّم القرآن لغير العرب من المسلمين، في مرحلتهم الأولى، ولفترة قصيرة وجدّ محدّدة، ريثما يتيسّر لهم تعلّم النطق بالحروف العربية وحفظ ما تيسّر من القرآن للصّلاة، واشترط في ذلك أن تكون تلك النصوص مصحوبة بالنّطق العربي، وأن تمحى حال الإنتهاء منها.
وكان الشيخ صالح العود، أحد علماء المسلمين المقيمين في باريس، وصاحب أوّل مدرسة إسلامية في فرنسا، قد تقدّم للمجلس ببحث واف في الموضوع، بيّن فيه مخاطر انتشار مصاحف كتب فيها النّصّ القرآني بالحرف اللاّتيني، على أبناء المسلمين في أوربا.
وقال الشيخ العود في كلمته التي قدّم بها بحثه، إنّ كتابة النصّ القرآني بالحرف اللاتيني، بدأت بكتب تعليم الصّلاة باللغة الفرنسية، ضمّت كتابة سورة الفاتحة، بالنّطق العربي ومكتوبة بالحرف اللاتيني. ثم تطوّر الأمر إلى الفاتحة وقصار السّور، ثم طباعة ما اعتبره هؤلاء "مصحفا" يحمل جزئي عمّ وتبارك، وانتهى إلى طباعة القرآن كاملا.
وأوضح فضيلته أنّ هذا العمل، إضافة إلى أنّه يقدّم نصّا لكتاب الله مشوّها في طريقة نطقه، ما يجعل معانيه محرّفة ومسيئة لكتاب الله العزيز، فإنّه أيضا يصرف المسلمين عن لغة القرآن، وينأى بهم عن مصادر فهم دينهم وثقافتهم. وأوضح الشيخ العود أنّ تعلّم العربية من تعلّم الدين" لأنّ اللغة العربيّة هي « اللسان » لقراءة القرآن ، وفهم الدين ، وأداء الفرائض ، وإقامة الشّعائر، و هذه هي قناعة رسول الله وأصحابه ، والتّابعون لهم بإحسان ، بل ويجب أن تكون قناعة كلّ مسلم عربيّ أو أعجميّ في كلّ مكان وزمان. وأضاف: هاهو الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب رضي الله عنه - كما يروي ابن أبي شيبة عن عمر بن يزيد - أنّه قال : كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى الأشعري : أمّا بعد ، فتفقّهوا في السُّنَّة ، وتفقّهوا في العربيّة . وفي رواية أخرى له عن عمر أنّه قال : تعلّموا العربيّة فإنّها من دينكم." وأضاف: يتساءل البعض: هل نُعَرّب أم نُغَرّب؟ أُجِيبُ سريعا وأقول : نُعَرّب اللّسان، ولا نُغَرّبُ القُرْآن.
واستدلّ الشيخ العود برسائل الرسول صلى الله عليه وسلّم حين راسل الملوك والعظماء: يدعوهم إلى الإسلام، ويبيّن لهم الشّرائع والأحكام، وقد كان منهم « عرب » و « عجم »، ومع ذلك لم يكتُب لهم آية واحدة بلغاتهم، مع وجود من يترجم له مثل أُبَيّ، وسَلْمَان، وصُهَيْب، وغيرهم. فما هو السّبب يا ترى؟ في حين أنّهم أعداء له ولدينه، وأنّه قد يُخشى منهم أن لا يهتمّوا بقراءة مكاتيبه؟ وأجاب على ذلك بما أورده الإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) فيقول : « ليس من سبب سوى أن يسلّطهم على تعليمه ، ولا سبيل إلى ذلك إلاّ العربيّة، فكأنّه عليه السّلام حملهم على تعلّمها، حتّى يفهموا ما جاءهم من عنده من بيان وقرآن ».
وخلص الشيخ العود، إلى أنّ "أخطر هجمات الغزو الفكري الحديث ضدّنا، حين يصل الحال إلى كتابة القرآن الكريم بالحرف اللاّتيني عوضا عن الحرف العربي، وتبَنّي هذه الفكرة الغاشمة من أمكر الوسائل الخبيثة والحاقدة نحو أعظم مقدّسات الإسلام". وقال إنّ فكرة استبدال الحروف العربيّة بالحروف اللاّتينيّة في كتابة النّص القرآني، « مؤامرة دنيئة » على نصّ القرآن المقدّس، تستهدف « مصحف المسلمين » في أرجاء العالم، لتجرّده من أعظم خصائصه الّتي أنزله الله بها، وتستبدل الرّسم العثمانيّ الخالد، الّذي كتِب به منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنا، والمجمع عليه عند جمهرة أئمّة الدّين، بحروف قاصرة غير عربيّة.
وقدّم الشيخ العود سردا للمصاحف التي طبعت بغير الحرف العربي، وبيعت في الأسواق، ثمّ أتبعها بمواقف كبار العلماء والهيئات العلمية والشرعية التي تحرّم ذلك بشكل قطعي، من أهمّها قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربيّة السّعوديّة رقم 67 بتاريخ 21/10/1399هـ في دورتها الرّابعة عشرة، والذي قضى بالإجماع بتحريم كتابة القرآن بالحروف اللاتينية أو غيرها من حروف اللغات الأخرى. وكذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرّمة، الذي صدر بتاريخ 21/10/1399هـ الذي أكّد نفس الموقف الشرعي، وكذلك مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة.
وتداول الكلمة أعضاء المجلس، فأكّد الشيخ الخمار البقالي، رئيس هيأة الأئمة في هولندا، مخاطر هذه الكتابة، من خلال تجربته في تحفيظ القرآن الكريم في هولندا، مثل قولهم "كلا سيألمون" بدل "كلا سيعلمون"، و أنأمت أليهم" بدل قوله تعالى "أنعمت عليهم". وقال إنّ مخاطر هذه الكتابة واضحة على أبناء المسلمين ولا بدّ من وقفة تجاهها. وأكّد جميع المتحدّثين هذا المعنى. لكنّ الشيخ عبد الله الدعيج (إيرلندا) نبّه إلى ضرورة استثناء الحاجة التعليمية، لأنّ بعض المسلمين من غير العرب يصعب عليهم جدّا حفظ ما تيسّر من القرآن انطلاقا من اللغة العربية، بهدف أداء فريضة الصّلاة، ومن الحكمة مراعاة حالاتهم، استثناء.
وقال الشيخ يوسف القرضاوي إنّ فتح الباب لكتابة القرآن بالحرف غير العربي، يفتح باب فتنة خطيرة، وأكّد أنّ الحكم في هذه الكتابة التحريم، وأنّ طباعة هذه المصاحف حرام، وحرام كذلك بيعها والإتجار فيها، وطلبها وتوزيعها، وأنّ المطلوب إحراق ما طبع منها وإتلافه، وإزالتها من الأسواق تماما. واستثنى من التحريم، ما تقتضيه الضرورة التعليمية، لجزء يسير من القرآن، على أن يكون ذلك مصحوبا وجوبا، بنفس النصّ القرآني منطوقا بالعربية، وقد يسّرت الوسائل التقنية الشائعة هذا، وجعلته في متناول عموم الناس. وهذا ما انتهى إليه المجلس في قراره الختامي، بعد مناقشة مستفيضة للموضوع.
لا تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية، لما اتفق عليه العلماء من أهل المذاهب الأربعة من وجوب المحافظة على الرسم العثماني، سئل مالك رحمه الله: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء، فقال: لا إلا على الكتبة الأولى.
قال بعض أئمة القراء ونسبته إلى مالك لأنه المسؤال وإلا فهو مذهب الأئمة الأربعة.
نقل ذلك الإمام ابن حجر الهيتمي في فتاويه، وابن حجر هذا ذهب إلى تحريم كتابة القرآن بالعجمية ولو كان لمصلحة التعليم، قال رحمه الله: وإذا وقع الإجماع كما ترى على منع ما أحدث الناس اليوم من مثل كتابة الربا بالألف مع أنه موافق للفظ الهجاء فمنع ما ليس من جنس الهجاء أولى..... وزعم أن كتابته بالعجمية فيها سهولة للتعليم كذب مخالف للواقع والمشاهدة فلا يلتفت لذلك.
ولا شك أن فتح الباب أمام كتابة القرآن بغير العربية قد يؤدي إلى تحريف القرآن وتبديله، قال الزرقاني في كتابه القيم مناهل العرفان ج2ص96: ونسترعي نظرك إلى أمور مهمة، أولها أن علماءنا حظروا كتابة القرآن بحروف غير عربية، وعلى هذا يجب عند ترجمة القرآن بهذا المعنى إلى أية لغة أن تكتب الآيات القرآنية إذ كتبت بالحروف العربية كيلا يقع إخلال وتحريف في لفظه فيتبعهما تغير وفساد في معناه، سئلت لجنة الفتوى في الأزهر عن كتابة القرآن بالحروف اللاتينية فأجابت بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسوله بما نصه: لا شك أن الحروف اللاتينية المعروفة خالية من عدة حروف توافق العربية فلا تؤدي جميع ما تؤديه الحروف العربية، فلو كتب القرآن الكريم بها على طريقة النظم العربي كما يفهم من الاستفتاء لوقع الإخلال والتحريف في لفظه ويتبعهما تغير المعنى وفساده، وقد قضت نصوص الشريعة بأن يصان القرآن الكريم من كل ما يعرضه للتبديل والتحريف، وأجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على أن كل تصرف في القرآن يؤدي إلى تحريف في لفظه أو تغيير في معناه ممنوع منعاً باتاً ومحرم تحريماً قاطعاً، وقد التزم الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا كتابة القرآن بالحروف العربية. انتهى.
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار: فإذا كانت الحروف العجمية التي يراد كتابة القرآن بها لا تغني غناء الحروف العربية لنقصها كحروف اللغة الإنجليزية فلا شك أنه يمتنع كتابة القرآن بها، لما فيها من تحريف كلمه، ومن رضي بتغيير كلام الله فهو كافر، وإذا كان الأعجمي الداخل في الإسلام لا يستقيم لسانه بلفظ محمد فينطق بها "مهمد"، وبلفظ خاتم النبيين فيقول: كاتم النبيين، فالواجب أن يجتهد بتمرين لسانه حتى يستقيم، وإذا كتبنا له أمثال هذه الكلمات بلغته فقرأها كما ذكر فلن يستقيم لسانه أبد الدهر، ولو أجاز المسلمون هذا للروم والفرس والقبط والبربر والإفرنج وغيرهم من الشعوب التي دخلت في الإسلام لعلة العجز لكان لنا اليوم أنواع من القرآن كثيرة، ولكان كل شعب من المسلمين لا يفهم قرآن الشعب الآخر.... وبهذا النقل نعلم أن كتابة القرآن بحروف غير عربية لا تجوز ولو كانت هذه اللغة تحتوي على حروف العربية، وذلك لأنه منذ نزول القرآن وجمعه في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما والقرآن يكتب بالحروف العربية، وأجمع على ذلك التابعون ومن بعدهم إلى عصرنا رغم وجود الأعاجم فوجبت المحافظة على ذلك عملاً بما كان في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه وأصحابه رضي الله عنهم، وعملاً بإجماع الأمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق