الشهاب الثاقب لمن قطع بعدم نجاة أبي طالب
الشهاب الثاقب لمن قطع بعدم نجاة أبي طالب
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
فلا بد أولا من أن نقدم بين يدي البحث فيما قاله وقرره العلماء حول
شرطية أوشطرية النطق بالشهادتين
فأقول مستعينا بالله
قال سعد التفتازاني أن النطق بالشهادتين إنما هو شرط لإجراء الأحكام الظاهرة الدنيوية، وليس جزءاً من الإيمان ولا شطراً له -كما كان عليه مذهب الحنفية - ويستدل لذلك بحديث: { يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان }
وهنا قال شارح كلامه الدسوقي : 'حاصل ما ذكره الشارح أن الأقوال فيه ثلاثة:
قيل: إن النطق بالشهادتين شرط في صحته خارج عن ماهيته.
وقيل: إنه شطر -أي: جزء من حقيقة الإيمان- فالإيمان مجموع التصديق القلبي والنطق بالشهادتين.
وقيل: ليس شرطاً في صحته ولا جزءاً من مفهومه، بل هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية، وهو المعتمد!
وعليه فمن صدق بقلبه ولم ينطق بالشهادتين سواء كان قادراً على النطق أو عاجزاً عنه فهو مؤمن عند الله يدخل الجنة، وإن كانت لا تجري عليه الأحكام الدنيوية من غسل وصلاة عليه ودفن في مقابر المسلمين ولا ترثه ورثته المسلمون، فقول الشارح هذا هو المشهور
'ووافق بعض محققي الحنفية السادة الأشاعرة كما نبه عليه المصنف بقوله: [ إلا أن قول صاحب العمدة ] هو كما مر أبو البركات عبد الله بن محمد بن محمود النسفي ، [ منهم ] أي: من الحنفية: [ الإيمان: التصديق، فمن صدق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما جاء به ] عن الله فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى، والإقرار شرط إجراء الأحكام، [ هو ] أي: قول صاحب العمدة : [ بعينه القول المختار عند الأشاعرة ] تبع فيه صاحب العمدة أبا منصور الماتريدي
5- ويجمع الشعراني أقوال كثير منهم في موضع واحد:
حيث ينقل في كتابه اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر ' أن السبكي أورد سؤالاً وهو: أنه هل التلفظ بالإيمان الذي هو الشهادة شرط للإيمان أو شطر منه؟ فيه تردد للعلماء ' [670] .
قال الشعراني : 'قال الجلال المحلي : وكلام الغزالي يقتضي أنه ليس بشرط ولا شطر، وإنما هو واجب من واجباته' [671] .
قال الكمال في حاشية جمع الجوامع : "وإيضاح ذلك أن يقال في التلفظ: هل هو شرط لإجراء أحكام المؤمنين في الدنيا من التوارث والمناكحة وغيرهما، فيكون غير داخل في مسمى الإيمان، أو شطر منه أو جزء من مسماه؟
قال: والذي عليه جمهور المحققين الأول، وعليه فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه مع تمكنه من الإقرار كان مؤمناً عند الله تعالى.
قال: وهذا أوفق باللغة والعرف!!
وذهب شمس الأئمة السرخسي وفخر الإسلام البزدوي من الحنفية، وكثير من الفقهاء إلى الثاني.
وألزمهم القائلون بالأول بأن من صدّق بقلبه فاخترمته المنية قبل اتساع وقت الإقرار كان كافراً [672] وهو خلاف الإجماع - على ما نقله الإمام الرازي وغيره" [673] .
6- وقال البيجوري في شرح الجوهرة شرحاً لقوله: '
وفسر الإيمـان بالتصـديقِ والنطق فيه الخلف بالتحقيقِ
فقيل شرط كالعمل وقيل بل شطر والإسلام اشرحن بالعمل
قوله: والنطق فيه الخلف: أي: والنطق بالشهادتين للمتمكن منه، وخرج بالمتمكن -الذي هو القادر- الأخرس، فلا يطالب بالنطق، كمن اخترمته المنية قبل النطق من غير تراخٍ، فهو مؤمن عند الله، حتى على القول بأن النطق شرط صحة أو شطر، بخلاف من تمكن وفرط.
وموضوع هذا الخلاف كافر أصلي يريد الدخول في الإسلام، وأما أولاد المسلمين فمؤمنون قطعاً، وتجري عليهم الأحكام الدنيوية، ولو لم ينطقوا بالشهادتين طول عمرهم'.
قال: 'وقوله: شرط: أي: خارج عن ماهيته، وهذا القول لمحققي الأشاعرة والماتريدية ولغيرهم.
...............
(باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل)
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}
فيه حديث عائشة رضي الله عنها (قالت قلت يارسول الله بن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه قال لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين
معنى هذا الحديث أن ما كان يفعله من الصلة والإطعام ووجوه المكارم لا ينفعه في الآخرة لكونه كافرا وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين أي لم يكن مصدقا بالبعث ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه عمل قال القاضي عياض رحمه الله تعالى وقد انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم هذا آخر كلام القاضي وذكر الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور نحو هذا عن بعض أهل العلم والنظر قال البيهقي وقد يجوز أن يكون حديث بن جدعان وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات هذا كلام البيهقي قال العلماء وكان بن جدعان كثير الإطعام وكان اتخذ للضيفان جفنة يرقى إليها بسلم وكان من بني تميم بن مرة أقرباء عائشة رضي الله عنها وكان من رؤساء قريش واسمه عبد الله وجدعان بضم الجيم وإسكان الدال المهملة وبالعين المهملة وأما صلة الرحم فهي الإحسان إلى الأقارب وقد تقدم بيانها وأما الجاهلية فما كان قبل النبوة سموا بذلك لكثرة جهالاتهم والله تعالى أعلم
أن الكافرَ لا ينتفعُ في الآخرةِ بشيء من الحسناتِ بحالٍ
ومن حجةِ أهلِ هذا القولِ قولُهُ تعالى : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً منثورًا).
وقولُهُ تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ).
ونحوُ هذه الآياتِ.
وفي "صحيح مسلم " عن أنس عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إنَّ اللَّه لا يظلم مؤمنًا حسنةً يعطَى بها في الدنيا وبجزى بها في الآخرةِ ، وأمَّا الكافرُ فيطعَمُ بحسنات ما عملَ بها للهِ في الدُّنيا حتى إذا أفضَى إلى الآخرةِ لم تكنْ له حسنةٌ يُجزى بِهَا".
وفي روايةٍ له أيضًا : "إنَّ الكافرَ إذا عملَ حسنةً أطعمَ بها طعمةً في الدنيا ، وأما المؤمن فإنَّ اللَّه يدخرُ له حسناتِه في الآخرةِ ، وبعقبُ له رزقًا في الدنيا على طاعتِهِ
بما عمل من الخير، لكن مع انضمام شفاعة، كما جاء في أبي طالب.
فأما غيره فقد أخبر التنزيل بقوله: " فما تنفعهم شفاعة الشافعين " (1) [ المدثر: 48 ].
وقال مخبرا عن الكافرين: " فما لنا من شافعين.
ولا صديق حميم " (2) [ الشعراء: 100، 101 ].
أخرج ابن إسحاق من حديث بن عباس بسند فيه من لم يسم أن أبا طالب لما تقارب منه الموت بعد أن عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم
أن يقول لا إله إلا الله فأبى قال فنظر العباس إليه وهو يحرك شفتيه فأصغى إليه فقال
يا بن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها
رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا عمران، حدثنا قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
نقل عن التبصرة في شرح المشارق، وتفسير الثعلبي: أن أعمال الكفرة الحسنة التي لا تحتاج إلى اشتراط الإيمان: كإنحاء الغريق، وإطفاء الحريق، وإطعام ابن السبيل، يجزون عليها في الدنيا، ولا تدخر لهم في الآخرة كالمؤمنين
بالإجماع للتصريح به في الأحاديث
وعليه فالكافر يرى جزاء خيره في الدنيا في نفسه وماله وأهله، ويعذب بشره في الآخرة، والمؤمن يرى جزاء شره في الدنيا بما يبتلى به مما يكره، ويرى جزاء خيره في الآخرة،
روي عن أبي أيوب أنه صلى الله عليه وسلم قال له إذ رفع يده: (من عمل منكم خيرا فجزاؤه في الآخرة، ومن عمل منكم شرا يره في الدنيا مصيبات وأمراضا، ومن يكن فيه
مثقال ذرة من خير دخل الجنة) وتقديم عمل الخير في الآية لأنه أشرف القسمين والمقصود بالأصالة، وليس في الآية تكرار؛ لأن الأول متصل بقوله: (خيرا يره) والثاني متصل بقوله: (شرا يره)
و في شرح المقاصد الإجماع على هذا
وفي تفسير ابن عطية
قال القاضي أبو محمد: ويتصل هاهنا ذكر أفعال الكافر إذا كانت برا كصلة القرابة وجبر الكسير وإغاثة المظلوم هل ينتفع بها أم لا، فاختصار القول في ذلك أن في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
«إن ثواب الكافر على أفعاله البرة هو في الطعمة يطعمها» ونحو ذلك، فهذا مقنع لا يحتاج معه إلى نظر وأما ما ينتفع بها في الآخرة فلا، دليل ذلك أن عائشة أم المؤمنين قالت للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله:
أرأيت عبد الله بن جدعان أينفعه ما كان يطعم ويصنع من خير فقال: «لا إنه لم يقل يوما، رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» ، ودليل آخر في قول عمر رضي الله عنه لابنه: ذاك العاصي بن وائل لا جزاه الله خيرا
وكان هذا القول بعد موت العاصي، الحديث بطوله، ودليل ثالث في حديث حكيم بن حزام على أحد التأويلين: أعني في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما سلف لك من خير،
ولا حجة في أمر أبي طالب كونه في ضحضاح من نار لأن ذلك إنما هو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وبأنه وجده في غمرة من النار فأخرجه، ولو فرضنا أن ذلك بأعماله لم يحتج إلى شفاعة،
وأما أفعال الكافر القبيحة فإنها تزيد في عذابه وبذلك هو تفاضلهم في عذاب جهنم، وقوله: أَنْفِقُوا أمر في ضمنه جزاء وهذا مستمر في كل أمر معه جواب فالتقدير: إن تنفقوا لم يتقبل منكم،
وأما إذا عري الأمر من جواب فليس يصحبه تضمن الشرط.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل: وفيه: فيقول الله عز وجل:
ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار.
وفي لفظ: أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فأخرجوه من النار. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقول أبو سعيد: اقرؤا إن شئتم إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ.
جاء في كتاب مباحث التفسير لابن مظفر السمعاني
قال في قوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}: " أنها نزلت في أبي طالب، وأنه لما حضرته الوفاة دخل عليه
النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أي عم إنك أعظم الناس علي حقا، وأحسنهم عندي يدا، فقل كلمة تجب لك بها شفاعتي لا إله إلا الله). فقال أبو جهل: أترغب عن ملة عبد المطلب، ففال: أنا على ملة عبد المطلب، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لأستغفرن لك ما لم أنه). فنزل قوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا} الآية ".
قلت: هذا بعيد لأن السورة من آخر ما نزل من القرآن، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام بمكة، فكيف يكون سبب نزول هذه الآية استغفاره له؟
والذي نقل عنه أنه قال بل على ملة عبد المطلب ليس فيه ما يدل على كفره؛ لأن عبد المطلب مات في الفترة، ولم تبلغه الدعوة، ولم يكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، بل نقل عنه ما يدل على إيمانه وهو حبه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتربيته له، وقوله: إن لهذا البيت ربا ينصره لأبرهة، ودعاؤه وإجابة الله دعاءه في وجدان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين فقده، وفي الاستسقاء وغيرها، فما نقل منه شيء يدل على الكفر بالله
ولا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكون عبد المطلب من أهل النار بالكتاب والسنة، أما الكتاب قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} أما السنة فقد جاء في الحديث: (ثلاثة يأتون يوم القيامة بحجة وعذر منهم رجل مات في الفترة).
أما ما ذكر من حديث علي أنه قال: (إن عمك الضال قد مات)
فقال: (اذهب فواره فواراه، فدعا لعلي). ليس فيه أيضا ما يدل على كفره، لأن الضال قد يطلق على غير الكافر قال الله تعالى: {ووجدك ضالا فهدى}، ولا يجوز الكفر على الأنبياء في حال من الأحوال، وقول إخوة
يوسف: {إنك لفي ضلالك القديم}، وقوله لحاطب بن أبي بلتعة: {ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل} بل دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي عقيب دفنه أبا طالب يدل على إسلامه؛ لأن بدفن المسلم يستوجب الدعاء لا بدفن الكافر، وعدم شهود النبي - صلى الله عليه وسلم - دفنه لا يدل على كفره؛ لأن حينئذ لم يكن صلاة الجنازة مشروعة بعد، وأما ما روي من شعره فذاك أيضا لا يدل على كفره وهو قوله:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقر بذلك منك عيونا
ولقد دعوتني وزعمت أنك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا لا محالة أنه ... من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة ... لوجدتني سمحا بذلك مبينا
أما الأبيات الأربعة فكلها تدل على إسلامه حيث صرح فيها بتصديقه، ومدحه، ونصرته، وأما البيت الأخير فلا يدل على كفره؛ لأنه قال:
(لوجدتني سمحا بذاك مبينا) والمبين المظهر، ويجوز أن يكون قد تكلم بكلمة الإسلام سرا ولم يظهرها بدليل ما نقل عن ابن عباس أنه قال: " أسر أبو طالب بكلمة الشهادة "، وكذلك قوله: (إن أبا طالب لفي ضحضاح من النار)
لا يدل على كفره؛ لأن المؤمن قد يكون في أكثر من الضحضاح لتقصير صدر منه، ثم يخرج من النار ويدخل الجنة لإيمانه، على أن هذا الحديث
وأمثاله من أخبار الآحاد وأخبار الآحاد لا توجب العلم، وإنما توجب العمل، والذي نحن فيه من باب العلم، فلا تكون هذه الأخبار فيه حجة
والدليل على إسلام أبي طالب أنه ثبت بطريق التواتر أنه كان يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وينصره ويوقره، ويكف عنه أذى المشركين وهذا كله دلائل الإسلام،
لأن الكافر لا يحب النبي ولا ينصره، بل يبغضه ويخذله، ولا يحمل ذلك على القرابة، فإن أبا لهب كان عمه وكان مظهرا للبغض والعداوة، فإن من كان
كافرا فدينه وطبعه يحملانه على عداوة المسلمين فعلا وقولا.
وثبت أيضا بالنقل المتواتر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحبه ويصاحبه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحب الكافر شرعا وطبعا، مع أنه مأمور بمجانبة الكافر، ومعاداة المشركين الفجار قال الله تعالى: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} وقال: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء} ولا يحمل ذلك على القرابة فإن أبا لهب كان أيضا عمه وما كان يحبه. كيف وقد نفى الله تعالى المحبة من المسلم للكافر مع وجود القرابة القريبة بقوله: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} الآية.
الثالث: أنه ثبت بالنقل عن الرواة والثقات: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوا له، ويشكره ولا يليق بحال النبوة الثناء على المشركين، والدعاء لهم بما يدعى به للمسلمين المؤمنين، من ذلك ما روي في حديث الاستسقاء أنه قال: (لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه) ثم قال: (أيكم ينشدنا شعره) فأنشده علي ابن أبي طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... ولما نقاتل دونه ونناضل
وقصة هذا مااورده البيهقي
عن أنس بن مالك، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد أتيناك وما لنا بعير ييط ولا صبي يصيح، وأنشده:
أتيناك والعذراء يدمى لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وألقى بكفيه الصبي استكانة ... من الجوع ضعفا ما يمر ولا يخلي
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل
وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر ثم رفع يديه إلى السماء، فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا غدقا، طبقا عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار تملأ به الضرع، وتنبت به الزرع،
وتحيي به الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون"، فوالله ما رد يديه إلى نحره حتى ألقت السماء بأبراقها، وجاء أهل البطانة يعنجون: يا رسول الله، الغرق الغرق، فرفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا"،
فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل، فضحك رسول الله صل الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: «لله در أبي طالب لو كان حيا قرتا عيناه، من ينشدنا قوله؟» فقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
فقال: يا رسول الله كأنك أردت:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلال من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله يبزى محمد ... ولما نقاتل دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل:
قال وقام رجل من كنانة، وقال:
لك الحمد والحمد ممن شكر ... سقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه دعوة ... إليه وأشخص منه البصر
فلم يك إلا كإلقاء الرداء ... أو اسرع حتى رأينا الدرر
رقاق العوالي جم البعاق ... أغاث به الله عينا مضر
وكان كما قال عمه ... أبو طالب أبيض ذو غرر
به الله يسقي الغمام ... وهذا العيان لذاك الخبر
ومن يشكر الله يلقى المزيد ... ومن يكفر الله يلقى الغير
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يك شاعر يحسن فقد أحسنت»
قال القسطلاني في المواهب
قال ابن التين: إن فى شعر أبى طالب هذا دليلا على أنه كان يعرف نبوة النبى- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يبعث، لما أخبره به بحيرى وغيره من شأنه.
وتعقبه الحافظ أبو الفضل بن حجر: بأن ابن إسحاق ذكر أن إنشاء أبى طالب لهذا الشعر كان بعد البعثة
قال القسطلاني
قال: ورأيت لعلى بن حمزة البصرى جزآ جمع فى شعر أبى طالب، وزعم أنه كان مسلما، وأنه مات على الإسلام، وأن الحشوية «1» تزعم أنه مات كافرا، واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه
..........
قال ابن إسحاق: فلما اجتمعت على ذلك قريش، وصنعوا فيه الذي صنعوا، قال أبو طالب:
ألا أبلغا عني على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خط في أول الكتب
......
وكان أبو طالب منيعا عزيزا في قريش، وكانت قريش تطعم، فإذا أطعم أبو طالب لم يطعم يومئذ أحد غيره، ومن كلامه:
منعا الرسول رسول الملي ... ك ببيض تلألأ مثل البروق
أذبّ وأحمى رسول الملي ... ك حماية عمّ عليه شفيق
يقول ابن سعد: "ومات عبد المطلب فدفن بالحجون، وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنة، ويقال: ابن مائة وعشر سنين.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتذكر موت عبد المطلب؟
قال: نعم، أنا يومئذ ابن ثماني سنين.
قالت أم أيمن: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي خلف سرير عبد المطلب
ومن ذلك ما روى محمد بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أبي طالب في
مرضه فجلس إليه فقال: (يا عم جزيت عني خيرا كفلتني صغيرا وحضنتني كبيرا فجزيت عني خيرا) وفي حديث سعيد بن المسيب قال له: (يا عم إنك أعظم الناس علي حقا وأحسنهم عندي يدا، ولأنت أعظم علي حقا من والدي) ولو لم يكن أبو طالب أهلا للإسلام لما وفقه الله تعالى لمثل تلك الصنائع المعروفة إذ لا يليق بحكمة الحكيم أن يجري تلك الأمور على يد المشرك، أو لا يرزق الإسلام من كان على مثل تلك الأفعال والأقوال، قال الله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} والله لا يخلف الميعاد. وأما ما نقلوه في التفاسير أنه نزلت فيه آيات مثل قوله تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} وقوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} وقوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} فكل ذلك ورد بطريق
الآحاد عن بعض المفسرين وقد ذكرنا أن أخبار الآحاد لا توجب العلم ولا تعارض ما ذكرنا من الأخبار المتواترة والدلائل القطعية من النقلية والعقلية. كيف وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوا للأجانب بالهداية والتوفيق؟ فلا يظن به وهو أوصل الناس للأرحام، وأحرصهم على الإسلام أنه لم يكن يدعوا لأبي طالب مع ما له من الأيادي، ودفع العوادي من الأعادي، ولا يستجيب الله تعالى دعاءه فيه ولا يحقق ما يأمله ويرتجيه والله واسع حكيم.انتهى
قال الالوسي في تفسيره
أخرج أبو سهل السري بن سهل من طريق عبد القدوس عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } الخ نزلت في أبي طالب الح
النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم فأبى فأنزل الله تعالى هذه الآية وقد روي نزولها فيه عنه أيضاً ابن مردويه ، ومسألة إسلامه خلافية ، وحكاية إجماع المسلمين
أو المفسرين على أن الآية نزلت فيه لا تصح فقد ذهب الشيعة وغير واحد من مفسريهم إلى إسلامه وادعوا إجماع أئمة أهل البيت على ذلك وإن أكثر قصائده
تشهد له بذلك؛ وكأن من يدعي إجماع المسلمين لا يعتد بخلاف الشيعة ولا يعول على رواياتهم ، ثم إنه على القول بعدم إسلامه لا ينبغي سبه والتكلم فيه
بفضول الكلام فإن ذلك مما يتأذى به العلويون بل لا يبعد أن يكون مما يتأذى به النبي عليه الصلاة والسلام الذي نطقت الآية بناءاً على هذه الروايات بحبه إياه ،
والاحتياط لا يخفى على ذي فهم .ولأجل عين ألف عين تكرم
وجاء في تفسير الرازي
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم (113) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم (114)
اعلم أنه تعالى لما بين من أول هذه السورة إلى هذا الموضع وجوب إظهار البراءة عن الكفار والمنافقين من جميع الوجوه بين في هذه الآية أنه تجب البراءة عن أمواتهم ، وإن كانوا في غاية القرب من الإنسان كالأب والأم ، كما أوجبت البراءة عن أحيائهم ، والمقصود منه بيان وجوب مقاطعتهم على أقصى الغايات والمنع من مواصلتهم بسبب من الأسباب وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوها . الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما فتح الله تعالى مكة سأل النبي عليه الصلاة والسلام « أي أبويه أحدث به عهدا » قيل أمك ، فذهب إلى قبرها ووقف دونه ، ثم قعد عند رأسها وبكى فسأله عمر وقال : نهيتنا عن زيارة القبور والبكاء ، ثم زرت وبكيت ، فقال : « قد أذن لي فيه ، فلما علمت ما هي فيه من عذاب الله وإني لا أغني عنها من الله شيئا بكيت رحمة لها . » الثاني : روي عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة قال له الرسول عليه الصلاة والسلام : « يا عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله » فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب . فقال :
أنا على ملة عبد المطلب فقال عليه الصلاة والسلام : « لأستغفرن لك ما لم أنه عنك » فنزلت هذه الآية قوله : { إنك لا تهدى من أحببت }
قال الواحدي : وقد استبعده الحسين بن الفضل لأن هذه السورة من آخر القرآن نزولا ، ووفاة أبي طالب كانت بمكة في أول الإسلام ،
الثالث : يروى عن علي أنه سمع رجلا يستغفر لأبويه المشركين قال : فقلت له أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال : أليس قد استغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية .
الرابع : يروى أن رجلا أتى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال : كان أبي في الجاهلية يصل الرحم ، ويقري الضيف ، ويمنح من ماله . وأي أبي؟ فقال : « أمات مشركا؟ » قال : نعم . قال في ضحضاح من النار
فولى الرجل يبكي فدعاه عليه الصلاة والسلام ، فقال : « إن أبي وأباك وأبا إبراهيم في النار ، إن أباك لم يقل يوما أعوذ بالله من النار »
قال ابن حجر ان الآية التي فيها النهي عن الاستغفار نزلت بعد موت أبي طالب بمدة وهي عامة في حقه وحق غيره،
قال ابن حجر في الفتح أنه مات أي أبي طالب بعد خروجهم من الشعب وذلك في آخر السنة العاشرة من المبعث وكان يذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرد عنه كل من يؤذيه
قال الحفاظ: لم يرو عن المسيب إلا سعيد، والمشهور من شرط البخاري أنه لا يروي عمن له راو واحد
أخرج البيهقي في الدلائل
عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عارض جنازة أبي طالب فقال: «وصلتك رحم، وجزيت خيرا يا عم»
كذلك ما ورد بالاكتفاء بنطق محمد رسول الله
.............
ورواه أحمد أيضا فقال: حدثنا يزيد حدثنا مبارك بن فضالة عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي، قال أتيت أبا هريرة، فقلت له: بلغني أنك تقول: إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة! قال: وما أعجبك من ذلك؟ فو الله لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة
جاء في تفسير مراح لبيد
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا رسولا كموسى صح ذلك في الكتب، وأنه قال عند قرب موته مخاطبا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
ودعوتني وعلمت أنك صادق ... ولقد صدقت وكنت قبل أمينا
ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا
واعلم أنه لو ترك شخص النطق بالشهادتين بعد المطالبة لا لإباء عن الإسلام ولا لعناد له، بل لخوف من ظالم أو من ملامة، أو مسبة عند من يعظم ذلك، وقلبه مطمئن بالإيمان فلا يكون كافرا بينه وبين الله،
بل لو تكلم بالكفر والحالة هذه لا يضره.
وقال الحليمي: لا خلاف أن الإيمان ينعقد بغير كلمة لا إله إلا الله حتى لو قال:
لا إله غير الله ولا إله ما عدا الله، أو ما سوى الله، أو ما من إله إلا الله، أو لا إله إلا الرحمن، أو لا رحمن إلا الله أو إلا البارئ فهو كقوله: لا إله الا الله اه. وكذا قال: محمد نبي الله
أو مبعوثه أو نحو ذلك، أو ما يؤدي إلى ذلك باللغات العجمية صح إسلامه وحكم بكونه مسلما
وفي الحديث قوله صلّى الله عليه وسلّم: «آدم ومن دون تحت لوائي وإن عبد المطلب يعطي نور الأنبياء وجمال الملوك»
«1» .(1) رواه المتقي الهندي في كنز العمال (133) .
وعن جعفر بن محمد الصادق قال: ويحشر عبد المطلب له نور الأنبياء وجمال الملوك، ويحشر أبو طالب في زمرته، أي إنما يعطى عبد المطلب نور الأنبياء، لأنه كان على التوحيد،
ولأنه مستقل لا تابع، وهو من أهل الفترة وإنما يعطى جمال الملوك، لأنه كان سيد قريش في زمانه فهو في ذلك ملحق بالملوك الذين عدلوا وما ظلموا
، ومما يدل على أن أبا طالب مؤمن ما
روي عن إسحاق بن عبد الله بن الحرث قال: قال العباس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أترجو لأبي طالب خيرا؟ قال: «كل الخير أرجو من ربي»
«2» رجاؤه صلّى الله عليه وسلّم محقق ولا يرجو كل الخير إلا لمؤمن.(2) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (10: 378) .
وما
روي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب، وأخ كان لي في الجاهلية»
«3» . أورده المحب الطبري أي وهو الأخ من الرضاعة.(3) رواه الحاكم في المستدرك (4: 306) ، والبغوي في شرح السنّة (14: 224) ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (10: 151) .
وفي الحديث: «إني ادخرت شفاعتي جعلتها لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا»
. اه. وما أخبر صلّى الله عليه وسلّم أن أبا طالب أخرج من طمطام النار وغمراتها إلى ضحضاح، منها وخفف عنه من عذابها وجعل أخف أهل النار عذابا ألبس نعلين من النار، فما مست النار
إلا تحت قدميه، ولو كان كافرا لكان عذاب الكفر فوق عذاب الكبائر قطعا، ولو وجد مؤمن من عاص أخف عذابا من أبي طالب لزم الخلف في قوله صلّى الله عليه وسلّم حيث جعله أخف أهل النار على الإطلاق
فوجب أن يكون عذابه كعذاب عصاة المؤمنين في مقابلة كبيرة كذا في رسالة السيد رسول البر زنجي. وَقالُوا أي أهل مكة: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أي إن نوحد الله معك يا محمد نطرد من مكة.
روي أن الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنا نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب أن يتخطفونا من أرضنا، أي أن يجتمعوا على
فقال الإمام الكرماني في شرحه فإن قلت أعمال الكفار كلها هباء منثورا يوم القيامة فكيف انتفع أبو طالب بعمله حتى شفع له صلى الله عليه وسلم
قلت : ولعلنا نقطع الشك باليقين فنقول أن أبا طالب حينما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول الكلمة قال أبو طالب ( على ملة عبد المطلب )
وقد ثبت بالصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
فهل يعقل أن يفتخر النبي صلى الله عليه وسلم بعصبيته أو قومه وهو من نبذ هذه العصبيات ؟
اللهم الا أن كان يفخر بإيمان عبد المطلب وهذا دليل على ايمان ابي طالب
بما اشار اليه بقوله ( على ملة عبد المطلب )
قصيدة أبو طالب في مدح النبي محمدا صلى الله عليه وسلم
خليليَّ ما أُذْني لأوَّلِ عاذلِ*** بِصَغْواءَ في حقٍّ ولا عندَ باطلِ
خليليَّ إنَّ الرأيَ ليسَ بِشِركة ٍ ***ولا نَهْنَهٍ عندَ الأمورِ البَلابلِ
ولمّا رأيتُ القومَ لا وُدَّ عندَهُمْ*** وقد قَطَعوا كلَّ العُرى والوَسائلِ
وقد صارحونا بالعداوة ِ والأذى **8وقد طاوَعوا أمرَ العدوِّ المُزايلِ
وقد حالَفُوا قوما علينا أظِنَّة ً **يعضُّون غيظا خَلفَنا بالأناملِ
صَبرتُ لهُمْ نَفسي بسمراءَ سَمحة ٍ ***وأبيضَ عَضْبٍ من تُراث المقاوِلِ
وأحْضَرتُ عندَ البيتِ رَهْطي وإخوتي*** وأمسكتُ من أثوابهِ بالوَصائلِ
قياما معا مستقبلين رِتاجَهُ ***لدَى حيثُ يَقضي نُسْكَهُ كلُّ نافلِ
وحيثُ يُنِيخُ الأشعرونَ ركابَهُم** بِمَفْضَى السُّيولِ من أسافٍ ونائلِ
مُوسَّمَة َ الأعضادِ أو قَصَراتِها **مُخيَّسة ً بين السَّديس وبازِلِ
تَرى الوَدْعَ فيها والرُّخامَ وزينة ً **بأعناقِها معقودة ً كالعثاكلِ
أعوذُ بربِّ النَّاسِ من كلِّ طاعِنٍ** عَلينا بسوءٍ أو مُلِحٍّ بباطلِ
ومِن كاشحٍ يَسْعى لنا بمعيبة ٍ*** ومِن مُلحِقٍ في الدِّين ما لم نُحاولِ
وثَوْرٍ ومَن أرسى ثَبيراً مَكانَه*** وعَيْرٍ ، وراقٍ في حِراءٍ ونازلِ
وبالبيتِ رُكنِ البيتِ من بطنِ مكَّة ***ٍ وباللَّهِ إنَّ اللهَ ليس بغافلِ
وبالحَجَرِ المُسْودِّ إذ يَمْسَحونَهُ **إذا اكْتَنَفوهُ بالضُّحى والأصائلِ
ومَوطِىء إبراهيمَ في الصَخرِ رَطَبة** َ على قَدميهِ حافياً غيرَ ناعلِ
وأَشواطِ بَينَ المَرْوَتَينِ إلى الصَّفا** وما فيهما من صورة ٍ وتَماثِلِ
ومن حجَّ بيتَ اللَّهِ من كلِّ راكبٍ** ومِن كلِّ ذي نَذْرٍ ومِن كلِّ راجلِ
وبالمَشْعَرِ الأقصى إذا عَمدوا لهُ **إلالٍ إلى مَفْضَى الشِّراج القوابلِ
وتَوْقافِهم فوقَ الجبالِ عشيَّة ً** يُقيمون بالأيدي صُدورَ الرَّواحِلِ
وليلة ِ جَمعٍ والمنازلُ مِن مِنى ً **وما فَوقَها من حُرمة ٍ ومَنازلِ
وجَمعٍ إذا ما المَقْرُباتُ أجزْنَهُ **سِراعاً كما يَفْزَعْنَ مِن وقعِ وابِلِ
وبالجَمْرَة ِ الكُبرى إذا صَمدوا لها **يَؤمُّونَ قَذْفاً رأسَها بالجنادلِ
وكِنْدَة ُ إذْ هُم بالحِصابِ عَشِيَّة ً **تُجيزُ بهمْ حِجاجَ بكرِ بنِ وائلِ
حَليفانِ شَدَّا عِقْدَ ما اجْتَمعا لهُ **وردَّا عَليهِ عاطفاتِ الوسائلِ
وحَطْمُهمُ سُمْرَ الرِّماحِ معَ الظُّبا** وإنفاذُهُم ما يَتَّقي كلُّ نابلِ
ومَشئْيُهم حولَ البِسالِ وسَرْحُهُ **وشِبْرِقُهُ وَخْدَ النَّعامِ الجَوافلِ
فهل فوقَ هذا مِن مَعاذٍ لعائذٍ** وهَل من مُعيذٍ يَتَّقي اللَّهَ عادِلِ؟
يُطاعُ بنا الأعدا وودُّا لو أنَّنا** تُسَدُّ بنا أبوابُ تُركٍ وكابُلِ
كذَبْتُمْ وبيتِ اللَّهِ نَتْركَ مكَّة ً** ونظعَنَ إلاَّ أمرُكُم في بَلابلِ
كَذَبْتُم وبيتِ اللَّهِ نُبَزى محمدا** ولمّا نُطاعِنُ دونَهُ ونُناضِلِ
ونُسْلِمَه حتى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ **ونَذْهُلَ عن أبنائِنا والحَلائلِ
وينهضَ قَومٌ في الحديدِ إليكُمُ **نُهوضَ الرَّوايا تحتَ ذاتِ الصَّلاصِل
وحتَّى يُرى ذو الضِّغْنِ يركبُ رَدْعَهُ** منَ الطَّعنِ فِعلَ الأنكَبِ المُتَحامِل
وإنِّي لعَمرُ اللَّهِ إنْ جَدَّ ما أرى **لَتَلْتَبِسَنْ أَسيافُنا بالأماثلِ
بكفِّ امرئٍ مثلِ الشِّهابِ سَمَيْدَع **أخي ثِقَة ٍ حامي الحقيقة ِ باسلِ
شُهورا وأيّاما وحَولاً مُجرَّما **عَلينا وتأتي حِجَّة ٌ بعدَ قابلِ
وما تَرْكُ قَومٍ ، لاأبالك ، سَيِّدا** يَحوطُ الذِّمارَ غَيرَ ذَرْب مُواكلِ؟
وأبيضَ يُسْتَسْقَى الغَمامُ بوجههِ** ثِمالُ اليتامى عِصْمة ٌ للأراملِ
يلوذُ به الهُلاّكُ من آلِ هاشمٍ **فهُم عندَهُ في نِعمة ٍ وفَواضلِ
لعَمري لقد أجرى أُسَيْدٌ ورهطُهُ **إلى بُعضِنا وجزَّآنا لآكلِ
جزَتْ رحِمٌ عنَّا أُسَيداً وخالداً **جزاءَ مُسيءٍ لا يُؤخَّرُ عاجِلِ
وعثمانُ لم يَرْبَعْ عَلينا وقُنْفُذٌ **ولكنْ أطاعا أمرَ تلك القبائلِ
أطاعا أُبيّا وابنَ عبدِ يَغوثِهم **ولم يَرْقُبا فينا مقالَة َ قائلِ
كما قَد لَقِينا من سُبَيعٍ ونَوفَلٍ** وكلُّ تَوَلَّى مُعرضاً لم يُجاملِ
فإن يُلْقَيا أو يُمكنَ اللهُ منهما** نَكِلْ لهُما صاعاً بكَيْلِ المُكايلِ
وذاكَ أبو عمرٍو أبى غيرَ بُغضِنا **لِيَظْعَننا في أهلِ شاءٍ وجاملِ
يُناجَى بنا في كلِّ مَمْسى ً **ومُصْبِحٍ فناجِ أبا عَمْرٍو بنا ثمَّ خاتِلِ
ويُقْسِمُنا باللهِ ما أن يَغُشَّنا **بلى قد نراهُ جَهرة ً غيرَ حائلِ
أضاقَ عليهِ بُغْضَنا كلَّ تَلْعة** ٍ منَ الأرض بينَ أخشُبٍ فمَجادلِ
وسائلْ أبا الوليدِ: ماذا حَبَوْتَنا **بسَعْيِكَ فينا مُعْرِضا كالمُخاتِلِ؟
وكنتَ امرأً ممَّنْ يُعاشُ برأيهِ **ورحمتُه فينا ولستَ بجاهلِ
أَعُتْبة ُ، لا تَسمعْ بنا قولَ كاشِحٍ **حَسودٍ كذوبٍ مُبغِضٍ ذي دَغاوُلِ
وقد خِفْتُ إنْ لم تَزْجُرَنْهُمْ وتَرْعَووا** تُلاقي ونَلْقَى منك إحْدَى البَلابلِ
ومَرَّ أبو سُفيانَ عنِّيَ مُعْرضا** كما مَرَّ قَيْلٌ مِن عِظامِ المَقاوِلِ
يَفرُّ إلى نَجدٍ وبَرْدِ مياههِ*** ويَزْعمُ أنِّي لستُ عنكُم بغافلِ
وأَعلمُ أنْ لا غافلٌ عن مَساءَة **ٍ كفاك العدوُّ عندَ حقٍّ وباطلِ
فميلوا عَلينا كُّلكُمْ؛ إنَّ مَيْلَكُمْ **سَواءٌ علينا والرياحُ بهاطلِ
يخبِّرُنا فِعلَ المُناصِح أنَّهُ ***شَفيقٌ ويُخفي عارماتِ الدَّواخلِ
أمُطعِمُ لم أخذُلْكَ في يومِ نجدة ٍ **ولا عندَ تلك المُعْظماتِ الجِلائلِ
ولا يومِ خَصمٍ إذْ أتَوْكَ ألدَّة ٍ أُولي** جَدَلٍ من الخُصومِ المُساجِلِ
أمطعمٌ إنَّ القومَ ساموك خَطَّة **ً وإنَّي متى أُوكَلْ فلستُ بوائلِ
جَزى اللهُ عنّا عبدَ شَمسٍ ونَوفلاً** عُقوبة َ شَرٍّ عاجلاً غيرَ آجِلِ
بميزانِ قِسْطٍ لا يَغيضُ شَعيرة ً له ***شاهدٌ مِن نفسهِ حقُّ عادلِ
لقد سَفَهتْ أحلامُ قَومٍ تبدَّلوا** بَني خَلَفٍ قَيضا بنا والغَياطلِ
ونحنُ الصَّميمُ مِن ذُؤابة ِ هاشمٍ **وآلِ قُصَيٍّ في الخُطوبِ الأوائلِ
وكانَ لنا حوضُ السِّقاية ِ فيهمِ*** ونحنُ الذُّرى منُهمْ وفوقَ الكواهلِ
فما أدركوا ذَخْلاً ولا سَفكوا دَماً** ولا حَالفوا إلاَّ شِرارَ القبائلِ
بَني أمَّة ٍ مجنونة ٍ هِنْدَكيَّة ٍ** بَني جُمَحٍ عُبَيدَ قَيسِ بنِ عاقلِ
وسهمٌ ومخزومٌ تَمالَوا وألَّبُوا عَلينا** العِدا من كلِّ طِمْلٍ وخاملِ
وشائظُ كانت في لؤيِّ بنِ غالبٍ **نفاهُمْ إلينا كلُّ صَقْر حُلاحِل
ورَهْطُ نُفَيلٍ شرُّ مَن وَطىء َ** الحصى وأَلأَمُ حافٍ من معدٍّ وناعلِ
أعبدَ منافٍ أنْتُمو خيرُ قَومِكُمْ** فلا تُشْرِكوا في أمرِكم كلَّ واغلِ
فقد خِفتُ إنْ لم يُصْلحِ اللهُ أمْرَكُمْ** تكونوا كما كانَتْ أحاديثُ وائلِ
لَعَمري لقَدْ أُوْهِنْتُمو وعَجزتُموْ** وجِئتُمْ بأمرٍ مُخطىء ٍ للمَفاصلِ
وكُنْتُمْ قَديماً حَطْبَ قِدْرٍ فأنتمو **أَلانَ حِطابُ أقدُرٍ ومَراجِلِ
لِيهْنئْ بَني عبدِ منافٍ عُقوقُها **وخَذْلانُها، وتَرْكُنا في المعاقلِ
فإنْ يكُ قَومٌ سرَّهُمْ ما صَنَعْتُمو **ستحتلبوها لاقحاً غيرَ باهلِ
فبلِّغْ قُصَيّا أنْ سَيُنْشَرُ أمرُنا** وبَشِّرْ قُصيًّا بعدَنا بالتَّخاذُلِ
ولو طَرقتْ ليلاً قُصيّاً عَظيمة ٌ **إذا ما لجأنا دونَهُم في المداخلِ
ولو صُدقوا ضَرباً خلالَ بُيوتِهم** لكنَّا أُسى ً عندَ النَّساءِ المَطافلِ
فإنْ تكُ كعبٌ من لؤيٍّ تجمَّعتْ **فلا بُدَّ يوما مرَّة ً مِنْ تَزايُلِ
وإنْ تَكُ كعبٌ من كعوبٍ كثيرة ٍ **فلا بدَّ يوما أنَّها في مَجاهِلِ
وكلُّ صديقٍ وابنُ أختٍ نَعُدُّهُ** وجدْنا لعَمري غِبَّهُ غيرَ طائلِ
سِوى أنَّ رَهْطاً مِن كلابِ بنِ مُرَّة **ٍ بَراءٌ إلينا من معقَّة ِ خاذلِ
بَني أسَدٍ لا تُطرِفُنَّ على القَذى** إذا لم يقلْ بالحقِّ مِقْوَلُ قائلِ
فنعْمَ ابنُ أختِ القَومِ غيرَ مُكذَّبٍ** زُهيرٌ حُساما مُفردا مِن حَمائلِ
أَشَمُّ منَ الشُّمِّ البهاليلِ يَنْتَمي **إلى حَسبٍ في حَوْمة ِ المَجْدِ فاضلِ
لعَمري لقد كَلِفْتُ وَجْدا بأحمدٍ** وإخوتهِ دأبَ المحبِّ المُواصِلِ
أقيمُ على نصرِ النبيِّ محمدٍ** أقاتلُ عنهُ بالقَنا والقنابلِ
فلا زالَ في الدُّنيا جَمالاً لأهلِها **وزَينا لم ولاَّهُ رَبُّ المشاكِلِ
فمَنْ مثلُهُ في النَّاسِ أيُّ مؤمَّلٍ** إذا قاسَه الحكَّامُ عندَ التَّفاضُلِ
حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غيرُ طائشٍ** يُوالي إلها ليسَ عنهُ بغافلِ
فأيَّدَه ربُّ العبّادِ بنصرهِ*** وأظهرَ دَينا حقُّه غيرُ ناصلِ
فو اللهِ لولا أن أَجيءَ بسُبَّة **ٍ تَجُرُّ على أشياخنا في المَحافلِ
لكنَّا اتَّبعْناهُ على كلِّ حالة ٍ** منَ الدَّهرِ جِدا غيرَ قَولِ التَّهازُلِ
لقد عَلموا أنَّ ابْنَنا لا مُكذَّبٌ** لَدَيهم ولا يُعْنى َ بقَوْلِ الأباطلِ
رجالٌ كِرامٌ غيرُ مِيلٍ نَماهُمو** إلى الغُرِّ آباءٌ كرامُ المَخاصلِ
دَفَعناهُمو حتَّى تَبدَّدَ جَمعُهُمْ** وحسَّرَ عنّا كلُّ باغٍ وجاهلِ
شَبابٌ منَ المُطَيَّبين وهاشمٍ** كبيضِ السُّيوفِ بينَ أيدي الصَّياقلِ
بِضَربٍ تَرى الفتيانَ فيهِ كأنَّهُم** ضَواري أسودٍ فوقَ لحمٍ خَرادلِ
ولكنَّنا نسلٌ كرامٌ لسادة ٍ**وأيُّهُمْ يفوزُ ويعلو في ليالٍ قلائلِ
وأيُّهُمو منِّي ومنْهُم بسيفهِ** يُلاقي إذا ما حانَ وقتُ التَّنازُلِ
ومَنْ ذا يمَلُّ الحربَ مني ومِنْهمو **ويحمدُ في الاڑفاقِ مِن قَولِ قائلِ؟
فأصبحَ فينا أحمدٌ في أُرومة ٍ **تُقصِّرُ عنها سَورة ُ المُتَطاوِلِ
كأنَّي به فوقَ الجيادِ يقودُها** إلى معشرٍ زاغوا إلى كلِّ باطلِ
وجُدْتُ نفسي دونَهُ وحَمَيتُهُ** ودافَعْتُ عنه بالطُّلى والكلاكلِ
ولا شَكَّ أنَّ اللهَ رافعُ أمرِهِ** ومُعليهِ في الدُّنيا ويومَ التَّجادُلِ
وهذا ذكر ما ورد في كتاب أسنى المطالب في نجاة أبي طالب
فصل
سرد ما ورد من أنه كان ينصر الدين ويدافع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويمدح النبي والإسلام ويمكننا أن نلخص هذا الأمر بالنقاط التالية:
1- لقد اعترف الجميع حتى القائلون بكفر أبي طالب رضي الله عنه على أنه كان ينصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويمنعه، ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر في الفتح(2) 7/194:
واستمر على نصره بعد أن بعث إلى أن مات أبو طالب... وكان يذب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويرد عنه كل من يؤذيه(3).
وثبت عن ابن مسعود أنه قال: (( فأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب(4).
وروى البخاري (3883) ومسلم (209) عن العباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما أغنيت عن عمك فإنه كان يحوطك ويغضب لك...(5).
وفي روايةٍ لمسلم (209): كان يحوطك وينصرك.
2 - وقال أبو طالب مادحاً النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
وأبيض يُسْتَسْقَى الغمام بوجهه // ثمال اليتامى عصمة للأرامل(6)
يلوذ به الهُلاك من آل هاشـ // ـم فهم عنده في نعمة وفواضل
قال ابن كثير(7): إن هذه القصيدة بليغة جداً لا يستطيع أن يقولها إلا مَنْ نُسِبَت إليه، وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى.
وأخرج البيهقي(8) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشكا الجدب والقحط وأنشد أبياتاً،
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى صعد المنبر فرفع يديه إلى السماء ودعا فما رَدَّ يديه حتى ألقت السماء بأبراقها، ثم بعــد ذلك جاؤا يضجـون من كثرة المطر خوف الغرق،
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم حوالينا ولا علينا ))(9).
وضحك صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال:
((لله در أبي طالب لو كان حياً لَقَرَّتْ عيناه، مَنْ ينشدنا قوله ؟)) فقال علي رضي الله عنه وكرم وجهه: كأنك تريد قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثِمَال اليتامى عصمة للأرامــل
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( أجل ))(10).
3- ومما يدل على إيمانه من شعره: ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح (7/194): [ وأخباره في حياطته والذب عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ معروفة مشهورة،
ومما اشتهر من شعره في ذلك قوله:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم **** حتى أوسـد في التراب دفينــا
وقوله:
كذبتم وبيت الله نبزي محمداً **** ولما نقاتل حـوله ونناضـل].
انتهى من (( فتح الباري)).
ومن المشهور عنه أيضاً:
والله لن يصلوا اليك بجمعهم **** حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة **** وابشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك صادق **** ولقد صدقت وكنت ثَمَّ أمينا
ولقد علمت بأن دين محمد **** من خير أديان البرية دينا
وهذه الأبيات ذكرها القرطبي في (( تفسيره )) (6/406)(11).
4- عام الحزن، وقد حزن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على موت عمه أبي طالب وزوجته خديجة في السنة العاشرة للبعثة وسمي ذلك العام عام الحزن(12).
وقال الحاكم في (( المستدرك )) (2/621): (( وتواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما مات عمه أبو طالب لقي هو والمسلمون أذى من المشركين بعد موته))...
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشاً تهجمـوا على أذيته قال: يا عم ما أسرع ما وَجَدْتُ فَقْدَك(13).
وبعد هذا كله نقول: رجل ربَّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخاف عليه ونصره وحماه من أعدائه وله أشعار في صحة دينه وفي مدحه وحزن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لموته محال أن يكون إلا مسلماً مؤمناً.
ولماذا لا يكون حاله كمؤمن آل فرعون الذي قال الله تعالى عنه: { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم
وإن يكن كاذباً فعليه كذبه وإن يكن صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } غافر: 28.
فإن قالوا: للأحاديث الصحيحة الواردة في أنه مات على الكفر..
قلنا: لم تصح هذه الأحاديث عندنا لما سنبينه إن شاء الله تعالى وهي من صنع الأمويين وأذنابهم الذين كانوا يشتمون سيدنا علياً وآل البيت ويحتقرونهم،
والذين جعلوا أبويه صلى الله عليه وآله وسلم في النار.
فصل ذكر الآيات التي زعموا أنها نزلت في أبي طالب
روى البخاري (3884) ومسلم (24) عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ:
((أَيْ عَمِّ قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ )) فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَالا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لاسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ فَنَزَلَتْ { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } وَنَزَلَتْ { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }(14).
أقول: هذا حديث شاذ مردود غير مقبول ولا يجوز التعويل عليه ! وبيان ذلك:
اعترف الحافظ ابن حجر في (( الفتح )) (7/195) أن في نزولها في أبي طالب نظر، وهذا طعن صريح في حديث ابن المسيب عن أبيه في رواية قصة موت أبي طالب التي في الصحيحين.
وذكر في الفتح (8/508) أنها نزلت في عمه وقال: (( هذا فيه إشكال، لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أتى قبر أمه(15) لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية، والأصل عدم تكرر النزول)).
أقول: وقوله هنا ( ثبت ) أنها نزلت لما أتى قبر أمه، باطل مردود لاسيما وهي من أهل الفترة(16).
وجاء في مسند أحمد (1/99و130) كما أقر بذلك الحافظ في (( الفتح )) (8/508) عن سيدنا علي عليه السلام قال: سمعت رجلاً يستغفر لوالديه وهما مشركان فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله { ما كان للنبي..} الآية. وهذا حديث صحيح الإسناد(17).
وهذه الروايات توجب الاضطراب في سبب نزول الآية وعدم صحة الاستدلال بها على أنها نزلت في أبي طالب أو في والدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وانظر كيف ينزلون الآيات وينقلون الأحاديث في الطعن في أمه صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه وعمه وهناك أحاديث ذكرناها في موضوع ( عذاب القبر )(18) يُذكر فيها أن القبر ضم بنتيه صلى الله عليه وآله وسلم وابنه القاسم عليهم سلام الله تعالى وهذا يدلك إلى أن أيدي النواصب الأثيمة التي كانت صاحبة النفوذ والدولة في العهد الأموي والعباسي أدخلت وصنعت تلك الروايات وبثتها ليعتقدها الناس، ونحن والحمد لله تعالى لسنا ممن ينطلي عليهم ذلك.
وبهذا بطل الحديث وبالتالي بطل كون هاتين الآيتين نزلتا في أبي طالب.
بيان الأوجه الأخرى التي لا يصح بها نزول { إنك لا تهدي من أحببت } في أبي طالب:
وأما قوله تعالى { إنك لا تهدي من أحببت.. } الآية، فيمكن الجواب عنها من أوجه منها:
1- أن سياق الآية هو: { وإذا سمعـوا اللغو أعرضـوا عنه وقالوا لنا أعمالنـا ولكم أعمالكـم سلام عليكم لا نبتغي الجاهليـن، إنك لا تهـدي من أحببت ولكــن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتديــن، وقالـوا إن نتبع الهـدى معـك نتخطـف مـن أرضنـا أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون } القصص: 55-57.
وهذا خطاب لجماعة وليس لأبي طالب مثل قوله تعالى { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } ! وأبو طالب لم يخف أن يتخطف من أرضه بدليل مناصرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلو خاف من ذلك لما دافع عنه وحصر في الشعب معه إلى آخر ما هو معلوم !
2- كيف يصح عود الضمير على أبي طالب في قوله تعالى { من أحببتَ }(19) وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يحب الكفار ! فقد قال تعالى ? إنه لا يحب الكافرين ? الروم: 45، وقال تعالى: ? لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم... ? الآية، المجادلة: 22.
( تنبيه ): لاحظوا كيف آل الأمر في أن تَجْعَل العوامل الأموية الناصبية عم النبي ووالديه عليهم سلام الله تعالى في النار(20) وكيف يدافعون عن أبي سفيان ومعاوية الذي بقي عدواً لآل البيت معلناً ذلك مقترفاً للمعاصي حتى مات.
بل وصل الحال بهم وبأذنابهم المعاصرين أن يدافعوا عن مروان بن الحكم ووالده طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد جاء فيهما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( إنه الوزغ ابن الوزغ ))(21)، وكذا يدافعون عن يزيد والحجاج وأمثال هؤلاء الظالمين ويصنفوا فيهم التصانيف للذب عنهم !أعاذنا الله تعالى من هذا الظلم المبين !
وبقي هنا أن نقول: بأن أبا هريرة روى أن آية { إنك لا تهدي من أحببت } نزلت في أبي طالب عند مسلم (رقم25)!.
ونجيب: بأن في سند هذه الرواية يزيد بن كيسان وهـو ضعيف كما سيأتي في التعليـق على بعض أحاديث هذا الكتاب وراويه أبو هـريرة لم يحضـر القصـة لأنه أسلـم سنة سبـع من الهجرة كما يقولـون! فهـو عـلى أقل التقـديرات رواهـا عـن حديث ابن المسيب وقد أبطلناه ! والتحقيق أن كل ذلك من تلاعب الأيدي الناصبية الأثيمة !
فحديث أبي هريرة هنا إن صح عنه ولم يكن موضوعاً فهو من مرسلات الصحابة وكان ينبغي أن يخبرنا عمن رواه! لاسيما وأنه أرسل أحاديث ثم حوقق فيها فتبين بعد ذلك أنها لا تصح(22)!
[ فائدة ]: بيان أن هناك أحاديث في الصحيحين وغيرهما زعموا فيها أن هناك آيات نزلت في فلان أو في حوادث معينة وليس الأمر كذلك:
1- جاء في البخاري (3812) أن آية { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم } نزلت في عبد الله بن سلام الإسرائيلي !!
ونقل الحافظ في الشرح (7/130) أنه مشكل ونقل إنكار ذلك عن بعض السلف فقال: (( وقد استنكر الشعبي فيما رواه عبد بن حميد عن النضر بن شميل عن ابن عون عنه نزولها في عبد الله بن سلام لأنه إنما أسلم بالمدينة والسورة مكية ))، ثم نقل تمحلاً مردوداً في تأويل ذلك!.
وقال ابن كثير في تفسيره (4/168): (( فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام )). والحديث في فضائل ابن سلام(23) باطل عندنا لا يصح !
2- ذكر الحافظ ابن حجر في (( فتح الباري )) (10/230) في شرح الحديث الذي فيه ذكر سحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك كان سبب نزول المعوذتين ! وهذا غير صحيح لأن المعوذتين مكيتان وقضية السحر مدنية(24)!
بقية الأحاديث التي ذكروا فيها أن أبا طالب مات على كفره:
أورد البخاري في صحيحه(25) ثلاثة أحاديث يستدل بها كفر أبي طالب وكونه في النار!! منها حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبيه الذي فيه نزول آيتين في إثبات كفر أبي طالب وقد قدمنا الكلام على ذلك وإبطاله ورده، وبقي الحديثان الآخران وهما:
1- حديث عبدالله بن الحارث قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما أغنيت عن عمك ؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لك ؟
قال: (( هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)).
قلت: هذا غير صحيح البتة عندنا ! فلا يليق بالعباس رضي الله عنه أن يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ( ما أغنيت عن عمك) ؟!!
وأمـا من الناحيـة الحديثيـة: فقد روى هـــذا الحـديث ابـن سعــد فـي (( الطبقات )) (1/125) ولفظــه عن العبــــاس رضي الله عنهــما أنه ســـأل رســول الله صـلى الله عليـه وآله وسلـم: ما ترجــو لأبي طالــب ؟ قـال: (( كل الخير أرجو من ربي)).
وهذا اللفظ يعكر على لفظ الصحيحين ويحكم عليها بالاضطراب على حسب القواعد التي يسلكونها ويعولون عليها.
والراوي لها عن العباس هو عبد الله بن الحارث بن نوفل: وهو أموي المشرب أمه هند بنت أبي سفيان أخت معاوية، اصطلح عليه أهل البصرة حين مات يزيد بن معاوية، فأقره عبد الله ابن الزبير، والعباس رضي الله عنه عم جَدِّه !
وقد روى عبد الله بن الحارث هذا روايات منكرة ومشكلة وعليها عندنا علامات استفهام! وخاصة ما يتعلَّق منها بالصفــات(26) ! وكان يروي عن كعب الأحبار ترجمته في (( تهذيب الكمال )) (14/396).
2- روى البخاري (3885) ومسلم (210) عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر عنده عمه فقال: (( لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه)).
قلت: هذا الحديث يجاب عنه من وجوه:
( الأول ): أنه مخالف القرآن صراحة !فقد أخبر الله تعالى عن الكفار بأنهم { لا يخفف عنهم من عذابها }(27)، وبأنهم { لا يُفَتَّرُ عنهم }(28)، وبأنهم { ما هـــم منها بمخـــرجين } (29)، وبأنهــم { لا تنفعهم شفاعة الشافعين }(30)، إلى غير ذلك.
والقائلون بعدم إيمان أبي طالب وكفره يقولون بموجب هذا الحديث أنه يخفف عنه من العذاب بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم !!
ونقول لهم: بأن من شروط الشفاعة أن لا تكون إلا لمن ارتضــاه الله تعالى ! لقوله جلَّ وعزَّ: { لا يشفعون إلا لمن ارتضى } الأنبياء: 28.
والمقرر عند أهل الأصول أن خبر الآحاد متى عارض نص القرآن القطعي سقط الاستدلال به(31).
( ثانياً ): هذا الحديث أورده ابن عدي في كتابه (( الكامل في ضعفاء الرجال )) (4/236) في ترجمة عبد الله بن خباب والظاهر أنه من منكراته، وذكر ابن عدي في ترجمته أيضاً: (( قال السعدي: عبد الله بن الخباب الذي يروي عنه ابن الهاد سألت عنه فلم أرهم يقفون على جده ومعرفته)).
( ثالثاً ): كيف ورد في حـديث العبـاس الذي في مسلـم (209) أنه صـلى الله عليـه وآله وسلـم قال: (( وجدتـه في غمـرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح )) وهنا يقول: (( لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار )) وهذا تناقض واضح !
( ملاحظة ): من الغريب العجيب فيما رووه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى على ابن أبي سلول المنافق ( والمنافقون في الدرك الأسفل من النار ) واستغفر له وكفنه بقميصه كما هو مروي في الصحيحين وغيرهما، فإذا كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهاه الله تعالى قبل ذلك بسنين عن أن يستغفر للكفار ـ الذين منهم أبو طالب ـ فكيف يستغفر بعد ذلك لابن أبي سلول ويخالف ما أمره الله تعالى به ؟!
وهذا مما يؤكد لنا بطلان ما رووه في أبي طالب والله تعالى أعلم.
فصل في ذكر العلماء الذين قالوا بإيمان أبي طالب ونجاته
ذكر مفتي الشافعية في مكة المكرمة في وقته السيد أحمد زيني دحـلان في كتابه هذا (( أسنى المطالب في نجاة أبي طالب )) أسماء بعض العلماء الذين قالوا بنجاته وإيمانه رضي الله عنه وهم: العلامة الشريف محمد بن رسول البرزنجي صاحب الأصل، والأجهوري، والتلمساني، والحافظ السيوطي الشافعي، وأحمد بن الحسين الموصلي الحنفي، ومحمد بن سلامة القضاعي، والقرطبي، والسبكي، والشعراني.
وذكر الحافظ ابن حجر في (( الفتح )) (7/195) أن السهيلي (( رأى في بعض كتب المسعودي أنه أسلم ))(32).
أقول: وقـد وقفت على بعـض أسماء مؤلفـات من قال بنجـاة أبي طالب وإليـــك ذلك:
1- (( بغية الطالب لإيمان أبي طالب وحسن خاتمته )) تأليف العلامة البرزنجي، مخطوط بدار الكتب المصرية.
وهذا الكتاب منسوب إلى الإمام الحافظ السيوطي ولما أتينا بمخطوطته من دار الكتب المصرية وجدناه للعلامـة البرزنجي وهو موضوع بين رسائل للحافظ السيوطي.
2- ((إثبات إسلام أبي طالب )) تأليف: مولانا محمد معين الهندي السندي التتوي الحنفي (ت1161هـ).
3- ((السهم الصائب لكبد من آذى أبا طالب )) تأليف أبو الهدى محمد أفندي بن حسن الصيادي الرفاعي (1266هـ -1327هـ) كما في الأعلام (6/94).
4- ((غاية المطالب في بحث إيمان أبي طالب )) تأليف السيد علي كبير بن علي جعفر الحسيني الهندي الإله أبادي (1212هـ -1285هـ). انظر نزهة الخواطر (7/342).
5- ((فيض الواهب في نجاة أبي طالب )) تأليف الشيخ: أحمد فيضي بن علي عارف الجورومي الخالدي الرومي الحنفي (1253هـ ـ1327هـ). انظر هدية العارفين (1/195).
6- ((أبو طالب بطل الإسلام )) تأليف صديقنا القاضي الفاضل السيد حيدر ابن العلامة السيد محمد سعيد العرفي حفظـه الله تعالى، وللعـلامة السيد محمد سعيد العرفي مراسلات مع السيد محمد بن عقيل الباعلـوي صاحب (( النصائح الكافية )) و (( العتب الجميل )) أثبتنا جملة منها في مقدمة تحقيقنا (( للعتب الجميل )) وهي مهمة فلينظرها من شاء.
وهناك كتب أخرى يمكن تتبعها في (( معجم ما ألف عن أبي طالب عليه السلام )) لعبدالله صالح المنتفكي في مجلة ( تراثنا ) العدد الثالث والرابع سنة 1421هـ.
7- وأمّا الإمامية ففي كتاب (( الميزان في تفسير القرآن )) (16/57) ما نصه:
((وروايات أئمة أهل البيت عليهم السلام مستفيضة على إيمانه، والمنقول من أشعاره مشحون بالإقرار على صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحقيّة دينه.))...
8- وقال الشيخ الطوسي في تفسيره (( التبيان )) (8/164):
((وعن أبي عبد الله وأبي جعفر أن أبا طالب كان مسلماً وعليه إجماع الإمامية لا يختلفون فيه، ولهم على ذلك أدلة قاطعة موجبة للعلم ليس هذا محل ذكرها)).
الحواشي السفلية:
(1) - أنظر طبقات ابن سعد 1/209، وتاريخ ابن كثير البداية والنهاية 3/84.
(2) - قبل شرح الحديث رقم (3883) في أول باب قصة أبي طالب في كتاب مناقب الأنصار.
(3) - وانظر أيضاً البداية والنهاية لابن كثير 3/133.
(4) - حسن. رواه ابن حبان في الصحيح 15/558 برقم 7083 وابن أبي شيبة في المصنف 6/396 و7/337 والبيهقي في السنن الكبرى 8/209 وأحمد في المسند 1/404 وابن ماجه 150 والحاكم 3/284 والبزار 5/233 وغيرهم وصححه متناقض عصرنا الألباني في صحيح ابن ماجه 1/30 برقم122.
(5) - رواه البخاري 3883 ومسلم 209 مع أن في هذه الرواية ما لا نأخذ به لأمور أخرى لكن الأمر الذي استشهدنا واستدللنا به ثابت مقطوع به.
(6) - ثبت في البخاري 1009 أن هذا البيت لأبي طالب في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 2/496: [وهذا البيت من أبياتٍ في قصيدة لأبي طالب ذكرها بن إسحاق في السيرة بطولها، وهي أكثر من ثمانين بيتاً، قالها لما تمالأت قريش على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفروا عنه من يريد الإسلام، أولها:
ولما رأيت القوم لا ود فيهم // وقد قطعوا كل العرا والوسائل
وقد جاهرونا بالعداوة والأذى // وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
ويقول فيها:
أعبد مناف أنتم خير قومكم // فلا تشركوا في أمركم كل واغل
فقد خفت إن لم يصلح الله أمركم // تكونوا كما كانت أحاديث وائل
ويقول فيها:
أعوذ برب الناس من كل طاعن // علينا بسوء أو ملح بباطل
وثور ومن أرسى ثبيراً مكانه // وراق لبر في حراء ونازل
وبالبيت حق البيت من بطن مكة // وبالله أن الله ليس بغافل
ويقول فيها:
كذبتم وبيت الله نبزي محمداً // ولما نطاعن حوله ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله // ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ويقول فيها:
وما ترك قوم لا أبالك سيداً يحوط // الذمار بين بكر بن وائل، وأبيض
يستسقى الغمام بوجهه // ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم // فهم عنده في نعمة وفواضل.
قال السهيلي: فإن قيل كيف قال أبو طالب (يستسقى الغمام بوجهه) ولم يره قط استسقى إنما كان ذلك منه بعد الهجرة، وأجاب بما حاصله: أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معه غلام. انتهى
ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه ] انتهى كلام ابن حجر من الفتح .
(7) - في (( البداية والنهاية )) (3/57).
(8) - هذا صحيح ثابت فقد روى البيت ( وأبيض يستسقى الغمام ) البخاري (1009) ولفظ ( اللهم حوالينا ولا علينا ) البخاري ومسلم كما سيأتي، وهذا السياق رواه الأصبهاني في دلائل النبوة (1/184) وذكره الحافظ في الفتح (2/295) وعزاه للبيهقي في (( دلائل النبوة )) وقال هناك: (( وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة، وقد ذكره ابن هشام في زوائده في السيرة تعليقاً عمن يثق به)).
(9) - هذا النص (( اللهم حوالينا ولا علينا )) رواه البخاري (933و1013و1014و1015و1020 و1021 1033و3582و6093و6342) في عشرة مواضع، ومسلم (897) وغيرهما.
(10) - رواه ابن عدي في الكامل (3/408-409).
(11) - وأورد الحافظ ابن حجـر البيتين الأخيريـن في (( الإصابة )) (7/236) وعبّر عنهما بأنه مما نسب إلى أبي طالب وهــذا منـه خطأ في التعبيـر لأنه كان في مقـام الرد على أحد الشيعة، ولما ذكر البيت الأول في (( الفتح )) قال: (( ومما اشتهر من شعره )) !! وهذه عادته في التعبير حتى عن الأشياء الثابتة وهي عادة غير محمودة ! ففي (( فتح الباري )) (13/410) يقول عند إثبات مسألة ( حوادث لا أول لها ) التي يقول بها ابن تيمية: (( وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية )) مع أنه يثبتها.
(12) - انظر (( التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة )) (1/12) للحافظ السخاوي، وكتاب ((الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصا )) (1/67) للناصري، وكتاب (( لسان العرب )) (13/112) لابن منظور.
(13) - حسن، رواه الطبراني في الأوسط (4/141) وأبو نعيم في الحلية (8/308) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/15): (( رواه الطبراني في الأوسط عن شخص لقي ابن سعيد الرازي قال الدارقطني: ليس بذاك، وعيسى بن عبد السلام لم أعرفه وبقية رجاله ثقات)).
ومن الأحاديث الواردة في ذلك عن السيدة عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما زالت قريش كافة ( وفي لفظ كاعة ) عني حتى مات أبو طالب )) رواه الطبراني في الأوسط (1/188)، والديلمي في مسند الفردوس (4/98) وقال الهيثمي في (( مجمع الزوائد )) (6/15): (( وفيه أبو بلال الأشعري وهو ضعيف )) قلت: ضعفه الدارقطني وأورده ابن حبان في (( الثقات )) (9/199) ومعناه صحيح مطابق للواقع المنقول في كتب التواريخ والسير فالحديث حسن عندنا.
(14) - راوي هذا الحديث عن المسيب هو الزهري ! وهو أمويّ المشرب ! وإليك بعض ذلك:
ذكر الذهبي في (( سير النبلاء )) (5/331): أن الزهري قال: (( وتوفي عبد الملك فلزمت ابنه الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد، فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهري.... ثم لزمت هشام بن عبد الملك، وصير هشام الزهري مع أولاده يعلمهم ويحج معهم)).
وقال الذهبي هناك ص (337) أيضاً: (( كان رحمه الله محتشماً جليلاً بزي الأجناد له صورة كبيرة في دولة بني أمية )). راجع كتابنا (( تناقضات الألباني )) (3/336) فإننا هناك توسعنا في الكلام على الزهري.
ومما يجب التنبه إليه ههنا أنه هو راوي قصة الانتحار التي في البخاري وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما فتر الوحي عنه أراد أن يتردى من شواهق الجبال ! قال الحافظ ابن حجر في ((الفتح )) (12/359/6982): (( وهو من بلاغات الزهري وليس موصولاً)).
(15) - وقد بينت عدم صحة الحديث الذي رواه مسلم (976) من أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يؤذن له في الاستغفار لأمه صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في (( صحيح شرح العقيدة الطحاوية )) ص (84-86).
(16) - وقد بينت ذلك مفصلاً في (( صحيح شرح الطحاوية )) ص (82-95).
(17) - وعبد الله بن الخليل الراوي عن سيدنا علي عليه السلام وثقه الذهبي في (( الكاشف ))، وابن حبان في (( ثقاته )) (5/29) وقال: (( روى عنه أبو إسحاق السبيعي وأهل الكوفة ))، وقد روى هذا الحديث الترمذي (3101) وحَسَّنَه.
(18) - في (( صحيح شرح العقيدة الطحاوية )) ص (481-482).
(19) - قال الماوردي في تفسيره (4/259): (( قوله تعالى ? إنك لا تهدي من أحببت? فيه وجهان:... الثاني: من أحببته لقرابته. قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن.... )). فلاحظ هذا !
(20) - وقد بينت ذلك مفصلاً في (( صحيح شرح العقيدة الطحاوية )) ص (84-86) وما بعدها.
(21) - رواه الحاكم في المستدرك (4/479) من حديث عبد الرحمن بن عوف، ونعيم بن حماد في الفتن (1/131).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/11): (( وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد أخرجها الطبراني وغيره غالبها فيه مقال وبعضها جياد ))، قلت: ممن روى هذا اللعن أحمد في مسنده (4/5) والبزار (6/159) والضياء في المختارة (9/310) وانظر مجمع الزوائد (5/241) حيث قال إن رجاله رجال الصحيح.
(22) - منها حديث عبد الرحمن بن عَتَّاب قال: كان أبو هريرة يقول: من أصبح جنباً فلا صوم له، قال: فأرسلني مروان بن الحكم أنا ورجلاً آخر إلى عائشة وأم سلمة نسألهما عن الجنب يصبح في رمضان قبل أن يغتسل، قال: فقالت إحداهما: قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنباً ثم يغتسل ويتم صيام يومه، قال: وقالـت الأخرى: كان يصبـح جنباً من غير أن يحتلم ثم يتم صومه، قال: فرجعا فأخبرا مروان بذلك، فقال لعبد الرحمن: أخبر أبا هريرة بما قالتاه، فقال أبو هريرة: كذا كنت أحسب وكذا كنت أظنُّ، قال: فقال له مروان: بأظن وبأحسب تفتي الناس.
رواه أحمد في المسند (6/184) واللفظ له، ورواه البخاري في صحيحه (1926) في كتاب الصيام / باب الصائم يصبح جنباً، وجاء في رواية البخاري أن أبا هريرة قال: (( كذلك حدثني الفضل بن عباس وهُنَّ أعلم )) وقال الحافظ في الفتح في شرحه لهذا الحديث (4/145): (( وفي رواية معمر عن ابن شهاب: فتلوَّن وجه أبي هريرة ثم قال: هكذا حدثني الفضل)).
(23) - انظر ما كتبته عنه في مقدمة كتاب (( العلو )) للذهبي ص (24-26).
(24) - وقد تكلمت على هذا الأمر ببعض بسط فيه في (( صحيح شرح الطحاوية )) ص (401-402) فراجعه إن شئت.
(25) - انظر (( فتح الباري )) (7/193/3883-3885) كتاب مناقب الأنصار / باب قصة أبي طالب.
(26) - انظر تحقيقنا على كتاب العلو الحديث رقم (19،154،149،259،278).
(27) - الآية: والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور فاطر: 36.
(28) - الآية: لا يُفَتَّرُ عنهم وهم فيه مُبْلِسُون الزخرف: 75.
(29) - الآية: وما هم بخارجين من النار البقرة: 167، وقوله تعالى يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم المائدة: 37.
(30) - الآية: فما تنفعهم شفاعة الشافعين المدثر: 48.
(31) - ممن نص على ذلك الخطيب البغدادي في كتاب (( الفقيه والمتفقه )) (1/132) وانظر لتحقيق هذه المسألة مقدمتنا لكتاب (( دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه )) ص (27-45) ومقدمة كتابنا ((صحيح شرح العقيدة الطحاوية )) (124).
(32) - وما علق به محب الدين الخطيب الناصبي على (( الفتح )) من قوله بأن المسعودي: ( شيعي قح من دعاتهم ) مما لا يلتفت العاقل إليه لما عرف من نصب الخطيب وأنه من دعاة النصب الخبيث عافانا الله من ذلك بمنه وكرمه، فيقال للخطيب: وأنت ناصبي خبيث من دعاتهم ! فلا حياك الله تعالى ولا بياك !وللعلامة المحدث الكوثري كتاب خاص في صفع هذا الخطيب سماه (( صفعات البرهان على صفحات العدوان)).
والمسعودي رحمه الله تعالى هو علي بن الحسين بن علي المسعودي، شافعي ترجمه السبكي في ((طبقات الشافعية الكبرى )) (3/456).
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
فلا بد أولا من أن نقدم بين يدي البحث فيما قاله وقرره العلماء حول
شرطية أوشطرية النطق بالشهادتين
فأقول مستعينا بالله
قال سعد التفتازاني أن النطق بالشهادتين إنما هو شرط لإجراء الأحكام الظاهرة الدنيوية، وليس جزءاً من الإيمان ولا شطراً له -كما كان عليه مذهب الحنفية - ويستدل لذلك بحديث: { يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان }
وهنا قال شارح كلامه الدسوقي : 'حاصل ما ذكره الشارح أن الأقوال فيه ثلاثة:
قيل: إن النطق بالشهادتين شرط في صحته خارج عن ماهيته.
وقيل: إنه شطر -أي: جزء من حقيقة الإيمان- فالإيمان مجموع التصديق القلبي والنطق بالشهادتين.
وقيل: ليس شرطاً في صحته ولا جزءاً من مفهومه، بل هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية، وهو المعتمد!
وعليه فمن صدق بقلبه ولم ينطق بالشهادتين سواء كان قادراً على النطق أو عاجزاً عنه فهو مؤمن عند الله يدخل الجنة، وإن كانت لا تجري عليه الأحكام الدنيوية من غسل وصلاة عليه ودفن في مقابر المسلمين ولا ترثه ورثته المسلمون، فقول الشارح هذا هو المشهور
'ووافق بعض محققي الحنفية السادة الأشاعرة كما نبه عليه المصنف بقوله: [ إلا أن قول صاحب العمدة ] هو كما مر أبو البركات عبد الله بن محمد بن محمود النسفي ، [ منهم ] أي: من الحنفية: [ الإيمان: التصديق، فمن صدق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما جاء به ] عن الله فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى، والإقرار شرط إجراء الأحكام، [ هو ] أي: قول صاحب العمدة : [ بعينه القول المختار عند الأشاعرة ] تبع فيه صاحب العمدة أبا منصور الماتريدي
5- ويجمع الشعراني أقوال كثير منهم في موضع واحد:
حيث ينقل في كتابه اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر ' أن السبكي أورد سؤالاً وهو: أنه هل التلفظ بالإيمان الذي هو الشهادة شرط للإيمان أو شطر منه؟ فيه تردد للعلماء ' [670] .
قال الشعراني : 'قال الجلال المحلي : وكلام الغزالي يقتضي أنه ليس بشرط ولا شطر، وإنما هو واجب من واجباته' [671] .
قال الكمال في حاشية جمع الجوامع : "وإيضاح ذلك أن يقال في التلفظ: هل هو شرط لإجراء أحكام المؤمنين في الدنيا من التوارث والمناكحة وغيرهما، فيكون غير داخل في مسمى الإيمان، أو شطر منه أو جزء من مسماه؟
قال: والذي عليه جمهور المحققين الأول، وعليه فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه مع تمكنه من الإقرار كان مؤمناً عند الله تعالى.
قال: وهذا أوفق باللغة والعرف!!
وذهب شمس الأئمة السرخسي وفخر الإسلام البزدوي من الحنفية، وكثير من الفقهاء إلى الثاني.
وألزمهم القائلون بالأول بأن من صدّق بقلبه فاخترمته المنية قبل اتساع وقت الإقرار كان كافراً [672] وهو خلاف الإجماع - على ما نقله الإمام الرازي وغيره" [673] .
6- وقال البيجوري في شرح الجوهرة شرحاً لقوله: '
وفسر الإيمـان بالتصـديقِ والنطق فيه الخلف بالتحقيقِ
فقيل شرط كالعمل وقيل بل شطر والإسلام اشرحن بالعمل
قوله: والنطق فيه الخلف: أي: والنطق بالشهادتين للمتمكن منه، وخرج بالمتمكن -الذي هو القادر- الأخرس، فلا يطالب بالنطق، كمن اخترمته المنية قبل النطق من غير تراخٍ، فهو مؤمن عند الله، حتى على القول بأن النطق شرط صحة أو شطر، بخلاف من تمكن وفرط.
وموضوع هذا الخلاف كافر أصلي يريد الدخول في الإسلام، وأما أولاد المسلمين فمؤمنون قطعاً، وتجري عليهم الأحكام الدنيوية، ولو لم ينطقوا بالشهادتين طول عمرهم'.
قال: 'وقوله: شرط: أي: خارج عن ماهيته، وهذا القول لمحققي الأشاعرة والماتريدية ولغيرهم.
...............
(باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل)
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}
فيه حديث عائشة رضي الله عنها (قالت قلت يارسول الله بن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه قال لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين
معنى هذا الحديث أن ما كان يفعله من الصلة والإطعام ووجوه المكارم لا ينفعه في الآخرة لكونه كافرا وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين أي لم يكن مصدقا بالبعث ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه عمل قال القاضي عياض رحمه الله تعالى وقد انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم هذا آخر كلام القاضي وذكر الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور نحو هذا عن بعض أهل العلم والنظر قال البيهقي وقد يجوز أن يكون حديث بن جدعان وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات هذا كلام البيهقي قال العلماء وكان بن جدعان كثير الإطعام وكان اتخذ للضيفان جفنة يرقى إليها بسلم وكان من بني تميم بن مرة أقرباء عائشة رضي الله عنها وكان من رؤساء قريش واسمه عبد الله وجدعان بضم الجيم وإسكان الدال المهملة وبالعين المهملة وأما صلة الرحم فهي الإحسان إلى الأقارب وقد تقدم بيانها وأما الجاهلية فما كان قبل النبوة سموا بذلك لكثرة جهالاتهم والله تعالى أعلم
أن الكافرَ لا ينتفعُ في الآخرةِ بشيء من الحسناتِ بحالٍ
ومن حجةِ أهلِ هذا القولِ قولُهُ تعالى : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً منثورًا).
وقولُهُ تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ).
ونحوُ هذه الآياتِ.
وفي "صحيح مسلم " عن أنس عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إنَّ اللَّه لا يظلم مؤمنًا حسنةً يعطَى بها في الدنيا وبجزى بها في الآخرةِ ، وأمَّا الكافرُ فيطعَمُ بحسنات ما عملَ بها للهِ في الدُّنيا حتى إذا أفضَى إلى الآخرةِ لم تكنْ له حسنةٌ يُجزى بِهَا".
وفي روايةٍ له أيضًا : "إنَّ الكافرَ إذا عملَ حسنةً أطعمَ بها طعمةً في الدنيا ، وأما المؤمن فإنَّ اللَّه يدخرُ له حسناتِه في الآخرةِ ، وبعقبُ له رزقًا في الدنيا على طاعتِهِ
بما عمل من الخير، لكن مع انضمام شفاعة، كما جاء في أبي طالب.
فأما غيره فقد أخبر التنزيل بقوله: " فما تنفعهم شفاعة الشافعين " (1) [ المدثر: 48 ].
وقال مخبرا عن الكافرين: " فما لنا من شافعين.
ولا صديق حميم " (2) [ الشعراء: 100، 101 ].
أخرج ابن إسحاق من حديث بن عباس بسند فيه من لم يسم أن أبا طالب لما تقارب منه الموت بعد أن عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم
أن يقول لا إله إلا الله فأبى قال فنظر العباس إليه وهو يحرك شفتيه فأصغى إليه فقال
يا بن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها
رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا عمران، حدثنا قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
نقل عن التبصرة في شرح المشارق، وتفسير الثعلبي: أن أعمال الكفرة الحسنة التي لا تحتاج إلى اشتراط الإيمان: كإنحاء الغريق، وإطفاء الحريق، وإطعام ابن السبيل، يجزون عليها في الدنيا، ولا تدخر لهم في الآخرة كالمؤمنين
بالإجماع للتصريح به في الأحاديث
وعليه فالكافر يرى جزاء خيره في الدنيا في نفسه وماله وأهله، ويعذب بشره في الآخرة، والمؤمن يرى جزاء شره في الدنيا بما يبتلى به مما يكره، ويرى جزاء خيره في الآخرة،
روي عن أبي أيوب أنه صلى الله عليه وسلم قال له إذ رفع يده: (من عمل منكم خيرا فجزاؤه في الآخرة، ومن عمل منكم شرا يره في الدنيا مصيبات وأمراضا، ومن يكن فيه
مثقال ذرة من خير دخل الجنة) وتقديم عمل الخير في الآية لأنه أشرف القسمين والمقصود بالأصالة، وليس في الآية تكرار؛ لأن الأول متصل بقوله: (خيرا يره) والثاني متصل بقوله: (شرا يره)
و في شرح المقاصد الإجماع على هذا
وفي تفسير ابن عطية
قال القاضي أبو محمد: ويتصل هاهنا ذكر أفعال الكافر إذا كانت برا كصلة القرابة وجبر الكسير وإغاثة المظلوم هل ينتفع بها أم لا، فاختصار القول في ذلك أن في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
«إن ثواب الكافر على أفعاله البرة هو في الطعمة يطعمها» ونحو ذلك، فهذا مقنع لا يحتاج معه إلى نظر وأما ما ينتفع بها في الآخرة فلا، دليل ذلك أن عائشة أم المؤمنين قالت للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله:
أرأيت عبد الله بن جدعان أينفعه ما كان يطعم ويصنع من خير فقال: «لا إنه لم يقل يوما، رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» ، ودليل آخر في قول عمر رضي الله عنه لابنه: ذاك العاصي بن وائل لا جزاه الله خيرا
وكان هذا القول بعد موت العاصي، الحديث بطوله، ودليل ثالث في حديث حكيم بن حزام على أحد التأويلين: أعني في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما سلف لك من خير،
ولا حجة في أمر أبي طالب كونه في ضحضاح من نار لأن ذلك إنما هو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وبأنه وجده في غمرة من النار فأخرجه، ولو فرضنا أن ذلك بأعماله لم يحتج إلى شفاعة،
وأما أفعال الكافر القبيحة فإنها تزيد في عذابه وبذلك هو تفاضلهم في عذاب جهنم، وقوله: أَنْفِقُوا أمر في ضمنه جزاء وهذا مستمر في كل أمر معه جواب فالتقدير: إن تنفقوا لم يتقبل منكم،
وأما إذا عري الأمر من جواب فليس يصحبه تضمن الشرط.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل: وفيه: فيقول الله عز وجل:
ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار.
وفي لفظ: أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فأخرجوه من النار. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقول أبو سعيد: اقرؤا إن شئتم إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ.
جاء في كتاب مباحث التفسير لابن مظفر السمعاني
قال في قوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}: " أنها نزلت في أبي طالب، وأنه لما حضرته الوفاة دخل عليه
النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أي عم إنك أعظم الناس علي حقا، وأحسنهم عندي يدا، فقل كلمة تجب لك بها شفاعتي لا إله إلا الله). فقال أبو جهل: أترغب عن ملة عبد المطلب، ففال: أنا على ملة عبد المطلب، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لأستغفرن لك ما لم أنه). فنزل قوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا} الآية ".
قلت: هذا بعيد لأن السورة من آخر ما نزل من القرآن، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام بمكة، فكيف يكون سبب نزول هذه الآية استغفاره له؟
والذي نقل عنه أنه قال بل على ملة عبد المطلب ليس فيه ما يدل على كفره؛ لأن عبد المطلب مات في الفترة، ولم تبلغه الدعوة، ولم يكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، بل نقل عنه ما يدل على إيمانه وهو حبه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتربيته له، وقوله: إن لهذا البيت ربا ينصره لأبرهة، ودعاؤه وإجابة الله دعاءه في وجدان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين فقده، وفي الاستسقاء وغيرها، فما نقل منه شيء يدل على الكفر بالله
ولا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكون عبد المطلب من أهل النار بالكتاب والسنة، أما الكتاب قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} أما السنة فقد جاء في الحديث: (ثلاثة يأتون يوم القيامة بحجة وعذر منهم رجل مات في الفترة).
أما ما ذكر من حديث علي أنه قال: (إن عمك الضال قد مات)
فقال: (اذهب فواره فواراه، فدعا لعلي). ليس فيه أيضا ما يدل على كفره، لأن الضال قد يطلق على غير الكافر قال الله تعالى: {ووجدك ضالا فهدى}، ولا يجوز الكفر على الأنبياء في حال من الأحوال، وقول إخوة
يوسف: {إنك لفي ضلالك القديم}، وقوله لحاطب بن أبي بلتعة: {ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل} بل دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي عقيب دفنه أبا طالب يدل على إسلامه؛ لأن بدفن المسلم يستوجب الدعاء لا بدفن الكافر، وعدم شهود النبي - صلى الله عليه وسلم - دفنه لا يدل على كفره؛ لأن حينئذ لم يكن صلاة الجنازة مشروعة بعد، وأما ما روي من شعره فذاك أيضا لا يدل على كفره وهو قوله:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقر بذلك منك عيونا
ولقد دعوتني وزعمت أنك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا لا محالة أنه ... من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة ... لوجدتني سمحا بذلك مبينا
أما الأبيات الأربعة فكلها تدل على إسلامه حيث صرح فيها بتصديقه، ومدحه، ونصرته، وأما البيت الأخير فلا يدل على كفره؛ لأنه قال:
(لوجدتني سمحا بذاك مبينا) والمبين المظهر، ويجوز أن يكون قد تكلم بكلمة الإسلام سرا ولم يظهرها بدليل ما نقل عن ابن عباس أنه قال: " أسر أبو طالب بكلمة الشهادة "، وكذلك قوله: (إن أبا طالب لفي ضحضاح من النار)
لا يدل على كفره؛ لأن المؤمن قد يكون في أكثر من الضحضاح لتقصير صدر منه، ثم يخرج من النار ويدخل الجنة لإيمانه، على أن هذا الحديث
وأمثاله من أخبار الآحاد وأخبار الآحاد لا توجب العلم، وإنما توجب العمل، والذي نحن فيه من باب العلم، فلا تكون هذه الأخبار فيه حجة
والدليل على إسلام أبي طالب أنه ثبت بطريق التواتر أنه كان يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وينصره ويوقره، ويكف عنه أذى المشركين وهذا كله دلائل الإسلام،
لأن الكافر لا يحب النبي ولا ينصره، بل يبغضه ويخذله، ولا يحمل ذلك على القرابة، فإن أبا لهب كان عمه وكان مظهرا للبغض والعداوة، فإن من كان
كافرا فدينه وطبعه يحملانه على عداوة المسلمين فعلا وقولا.
وثبت أيضا بالنقل المتواتر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحبه ويصاحبه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحب الكافر شرعا وطبعا، مع أنه مأمور بمجانبة الكافر، ومعاداة المشركين الفجار قال الله تعالى: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} وقال: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء} ولا يحمل ذلك على القرابة فإن أبا لهب كان أيضا عمه وما كان يحبه. كيف وقد نفى الله تعالى المحبة من المسلم للكافر مع وجود القرابة القريبة بقوله: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} الآية.
الثالث: أنه ثبت بالنقل عن الرواة والثقات: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوا له، ويشكره ولا يليق بحال النبوة الثناء على المشركين، والدعاء لهم بما يدعى به للمسلمين المؤمنين، من ذلك ما روي في حديث الاستسقاء أنه قال: (لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه) ثم قال: (أيكم ينشدنا شعره) فأنشده علي ابن أبي طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... ولما نقاتل دونه ونناضل
وقصة هذا مااورده البيهقي
عن أنس بن مالك، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد أتيناك وما لنا بعير ييط ولا صبي يصيح، وأنشده:
أتيناك والعذراء يدمى لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وألقى بكفيه الصبي استكانة ... من الجوع ضعفا ما يمر ولا يخلي
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل
وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر ثم رفع يديه إلى السماء، فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا غدقا، طبقا عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار تملأ به الضرع، وتنبت به الزرع،
وتحيي به الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون"، فوالله ما رد يديه إلى نحره حتى ألقت السماء بأبراقها، وجاء أهل البطانة يعنجون: يا رسول الله، الغرق الغرق، فرفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا"،
فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل، فضحك رسول الله صل الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: «لله در أبي طالب لو كان حيا قرتا عيناه، من ينشدنا قوله؟» فقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
فقال: يا رسول الله كأنك أردت:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلال من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله يبزى محمد ... ولما نقاتل دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل:
قال وقام رجل من كنانة، وقال:
لك الحمد والحمد ممن شكر ... سقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه دعوة ... إليه وأشخص منه البصر
فلم يك إلا كإلقاء الرداء ... أو اسرع حتى رأينا الدرر
رقاق العوالي جم البعاق ... أغاث به الله عينا مضر
وكان كما قال عمه ... أبو طالب أبيض ذو غرر
به الله يسقي الغمام ... وهذا العيان لذاك الخبر
ومن يشكر الله يلقى المزيد ... ومن يكفر الله يلقى الغير
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يك شاعر يحسن فقد أحسنت»
قال القسطلاني في المواهب
قال ابن التين: إن فى شعر أبى طالب هذا دليلا على أنه كان يعرف نبوة النبى- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يبعث، لما أخبره به بحيرى وغيره من شأنه.
وتعقبه الحافظ أبو الفضل بن حجر: بأن ابن إسحاق ذكر أن إنشاء أبى طالب لهذا الشعر كان بعد البعثة
قال القسطلاني
قال: ورأيت لعلى بن حمزة البصرى جزآ جمع فى شعر أبى طالب، وزعم أنه كان مسلما، وأنه مات على الإسلام، وأن الحشوية «1» تزعم أنه مات كافرا، واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه
..........
قال ابن إسحاق: فلما اجتمعت على ذلك قريش، وصنعوا فيه الذي صنعوا، قال أبو طالب:
ألا أبلغا عني على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خط في أول الكتب
......
وكان أبو طالب منيعا عزيزا في قريش، وكانت قريش تطعم، فإذا أطعم أبو طالب لم يطعم يومئذ أحد غيره، ومن كلامه:
منعا الرسول رسول الملي ... ك ببيض تلألأ مثل البروق
أذبّ وأحمى رسول الملي ... ك حماية عمّ عليه شفيق
يقول ابن سعد: "ومات عبد المطلب فدفن بالحجون، وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنة، ويقال: ابن مائة وعشر سنين.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتذكر موت عبد المطلب؟
قال: نعم، أنا يومئذ ابن ثماني سنين.
قالت أم أيمن: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي خلف سرير عبد المطلب
ومن ذلك ما روى محمد بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أبي طالب في
مرضه فجلس إليه فقال: (يا عم جزيت عني خيرا كفلتني صغيرا وحضنتني كبيرا فجزيت عني خيرا) وفي حديث سعيد بن المسيب قال له: (يا عم إنك أعظم الناس علي حقا وأحسنهم عندي يدا، ولأنت أعظم علي حقا من والدي) ولو لم يكن أبو طالب أهلا للإسلام لما وفقه الله تعالى لمثل تلك الصنائع المعروفة إذ لا يليق بحكمة الحكيم أن يجري تلك الأمور على يد المشرك، أو لا يرزق الإسلام من كان على مثل تلك الأفعال والأقوال، قال الله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} والله لا يخلف الميعاد. وأما ما نقلوه في التفاسير أنه نزلت فيه آيات مثل قوله تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} وقوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} وقوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} فكل ذلك ورد بطريق
الآحاد عن بعض المفسرين وقد ذكرنا أن أخبار الآحاد لا توجب العلم ولا تعارض ما ذكرنا من الأخبار المتواترة والدلائل القطعية من النقلية والعقلية. كيف وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوا للأجانب بالهداية والتوفيق؟ فلا يظن به وهو أوصل الناس للأرحام، وأحرصهم على الإسلام أنه لم يكن يدعوا لأبي طالب مع ما له من الأيادي، ودفع العوادي من الأعادي، ولا يستجيب الله تعالى دعاءه فيه ولا يحقق ما يأمله ويرتجيه والله واسع حكيم.انتهى
قال الالوسي في تفسيره
أخرج أبو سهل السري بن سهل من طريق عبد القدوس عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } الخ نزلت في أبي طالب الح
النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم فأبى فأنزل الله تعالى هذه الآية وقد روي نزولها فيه عنه أيضاً ابن مردويه ، ومسألة إسلامه خلافية ، وحكاية إجماع المسلمين
أو المفسرين على أن الآية نزلت فيه لا تصح فقد ذهب الشيعة وغير واحد من مفسريهم إلى إسلامه وادعوا إجماع أئمة أهل البيت على ذلك وإن أكثر قصائده
تشهد له بذلك؛ وكأن من يدعي إجماع المسلمين لا يعتد بخلاف الشيعة ولا يعول على رواياتهم ، ثم إنه على القول بعدم إسلامه لا ينبغي سبه والتكلم فيه
بفضول الكلام فإن ذلك مما يتأذى به العلويون بل لا يبعد أن يكون مما يتأذى به النبي عليه الصلاة والسلام الذي نطقت الآية بناءاً على هذه الروايات بحبه إياه ،
والاحتياط لا يخفى على ذي فهم .ولأجل عين ألف عين تكرم
وجاء في تفسير الرازي
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم (113) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم (114)
اعلم أنه تعالى لما بين من أول هذه السورة إلى هذا الموضع وجوب إظهار البراءة عن الكفار والمنافقين من جميع الوجوه بين في هذه الآية أنه تجب البراءة عن أمواتهم ، وإن كانوا في غاية القرب من الإنسان كالأب والأم ، كما أوجبت البراءة عن أحيائهم ، والمقصود منه بيان وجوب مقاطعتهم على أقصى الغايات والمنع من مواصلتهم بسبب من الأسباب وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوها . الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما فتح الله تعالى مكة سأل النبي عليه الصلاة والسلام « أي أبويه أحدث به عهدا » قيل أمك ، فذهب إلى قبرها ووقف دونه ، ثم قعد عند رأسها وبكى فسأله عمر وقال : نهيتنا عن زيارة القبور والبكاء ، ثم زرت وبكيت ، فقال : « قد أذن لي فيه ، فلما علمت ما هي فيه من عذاب الله وإني لا أغني عنها من الله شيئا بكيت رحمة لها . » الثاني : روي عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة قال له الرسول عليه الصلاة والسلام : « يا عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله » فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب . فقال :
أنا على ملة عبد المطلب فقال عليه الصلاة والسلام : « لأستغفرن لك ما لم أنه عنك » فنزلت هذه الآية قوله : { إنك لا تهدى من أحببت }
قال الواحدي : وقد استبعده الحسين بن الفضل لأن هذه السورة من آخر القرآن نزولا ، ووفاة أبي طالب كانت بمكة في أول الإسلام ،
الثالث : يروى عن علي أنه سمع رجلا يستغفر لأبويه المشركين قال : فقلت له أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال : أليس قد استغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية .
الرابع : يروى أن رجلا أتى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال : كان أبي في الجاهلية يصل الرحم ، ويقري الضيف ، ويمنح من ماله . وأي أبي؟ فقال : « أمات مشركا؟ » قال : نعم . قال في ضحضاح من النار
فولى الرجل يبكي فدعاه عليه الصلاة والسلام ، فقال : « إن أبي وأباك وأبا إبراهيم في النار ، إن أباك لم يقل يوما أعوذ بالله من النار »
قال ابن حجر ان الآية التي فيها النهي عن الاستغفار نزلت بعد موت أبي طالب بمدة وهي عامة في حقه وحق غيره،
قال ابن حجر في الفتح أنه مات أي أبي طالب بعد خروجهم من الشعب وذلك في آخر السنة العاشرة من المبعث وكان يذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرد عنه كل من يؤذيه
قال الحفاظ: لم يرو عن المسيب إلا سعيد، والمشهور من شرط البخاري أنه لا يروي عمن له راو واحد
أخرج البيهقي في الدلائل
عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عارض جنازة أبي طالب فقال: «وصلتك رحم، وجزيت خيرا يا عم»
كذلك ما ورد بالاكتفاء بنطق محمد رسول الله
.............
ورواه أحمد أيضا فقال: حدثنا يزيد حدثنا مبارك بن فضالة عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي، قال أتيت أبا هريرة، فقلت له: بلغني أنك تقول: إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة! قال: وما أعجبك من ذلك؟ فو الله لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة
جاء في تفسير مراح لبيد
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا رسولا كموسى صح ذلك في الكتب، وأنه قال عند قرب موته مخاطبا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
ودعوتني وعلمت أنك صادق ... ولقد صدقت وكنت قبل أمينا
ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا
واعلم أنه لو ترك شخص النطق بالشهادتين بعد المطالبة لا لإباء عن الإسلام ولا لعناد له، بل لخوف من ظالم أو من ملامة، أو مسبة عند من يعظم ذلك، وقلبه مطمئن بالإيمان فلا يكون كافرا بينه وبين الله،
بل لو تكلم بالكفر والحالة هذه لا يضره.
وقال الحليمي: لا خلاف أن الإيمان ينعقد بغير كلمة لا إله إلا الله حتى لو قال:
لا إله غير الله ولا إله ما عدا الله، أو ما سوى الله، أو ما من إله إلا الله، أو لا إله إلا الرحمن، أو لا رحمن إلا الله أو إلا البارئ فهو كقوله: لا إله الا الله اه. وكذا قال: محمد نبي الله
أو مبعوثه أو نحو ذلك، أو ما يؤدي إلى ذلك باللغات العجمية صح إسلامه وحكم بكونه مسلما
وفي الحديث قوله صلّى الله عليه وسلّم: «آدم ومن دون تحت لوائي وإن عبد المطلب يعطي نور الأنبياء وجمال الملوك»
«1» .(1) رواه المتقي الهندي في كنز العمال (133) .
وعن جعفر بن محمد الصادق قال: ويحشر عبد المطلب له نور الأنبياء وجمال الملوك، ويحشر أبو طالب في زمرته، أي إنما يعطى عبد المطلب نور الأنبياء، لأنه كان على التوحيد،
ولأنه مستقل لا تابع، وهو من أهل الفترة وإنما يعطى جمال الملوك، لأنه كان سيد قريش في زمانه فهو في ذلك ملحق بالملوك الذين عدلوا وما ظلموا
، ومما يدل على أن أبا طالب مؤمن ما
روي عن إسحاق بن عبد الله بن الحرث قال: قال العباس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أترجو لأبي طالب خيرا؟ قال: «كل الخير أرجو من ربي»
«2» رجاؤه صلّى الله عليه وسلّم محقق ولا يرجو كل الخير إلا لمؤمن.(2) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (10: 378) .
وما
روي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب، وأخ كان لي في الجاهلية»
«3» . أورده المحب الطبري أي وهو الأخ من الرضاعة.(3) رواه الحاكم في المستدرك (4: 306) ، والبغوي في شرح السنّة (14: 224) ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (10: 151) .
وفي الحديث: «إني ادخرت شفاعتي جعلتها لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا»
. اه. وما أخبر صلّى الله عليه وسلّم أن أبا طالب أخرج من طمطام النار وغمراتها إلى ضحضاح، منها وخفف عنه من عذابها وجعل أخف أهل النار عذابا ألبس نعلين من النار، فما مست النار
إلا تحت قدميه، ولو كان كافرا لكان عذاب الكفر فوق عذاب الكبائر قطعا، ولو وجد مؤمن من عاص أخف عذابا من أبي طالب لزم الخلف في قوله صلّى الله عليه وسلّم حيث جعله أخف أهل النار على الإطلاق
فوجب أن يكون عذابه كعذاب عصاة المؤمنين في مقابلة كبيرة كذا في رسالة السيد رسول البر زنجي. وَقالُوا أي أهل مكة: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أي إن نوحد الله معك يا محمد نطرد من مكة.
روي أن الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنا نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب أن يتخطفونا من أرضنا، أي أن يجتمعوا على
فقال الإمام الكرماني في شرحه فإن قلت أعمال الكفار كلها هباء منثورا يوم القيامة فكيف انتفع أبو طالب بعمله حتى شفع له صلى الله عليه وسلم
قلت : ولعلنا نقطع الشك باليقين فنقول أن أبا طالب حينما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول الكلمة قال أبو طالب ( على ملة عبد المطلب )
وقد ثبت بالصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
فهل يعقل أن يفتخر النبي صلى الله عليه وسلم بعصبيته أو قومه وهو من نبذ هذه العصبيات ؟
اللهم الا أن كان يفخر بإيمان عبد المطلب وهذا دليل على ايمان ابي طالب
بما اشار اليه بقوله ( على ملة عبد المطلب )
قصيدة أبو طالب في مدح النبي محمدا صلى الله عليه وسلم
خليليَّ ما أُذْني لأوَّلِ عاذلِ*** بِصَغْواءَ في حقٍّ ولا عندَ باطلِ
خليليَّ إنَّ الرأيَ ليسَ بِشِركة ٍ ***ولا نَهْنَهٍ عندَ الأمورِ البَلابلِ
ولمّا رأيتُ القومَ لا وُدَّ عندَهُمْ*** وقد قَطَعوا كلَّ العُرى والوَسائلِ
وقد صارحونا بالعداوة ِ والأذى **8وقد طاوَعوا أمرَ العدوِّ المُزايلِ
وقد حالَفُوا قوما علينا أظِنَّة ً **يعضُّون غيظا خَلفَنا بالأناملِ
صَبرتُ لهُمْ نَفسي بسمراءَ سَمحة ٍ ***وأبيضَ عَضْبٍ من تُراث المقاوِلِ
وأحْضَرتُ عندَ البيتِ رَهْطي وإخوتي*** وأمسكتُ من أثوابهِ بالوَصائلِ
قياما معا مستقبلين رِتاجَهُ ***لدَى حيثُ يَقضي نُسْكَهُ كلُّ نافلِ
وحيثُ يُنِيخُ الأشعرونَ ركابَهُم** بِمَفْضَى السُّيولِ من أسافٍ ونائلِ
مُوسَّمَة َ الأعضادِ أو قَصَراتِها **مُخيَّسة ً بين السَّديس وبازِلِ
تَرى الوَدْعَ فيها والرُّخامَ وزينة ً **بأعناقِها معقودة ً كالعثاكلِ
أعوذُ بربِّ النَّاسِ من كلِّ طاعِنٍ** عَلينا بسوءٍ أو مُلِحٍّ بباطلِ
ومِن كاشحٍ يَسْعى لنا بمعيبة ٍ*** ومِن مُلحِقٍ في الدِّين ما لم نُحاولِ
وثَوْرٍ ومَن أرسى ثَبيراً مَكانَه*** وعَيْرٍ ، وراقٍ في حِراءٍ ونازلِ
وبالبيتِ رُكنِ البيتِ من بطنِ مكَّة ***ٍ وباللَّهِ إنَّ اللهَ ليس بغافلِ
وبالحَجَرِ المُسْودِّ إذ يَمْسَحونَهُ **إذا اكْتَنَفوهُ بالضُّحى والأصائلِ
ومَوطِىء إبراهيمَ في الصَخرِ رَطَبة** َ على قَدميهِ حافياً غيرَ ناعلِ
وأَشواطِ بَينَ المَرْوَتَينِ إلى الصَّفا** وما فيهما من صورة ٍ وتَماثِلِ
ومن حجَّ بيتَ اللَّهِ من كلِّ راكبٍ** ومِن كلِّ ذي نَذْرٍ ومِن كلِّ راجلِ
وبالمَشْعَرِ الأقصى إذا عَمدوا لهُ **إلالٍ إلى مَفْضَى الشِّراج القوابلِ
وتَوْقافِهم فوقَ الجبالِ عشيَّة ً** يُقيمون بالأيدي صُدورَ الرَّواحِلِ
وليلة ِ جَمعٍ والمنازلُ مِن مِنى ً **وما فَوقَها من حُرمة ٍ ومَنازلِ
وجَمعٍ إذا ما المَقْرُباتُ أجزْنَهُ **سِراعاً كما يَفْزَعْنَ مِن وقعِ وابِلِ
وبالجَمْرَة ِ الكُبرى إذا صَمدوا لها **يَؤمُّونَ قَذْفاً رأسَها بالجنادلِ
وكِنْدَة ُ إذْ هُم بالحِصابِ عَشِيَّة ً **تُجيزُ بهمْ حِجاجَ بكرِ بنِ وائلِ
حَليفانِ شَدَّا عِقْدَ ما اجْتَمعا لهُ **وردَّا عَليهِ عاطفاتِ الوسائلِ
وحَطْمُهمُ سُمْرَ الرِّماحِ معَ الظُّبا** وإنفاذُهُم ما يَتَّقي كلُّ نابلِ
ومَشئْيُهم حولَ البِسالِ وسَرْحُهُ **وشِبْرِقُهُ وَخْدَ النَّعامِ الجَوافلِ
فهل فوقَ هذا مِن مَعاذٍ لعائذٍ** وهَل من مُعيذٍ يَتَّقي اللَّهَ عادِلِ؟
يُطاعُ بنا الأعدا وودُّا لو أنَّنا** تُسَدُّ بنا أبوابُ تُركٍ وكابُلِ
كذَبْتُمْ وبيتِ اللَّهِ نَتْركَ مكَّة ً** ونظعَنَ إلاَّ أمرُكُم في بَلابلِ
كَذَبْتُم وبيتِ اللَّهِ نُبَزى محمدا** ولمّا نُطاعِنُ دونَهُ ونُناضِلِ
ونُسْلِمَه حتى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ **ونَذْهُلَ عن أبنائِنا والحَلائلِ
وينهضَ قَومٌ في الحديدِ إليكُمُ **نُهوضَ الرَّوايا تحتَ ذاتِ الصَّلاصِل
وحتَّى يُرى ذو الضِّغْنِ يركبُ رَدْعَهُ** منَ الطَّعنِ فِعلَ الأنكَبِ المُتَحامِل
وإنِّي لعَمرُ اللَّهِ إنْ جَدَّ ما أرى **لَتَلْتَبِسَنْ أَسيافُنا بالأماثلِ
بكفِّ امرئٍ مثلِ الشِّهابِ سَمَيْدَع **أخي ثِقَة ٍ حامي الحقيقة ِ باسلِ
شُهورا وأيّاما وحَولاً مُجرَّما **عَلينا وتأتي حِجَّة ٌ بعدَ قابلِ
وما تَرْكُ قَومٍ ، لاأبالك ، سَيِّدا** يَحوطُ الذِّمارَ غَيرَ ذَرْب مُواكلِ؟
وأبيضَ يُسْتَسْقَى الغَمامُ بوجههِ** ثِمالُ اليتامى عِصْمة ٌ للأراملِ
يلوذُ به الهُلاّكُ من آلِ هاشمٍ **فهُم عندَهُ في نِعمة ٍ وفَواضلِ
لعَمري لقد أجرى أُسَيْدٌ ورهطُهُ **إلى بُعضِنا وجزَّآنا لآكلِ
جزَتْ رحِمٌ عنَّا أُسَيداً وخالداً **جزاءَ مُسيءٍ لا يُؤخَّرُ عاجِلِ
وعثمانُ لم يَرْبَعْ عَلينا وقُنْفُذٌ **ولكنْ أطاعا أمرَ تلك القبائلِ
أطاعا أُبيّا وابنَ عبدِ يَغوثِهم **ولم يَرْقُبا فينا مقالَة َ قائلِ
كما قَد لَقِينا من سُبَيعٍ ونَوفَلٍ** وكلُّ تَوَلَّى مُعرضاً لم يُجاملِ
فإن يُلْقَيا أو يُمكنَ اللهُ منهما** نَكِلْ لهُما صاعاً بكَيْلِ المُكايلِ
وذاكَ أبو عمرٍو أبى غيرَ بُغضِنا **لِيَظْعَننا في أهلِ شاءٍ وجاملِ
يُناجَى بنا في كلِّ مَمْسى ً **ومُصْبِحٍ فناجِ أبا عَمْرٍو بنا ثمَّ خاتِلِ
ويُقْسِمُنا باللهِ ما أن يَغُشَّنا **بلى قد نراهُ جَهرة ً غيرَ حائلِ
أضاقَ عليهِ بُغْضَنا كلَّ تَلْعة** ٍ منَ الأرض بينَ أخشُبٍ فمَجادلِ
وسائلْ أبا الوليدِ: ماذا حَبَوْتَنا **بسَعْيِكَ فينا مُعْرِضا كالمُخاتِلِ؟
وكنتَ امرأً ممَّنْ يُعاشُ برأيهِ **ورحمتُه فينا ولستَ بجاهلِ
أَعُتْبة ُ، لا تَسمعْ بنا قولَ كاشِحٍ **حَسودٍ كذوبٍ مُبغِضٍ ذي دَغاوُلِ
وقد خِفْتُ إنْ لم تَزْجُرَنْهُمْ وتَرْعَووا** تُلاقي ونَلْقَى منك إحْدَى البَلابلِ
ومَرَّ أبو سُفيانَ عنِّيَ مُعْرضا** كما مَرَّ قَيْلٌ مِن عِظامِ المَقاوِلِ
يَفرُّ إلى نَجدٍ وبَرْدِ مياههِ*** ويَزْعمُ أنِّي لستُ عنكُم بغافلِ
وأَعلمُ أنْ لا غافلٌ عن مَساءَة **ٍ كفاك العدوُّ عندَ حقٍّ وباطلِ
فميلوا عَلينا كُّلكُمْ؛ إنَّ مَيْلَكُمْ **سَواءٌ علينا والرياحُ بهاطلِ
يخبِّرُنا فِعلَ المُناصِح أنَّهُ ***شَفيقٌ ويُخفي عارماتِ الدَّواخلِ
أمُطعِمُ لم أخذُلْكَ في يومِ نجدة ٍ **ولا عندَ تلك المُعْظماتِ الجِلائلِ
ولا يومِ خَصمٍ إذْ أتَوْكَ ألدَّة ٍ أُولي** جَدَلٍ من الخُصومِ المُساجِلِ
أمطعمٌ إنَّ القومَ ساموك خَطَّة **ً وإنَّي متى أُوكَلْ فلستُ بوائلِ
جَزى اللهُ عنّا عبدَ شَمسٍ ونَوفلاً** عُقوبة َ شَرٍّ عاجلاً غيرَ آجِلِ
بميزانِ قِسْطٍ لا يَغيضُ شَعيرة ً له ***شاهدٌ مِن نفسهِ حقُّ عادلِ
لقد سَفَهتْ أحلامُ قَومٍ تبدَّلوا** بَني خَلَفٍ قَيضا بنا والغَياطلِ
ونحنُ الصَّميمُ مِن ذُؤابة ِ هاشمٍ **وآلِ قُصَيٍّ في الخُطوبِ الأوائلِ
وكانَ لنا حوضُ السِّقاية ِ فيهمِ*** ونحنُ الذُّرى منُهمْ وفوقَ الكواهلِ
فما أدركوا ذَخْلاً ولا سَفكوا دَماً** ولا حَالفوا إلاَّ شِرارَ القبائلِ
بَني أمَّة ٍ مجنونة ٍ هِنْدَكيَّة ٍ** بَني جُمَحٍ عُبَيدَ قَيسِ بنِ عاقلِ
وسهمٌ ومخزومٌ تَمالَوا وألَّبُوا عَلينا** العِدا من كلِّ طِمْلٍ وخاملِ
وشائظُ كانت في لؤيِّ بنِ غالبٍ **نفاهُمْ إلينا كلُّ صَقْر حُلاحِل
ورَهْطُ نُفَيلٍ شرُّ مَن وَطىء َ** الحصى وأَلأَمُ حافٍ من معدٍّ وناعلِ
أعبدَ منافٍ أنْتُمو خيرُ قَومِكُمْ** فلا تُشْرِكوا في أمرِكم كلَّ واغلِ
فقد خِفتُ إنْ لم يُصْلحِ اللهُ أمْرَكُمْ** تكونوا كما كانَتْ أحاديثُ وائلِ
لَعَمري لقَدْ أُوْهِنْتُمو وعَجزتُموْ** وجِئتُمْ بأمرٍ مُخطىء ٍ للمَفاصلِ
وكُنْتُمْ قَديماً حَطْبَ قِدْرٍ فأنتمو **أَلانَ حِطابُ أقدُرٍ ومَراجِلِ
لِيهْنئْ بَني عبدِ منافٍ عُقوقُها **وخَذْلانُها، وتَرْكُنا في المعاقلِ
فإنْ يكُ قَومٌ سرَّهُمْ ما صَنَعْتُمو **ستحتلبوها لاقحاً غيرَ باهلِ
فبلِّغْ قُصَيّا أنْ سَيُنْشَرُ أمرُنا** وبَشِّرْ قُصيًّا بعدَنا بالتَّخاذُلِ
ولو طَرقتْ ليلاً قُصيّاً عَظيمة ٌ **إذا ما لجأنا دونَهُم في المداخلِ
ولو صُدقوا ضَرباً خلالَ بُيوتِهم** لكنَّا أُسى ً عندَ النَّساءِ المَطافلِ
فإنْ تكُ كعبٌ من لؤيٍّ تجمَّعتْ **فلا بُدَّ يوما مرَّة ً مِنْ تَزايُلِ
وإنْ تَكُ كعبٌ من كعوبٍ كثيرة ٍ **فلا بدَّ يوما أنَّها في مَجاهِلِ
وكلُّ صديقٍ وابنُ أختٍ نَعُدُّهُ** وجدْنا لعَمري غِبَّهُ غيرَ طائلِ
سِوى أنَّ رَهْطاً مِن كلابِ بنِ مُرَّة **ٍ بَراءٌ إلينا من معقَّة ِ خاذلِ
بَني أسَدٍ لا تُطرِفُنَّ على القَذى** إذا لم يقلْ بالحقِّ مِقْوَلُ قائلِ
فنعْمَ ابنُ أختِ القَومِ غيرَ مُكذَّبٍ** زُهيرٌ حُساما مُفردا مِن حَمائلِ
أَشَمُّ منَ الشُّمِّ البهاليلِ يَنْتَمي **إلى حَسبٍ في حَوْمة ِ المَجْدِ فاضلِ
لعَمري لقد كَلِفْتُ وَجْدا بأحمدٍ** وإخوتهِ دأبَ المحبِّ المُواصِلِ
أقيمُ على نصرِ النبيِّ محمدٍ** أقاتلُ عنهُ بالقَنا والقنابلِ
فلا زالَ في الدُّنيا جَمالاً لأهلِها **وزَينا لم ولاَّهُ رَبُّ المشاكِلِ
فمَنْ مثلُهُ في النَّاسِ أيُّ مؤمَّلٍ** إذا قاسَه الحكَّامُ عندَ التَّفاضُلِ
حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غيرُ طائشٍ** يُوالي إلها ليسَ عنهُ بغافلِ
فأيَّدَه ربُّ العبّادِ بنصرهِ*** وأظهرَ دَينا حقُّه غيرُ ناصلِ
فو اللهِ لولا أن أَجيءَ بسُبَّة **ٍ تَجُرُّ على أشياخنا في المَحافلِ
لكنَّا اتَّبعْناهُ على كلِّ حالة ٍ** منَ الدَّهرِ جِدا غيرَ قَولِ التَّهازُلِ
لقد عَلموا أنَّ ابْنَنا لا مُكذَّبٌ** لَدَيهم ولا يُعْنى َ بقَوْلِ الأباطلِ
رجالٌ كِرامٌ غيرُ مِيلٍ نَماهُمو** إلى الغُرِّ آباءٌ كرامُ المَخاصلِ
دَفَعناهُمو حتَّى تَبدَّدَ جَمعُهُمْ** وحسَّرَ عنّا كلُّ باغٍ وجاهلِ
شَبابٌ منَ المُطَيَّبين وهاشمٍ** كبيضِ السُّيوفِ بينَ أيدي الصَّياقلِ
بِضَربٍ تَرى الفتيانَ فيهِ كأنَّهُم** ضَواري أسودٍ فوقَ لحمٍ خَرادلِ
ولكنَّنا نسلٌ كرامٌ لسادة ٍ**وأيُّهُمْ يفوزُ ويعلو في ليالٍ قلائلِ
وأيُّهُمو منِّي ومنْهُم بسيفهِ** يُلاقي إذا ما حانَ وقتُ التَّنازُلِ
ومَنْ ذا يمَلُّ الحربَ مني ومِنْهمو **ويحمدُ في الاڑفاقِ مِن قَولِ قائلِ؟
فأصبحَ فينا أحمدٌ في أُرومة ٍ **تُقصِّرُ عنها سَورة ُ المُتَطاوِلِ
كأنَّي به فوقَ الجيادِ يقودُها** إلى معشرٍ زاغوا إلى كلِّ باطلِ
وجُدْتُ نفسي دونَهُ وحَمَيتُهُ** ودافَعْتُ عنه بالطُّلى والكلاكلِ
ولا شَكَّ أنَّ اللهَ رافعُ أمرِهِ** ومُعليهِ في الدُّنيا ويومَ التَّجادُلِ
وهذا ذكر ما ورد في كتاب أسنى المطالب في نجاة أبي طالب
فصل
سرد ما ورد من أنه كان ينصر الدين ويدافع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويمدح النبي والإسلام ويمكننا أن نلخص هذا الأمر بالنقاط التالية:
1- لقد اعترف الجميع حتى القائلون بكفر أبي طالب رضي الله عنه على أنه كان ينصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويمنعه، ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر في الفتح(2) 7/194:
واستمر على نصره بعد أن بعث إلى أن مات أبو طالب... وكان يذب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويرد عنه كل من يؤذيه(3).
وثبت عن ابن مسعود أنه قال: (( فأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب(4).
وروى البخاري (3883) ومسلم (209) عن العباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما أغنيت عن عمك فإنه كان يحوطك ويغضب لك...(5).
وفي روايةٍ لمسلم (209): كان يحوطك وينصرك.
2 - وقال أبو طالب مادحاً النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
وأبيض يُسْتَسْقَى الغمام بوجهه // ثمال اليتامى عصمة للأرامل(6)
يلوذ به الهُلاك من آل هاشـ // ـم فهم عنده في نعمة وفواضل
قال ابن كثير(7): إن هذه القصيدة بليغة جداً لا يستطيع أن يقولها إلا مَنْ نُسِبَت إليه، وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى.
وأخرج البيهقي(8) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشكا الجدب والقحط وأنشد أبياتاً،
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى صعد المنبر فرفع يديه إلى السماء ودعا فما رَدَّ يديه حتى ألقت السماء بأبراقها، ثم بعــد ذلك جاؤا يضجـون من كثرة المطر خوف الغرق،
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم حوالينا ولا علينا ))(9).
وضحك صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال:
((لله در أبي طالب لو كان حياً لَقَرَّتْ عيناه، مَنْ ينشدنا قوله ؟)) فقال علي رضي الله عنه وكرم وجهه: كأنك تريد قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثِمَال اليتامى عصمة للأرامــل
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( أجل ))(10).
3- ومما يدل على إيمانه من شعره: ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح (7/194): [ وأخباره في حياطته والذب عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ معروفة مشهورة،
ومما اشتهر من شعره في ذلك قوله:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم **** حتى أوسـد في التراب دفينــا
وقوله:
كذبتم وبيت الله نبزي محمداً **** ولما نقاتل حـوله ونناضـل].
انتهى من (( فتح الباري)).
ومن المشهور عنه أيضاً:
والله لن يصلوا اليك بجمعهم **** حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة **** وابشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك صادق **** ولقد صدقت وكنت ثَمَّ أمينا
ولقد علمت بأن دين محمد **** من خير أديان البرية دينا
وهذه الأبيات ذكرها القرطبي في (( تفسيره )) (6/406)(11).
4- عام الحزن، وقد حزن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على موت عمه أبي طالب وزوجته خديجة في السنة العاشرة للبعثة وسمي ذلك العام عام الحزن(12).
وقال الحاكم في (( المستدرك )) (2/621): (( وتواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما مات عمه أبو طالب لقي هو والمسلمون أذى من المشركين بعد موته))...
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشاً تهجمـوا على أذيته قال: يا عم ما أسرع ما وَجَدْتُ فَقْدَك(13).
وبعد هذا كله نقول: رجل ربَّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخاف عليه ونصره وحماه من أعدائه وله أشعار في صحة دينه وفي مدحه وحزن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لموته محال أن يكون إلا مسلماً مؤمناً.
ولماذا لا يكون حاله كمؤمن آل فرعون الذي قال الله تعالى عنه: { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم
وإن يكن كاذباً فعليه كذبه وإن يكن صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } غافر: 28.
فإن قالوا: للأحاديث الصحيحة الواردة في أنه مات على الكفر..
قلنا: لم تصح هذه الأحاديث عندنا لما سنبينه إن شاء الله تعالى وهي من صنع الأمويين وأذنابهم الذين كانوا يشتمون سيدنا علياً وآل البيت ويحتقرونهم،
والذين جعلوا أبويه صلى الله عليه وآله وسلم في النار.
فصل ذكر الآيات التي زعموا أنها نزلت في أبي طالب
روى البخاري (3884) ومسلم (24) عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ:
((أَيْ عَمِّ قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ )) فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَالا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لاسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ فَنَزَلَتْ { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } وَنَزَلَتْ { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }(14).
أقول: هذا حديث شاذ مردود غير مقبول ولا يجوز التعويل عليه ! وبيان ذلك:
اعترف الحافظ ابن حجر في (( الفتح )) (7/195) أن في نزولها في أبي طالب نظر، وهذا طعن صريح في حديث ابن المسيب عن أبيه في رواية قصة موت أبي طالب التي في الصحيحين.
وذكر في الفتح (8/508) أنها نزلت في عمه وقال: (( هذا فيه إشكال، لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أتى قبر أمه(15) لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية، والأصل عدم تكرر النزول)).
أقول: وقوله هنا ( ثبت ) أنها نزلت لما أتى قبر أمه، باطل مردود لاسيما وهي من أهل الفترة(16).
وجاء في مسند أحمد (1/99و130) كما أقر بذلك الحافظ في (( الفتح )) (8/508) عن سيدنا علي عليه السلام قال: سمعت رجلاً يستغفر لوالديه وهما مشركان فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله { ما كان للنبي..} الآية. وهذا حديث صحيح الإسناد(17).
وهذه الروايات توجب الاضطراب في سبب نزول الآية وعدم صحة الاستدلال بها على أنها نزلت في أبي طالب أو في والدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وانظر كيف ينزلون الآيات وينقلون الأحاديث في الطعن في أمه صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه وعمه وهناك أحاديث ذكرناها في موضوع ( عذاب القبر )(18) يُذكر فيها أن القبر ضم بنتيه صلى الله عليه وآله وسلم وابنه القاسم عليهم سلام الله تعالى وهذا يدلك إلى أن أيدي النواصب الأثيمة التي كانت صاحبة النفوذ والدولة في العهد الأموي والعباسي أدخلت وصنعت تلك الروايات وبثتها ليعتقدها الناس، ونحن والحمد لله تعالى لسنا ممن ينطلي عليهم ذلك.
وبهذا بطل الحديث وبالتالي بطل كون هاتين الآيتين نزلتا في أبي طالب.
بيان الأوجه الأخرى التي لا يصح بها نزول { إنك لا تهدي من أحببت } في أبي طالب:
وأما قوله تعالى { إنك لا تهدي من أحببت.. } الآية، فيمكن الجواب عنها من أوجه منها:
1- أن سياق الآية هو: { وإذا سمعـوا اللغو أعرضـوا عنه وقالوا لنا أعمالنـا ولكم أعمالكـم سلام عليكم لا نبتغي الجاهليـن، إنك لا تهـدي من أحببت ولكــن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتديــن، وقالـوا إن نتبع الهـدى معـك نتخطـف مـن أرضنـا أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون } القصص: 55-57.
وهذا خطاب لجماعة وليس لأبي طالب مثل قوله تعالى { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } ! وأبو طالب لم يخف أن يتخطف من أرضه بدليل مناصرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلو خاف من ذلك لما دافع عنه وحصر في الشعب معه إلى آخر ما هو معلوم !
2- كيف يصح عود الضمير على أبي طالب في قوله تعالى { من أحببتَ }(19) وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يحب الكفار ! فقد قال تعالى ? إنه لا يحب الكافرين ? الروم: 45، وقال تعالى: ? لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم... ? الآية، المجادلة: 22.
( تنبيه ): لاحظوا كيف آل الأمر في أن تَجْعَل العوامل الأموية الناصبية عم النبي ووالديه عليهم سلام الله تعالى في النار(20) وكيف يدافعون عن أبي سفيان ومعاوية الذي بقي عدواً لآل البيت معلناً ذلك مقترفاً للمعاصي حتى مات.
بل وصل الحال بهم وبأذنابهم المعاصرين أن يدافعوا عن مروان بن الحكم ووالده طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد جاء فيهما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( إنه الوزغ ابن الوزغ ))(21)، وكذا يدافعون عن يزيد والحجاج وأمثال هؤلاء الظالمين ويصنفوا فيهم التصانيف للذب عنهم !أعاذنا الله تعالى من هذا الظلم المبين !
وبقي هنا أن نقول: بأن أبا هريرة روى أن آية { إنك لا تهدي من أحببت } نزلت في أبي طالب عند مسلم (رقم25)!.
ونجيب: بأن في سند هذه الرواية يزيد بن كيسان وهـو ضعيف كما سيأتي في التعليـق على بعض أحاديث هذا الكتاب وراويه أبو هـريرة لم يحضـر القصـة لأنه أسلـم سنة سبـع من الهجرة كما يقولـون! فهـو عـلى أقل التقـديرات رواهـا عـن حديث ابن المسيب وقد أبطلناه ! والتحقيق أن كل ذلك من تلاعب الأيدي الناصبية الأثيمة !
فحديث أبي هريرة هنا إن صح عنه ولم يكن موضوعاً فهو من مرسلات الصحابة وكان ينبغي أن يخبرنا عمن رواه! لاسيما وأنه أرسل أحاديث ثم حوقق فيها فتبين بعد ذلك أنها لا تصح(22)!
[ فائدة ]: بيان أن هناك أحاديث في الصحيحين وغيرهما زعموا فيها أن هناك آيات نزلت في فلان أو في حوادث معينة وليس الأمر كذلك:
1- جاء في البخاري (3812) أن آية { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم } نزلت في عبد الله بن سلام الإسرائيلي !!
ونقل الحافظ في الشرح (7/130) أنه مشكل ونقل إنكار ذلك عن بعض السلف فقال: (( وقد استنكر الشعبي فيما رواه عبد بن حميد عن النضر بن شميل عن ابن عون عنه نزولها في عبد الله بن سلام لأنه إنما أسلم بالمدينة والسورة مكية ))، ثم نقل تمحلاً مردوداً في تأويل ذلك!.
وقال ابن كثير في تفسيره (4/168): (( فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام )). والحديث في فضائل ابن سلام(23) باطل عندنا لا يصح !
2- ذكر الحافظ ابن حجر في (( فتح الباري )) (10/230) في شرح الحديث الذي فيه ذكر سحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك كان سبب نزول المعوذتين ! وهذا غير صحيح لأن المعوذتين مكيتان وقضية السحر مدنية(24)!
بقية الأحاديث التي ذكروا فيها أن أبا طالب مات على كفره:
أورد البخاري في صحيحه(25) ثلاثة أحاديث يستدل بها كفر أبي طالب وكونه في النار!! منها حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبيه الذي فيه نزول آيتين في إثبات كفر أبي طالب وقد قدمنا الكلام على ذلك وإبطاله ورده، وبقي الحديثان الآخران وهما:
1- حديث عبدالله بن الحارث قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما أغنيت عن عمك ؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لك ؟
قال: (( هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)).
قلت: هذا غير صحيح البتة عندنا ! فلا يليق بالعباس رضي الله عنه أن يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ( ما أغنيت عن عمك) ؟!!
وأمـا من الناحيـة الحديثيـة: فقد روى هـــذا الحـديث ابـن سعــد فـي (( الطبقات )) (1/125) ولفظــه عن العبــــاس رضي الله عنهــما أنه ســـأل رســول الله صـلى الله عليـه وآله وسلـم: ما ترجــو لأبي طالــب ؟ قـال: (( كل الخير أرجو من ربي)).
وهذا اللفظ يعكر على لفظ الصحيحين ويحكم عليها بالاضطراب على حسب القواعد التي يسلكونها ويعولون عليها.
والراوي لها عن العباس هو عبد الله بن الحارث بن نوفل: وهو أموي المشرب أمه هند بنت أبي سفيان أخت معاوية، اصطلح عليه أهل البصرة حين مات يزيد بن معاوية، فأقره عبد الله ابن الزبير، والعباس رضي الله عنه عم جَدِّه !
وقد روى عبد الله بن الحارث هذا روايات منكرة ومشكلة وعليها عندنا علامات استفهام! وخاصة ما يتعلَّق منها بالصفــات(26) ! وكان يروي عن كعب الأحبار ترجمته في (( تهذيب الكمال )) (14/396).
2- روى البخاري (3885) ومسلم (210) عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر عنده عمه فقال: (( لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه)).
قلت: هذا الحديث يجاب عنه من وجوه:
( الأول ): أنه مخالف القرآن صراحة !فقد أخبر الله تعالى عن الكفار بأنهم { لا يخفف عنهم من عذابها }(27)، وبأنهم { لا يُفَتَّرُ عنهم }(28)، وبأنهم { ما هـــم منها بمخـــرجين } (29)، وبأنهــم { لا تنفعهم شفاعة الشافعين }(30)، إلى غير ذلك.
والقائلون بعدم إيمان أبي طالب وكفره يقولون بموجب هذا الحديث أنه يخفف عنه من العذاب بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم !!
ونقول لهم: بأن من شروط الشفاعة أن لا تكون إلا لمن ارتضــاه الله تعالى ! لقوله جلَّ وعزَّ: { لا يشفعون إلا لمن ارتضى } الأنبياء: 28.
والمقرر عند أهل الأصول أن خبر الآحاد متى عارض نص القرآن القطعي سقط الاستدلال به(31).
( ثانياً ): هذا الحديث أورده ابن عدي في كتابه (( الكامل في ضعفاء الرجال )) (4/236) في ترجمة عبد الله بن خباب والظاهر أنه من منكراته، وذكر ابن عدي في ترجمته أيضاً: (( قال السعدي: عبد الله بن الخباب الذي يروي عنه ابن الهاد سألت عنه فلم أرهم يقفون على جده ومعرفته)).
( ثالثاً ): كيف ورد في حـديث العبـاس الذي في مسلـم (209) أنه صـلى الله عليـه وآله وسلـم قال: (( وجدتـه في غمـرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح )) وهنا يقول: (( لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار )) وهذا تناقض واضح !
( ملاحظة ): من الغريب العجيب فيما رووه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى على ابن أبي سلول المنافق ( والمنافقون في الدرك الأسفل من النار ) واستغفر له وكفنه بقميصه كما هو مروي في الصحيحين وغيرهما، فإذا كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهاه الله تعالى قبل ذلك بسنين عن أن يستغفر للكفار ـ الذين منهم أبو طالب ـ فكيف يستغفر بعد ذلك لابن أبي سلول ويخالف ما أمره الله تعالى به ؟!
وهذا مما يؤكد لنا بطلان ما رووه في أبي طالب والله تعالى أعلم.
فصل في ذكر العلماء الذين قالوا بإيمان أبي طالب ونجاته
ذكر مفتي الشافعية في مكة المكرمة في وقته السيد أحمد زيني دحـلان في كتابه هذا (( أسنى المطالب في نجاة أبي طالب )) أسماء بعض العلماء الذين قالوا بنجاته وإيمانه رضي الله عنه وهم: العلامة الشريف محمد بن رسول البرزنجي صاحب الأصل، والأجهوري، والتلمساني، والحافظ السيوطي الشافعي، وأحمد بن الحسين الموصلي الحنفي، ومحمد بن سلامة القضاعي، والقرطبي، والسبكي، والشعراني.
وذكر الحافظ ابن حجر في (( الفتح )) (7/195) أن السهيلي (( رأى في بعض كتب المسعودي أنه أسلم ))(32).
أقول: وقـد وقفت على بعـض أسماء مؤلفـات من قال بنجـاة أبي طالب وإليـــك ذلك:
1- (( بغية الطالب لإيمان أبي طالب وحسن خاتمته )) تأليف العلامة البرزنجي، مخطوط بدار الكتب المصرية.
وهذا الكتاب منسوب إلى الإمام الحافظ السيوطي ولما أتينا بمخطوطته من دار الكتب المصرية وجدناه للعلامـة البرزنجي وهو موضوع بين رسائل للحافظ السيوطي.
2- ((إثبات إسلام أبي طالب )) تأليف: مولانا محمد معين الهندي السندي التتوي الحنفي (ت1161هـ).
3- ((السهم الصائب لكبد من آذى أبا طالب )) تأليف أبو الهدى محمد أفندي بن حسن الصيادي الرفاعي (1266هـ -1327هـ) كما في الأعلام (6/94).
4- ((غاية المطالب في بحث إيمان أبي طالب )) تأليف السيد علي كبير بن علي جعفر الحسيني الهندي الإله أبادي (1212هـ -1285هـ). انظر نزهة الخواطر (7/342).
5- ((فيض الواهب في نجاة أبي طالب )) تأليف الشيخ: أحمد فيضي بن علي عارف الجورومي الخالدي الرومي الحنفي (1253هـ ـ1327هـ). انظر هدية العارفين (1/195).
6- ((أبو طالب بطل الإسلام )) تأليف صديقنا القاضي الفاضل السيد حيدر ابن العلامة السيد محمد سعيد العرفي حفظـه الله تعالى، وللعـلامة السيد محمد سعيد العرفي مراسلات مع السيد محمد بن عقيل الباعلـوي صاحب (( النصائح الكافية )) و (( العتب الجميل )) أثبتنا جملة منها في مقدمة تحقيقنا (( للعتب الجميل )) وهي مهمة فلينظرها من شاء.
وهناك كتب أخرى يمكن تتبعها في (( معجم ما ألف عن أبي طالب عليه السلام )) لعبدالله صالح المنتفكي في مجلة ( تراثنا ) العدد الثالث والرابع سنة 1421هـ.
7- وأمّا الإمامية ففي كتاب (( الميزان في تفسير القرآن )) (16/57) ما نصه:
((وروايات أئمة أهل البيت عليهم السلام مستفيضة على إيمانه، والمنقول من أشعاره مشحون بالإقرار على صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحقيّة دينه.))...
8- وقال الشيخ الطوسي في تفسيره (( التبيان )) (8/164):
((وعن أبي عبد الله وأبي جعفر أن أبا طالب كان مسلماً وعليه إجماع الإمامية لا يختلفون فيه، ولهم على ذلك أدلة قاطعة موجبة للعلم ليس هذا محل ذكرها)).
الحواشي السفلية:
(1) - أنظر طبقات ابن سعد 1/209، وتاريخ ابن كثير البداية والنهاية 3/84.
(2) - قبل شرح الحديث رقم (3883) في أول باب قصة أبي طالب في كتاب مناقب الأنصار.
(3) - وانظر أيضاً البداية والنهاية لابن كثير 3/133.
(4) - حسن. رواه ابن حبان في الصحيح 15/558 برقم 7083 وابن أبي شيبة في المصنف 6/396 و7/337 والبيهقي في السنن الكبرى 8/209 وأحمد في المسند 1/404 وابن ماجه 150 والحاكم 3/284 والبزار 5/233 وغيرهم وصححه متناقض عصرنا الألباني في صحيح ابن ماجه 1/30 برقم122.
(5) - رواه البخاري 3883 ومسلم 209 مع أن في هذه الرواية ما لا نأخذ به لأمور أخرى لكن الأمر الذي استشهدنا واستدللنا به ثابت مقطوع به.
(6) - ثبت في البخاري 1009 أن هذا البيت لأبي طالب في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 2/496: [وهذا البيت من أبياتٍ في قصيدة لأبي طالب ذكرها بن إسحاق في السيرة بطولها، وهي أكثر من ثمانين بيتاً، قالها لما تمالأت قريش على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفروا عنه من يريد الإسلام، أولها:
ولما رأيت القوم لا ود فيهم // وقد قطعوا كل العرا والوسائل
وقد جاهرونا بالعداوة والأذى // وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
ويقول فيها:
أعبد مناف أنتم خير قومكم // فلا تشركوا في أمركم كل واغل
فقد خفت إن لم يصلح الله أمركم // تكونوا كما كانت أحاديث وائل
ويقول فيها:
أعوذ برب الناس من كل طاعن // علينا بسوء أو ملح بباطل
وثور ومن أرسى ثبيراً مكانه // وراق لبر في حراء ونازل
وبالبيت حق البيت من بطن مكة // وبالله أن الله ليس بغافل
ويقول فيها:
كذبتم وبيت الله نبزي محمداً // ولما نطاعن حوله ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله // ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ويقول فيها:
وما ترك قوم لا أبالك سيداً يحوط // الذمار بين بكر بن وائل، وأبيض
يستسقى الغمام بوجهه // ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم // فهم عنده في نعمة وفواضل.
قال السهيلي: فإن قيل كيف قال أبو طالب (يستسقى الغمام بوجهه) ولم يره قط استسقى إنما كان ذلك منه بعد الهجرة، وأجاب بما حاصله: أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معه غلام. انتهى
ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه ] انتهى كلام ابن حجر من الفتح .
(7) - في (( البداية والنهاية )) (3/57).
(8) - هذا صحيح ثابت فقد روى البيت ( وأبيض يستسقى الغمام ) البخاري (1009) ولفظ ( اللهم حوالينا ولا علينا ) البخاري ومسلم كما سيأتي، وهذا السياق رواه الأصبهاني في دلائل النبوة (1/184) وذكره الحافظ في الفتح (2/295) وعزاه للبيهقي في (( دلائل النبوة )) وقال هناك: (( وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة، وقد ذكره ابن هشام في زوائده في السيرة تعليقاً عمن يثق به)).
(9) - هذا النص (( اللهم حوالينا ولا علينا )) رواه البخاري (933و1013و1014و1015و1020 و1021 1033و3582و6093و6342) في عشرة مواضع، ومسلم (897) وغيرهما.
(10) - رواه ابن عدي في الكامل (3/408-409).
(11) - وأورد الحافظ ابن حجـر البيتين الأخيريـن في (( الإصابة )) (7/236) وعبّر عنهما بأنه مما نسب إلى أبي طالب وهــذا منـه خطأ في التعبيـر لأنه كان في مقـام الرد على أحد الشيعة، ولما ذكر البيت الأول في (( الفتح )) قال: (( ومما اشتهر من شعره )) !! وهذه عادته في التعبير حتى عن الأشياء الثابتة وهي عادة غير محمودة ! ففي (( فتح الباري )) (13/410) يقول عند إثبات مسألة ( حوادث لا أول لها ) التي يقول بها ابن تيمية: (( وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية )) مع أنه يثبتها.
(12) - انظر (( التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة )) (1/12) للحافظ السخاوي، وكتاب ((الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصا )) (1/67) للناصري، وكتاب (( لسان العرب )) (13/112) لابن منظور.
(13) - حسن، رواه الطبراني في الأوسط (4/141) وأبو نعيم في الحلية (8/308) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/15): (( رواه الطبراني في الأوسط عن شخص لقي ابن سعيد الرازي قال الدارقطني: ليس بذاك، وعيسى بن عبد السلام لم أعرفه وبقية رجاله ثقات)).
ومن الأحاديث الواردة في ذلك عن السيدة عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما زالت قريش كافة ( وفي لفظ كاعة ) عني حتى مات أبو طالب )) رواه الطبراني في الأوسط (1/188)، والديلمي في مسند الفردوس (4/98) وقال الهيثمي في (( مجمع الزوائد )) (6/15): (( وفيه أبو بلال الأشعري وهو ضعيف )) قلت: ضعفه الدارقطني وأورده ابن حبان في (( الثقات )) (9/199) ومعناه صحيح مطابق للواقع المنقول في كتب التواريخ والسير فالحديث حسن عندنا.
(14) - راوي هذا الحديث عن المسيب هو الزهري ! وهو أمويّ المشرب ! وإليك بعض ذلك:
ذكر الذهبي في (( سير النبلاء )) (5/331): أن الزهري قال: (( وتوفي عبد الملك فلزمت ابنه الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد، فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهري.... ثم لزمت هشام بن عبد الملك، وصير هشام الزهري مع أولاده يعلمهم ويحج معهم)).
وقال الذهبي هناك ص (337) أيضاً: (( كان رحمه الله محتشماً جليلاً بزي الأجناد له صورة كبيرة في دولة بني أمية )). راجع كتابنا (( تناقضات الألباني )) (3/336) فإننا هناك توسعنا في الكلام على الزهري.
ومما يجب التنبه إليه ههنا أنه هو راوي قصة الانتحار التي في البخاري وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما فتر الوحي عنه أراد أن يتردى من شواهق الجبال ! قال الحافظ ابن حجر في ((الفتح )) (12/359/6982): (( وهو من بلاغات الزهري وليس موصولاً)).
(15) - وقد بينت عدم صحة الحديث الذي رواه مسلم (976) من أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يؤذن له في الاستغفار لأمه صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في (( صحيح شرح العقيدة الطحاوية )) ص (84-86).
(16) - وقد بينت ذلك مفصلاً في (( صحيح شرح الطحاوية )) ص (82-95).
(17) - وعبد الله بن الخليل الراوي عن سيدنا علي عليه السلام وثقه الذهبي في (( الكاشف ))، وابن حبان في (( ثقاته )) (5/29) وقال: (( روى عنه أبو إسحاق السبيعي وأهل الكوفة ))، وقد روى هذا الحديث الترمذي (3101) وحَسَّنَه.
(18) - في (( صحيح شرح العقيدة الطحاوية )) ص (481-482).
(19) - قال الماوردي في تفسيره (4/259): (( قوله تعالى ? إنك لا تهدي من أحببت? فيه وجهان:... الثاني: من أحببته لقرابته. قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن.... )). فلاحظ هذا !
(20) - وقد بينت ذلك مفصلاً في (( صحيح شرح العقيدة الطحاوية )) ص (84-86) وما بعدها.
(21) - رواه الحاكم في المستدرك (4/479) من حديث عبد الرحمن بن عوف، ونعيم بن حماد في الفتن (1/131).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/11): (( وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد أخرجها الطبراني وغيره غالبها فيه مقال وبعضها جياد ))، قلت: ممن روى هذا اللعن أحمد في مسنده (4/5) والبزار (6/159) والضياء في المختارة (9/310) وانظر مجمع الزوائد (5/241) حيث قال إن رجاله رجال الصحيح.
(22) - منها حديث عبد الرحمن بن عَتَّاب قال: كان أبو هريرة يقول: من أصبح جنباً فلا صوم له، قال: فأرسلني مروان بن الحكم أنا ورجلاً آخر إلى عائشة وأم سلمة نسألهما عن الجنب يصبح في رمضان قبل أن يغتسل، قال: فقالت إحداهما: قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنباً ثم يغتسل ويتم صيام يومه، قال: وقالـت الأخرى: كان يصبـح جنباً من غير أن يحتلم ثم يتم صومه، قال: فرجعا فأخبرا مروان بذلك، فقال لعبد الرحمن: أخبر أبا هريرة بما قالتاه، فقال أبو هريرة: كذا كنت أحسب وكذا كنت أظنُّ، قال: فقال له مروان: بأظن وبأحسب تفتي الناس.
رواه أحمد في المسند (6/184) واللفظ له، ورواه البخاري في صحيحه (1926) في كتاب الصيام / باب الصائم يصبح جنباً، وجاء في رواية البخاري أن أبا هريرة قال: (( كذلك حدثني الفضل بن عباس وهُنَّ أعلم )) وقال الحافظ في الفتح في شرحه لهذا الحديث (4/145): (( وفي رواية معمر عن ابن شهاب: فتلوَّن وجه أبي هريرة ثم قال: هكذا حدثني الفضل)).
(23) - انظر ما كتبته عنه في مقدمة كتاب (( العلو )) للذهبي ص (24-26).
(24) - وقد تكلمت على هذا الأمر ببعض بسط فيه في (( صحيح شرح الطحاوية )) ص (401-402) فراجعه إن شئت.
(25) - انظر (( فتح الباري )) (7/193/3883-3885) كتاب مناقب الأنصار / باب قصة أبي طالب.
(26) - انظر تحقيقنا على كتاب العلو الحديث رقم (19،154،149،259،278).
(27) - الآية: والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور فاطر: 36.
(28) - الآية: لا يُفَتَّرُ عنهم وهم فيه مُبْلِسُون الزخرف: 75.
(29) - الآية: وما هم بخارجين من النار البقرة: 167، وقوله تعالى يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم المائدة: 37.
(30) - الآية: فما تنفعهم شفاعة الشافعين المدثر: 48.
(31) - ممن نص على ذلك الخطيب البغدادي في كتاب (( الفقيه والمتفقه )) (1/132) وانظر لتحقيق هذه المسألة مقدمتنا لكتاب (( دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه )) ص (27-45) ومقدمة كتابنا ((صحيح شرح العقيدة الطحاوية )) (124).
(32) - وما علق به محب الدين الخطيب الناصبي على (( الفتح )) من قوله بأن المسعودي: ( شيعي قح من دعاتهم ) مما لا يلتفت العاقل إليه لما عرف من نصب الخطيب وأنه من دعاة النصب الخبيث عافانا الله من ذلك بمنه وكرمه، فيقال للخطيب: وأنت ناصبي خبيث من دعاتهم ! فلا حياك الله تعالى ولا بياك !وللعلامة المحدث الكوثري كتاب خاص في صفع هذا الخطيب سماه (( صفعات البرهان على صفحات العدوان)).
والمسعودي رحمه الله تعالى هو علي بن الحسين بن علي المسعودي، شافعي ترجمه السبكي في ((طبقات الشافعية الكبرى )) (3/456).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق