التوسل بالنبي المختار –صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته
التوسل بالنبي المختار –صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته:
يرى البعض أنّ التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- وسيلةٌ إلى الشرك فحكموا عليه بالبدعة , مع أنّ قولهم هذا مخالف لإجماع الأمة المرحومة , والأدلةُ الصحيحة الصريحة على التوسل كثيرة , ومنها :
من القرآن الكريم :
- قوله تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة ) بعمومها تشمل التوسل بالأشخاص ، والتوسل بالأعمال , بل المتبادر من التوسل في الشرع هو هذا وذاك ، رغم تقول كل مفتر أفاك .
والفرق بين الحي والميت في ذلك لا يصدر إلا عمن ينطوي على اعتقاد فناء الأرواح ، المؤدي الى إنكار البعث وعلى ادعاء انتفاء الإدراكات الجزئية من النفس بعد مفارقتها البدن ، المستلزم لإنكار الأدلة الشرعية في ذلك .
أما شمول الوسيلة في الآية المذكورة للتوسل بالأشخاص فليس برأي مجرد ، ولا هو بمأخوذ من العموم اللغوى فحسب ، بل هو المأثور عن عمر الفاروق رضي الله عنه حيث قال بعد أن توسل بالعباس رضي الله عنه في الاستسقاء : (هذا ولله الوسيلة الى الله عز جل ) . كما في الاستيعاب لابن عبد البر .
وقال البغوي في تفسير قوله تعالى في الآية الأخرى {يبتغون إلى ربهم الوسيلة} " الإسراء 57 " :
{ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : الوسيلة كل ما يُتقرب به إلى الله ، أي ينظرون أيهم أقرب إلى الله ، فيتوسلون به} اهـ
فالوسيلة عامةٌ شاملة للذوات والأفعال والأقوال ، وتخصيصُها بالأفعال تحكّم لا دليل عليه ، مع أن الذوات الفاضلة أفضل من الأفعال الصادرة عنها ، لا سيما نبينا صلى الله عليه و على آله وسلم .
وزد على ذلك قول عمر أيضاً في ( أنساب الزبير بن بكار ) على ما في فتح الباري : (واتخذوه – يعني العباس – وسيلة إلى الله ) .
ولا يتصور أن يكون هذا بمعنى : اطلبوا الدعاء منه , لأن عمر طلب منه الدعاء ، وتقدم هو للدعاء ، وبعد طلب أمير المؤمنين منه وتقدمه للدعاء إجابة لطلب عمر , لا يكون قول عمر هذا إلا بمعنى : (توسلوا به إلى الله) كما فعل عمر نفسه ، لكن الهوى يعمي ويعم .
وفي فتح الباري ( 2/ 337) وليس في قول عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقي لهم إذ يحتمل أن يكونوا في الحالتين طلبوا السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه و سلم.
وقال ابن رشد أراد بالترجمة ( باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء ) : (الاستدلال بالطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدموه للسؤال). اهـ .
وكلام الحافظين يقضي على وهم من يهم قائلاً أن التوسل به صلى الله عليه وسلمهو طلب الدعاء منه ، وأين التوسل من الدعاء ؟
نعم قد يدعوا المتوسل به للمتوسل , ولكن ليس هذا مدلولاً لغوياً ولا شرعياً للتوسل .
- ويستأنس في التوسل به صلى الله عليه وسلم بما ذكره البغوي وغيره من أهل التفسير بالرواية في قوله تعالى : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به ).
من أن اليهود كانوا إذا حزبهم أمر وداهمهم عدو يقولون : " اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في أخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون " واستقصاء الروايات في ذلك في " الدر المنثور " .
ومن الحديث الشريف :
فمن الأحاديث الدالة على التوسل :
أولاً : حديث التوسل بالعباس --
هذا الحديث أخرجه البخاري في ( الاستسقاء ) حيث قال في صحيحه : حدثني الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد الأنصاري قال : حدثني أبي عبد الله بن المثنى ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس, عن انس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقوا بالعباس بن عبد المطلب فقال : ( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون) .
وفيه التوسل بالذات , وادعاء أن هناك مضافاً محذوف، أي "بدعاء عم نبينا" تقوّل محض بدون أي حجة ، كما أن فرض العدول – لوفاة النبي صلى الله عليه و سلم- إلى العباس تقويل لعمر ما لم يخطر له على بال , ومن حاول إنكار جواز التوسل بالأنبياء بعد موتهم بعدول عمر إلى العباس في الإستسقاء قد حاول المحال ، ونسب إلى عمر ما لم يخطر له على بال ، فضلاً عن أن ينطق به ، فلا يكون هذا إلا محاولة إبطال السنة الصريحة بالرأي , بل فيه جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ، بل التوسل بلفظ "عم نبينا" توسل بقرابة العباس منه عليه الصلاة والسلام وبمنزلته لديه ، فيكون هذا التوسل توسلاً به صلى الله عليه و سلم .
فقول عمر رضي الله عنه في الإستسقاء : "إنا نتوسل إليك بعم نبينا" نص في توسل الصحابة بالصحابة ، وفيه إنشاء التوسل بشخص العباس رضي الله عنه .
وليس في هذه الجملة فائدة الخبر ، لأن الله تعالى يعلم أيضاً علم المتوسلين بتوسلهم ، فتمحضت الجملة لإنشاء التوسل بالشخص .
وقوله (كنا نتوسل) فيه أيضاً ما في الجملة الأولى ، وعلى أن قول الصحابي : كنا نفعل كذا ينصب على ما قبل القول فيكون المعنى أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتوسلون به صلى الله عليه و سلم في حياته ، وبعد لحوقه بالرفيق الأعلى إلى عام الرمادة , وقصر ذلك على ما قبل وفاته عليه السلام تقصير عن هوى وتحريف لنص الحديث ، وتأويل بدون دليل.
وفعل عمر إنما يدل على أن التوسل بقرابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأحياء جائز كجوازه بالنبي عليه الصلاة والسلام ليس غير ، بل في استعياب ابن عبد البر بيان سبب استسقاء عمر بالعباس حيث يقول فيه (إن الأرض أجدبت إجداباً شديداً على عهد عمر زمن الرمادة وذلك سنة سبع عشرة فقال كعب يا أمير المؤمنين : إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا إستقوا بعصبة الأنبياء ، فقال عمر : هذا عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وصنو أبيه وسيد بني هاشم فمشي إليه عمر , وشكا إليه ) .
فهل استبان أن استسقاء عمر بالعباس لم يكن من جهة أن الرسول ميت لا يسمع نداء ، ولا جاه له عند الله تعالى : حاش لله ، ما هذا إلا إفك مفترى .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يتمثل بشعر أبي طالب : "وأبيض يستسقى الغمام بوجهه" . كما في البخاري.
بل وروى استنشاد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر كما في فتح الباري .
وفي شعر حسان رضى الله عنه : "فسقى الغمام بغرة العباس" . كما في الاستيعاب وفي كل ذلك طلب السقيا من الله بذات العباس وجاهه عند الله تعالى.
ولذلك قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 2 / 497 ) ( ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه )) . اهـ .
ثانياً : حديث مالك الدار
روى البيهقي بإسناد صحيح عن مالك الدار (وكان خازن عمر) قال: ( أصاب الناس قحط في زمان عمر ، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام فقال: إيت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له : عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل عمر فأخبر عمر فقال :" يا رب ما ءالو إلا ما عجزت) اهـ.
ومحل الاستشهاد طلب الاستسقاء منه صلى الله عليه و سلم في البرزخ ، ودعاؤه لربه ، وعلمه بسؤال من يسأل لمن ينكر صنيعه هذا أحد من الصحابة .
وقد أخرج هذا الحديث البخاري في تاريخه بطريق ابي صالح ذكوان مختصراً .
وأخرجه ابن أبي خيثمة من هذا الوجه مطولاً ، كما في الإصابة .
وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ، كما نص عليه ابن حجر (2/495-496) حيث قال: ( وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار قال : أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر . . . الحديث. وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة) ا.هـ.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (7/90) : (هذا إسناد صحيح) .
وهذا نص على عمل الصحابة في الاستسقاء به صلى الله عليه و سلم بعد وفاته من غير نكير , حيث لم ينكر عليه أحد منهم مع بلوغ الخبر إليهم ، وما يرفع إلى أمير المؤمنين يذيع ويشيع . فهذا يقطع ألسنة المتقولين .
وهذا قامع لمن لا يجيز التوسل به صلوات الله عليه بعد لحوقه بالرفيق الأعلى .
وقد جمع المحدث الكبير محمد عابد السندي ، في جزء خاص الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب فشفى وكفى .
وعمل الأمة المتوارث طبقة فطبقة في ذلك مما يصعب استقصاؤه وفي ذلك كتب خاصة .
ثالثاً ورابعاً : حديثا عثمان بن حنيف :
حديث الضرير وهو: ما رواه الإمام أحمد في المسند (4 /138) والترمذي في سننه (5/229) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 204 ـ205) وابن ماجه (1/441) واللفظ له وابن خزيمة في صحيحه (2 /225) وعبدُ بنُ حُميدٍ في مُنتخَبِ مسنده (رقم 379) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) والحاكم في المستدرك (1/313 ,519) وصحّحه ووافقه الذهبي و أخرجه البيهقي في الدلائل (6/166) والبغوي في معجم الصحابة (4/346) و ابن أبي حاتم في العلل (3/229) : كلُّهم من طريق شُعبةَ عن أبي جعفر- وهو المدني الخطمي عمير بن زيد - عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أنّ رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :ادع الله لي أن يعافيني. فقال: إن شئتَ أخَّرتُ وهو خيرٌ لك وإن شئتَ دعوتُ, فقال ادعه، فأمره أن يتوضَّأ فيُحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمدصلى الله عليه وسلم نبي الرحمة , يا محمدُ.. إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في».
ولا يخفى أن هذا الحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه و على آله وسلم ومعجزاته ، حيث أن رجلا أعمى أبصر ببركته صلى الله عليه و على آله وسلم كما كان عيسى بن مريم يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله .
وترجم له المحدّثون بـقولهم: " باب من له إلى الله حاجة ، أو إلى أحد من خلقه " .
وذكره الحافظ الجزري في " الحصن الحصين " ، والحافظ السيوطي في " الجامع الصغير " ، وشرْحه للمناوي ، و قال العلامة علي القاري :
{ " قوله ( " يا محمد " ) : إلتفات وتضرع لديه ، ليتوجه النبي صلى الله عليه و سلم بروحه إلى الله تعالى ، ويُغني السائل عما سواه ، وعن التوسل إلى غير مولاه، قائلاً : " إني أتوجه بك " أي بذريعتك ، الذريعة :الوسيلة ، والباء للاستعانة ، و " إلى ربي في حاجتي هذه " ، وهي المقصودة المعهودة " لتُقضى لي " . ويمكن أن يكون التقدير : ليقضي الله الحاجة لأجلك ، بل هذا هو الظاهر . وفي نسخة : " لتَقضي " بصيغة الفاعل ، أي : لتقضي أنت يا رسول الله الحاجة لي . والمعنى : لتكون سبباً لحصول حاجتي و وصول مرادي ، فالإسناد مجازي .}.انتهى .
قال الترمذي ـ كما في بعض نُسخ سُننه ـ: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غيرُ الخطمي, وفي أكثر النُّسَخ أنه قال : وهو الخطمي .
زاد شُعبةُ في روايته عند أحمد وابن خزيمة والحاكم: «وشفعني فيه» لكنه نُقِلَ عنه الشك فيها من طريقين وذلك في روايتي أحمدٍ وابنِ خزيمة وقال شعبة أيضاً في روايته عند البيهقي في الدلائل:«وشفعني في نفسي», بدل:«وشفعني فيه».
و رواه الإمام أحمد في المسند (4 /138) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص204) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) وابن أبى خيثمة في تاريخه ـ حسبما نقله ابن تيميّة في قاعدة (ص99) وفتاويه (1/275) ـ : كلهم من طريق حماد بن سلمة عن أبي جعفر- وهو أيضًا الخطمي- عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف . زاد حمادٌ في روايته عند ابن أبي خيثمة " ثم ما كانت حاجةٌ فافعل مثلَ ذلك أو قال " فُعِلَ مثلُ ذلك " على نقل ابن تيميّة في قاعدته وفتاويه.
ورواه النسائي في العمل (ص 205) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210) كلاهما من طريق هشام الدستوائي عن أبي جعفر – وهو أيضا الخطمي – عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية النسائي: «شفعه في وشفعني في نفسي ». وزاد أيضاً : فرجع وقد كُشف له عن بصره.
ورواه ابنُ السُّنِّي في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/625) وصحح إسناده وأقره الذهبي وأخرجه البيهقي في الدلائل (6/167): كلهم من طريق روح بن القاسم عن أبي جعفرٍ– وهو أيضا الخطمي – عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف , وقال روحٌ في جميع رواياته: " وشفعني في نفسي".
وروى البيهقي في الدّلائل (6/167-168) من طريقين وإسنادهما صحيح , والطبراني في الدعاء (2/1290) وفي الصغير (1/184) وفي الكبير وصححه بعد سوقه من طرق (9/17-18) كما ذكره أبو الحسن الهيثمي في " مجمع الزوائد " وأقره عليه , كما أقر المنذري قبله في " الترغيب والترهيب " , وقبله الحافظ عبد الغني المقدسي في الترغيب رقم 91 ..
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدصلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل فيقضي لي حاجتي" وتذكر حاجتك, ورح إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة. وقال ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلَّمتَه في، فقال عثمان بن حنيف : ما كلَّمتُه ولكن شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير البصر فشكا إليه ذهاب بصره... فذكر الحديث باختصار.
والصحابي المذكور فَِهم من حديث دعاء الحاجة أنه لا يختص بزمنه صلى الله عليه وسلم وهذا توسل به .
وهكذا علّم الرسول صلى الله عليه و سلم الضرير الدعاء ، وفيه التوسل بالشخص وصرفه عن ظاهره تحريف للكلم عن مواضعه بهوى .
وأما كون استجابة دعاء الضرير بدعاء الرسول صلوات الله عليه – وهو غير مذكور في الرواية – أوبدعاء الضرير ، فلا شأن لنا بذلك ، بل الحجة هي نص الدعاء المأثور عن الرسول عليه الصلاة والسلام .
وقد نص على صحة هذا الحديث جماعة من الحفاظ .
وقد قال القادحون في هذا الحديث بأنَّ التوسُّل بذات النَّبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه لم يبينه النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يرشد إليه أمّته ولم يعلِّمهم إيَّّاه)
والصحيحُ عكسُه , لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن وعلَّم التوسُّل به للضرير وأرشده إليه في حديث الضرير الذي ثبتت صحّتَه بالأدلَّة الواضحة, ولقد تقرَّر في قواعد الأصول أنَّ العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه , وأنَّ تبيينه وإرشاده و تعليمه لفرد من أفراد الأمّة تبيينٌ وإرشادٌ وتعليمٌ لعمومها , إلاّ إذا ثبت نسخٌ أو تخصيصٌ , وهيهات أن يَثْبُتَ النَّسخُ أو التَّخصيصُ لهذا الحديث ..
فقد قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (5/42): لا خلاف بين علماء أهل الأثَر والفقه أن الحديث إذا رواه ثقةٌ عن ثقةٍ حتى يتصل بالنبيصلى الله عليه وسلم أنّه حُجَّةٌ يُعمَلُ بها إلا أن ينسخه غيرُه.
ثم قال في الجزء نفسه (ص220): فضائله صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليها النسخ ولا الاستثناء ولا النقصان.
وقالوا: (العلة الأولى في حديث الضرير: أنه من رواية شُعبةَ عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف , وأبو جعفر هذا مجهول ولذلك قال الترمذي عن أبي جعفر: وليس الخطمي , فأبو جعفر الخطمي ثقة مدني معروفٌ. والحديث إذا كان في إسناده مجهول لا يصح الاحتجاج به.) .
وفيه لَبسٌ واضحٌ وتهرُّبٌ من مواطن التحقيق , لأنه يوهم أنّ الحديث ليست له روايةٌ مُعتَبَرَةٌ غير رواية شُعبة, وهو خلاف الواقع، فقد سبق أن بيَّنتُ في هذا البحث أنّ له ثلاث روايات أخرى غير رواية شعبة هي: رواية حماد بن سلمة , ورواية هشام الدستوائي , ورواية روح بن القاسم, وكل واحدة منها تثبته على انفرادها فكيف بهن مجتمعات؟.
قولهم: ( أبو جعفر هذا مجهول , ولذلك قال الترمذي عن أبى جعفر: وليس الخطمي).
وهذا مردود من ستة أوجه:
أولها: أنّ أبا جعفر الخطمي هذا وإن كان لم يُعَيَّنْ في روايات شعبة عند الترمذي في السنن (رقم 3649) والنسائي في عمل اليوم والليلة (رقم 664) وعبد بن حميد في منتخب مسنده (رقم 379) وأحمد في إحدى روايتيه في المسند (4/138) وفي رواية حماد بن سلمة عند النسائي في العمل (رقم 633)
فقد عُيِّنَ في بقية روايات شعبة عند ابن ماجه في سننه (1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والبخاري في تاريخه (6/209) والحاكم في مستدركه (1/313،519) والبيهقي في الدلائل (6/166) والبغوي في معجم الصحابة (4/246) وابن أبي حاتم في العلل (3/229)، وفي إحدى روايتيه عند أحمد في المسند (4/138)
وعُيِّنَ كذلك في روايات حماد بن سلمة عند أحمد في المسند (4/138) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) وابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص98) وفتاويه (1/274)
وعُيِّنَ كذلك في روايتي هشام الدستوائي عند النسائي في عمل اليوم والليلة (رقم 665) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210)
وعُيِّنَ كذلك في روايات روح بن القاسم عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633)والحاكم في المستدرك (1/526) والبيهقي في الدلائل (6/167)
وقد تقرر في علم المصطلح : أنَّ الراويَ إذا أُبهم في طريق وعُيِّنَ في طريق مُعتَبَر آخر حُمِلَ المُبهَمُ على المُبيَّنِ , وزال الإبهامُ وارتفع الإشكالُ, وعلى هذا المنوال ألَّف الخطيبُ كتابَه: "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ودَرَجَ عليه كافة المحدثين أيضًا قبل الخطيب وبعده.
ثانيها: أنّ الحافظ المَزِّي في تهذيب الكمال (21/242) والحافظ ابنَ حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب (6/20) عَدَّا أبا جعفر الخطميَّ هذا في الرواة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ولم يعُدَّا فيهم أبا جعفر غيره.
ثالثها: أنّ الترمذي صحّح هذا الحديث في سننه , وليس من عادته تصحيحُ أحاديث المجهولين , أَحْرَى إذا كانت لا تُروَى إلا من طريقهم.
رابعها: أنّ بعض هؤلاء قد غيَّر العبارة الواردة في بعض نُسخ الترمذي: ( وهو غير الخطمي) فأبدلها بقوله: ( وليس الخطمي) وأرجو أن يكون هذا التغيير وقع بدافع الخطإ والنسيان لا بدافع حاجة في النفس , لأن العبارة الأصليةَ تقبل التوجيه , والمبدلة لا تقبله , إذ الاحتمال قد يتطرق إلى أن يكون أصل رواية الترمذي هو لفظة (عينُ) بدلا من (غيرُ) لِطِبَاقٍ بين اللفظتين, وكذلك يتطرق إلى أن تكون لفظةغيرُ) قد زيدت في بعض النُّسَخ , وهذا يؤيده كون أكثر نُسَخِ سنن الترمذي ليست فيها تلك اللفظةُ كما سياتي بيانه بإذن الله.
خامسها: أنّ الخطمي هو المدني: عمير بن يزيد وهو الذي في جميع روايات هذا الحديث كما تواطأ عليه الحُفَّاظُ حيث قال بعضهم: أبو جعفر المدني , وقال بعضهم الخطمي وقال بعضهم: المدني الخطمي وقال بعضهم: المدني وهو الخطمي عمير بن يزيد .
فممن قال: (الخطمي) شعبة في روايتيه عند البيهقي في الدلائل (6/166) وابن أبي حاتم في العلل (3/229), وحماد بن سلمة في رواياته عند أحمد في المسند (4/138) والبخاري وابن أبي خيثمة في تاريخيهما
وممن قال: (المدني) شُعْبَةُ في رواياته عند البخاري في التاريخ الكبير (6/210) وأحمد في المسند (4/138) وابن ماجه في السنن (رقم 1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والبغوي في معجم الصحابة (4/346) والحاكم في المستدرك (1/313 , 519) وقد وافقه الذهبي على ذلك
وممن قال: (المدني وهو الخطمي) روح بن القاسم في روايتيه عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/526) وأقره الذهبي على ذلك وكذا في دلائل النبوة للبيهقي (6/167), وفي معجم الطبراني الكبير (9/17-18) وقال في الصغير (1/184) أبو جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد)
وممن نص كذلك على أنه الخطمي: الترمذي في سننه كما في طبعة بولاق وهي أول الطبعات , وكما في طبعة دار سحنون بتونس ضمن موسوعة السنة , وكما في طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1395 هـ , وكما في طبعة دار الكتب العلمية سنة 1408 هـ , وكذلك نسخة ابن كثير التي نقل منها في موضعين من تاريخه (6/161 , 295) , ونسخة المَزِّي التي نقل منها في تحفة الأشراف (7/226) , ونسخة الإمام السبكي التي نقل منها في شفاء السقام (ص: 134)، وكذلك نقل "شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم وعادل مرشد وإبراهيم الزئبق ومحمّد رضوان وسعيد اللَّحام وهشيم عبد الغفور وعامر غضبان ومحمّد أنس الخن ومحمّد بركات وعبد اللطيف حرز الله", نقلوا كلُّهم في تحقيقهم لمسند الإمام أحمد (28/479) طبعة مؤسّسة الرّسالة عن النُّسخ الّتي اطّلعوا عليها من سنن التّرمذيّ أنّه قال بأنّ أبا جعفرٍ هذا هو الخطميّ.
وقد جزم كلٌّ من الطّبراني في الصّغير (1/184) وابن أبي حاتم في العلل (3/229) وابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص 99) وفتاويه (1/275) والدَّارقطني في تعليقاته على ضعفاء ابن حبّان (ص 213) والمَزِّيُّ في تهذيب الكمال (19/359) وابن تيميّة في قاعدته (ص93) وفتاويه (1/266) والذهبي في جزء السّيرة من تاريخه (ص 364): جزموا كلهم بأنَّ الخطميَّ هو الّذي روى عنه شُعبةُ. وصرح الألباني في توسله (ص 76، 93) بأن هذا الحديث: لا شُبهة في سنده ولا شك في صحته.
سادسها: أنَّ لفظة: (وهوغيرالخطمي) بافتراض ثبوتها عن الترمذي يلزم الرجوع إلى بقية روايات شعبة عند غير الترمذي, ثم الرجوع إلى روايات رفيق شعبة: حماد بن سلمة, ثم الرجوع إلى روايات هشام الدستوائي وروح بن القاسم, وحينئذ نجد روايتي شعبة عند البيهقي في الدلائل (6/166) وابن أبي حاتم في العلل (3/229) مصرحتين بأنّه الخطمي، ونجد رواياته عند أحمد في إحدى روايتيه (4/138) وابن ماجه في سننه (رقم:1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والحاكم في مستدركه (1/313 , 519) والبغوي في معجم الصحابة (4/346): مصرحة كلها بأن أبا جعفر هذا هو المدني, والمدني هوالخطمي , ونجد روايات حماد بن سلمة عند أحمد في مسنده (4/138) والبخاري في تاريخه (6/209) وكذا ابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص98) وفتاويه (1/274): مصرحة كلها بأنه الخطمي وكذلك نجد تصريح النسائي في روايته في عمل اليوم والليلة (رقم 665) من طريق هشام الدستوائي بأنه الخطمي ونجد روايتي روح بن القاسم عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/526): مصرحتين بأنه الخطمي.
قالوا حتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة ).
والظاهرُ أنَّهم وقفوا على تعريف ابن المدينيِّ لأبي جعفر الخطمي وهو قوله عنه هو مدني قدم البصرة, وليس لأهل المدينة عنه أثر, ولا يعرفونه)، غير أنهم فاتهم أنَّ ابن المديني أراد أن يبين أنَّ أهل المدينة لم يرووا عن أبي جعفر الخطمي , لأنه وإن كان مدنيا وأخذ عن أشياخ المدينة كأبي أمامة وسعيد بن المسيب والحارث بن فضيل الخطمي وعُمارة بن خزيمة بن ثابت وعُمارة بن عثمان بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم، فإنه انتقل إلى البصرة وعنه روى أئمةٌ حفاظٌ أثباتٌ من أهل البصرة هم: شعبة ابن الحجاج وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم ويحي بن سعيد القَطَّان .
ومُجمَلُ القول عن الخطميِّ أنه أنصاريٌّ مدنيٌّ, روى عن علماء المدينة دون أن يروي عنه أهلُها لأنه انتقل إلى البصرة وأقام بها, فكانت شُهرتُه وتلامذتُهُ بالبصرة دون المدينة, هذا هو الذي أراد ابن المديني من تعريفه السابق لاغير، فإن كانوا فهموا من تعريف ابن المديني جهالة الخطمي فلا وجه لذلك الفهم.
وأقوال هؤلاء عن الخطمي متناقضةٌ، فقولُهم في هذه المقابلة بجهالته متناقضٌ مع قولهم: (فأبو جعفر الخطميُّ ثقةٌ مدنيٌّ معروفٌ).
وتجهيلهم للخطمي بقولهم حتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة ) غلط محض , فلجهالةُ مطلقًا على قسمين: جهالةُ عين وجهالةُ حال, فالأولى ترتفع برواية ثقتين عن الراوي, كما قال الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" ص88, 89, وابن الصلاح في "المقدمة" ص101, والعراقي في " شرحه لألفيته" ص158, والنووي في "التقريب" مع شرح السيوطي له: "تدريب الراوي" ص209 , 210, والصنعاني في "توضيح الأفكار" ج2 ص 174, 175 ,190 ,191, وغير هؤلاء.
وأبو جعفر الخطميُّ هذا روى عنه خمسةُ حُفَّاظٍ ثقاتٍ أثباتٍ, تقدمت أسماءهم, فجهالةُ العين إذن منفيةٌ عنه على الأقل.
وأما جهالة الحال فترتفع ـ في المذهب الصحيح ـ بتوثيق حافظٍ واحدٍ متيقِّظٍ عارفٍ بأسباب التَّزكيَّة, كما قال الخطيب في "الكفاية" ص96, و ابن الصلاح في "المقدمة" ص98, 99, والعراقي في "الألفية" رقم 263, وابن حجرفي "شرح نخبة الفكر" ص41, والنووي في "التقريب" والسيوطي في "التدريب" ص203, وغيرهم, وأبو جعفر الخطميُّ هذا وثقه تسعةٌ من حفاظ الحديث متيقظون عارفون بأسباب التَّزكية وهم: يحي بن معين وابن مهدي وابن نمير وابن حبان والعجلي والنسائي والطبراني والذهبي وابن حجر, ولم يَصِفه أحدٌ من حفاظ الحديث بشيء من أنواع الجرح, بل قال عنه ابن عبد البر في "الاستغناء" ج1 ص505: هو عند جميعهم ثقةٌ.
وهنا أسألهم كيف يمكن بعد كل ما تقدم جرح الخطمي هذا بالجهالة أوغيرها؟ وإن كان أخذ العلم عن أهل بلده ولم ينشره فيه ونشره في بلد آخر كيف يمكن جرحه بذلك؟ وهل عدم معرفةِ الراوي في مدينةٍ دون أخرى يَستلزمُ جهالتَهُ؟ ومتى كان ذلك جرحًا تُرَدُّ به أحاديثُ الثِّقات؟ أو سالبًا يسلبهم الثقَة الثَّابِتَةَ لهم؟ ومن قال بذلك من أئمة الجرح والتعديل؟ وفي أي كتاب من كتبهم يوجد؟ ولماذا تجرأتم على نقض الإجماع الذي نقلهُ ابنُ عبد البر على توثيق الخطمي هذا بعبارتكم التي ابتكرتم في الجرح لكنه غير معروف بالمدينة)؟
يـا ناطـح الجبل العالي ليهدمــه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
فتبين بهذه الحجج البالغة والبراهين الدامغة: أنّ أبا جعفر هذا هو الخطمي وأن ما زعموه من جهالة أبي جعفر لا أصل له ثابتًا ولا فرع نابتًا.
وقالوا: (العلّة الثانية في هذا الحديث: أنّ فيه أن عثمان احتجب, والخلفاء الراشدون لم يُعرَف أنَّ واحداً منهم قد احتجب عن الناس)
وهذا مردود من وجهين:
الوجه الأول: أنّ عثمان ـ وهو ابن عفان ـ لا ذكر له في شيء من طرق أصل هذا الحديث حتى يمكن إعلاله باحتجابه, وكذلك لفظُ الاحتجاب لم يرد في شيء من طرق هذا الحديث بما في ذلك طريق القصة التي في خلافة عثمان ، فإن كانوا فهموا الاحتجاب عن الناس من قول عثمان بن حنيف في القصة: (فجاء البواب فأخذ بيده) فكون عثمان اتخذ بوابا لا يلزم منه دوام الاحتجاب المنهي عنه شرعا , لما ثبت في الصحيحين من أنّ له صلى الله عليه وسلم بوابا اسمه رباح, ولما ثبت فيهما أيضا عن أبي موسى الأشعري أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم في أحد الأيام, وإن كانوا فهموا الاحتجاب من قول عثمان بن حنيف في نفس القصة: (وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته) فقد جاء في رواية الطبراني في الصغير (1/184) وفي الكبير (9/17-18): أن ذلك وقع من عثمان بسبب النسيان حيث قال للرجل: ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت هذه الساعة.
قولهم : ( والخلفاء الراشدون لم يُعرف أنّ واحدا منهم قد احتجب عن الناس)
هذا تحكم من غير إحاطة, إذ قد ثبت في الصحيحين وسنن أبي داود (3/139) ومصنف عبد الرزاق (5/469) وتمهيد ابن عبد البر (8/163-164) وشرح السنة للبغوي (6/337) وغيرهم من رواية مالك بن أوس عن عمر قال: فبينما أنا جالس عنده – يعني عمر- أتاه حاجبه يَرْفَأ فقال: هل لك في
عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون, قال نعم, فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يَرْفَأ يسيرا ثم قال: هل لك في علي وعباس, قال نعم, فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا.
قلت: فهذا الأثر الصحيح مصرحٌ بأن ثاني الخلفاء الراشدين كان له حاجب, كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاجب, فاتخاذ الحاجب إذن لا يلزم منه دوامُ الاحتجاب المنهي عنه شرعا.
الوجه الثاني: أنّ هذا الإعلال بالاحتجاب المزعوم فيه إدراج للقصة الواقعة في خلافة عثمان في أصل الحديث الواقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وإدراجُها في أصله وهي متميزة عنه تاريخًا وسببًا, ثمّ إعلال أصله بها لا يُستساغ صدورُهما ممن ينتسب إلى العلم إلا عن فادح الغفلة والنسيان.
وقالوا: (العلة الثالثة: أنّ في هذا الحديث " اللهم شفعني فيه وشفعه فِيَّ ", فكيف يُريد الرجل أن يشفع في النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا حُمل ذلك على أنَّ معناه: اللهم استجب دعائي له بالاستجابة واستجب دعاءه لي بردِّ البصر فيكون هذا من التوسل بدعائه لا بشخصه والتوسل بدعائه غير محل خلاف أصلاً)
وهو إعلالٌ باطلٌ مردودٌ بأنَّ هذه الزيادة انفرد شعبةُ بذكرها دون سائر الرواة, وهناك طريقتان للتعامل معها.
الطريقة الأولى : هيَّ حملُ الهاء في «شفعني فيه» على أنها هاءُ سَكْتٍ لتطابق معنى زيادة « فشفعه في وشفعني في نفسي» التي هي أصح زيادة وردت في هذا الحديث لثبوتها عن الحفاظ الأربعة الذين رووه عن أبي جعفر الخطمي الذي عليه مداره, وحينئذ فلا تَعارُضَ بين الزيادتين أصلاً لاتحادهما معنىً، وهذا هو الأولى لأنَّ الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول كما بينه ابن حجرفي الفتح ج3 ص94 وج 8 ص451 وج 9 ص474 وج13 ص410., وهاءُ السَّكْتِ وردت كثيرا في القرآن وفي الأثر، من ذلك قوله تعالى في سورة الحاقة: هَآؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَّه إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَّهْ، وقوله: يَالَـــيْـــتَـــنِي لَمُ أوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمَ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة َ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ، وفي سورة القارعة: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، ومن أمثلتها في الأثر قول سعد بن أبي وقاص كما في طبقات ابن سعد (3/140) وأصله في صحيح البخاري: " لقد خِبْتُ إذن وضلَّ عمليَهْ" أي عملي، وكذلك المعنى في عبارة (وشفعني فيهْ) أي: فِيَّ بِيَاءِ المتكلِّم أي «شفعني في نفسي», وروايةُ حمادٍ بنِ سلمة التي ذكرها ابنُ تيميّة في قاعدته (ص99) وفتاويه (1/275) مُوضِّحةٌ لهذا المعنى لأنّ فيها " اللهم فشفّعني في نفسي وشفّع نبيّي في ردّ بصري". وبهذا تتّفق الرواياتُ كلُّها وينسجمُ المعنى ويَبطُلُ الإعلالُ من أصله .
أضِفْ إلى هذا أنّ حمل الهاء في هذه العبارة على الضمير يلزم منه أن يكون الأعمى شافعا في النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مستحيل شرعا وعقلا, أويُلجَأ إلى التأويلات البعيدة المتعسَّفة مثل ما فعل ابنُ تيميّة والألباني وتلميذُه الرِّفاعي , حيث قال ابنُ تيميّة في قاعدته (ص96) وفتاويه (1/271,335, 336) " وشفعني فيه" أي في دعائه وسؤاله لي, وقال الألباني في توسله (ص80): أي اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد عليّ بصري, وقال الرِّفاعي في توصله (ص169؛ 238): أي واقبل شفاعتي بقبولك شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلمفي أي اقبل دعائي في قبول دعائه من أجل أن ترد على بصري, وقال أحدهم: اللهم استجب دعائي له بالاستجابة واستجب دعاءه لي بردِّ البصر.
هكذا تواردوا على هذه التأويلات البعيدة المتعسَّفة وغفلوا عن هذا التحقيق الجليّ الواضح, والعجب لابن تيميّة والألباني والرفاعي حيث صحّحوا عبارة " وشفعني فيه" وبالغوا في الاحتجاج بها في القاعدة (ص100) والفتاوي (1/266, 268؛ 270؛ 271؛ 274؛ 276؛ 277؛ 324). وفي التوسل (ص80؛ 81؛ 83) وفي التوصل: (ص168؛ 237؛ 238). دون أن يشير أحدٌ منهم إلى عِلَّةِ الشكّ التي فيها مع وقوفهم عليها, في الوقت الذي طعن ابنُ تيميّة والألبانيُّ في زيادة حمّاد بن سلمة المتقدمة التي هي: (ثم ما كانت حاجةٌ فافعل مـثلَ ذلك) أو قال (فُعِلَ مثلُ ذلك), مع أنّ العبارتين زِيدَتَا من ثقتين حافظين في متن حديثٍ واحدٍ , وحمادٌ أفقه من شعبة , وفِقْهُ الراوي من مرجّحات روايته كما بيَّنهُ ابنُ أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/25) والحاكم في علوم الحديث (1/11)، والخليلي في الإرشاد (1/177)، والخطيب في الكفاية (ص436)، والحازمي في الاعتبار (ص39)، والحسن بن عبد الرحمن في المحدث الفاصل (ص238)، وابن الأثير في جامع الأصول (1/62)، والسبكي في جمع الجوامع (ص 113)، وابن حجر في الفتح (1/362)، والسيوطي في شرح الكوكب الساطع (2/466)، ثم إنّ شُعبة نُقِلَ عنه الشكُّ في أصل زيادته من طريقين, وحمادٌ لم يُنقَلْ عنه قطّ شكٌّ في أصل زيادته, وروايةُ مَن جَزَمَ أرجحُ من رواية من شَكَّ كما بينه ابنُ حجر في الفتح (1/228, 2/178, 3/31, 563, 6/178, 8/5).
وأعجب من هذا أنّ ابن تيميّة في قاعدته (ص96) وفتاويه (1/271): زعم أنّ شعبة وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي قالوا في رواياتهم للحديث: (وشفعني فيه), وهذا خلاف الواقع لأنّ هذه العبارة لا توجد إلا في بعض روايات شعبة وحده , وقد نُقِلَ عنه الشَّكُّ فيها من طريقين كما سبق, بل إنَّ الذي وردعن حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم, إنما هوعبارة (شفعني في نفسي), بدل(شفعني فيه),
ومن العجيب زعم الرفاعي في التوصل (ص 168؛ 237؛ 238) أنّ عبارة (شفعني فيه) في سنن الترمذي, ولم أقف عليها في شيءٍ من نُسَخِ سننه التي وقفت عليها ولا أعلم أحدًا غيره نسبها إلى الترمذي قطّ.
والحقيقةُ أنَّ ابنَ تيميّة والألباني والرفاعي, وإن اعترفوا بصحة هذا الحديث المخالف لنحلتهم, فإنهم قد تعسفوا له تأويلات بعيدة, وتخبطوا في شأنه.
الطريقة الثانية: في التعامل مع عبارةشفعني فيه) هي: أن يُرجَّحَ بينها وبين عبارة (شفعني في نفسي), وحينئذ يتَّضح أنَّ عبارة (شفعني فيه) مرجوحةٌ , لأن شعبة وهو الذي تفرد بها دون سائر الروات نُقِلَ عنه الشك فيها من طريقين وذلك في روايتي أحمد (4/138) وابن خزيمة (2/225)، وقال عنها ابنُ كثير في تاريخه (6/161): كأنها غلط من الراوي.
قلت: ويتأكد كونُها مرجوحةً إذا حُملت الهاءُ فيها على الضمير, مع أنَّنا لو افترضنا أنها ثبتت, لما كان ذلك قادحًا في صحة الحديث لما تقدم من كونه ثبت من دونها في ثلاث روايات أخر غير رواية شعبة.(1)
قالوا : ( العلّة الربعة : ما وجدنا الحديث في سنن النسائي, وعادة النسائي إذا كان الحديث مُختلَفاً فيه على الراوي أن يأتي به من الوجه الذي اختُلِفَ فيه على الراوي بعد ذكره الأَوَّلَ, فقد أورد هذا الحديث بالرواية السابقة من رواية عُمارة بن خزيمة بن ثابت, ثم أورده بعد ذلك من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت, ولم نجد لعُمارة بن زيد بن ثابت في كتب الرجال ذكرًا, إلا ذكرًا لا يُبشِّرُ بخير, فإذن هذا الحديثُ الذي اعتمدوا عليه في إباحة التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ ضعيفٌ لا يصل إلى مرتبة الاحتجاج)
وهو كلام مردود من أوله إلى آخره باستثناء قولهم: (وعادة النسائي) إلى قولهم: ( فقد أورد هذا الحديث بالرواية السابقة من رواية عمارة بن خزيمة بن ثابت )
وبيان ذلك أنّ سنن النسائي حيث أُطلقت تنصرف إلى المُجتبىَ كما هو معروف عند حُفَّاظ الحديث, وهذا الحديث ليس في المُجتبىَ إطلاقًا وإنما هو في عمل اليوم والليلة , وهو في أواخر السنن الكبرى , وقد طُبِعَ مستقلا عنها عدة طبعات، وهذا الحديث رواه النسائي فيه من طريق شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف ، ثم ذكر النسائيُّ أنّ شعبة وحماد بن سلمة خالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فروياه عن أبي جعفر:عمير بن يزيد, ـ وهو أيضا الخطمي ـ عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف , وهذا يعني أنّ أبا جعفر الخطمي له في هذا الحديث شيخان أحدهما عمارة بن خزيمة بن ثابت والآخر أبو أمامة وكلاهما رواه عن عثمان بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم, فكان أبو جعفر الخطمي تارة يحدث به على هذا الوجه وتارة يحدث به على الوجه الآخر, وكلا الوجهين صحيح لا مطعن فيه, ومن اعتبر هذا نوعًا من الاختلاف القادح, فقد خالف منهج المحدثين.
وأما قولهم ثم أورده ـ يعني النسائيَّ ـ بعد ذلك من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت, ولم نجد لعُمارة بن زيد بن ثابت في كتب الرجال...)
فهو كلام مردود بأنَّ عُمارة بن زيد بن ثابت لا رواية له في شيء من كتب النسائي على الإطلاق, ولوكان هذا الحديثُ رُوِيَّ عنهُ في شيء من كتب الحديث لكان معدودا في الرواة عن عثمان بن حنيف وفي شيوخ أبى جعفر الخطمي، ولوكان النسائيُّ رَوَى عنه في شيء من كتبه لكان مُترجَمًا في كاشف الذهبي مع ذيل العراقي، وفي تهذيب الكمال للمَزِّي، وفي كتابي ابن حجر التهذيب, والتقريب, لأن كافة الرواة الذين روى لهم النسائيُّ محصورون في هذه الكتب, وعمارة هذا لا ذكر له في شيء منها على الإطلاق, بل لاذكر له في شيء من كتب الرجال إطلاقًا.
وقالوا: ( بأن الحديث أخرجه الترمذي وأصحاب السنن وأحمد )
وهذا حجة عليهم لأن رواية شعبة عند أحمد وابن ماجه فيها التصريح بأن أبا جعفر هذا هو المدني، والمدني هو الخطمي، وكذلك رواية أحمد من طريق حماد بن سلمة - رفيق شعبة - فيها التصريح بأنه الخطمي. لكنهم تغاضوا عن هذا كله ولم يذكروا شيئا عن روايات حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم لعلمهم أنها ناسفة لدعواهم.
وقالوا : ( بأن الذين صححوا الحديث توهَّموا أنّ أبا جعفر هو الخطمي)
وهذا عكس الواقع، لأنهم لم يتوهَّمُوا ذلك بل تيقنوه جازمين, وصرحوا به واعتمدوه في كتبهم.
وقالوا: ( بأن مالكًا أخرج في الموطإ أنّ فتية من الأنصار تعاقروا الخمرَ في المدينة فقتلوا أحدهم فرفع مروانُ أمرَه إلى معاوية فأمره أن يقتاد له منهم ), وهو مردود من ثلاثة أوجه:
أولها: أنّ هذا الذي أشاروا إليه مجرد بلاغ, والبلاغ لا تقوم به حجة كما هو معروف عند علماء الحديث, وليس هذا البلاغ من بلاغات مالك التي وصلها الحافظ ابن عبد البر في التمهيد.
ثانيها: أنّ هذه القصة التي ذكروها لا تصح كما قال ابن حزم في المحلى (10/421).
ثالثها: أنّ المعاقرة التي ذكر أنها في الموطإ وشنَّع بها على هذا الرجل, لم أجد ذكرها في شيء من نُسَخِ الموطإ التي وقفت عليها ولم أر من نسبها إليه غيره, وإنما رأيت فيها: عن مالك أنه بلغه أنّ مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه أوتي بسكران قد قتل رجلا فكتب إليه معاوية: أن اقتله به. وذكر ابن أبي شيبة في المصنف (6/592) والبيهقي في السنن (8/42): نحوه ولم يذكر واحدٌ منهما المعاقرة ولم يذكرها أيضا ابنُ حزم في المحلى ولم يسم الرجل المقتول كما زعم هؤلاء , وإنما نقل تسميته عن ابن أبي الزناد حيث قال ابن حزم في المحلى (10/421): "ومن طريق يحي بن سعيد الأنصاري وعبد الرحمن بن أبي الزناد: أنّ معاوية أقاد من السكران, قال ابن أبي الزناد: وكان القاتل محمد بن النعمان الأنصاري, والمقتول عُمارة بن زيد بن ثابت".
قال ابن حزم: وهذا لا يصح لأن يحي لم يولد إلا بعد موت معاوية, وعبد الرحمن بن أبي الزناد في غاية الضعف, أول من ضعفه مالكٌ.
قلت: وعبد الرحمن أيضا لم يولد إلا بعد موت معاوية بأربعين سنة وبعد موت مروان بن الحكم بخمس وثلاثين سنة.
انظر تاريخ موت معاوية في تهذيب الكمال (28/179) وتهذيب التهذيب (28/179), والتقريب (2/592).
وتاريخ موت مروان في تهذيب الكمال (28/389) وتهذيب التهذيب (8/111), والتقريب (1/ 335).
وتاريخ ميلاد عبد الرحمن بن أبي الزناد في تهذيب الكمال (17/101) وتهذيب التهذيب (5/85) والتقريب (1/335).
وقالوا: ( بأن عُمارة بن زيد بن ثابت ليس بحجة إذا كان هو الذي قُتل في معاقرة الخمر)
وجوابه من وجهين:
أولهما: أنّ هذه القصة قد اتضح بالأدلة الواضحة أنها لا تصح لانقطاعها.
ثانيهما: أنّ عُمارة بن زيد بن ثابت تقدم أنه لا وجود له في شيء من طرق هذا الحديث على الإطلاق, بل لا وجود له في شيء من كتب الرجال فكيف يأتي به المحاضرُ من عند نفسه؟
جرد الحجج المصححة للحديث :
وبالجملة فإن نسبة هؤلاء للموطإ ما ليس فيه وتشنيعهم به على هذا الرجل واحتجاجهم بهذه القصّة مع التغاضي عن انقطاعها, وعن تضعيف ابن حزم لها, وعن كونها أجنبيةً على هذا الحديث, وإقحامها لهذا الرجل المجهول العين والحال في سند الحديث، ثمّ إعلالها به, تعصُّبٌ واضحٌ نتجت عنه التلبيساتُ والتي قابلناها بِعَدَدِهَا من الحجج القاطعة والبراهين الدامغة المصحّحة للحديث, وهي بالتفصيل:
1.- عدُّ الحفاظ لأبي جعفر الخطمي في الرواة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت وعدم عدهم لأبي جعفر آخر غيره.
2.- كون الراوي إذا أُبهِم في طريق وعُيِّنَ في طريق معتبَر آخر حُمِلَ المُبهمُ على المبيَّن وزال الإبهام وارتفع الإشكال.
3.- كون أكثر نُسَخِ سنن الترمذي مصرحةً بأنه قال بأن أبا جعفر هذا:هو الخطمي.
4.- تصحيح الترمذي نفسه لهذا الحديث وهو غيرُ معروف بتصحيح أحاديث المجهولين أحرى إذا كانت لا تُروَى إلا من طُرُقهم.
5.- روايتا شعبة عند البيهقي في الدلائل وابن أبي حاتم في العلل المصرحتان بأن أبا جعفر هذا هو الخطمي.
6.- روايات شعبة عند أحمد وابن خزيمة وابن ماجه والحاكم والبغوي والبخاري في التاريخ الكبير المصرحة بأنَّ أبا جعفر هذا هو المدني الذي هو الخطمي.
7.- روايات حماد بن سلمة ـ رفيق شعبة ـ عند أحمد والبخاري في التاريخ وابن أبي خيثمة المصرحة بأنَّ أبا جعفر هذا هوالخطمي.
8.- رواية هشام الدستوائي عند النسائي التي صرح فيها النسائي بأنَّ أبا جعفر هذا هو: عمير بن يزيد (الذي هو أبو جعفر الخطمي).
9.- روايتا روح بن القاسم عند ابن السني والحاكم المصرحتين بأنَّ أبا جعفر هذا هو الخطمي.
10.- تخطئة الحفاظ لتلك الرواية التي فيها أنه غيرُ الخطمي.
11.- تصاريحهم بأن الخطمي هو الذي روى عنه شُعبةُ.
12.- تصحيحهم لهذا الحديث في كتبهم واعتمادهم له.
13.- كون هذا الحديث لم يُضعفه حافظٌ قط من الحفاظ الذين خرَّجوه في كتبهم ولا من الحُفَّاظِ الذين لم يُخرِّجوه.
14.- نَقْلُ ابنِ تيميّة عن سائر العلماء أنهم قالوا: هو أبو جعفر الخطمي. وتصويبه لهم في ذلك في القاعدة (ص93) والفتاوي (1/266), واعترافُ الألباني في توسله (ص76, 93) بأن هذا الحديث لا شُبهة في سنده ولا شك في صحته.
وانطلاقًا مما سلف وتأسيسًا على ما تقدم , فإن عدم اعتبار شيء من هذه الحجج المقنعة والبراهين الدامغة, والاقتصار على تلك الرِّوايةِ البيِّنَةِ الخطإ, والإعراض عن غيرها, والإتيان برجل مجهول لا ذكر له في شيء من طرق هذا الحديث على الإطلاق, وإقحامه في سنده, وإعلاله به، هذه الأمورُ تصعُبُ استساغةُ صدورها ممن يحترمُ نفسه ويَتحلَّى بالأمانة العلميَّةِ.
وخلاصة القول: أنّ هذا الحديث صحيحٌ لذاته صريحٌ في دلالته على التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه, ثابتٌ عنه صلى الله عليه وسلم بما تَثبُتُ به الأدلَّةُ الشرعيةُ ولا يُمكن دفعُه ولا التخلُّصُ منه بحال من الأحوال, وهو معجزةٌ ظاهرةٌ من معجزاتهصلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته, وقد يَتَرَتَّبُ على إنكاره وردِّه ما يترتب على إنكار المعجزة وردِّها.
وكل من يحاول دفعَه والتخلُّصَ منه فإنما يحاول ذلك بصدر التعصب والعدوان لا بيد الدليل والبرهان .
وخلاصة القول أنه قد نصّ على صحّته جمعٌ كبيرٌ من حفّاظ الحديث ومن العلماء المحدّثين من بينهم : التّرمذيّ في كافة نسخ سننه, وابن ماجه في سننه(1/441), والطّبراني في الصّغير (1/184), والحاكم في المستدرك (1/313), والذّهبي في تلخيصه له, والسّيوطي في الجامع الصغير (رقم 1508) والحافظ أبو عبد الله المقدسي كما قال ابن تيمية في قاعدته (ص98), وفتاويه(1/274), كما صحّحه ابن خزيمة بإخراجه له في صحيحه(ج 2 ص 225 ), وحتّى ابن تيميّة نفسه صرّح في قاعدته (ص 132), وفتاويه(1/323) بصحّة هذا الحديث, وكذلك الألباني في توسّله (ص 76 ؛93). حيث صرّح بأنّ هذا الحديث لا شبهة في سنده ولا شكّ في صحته.
خامساً : حديث فاطمة بنت أسد
جاء في مناقب فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب إنها لما ماتت حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لحدها بيده وأخرج ترابه بيده فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه فقال :
((الله الذي يحي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين . وكبر عليها أربعاً وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم)) .
رواه الطبراني في الكبير والأوسط . وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم ، وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح .[ كذا بمجمع الزوائد ج9 ص257 ] .
واختلف بعضهم في [روح بن صلاح] أحد رواته ، ولكن ابن حبان ذكره في الثقات
وقال الحاكم : ثقة مأمون .
وكلا الحافظين صحح الحديث ، وهكذا الهيثمي في [مجمع الزوائد] : ورجاله رجال الصحيح.
ورواه كذلك ابن عبد البر عن ابن عباس ، وابن أبي شيبة عن جابر ، وأخرجه الديلمي وأبو نعيم ، فطرقه يشد بعضه بعضاً بقوة وتحقيق .
وهو نص على أنه لا فرق بين الأحياء والأموات في باب التوسل .
وهذا توسل بجاه الأنبياء صريح .
قال الشيخ الحافظ الغماري في إتحاف الأذكياء (ص20) :
( وروح هذا ضعفه خفيف عند من ضعفه كما يستفاد من عباراتهم ، ولذا عبر الحافظ الهيثمي بما يفيد خفة الضعف كما لا يخفى على من مارس كتب الفن . فالحديث لا يقل عن رتبة الحسن , بل هو على شرط ابن حبان صحيح ) .
ونلاحظ هنا أيضاً أن الأنبياء الذين توسل النبي صلى الله عليه وسلم بحقهم على الله في هذا الحديث وغيره قد ماتوا فثبت جواز التوسل إلى الله بالحق وبأهل الحق أحياء وموتى .
سادساً : حديث توسل سيدنا آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم
روى البيهقي في دلائل النبوة (5/489) : عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لما اقترف ءادم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي، فقال الله عز وجل : يا ءادم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه ، قال: لأنك يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمدا رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك) . الحديث .
أخرجه الحاكم في المستدرك ، وقال : (هذا حديث صحيح الإسناد ، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ). اهـ
وساق سنده التقى السبكي في ( شفاء السقام ).
وأخرجه الطبراني في الأوسط والصغير ، وفي سندهما بعض من لا يعرفه الهيثمي .
وأما عبد الرحمن بن زيد فقد ضعفه مالك ، وتبعه أخرون ، إلا أنه لم يتهم بالكذب بل بالوهم , ومثله ينتقى بعض أحاديثه .
وهذا هو الذي فعله الحاكم حيث رأى ان الخبر مما قبله مالك فيما روى ابن حميد عنه حيث قال لأبي جعفر المنصور : "..... وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام " .
وبعد أن أقر الإمام مالك رضي الله عنه بصحة الخبر واحتج به , زالت تهمة الوهم وقلة الضبط عن عبد الرحمن الذي إنما يقتدي من رماه بذلك بمالك ، وعبد الرحمن بن زيد ليس ممن يرد خبره مطلقاً .
وهذا هو الإمام الشافعي يستدل في دين الله ببعض أحاديثه في " الأم " وفي " مسنده " , فلا لوم على الحاكم في عده هذا الحديث صحيحاً ، بل هو الصحيح ، إلا عند من يضيق صدره عند سماع فضائل المصطفى صلى الله عليه وسلم .
وأما قول مالك لأبي جعفر المذكور فهو ما أخرجه القاضي عياض في " الشفاء بتعريف حقوق المصطفى " بسند جيد وابن حميد في السند هو محمد بن حميد الرازي في الراجح، على خلاف ما ظنه التقي السكبي , لكن الرازي هذا ليس حاله كما يريد أن يصوره الشمس بن عبد الهادي , حيث حشر قول جميع من تكلم فيه وأهمل كلام من أثنى عليه ، وهو أحد الثلاثة الذين اتصلوا بابن تيمية ، وهم شباب ، فانخدعوا به وزاغوا, يذكر الجرح ويغفل عن التعديل في الأدلة التي تساق ضد شذوذ شيخه .
ومحمد بن حميد هذا روى عن ابو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد بن حنبل ، ويحى بن معين .
قال ابن ابي خيثمة : سئل عن أبي معين فقال : "ثقة لا بأس به رازي كيّس" ، وقال أحمد : "لا يزال بالرد علم مادام محمد بن حميد" ، وممن أثنى عليه الصاغاني والذهلي .
وقال الخليلي في " الإرشاد " كان حافظاً عالماً بهذا الشأن رضيه أحمد ويحي وقال البخاري : فيه نظر ، وليس مثله يتهم في هذا الخبر ، وقد مات سنة 248 هـ عن سن عالية , وكان عمره عند وفاة مالك لا يقل عن نحو خمس عشر سنة ، وهم يقبلون رواية ابن خمس في مسند إمامهم ويعقوب بن اسحاق ، لابأس به كما ذكره الخطيب في تاريخه .
وأبو الحسن عبد الله بن محمد بن المنتاب ، من أجلّ أصحاب إسماعيل القاضي ، ولاه المقتدر قضاء المدينة المنورة حوالي سنة ثلاثمائة ولم يكن غير الثقات الأفذاذ من أهل العلم ليولّى قضاء المدينة المنورة في ذلك العهد .
واسم المنتاب يهم فيه كثير ، وصاحبه محمد بن احمد بن الفرج وثقه السمعاني في " الأنساب " عند ذكر الجزائري ، وأقره ابن الأثير في " اللباب " وأبو الحسن الفهري من الثقات الأثبات مترجم في " العبر " للذهبي .
وابن دلهات من ثقاة شيوخ ابن عبد البر مترجم في " صلة " ابن بشكوال ، وهي مطبوعة بمدريد .
وابن عبد الهادي يأبى قبول هذا الخبر ، لأنه يمس شذوذ شيخه ليس إلا ، أراد ابن المنتاب بسوق هذا الخبر الرد على ما في " مبسوط " شيخه إسماعيل القاضي المالكي المخالف لما رواه ابن وهب ، عن مالك ، وإسماعيل من أهل العراق ، وأهل مصر والمدينة المنورة أعلم بمسائل مالك منهم .
على أن إسماعيل لم يسند ما ذكره إلى مالك بل ارسله إرسالاً ، لكنه حيث يوافق هوى إبن عبد الهادي يقبله بدون سؤال عن سنده بخلاف ما هنا ويطريه إطراء يغنيه عن ذكر السند في نظره ، فكأنه لم ير قول داود الأصفهاني فيه ، ولله في خلقه شؤون ، على أنه قد وردت أخبار اخرى في توسل آدم يعضد بعضها بعضاً .
فمن شواهده ما ذكره ابن تيمية في فتاواه (2/150) حيث قال :
(وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بشران مِنْ طَرِيقِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي ( الوفا بِفَضَائِلِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ العوفي ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طهمان عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ { مَيْسَرَةَ قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى كُنْت نَبِيًّا ؟ قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَاسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَخَلَقَ الْعَرْشَ : كَتَبَ عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَخَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ الَّتِي أَسْكَنَهَا آدَمَ وَحَوَّاءَ فَكَتَبَ اسْمِي عَلَى الْأَبْوَابِ وَالْأَوْرَاقِ وَالْقِبَابِ وَالْخِيَامِ وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ فَلَمَّا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى : نَظَرَ إلَى الْعَرْشِ فَرَأَى اسْمِي فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِك فَلَمَّا غَرَّهُمَا الشَّيْطَانُ تَابَا وَاسْتَشْفَعَا بِاسْمِي إلَيْهِ } .
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ : وَمِنْ طَرِيقِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رشدين ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الفهري ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا أَصَابَ آدَمَ الْخَطِيئَةَ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ يَا رَبِّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ إلَّا غَفَرْت لِي فَأَوْحَى إلَيْهِ وَمَا مُحَمَّدٌ ؟ وَمَنْ مُحَمَّدٌ ؟ فَقَالَ : يَا رَبِّ إنَّك لَمَّا أَتْمَمْت خَلْقِي رَفَعْت رَأْسِي إلَى عَرْشِك فَإِذَا عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَعَلِمْت أَنَّهُ أَكْرَمُ خَلْقِك عَلَيْك ؛ إذْ قَرَنْت اسْمَهُ مَعَ اسْمِك . فَقَالَ : نَعَمْ قَدْ غَفَرْت لَك وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِك وَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك } .
فَهَذَا الْحَدِيثُ يُؤَيِّدُ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُمَا كَالتَّفْسِيرِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ) .
فهذان شاهدان لهذا الحديث .
وأما الشاهد الثالث :
فهو ما أخرجه ابن المنذر في تفسيره واخرج ابن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : لما أصاب آدم الخطيئة عظم كربه ، واشتد ندمه . فجاءه جبريل فقال : يا آدم هل أدلك على باب توبتك الذي يتوب الله عليك منه؟ قال بلى يا جبريل قال : قم في مقامك الذي تناجي فيه ربّك فمجده وامدح ، فليس شيء أحب إلى الله من المدح قال : فأقول ماذا يا جبريل؟ قال : فقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير . ثم تبوء بخطيئتك فتقول : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت . رب إني ظلمت نفسي وعملت السوء فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . اللهم إني أسألك بجاه محمد عبدك وكرامته عليك أن تغفر لي خطيئتي . قال : ففعل آدم فقال الله : يا آدم من علمك هذا؟ فقال : يا رب إنك لما نفخت فيّ الروح فقمت بشراً سوياً أسمع وأبصر وأعقل وأنظر رأيت على ساق عرشك مكتوباً « بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله » فلما لم أر على أثر اسمك اسم ملك مقرب ، ولا نبي مرسل غير اسمه علمت أنه أكرم خلقك عليك . قال : صدقت . وقد تبت عليك وغفرت لك خطيئتك . (الدر المنثور 1/146) .
ومحمد بن علي بن الحسين هو أبو جعفر الباقر من ثقات التابعين وساداتهم , خرج له الستة , روى عن جابر , وأبي سعيد , وابن عمر , وغيرهم .
والشاهد الرابع :
ما رواه أبو بكر الأجري في كتاب الشريعة قال: حدثنا هارون بن يوسف التاجر، ثنا أبو مروان العثماني، حدثني أبو عثمان بن خالد، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه أنه قال: من الكلمات التي تاب الله بها علي آدم قال: اللهم إني أسألك بحق محمد عليك قال الله تعالى وما يدريك ما محمد، قال: يا رب رفعت رأسي فرأيت مكتوباً علي عرشك لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك .
وممّن صححه من الأئمة :
- الحاكم في المستدرك (2/615) .
وقد نقل مجموعة من العلماء تصحيح الحاكم لهذا الحديث كالسبكي والقسطلاني والزرقاني .
- السبكي : حيث وصفه بأنه جيّد في شفاء السقام (ص163) .
- البلقيني في فتاواه .
- تقي الدين الحصني في دفع الشبه (ص72) .
- السيوطي : ذكره في تفسيره الدر المنثور , وفي الخصائص , وفي الرياض الأنيقة ص49 وقال : (أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه البيهقي في دلائل النبوة , وقال : تفرد به عبد الرحمن وهو ضعيف) , ونقل له شاهداً في الخصائص عن ابن عباس , وقال : (أخرجه الحاكم وصححه).
وأما قوله في مناهل الصفا : ضعيف , أي من طريق ابن عمر كما صرح بذلك بقوله : (رواه ابن عمر بسند ضعيف) .
والحاصل : أن الحديث عنده صحيح بشواهده وطرقه .
- القسطلاني : صححه في عدة مواطن من كتاب المواهب , آخرها (2/392) من ط دار الكتب العلمية.
- الزرقاني : صححه في شرح المواهب (8/314) .
- السمهودي : في وفاء الوفا (2/419) .
سابعاً : حديث الخروج إلى الصلاة
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في سنن ابن ماجه في " باب المشي إلى الصلاة ": (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ) الحديث .قال الشهاب البوصيري في " مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه " هذا إسناد مسلسل بالضعفاء .
عطيه هو العوفي ، وفضيل بن مرزوق ، والفضل بن الموفق ، (هو ابن خال ابن عيينة ، قال أبو حاتم صالح ضعيف الحديث ولم يضعفه سواه وجرحه غير مفسر بل وثقه اليسني) كلهم ضعفاء , لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق فضيل بن مرزوق ، فهو صحيح عنده .
وذكر رزين ، ورواه أحمد بن منيع في ( مسنده ) ثنا يزيد ، ثنا فضيل بن مرزوق ، فذكره بإسناده ومتنه وقال علاء الدين مفلطاي في ( الأعلام شرح سنن ابن ماجه ) ذكر أبو نعيم الفضل " وهو ابن دكين " في كتاب " الصلاة " عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري موقوفاً اهـ .
ولم ينفرد عطية عن الخدري ، بل تابعه أبو الصديق عنه في رواية عبد الحكم بن ذكوان . وهو ثقة عند ابن حبان ، وإن أعله أبو الفرج في ( علله ) .
وأخرج ابن السني في ( علم اليوم والليلة ) بسند فيه الوازع ،عن بلال ، وليس فيه عطيه ولا مرزوق ولا ابن الموفق " اللهم بحق السائلين عليك " تظهرانه لم ينفرد عطية ، ولا ابن مرزوق ،ولا ابن الموفق ,بالنظر إلى هذه الطرق على فرض ضعف الثلاثة .
مع أن يزيد بن هارون شيخ أحمد بن منيع شارك ابن الموفق في روايته ، عن ابن مرزوق وكذا الفضل بن دكين وابن فضيل وسليمان بن حبان وغيرهم .
وعطية جرح بالتشيع لكن حسن له الترمذي عدة أحاديث ، وعن ابن معين أنه صالح ، وعن ابن سعد : ثقة إن شاء الله ، وعن ابن عدي : له أحاديث صالحه .وبعد التصريح بالخدري لا يبقى إحتمال التدليس ، ولا سيما مع المتابعة وابن مرزوق ترجح توثيقه عند مسلم فروى عنه في " صحيحه " .
على أن الحديث مروي بطريق بلال ، رضي الله عنه فلا تنزل درجة الحديث مهما نزلت عن درجة الاحتجاج به ، بل يدور أمره بين الصحة والحسن لكثرة المتابعات الشواهد كما أشرنا إليها .
وقول من يقول : إن الجرح مقدم على التعديل على ضعفه فيما إذا تعارضا بتكافئهما في الميزان ، دون إثبات ذلك مفاوز فلا يتمكن المبتدعة من اتخاذ ذلك تكأة لرد الأحاديث الثابتة برجال وثقهم أهل الشأن بترجح ذلك عندهم .
وقد حسّن هذا الحديث الحفاظ : العراقي في " تخريج أحاديث الإحياء " وابن حجر في " أمالي " الأذكار " , والدمياطي في المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح (ص471_472) ، والحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ الحافظ المنذري كما في الترغيب والترهيب (3/273) , والحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1/291) , وقال الحافظ البوصيري في مصباح الزجاجة (1/99) : لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه، من طريق فضيل بن مرزوق، فهو صحيح عنده . اهـ .
فهؤلاء خمسة من الحفاظ ، رحمهم الله تعالى ، صححوا أو حسنوا الحديث وقولهم حقيق بالقبول .
وفي الحديث التوسل بعامة المسلمين وخاصتهم، وإدخال الباء في أحد مفعولي السؤال إنما هو في السؤال الإستعلامي كقوله تعالى " فسئل به خبيراً " و " وسأل سائل بعذاب واقع " وأما السؤال الإستعطائي فلا تدخل الباء فيه أصلاً إلا على المتوسل به , فدونك الأدعية المأثورة فتصوّر إدخالها هنا في المفعول الثاني إخراج للكلام عن سننه بهوى ، وصيحة باطل تمجها الأسماع .
وليس معنى الحق الإجابة ، بل ما يستحقه السائلون المتضرعون فضلاً من الله سبحانه , فيكون عد " بحق السائلين " سؤالاً لهذا الداعي هذياناً محضاً ، ولا سيما عند ملاحظة ما عطف عليه في الحديث ، وأما زعم أنه ليس في سياق الحديث ما يصلح أن يكون سؤالاً غير ذلك , فمما يثير الضحك الشديد والهزء المديد ، فأين ذهب من هذا الزاعم "أن تعيذني من النار" وكم يكرر الفعل للتوكيد : فالسؤال في الفعل الأخر هو السؤال في الفعلين المتقدمين ، بل لو لم تكن تلك الأفعال من باب التوكيد لدخلت في باب التنازع ، فيكون هذا القيد معتبراً في الجميع على كل تقدير , وأما من يحاول رد التوسل بتصور دخوله في الحلف بغير الله ، فإنما حاول الرد على المصطفى صلوات الله عليه , لأنه هو الذي علم صيغ التوسل ، وفيها التوسل بالأشخاص ، وأين التوسل من الحلف؟
ثامناً : التوسل بأصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-
قال أبو يعلى الموصلي في مسنده (4/132) :حدثنا عقبة ، حدثنا يونس ، حدثنا سليمان الأعمش ، عن أبي سفيان، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( ليأتين على الناس زمان يخرج الجيش من جيوشهم فيقال : هل فيكم أحد صحب محمداً فتستنصرون به فتنصروا ؟ ثم يقال : هل فيكم من صحب محمداً فيقال : لا . فمن صحب أصحابه ؟ فيقال لا . فيقال من رأى من صحب أصحابه ؟ فلو سمعوا به من وراء البحر لأتوه )) .إسناده صحيح .
ورواه أبو يعلى في مسنده ( 4 / 200) بلفظ مقارب :حدثنا ابن نمير ، حدثنا محاضر ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يبعث بعثٌ فيقال لهم : هل فيكم أحد صحب محمداً ؟ فيقال : نعم. فيلتمس فيوجد الرجل فيستفتح فيفتح عليهم . ثم يبعث بعث فيقال: هل فيكم من رأى أصحاب محمد ؟ قيلتمس فلا يوجد حتى لو كان من وراء البحر لأتيتموه . ثم يبقى قوم يقرؤن القرآن لا يدرون ما هو " .قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/18) :رواه أبو يعلى من طريقين ورجالهما رجال الصحيح . اهـ .
تاسعاً : التوسل بصعاليك المهاجرين
قال الطبراني في معجمه الكبير (1/292) :حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه ، ثنا أبي ، ثنا عيسى بن يونس ، حدثني أبي عن أبيه ،عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين ) ثم قال : وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا يحيى بن سعيد عن أبي إسحاق عن أمية بن خالد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين ) .
ثم رواه من طريق قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن المهلب بن أبي صفرة ، عن أمية بن خالد مرفوعاً نحوه .قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (10/262) : رواه الطبراني ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح . (2)
يرى البعض أنّ التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- وسيلةٌ إلى الشرك فحكموا عليه بالبدعة , مع أنّ قولهم هذا مخالف لإجماع الأمة المرحومة , والأدلةُ الصحيحة الصريحة على التوسل كثيرة , ومنها :
من القرآن الكريم :
- قوله تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة ) بعمومها تشمل التوسل بالأشخاص ، والتوسل بالأعمال , بل المتبادر من التوسل في الشرع هو هذا وذاك ، رغم تقول كل مفتر أفاك .
والفرق بين الحي والميت في ذلك لا يصدر إلا عمن ينطوي على اعتقاد فناء الأرواح ، المؤدي الى إنكار البعث وعلى ادعاء انتفاء الإدراكات الجزئية من النفس بعد مفارقتها البدن ، المستلزم لإنكار الأدلة الشرعية في ذلك .
أما شمول الوسيلة في الآية المذكورة للتوسل بالأشخاص فليس برأي مجرد ، ولا هو بمأخوذ من العموم اللغوى فحسب ، بل هو المأثور عن عمر الفاروق رضي الله عنه حيث قال بعد أن توسل بالعباس رضي الله عنه في الاستسقاء : (هذا ولله الوسيلة الى الله عز جل ) . كما في الاستيعاب لابن عبد البر .
وقال البغوي في تفسير قوله تعالى في الآية الأخرى {يبتغون إلى ربهم الوسيلة} " الإسراء 57 " :
{ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : الوسيلة كل ما يُتقرب به إلى الله ، أي ينظرون أيهم أقرب إلى الله ، فيتوسلون به} اهـ
فالوسيلة عامةٌ شاملة للذوات والأفعال والأقوال ، وتخصيصُها بالأفعال تحكّم لا دليل عليه ، مع أن الذوات الفاضلة أفضل من الأفعال الصادرة عنها ، لا سيما نبينا صلى الله عليه و على آله وسلم .
وزد على ذلك قول عمر أيضاً في ( أنساب الزبير بن بكار ) على ما في فتح الباري : (واتخذوه – يعني العباس – وسيلة إلى الله ) .
ولا يتصور أن يكون هذا بمعنى : اطلبوا الدعاء منه , لأن عمر طلب منه الدعاء ، وتقدم هو للدعاء ، وبعد طلب أمير المؤمنين منه وتقدمه للدعاء إجابة لطلب عمر , لا يكون قول عمر هذا إلا بمعنى : (توسلوا به إلى الله) كما فعل عمر نفسه ، لكن الهوى يعمي ويعم .
وفي فتح الباري ( 2/ 337) وليس في قول عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقي لهم إذ يحتمل أن يكونوا في الحالتين طلبوا السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه و سلم.
وقال ابن رشد أراد بالترجمة ( باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء ) : (الاستدلال بالطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدموه للسؤال). اهـ .
وكلام الحافظين يقضي على وهم من يهم قائلاً أن التوسل به صلى الله عليه وسلمهو طلب الدعاء منه ، وأين التوسل من الدعاء ؟
نعم قد يدعوا المتوسل به للمتوسل , ولكن ليس هذا مدلولاً لغوياً ولا شرعياً للتوسل .
- ويستأنس في التوسل به صلى الله عليه وسلم بما ذكره البغوي وغيره من أهل التفسير بالرواية في قوله تعالى : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به ).
من أن اليهود كانوا إذا حزبهم أمر وداهمهم عدو يقولون : " اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في أخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون " واستقصاء الروايات في ذلك في " الدر المنثور " .
ومن الحديث الشريف :
فمن الأحاديث الدالة على التوسل :
أولاً : حديث التوسل بالعباس --
هذا الحديث أخرجه البخاري في ( الاستسقاء ) حيث قال في صحيحه : حدثني الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد الأنصاري قال : حدثني أبي عبد الله بن المثنى ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس, عن انس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقوا بالعباس بن عبد المطلب فقال : ( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون) .
وفيه التوسل بالذات , وادعاء أن هناك مضافاً محذوف، أي "بدعاء عم نبينا" تقوّل محض بدون أي حجة ، كما أن فرض العدول – لوفاة النبي صلى الله عليه و سلم- إلى العباس تقويل لعمر ما لم يخطر له على بال , ومن حاول إنكار جواز التوسل بالأنبياء بعد موتهم بعدول عمر إلى العباس في الإستسقاء قد حاول المحال ، ونسب إلى عمر ما لم يخطر له على بال ، فضلاً عن أن ينطق به ، فلا يكون هذا إلا محاولة إبطال السنة الصريحة بالرأي , بل فيه جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ، بل التوسل بلفظ "عم نبينا" توسل بقرابة العباس منه عليه الصلاة والسلام وبمنزلته لديه ، فيكون هذا التوسل توسلاً به صلى الله عليه و سلم .
فقول عمر رضي الله عنه في الإستسقاء : "إنا نتوسل إليك بعم نبينا" نص في توسل الصحابة بالصحابة ، وفيه إنشاء التوسل بشخص العباس رضي الله عنه .
وليس في هذه الجملة فائدة الخبر ، لأن الله تعالى يعلم أيضاً علم المتوسلين بتوسلهم ، فتمحضت الجملة لإنشاء التوسل بالشخص .
وقوله (كنا نتوسل) فيه أيضاً ما في الجملة الأولى ، وعلى أن قول الصحابي : كنا نفعل كذا ينصب على ما قبل القول فيكون المعنى أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتوسلون به صلى الله عليه و سلم في حياته ، وبعد لحوقه بالرفيق الأعلى إلى عام الرمادة , وقصر ذلك على ما قبل وفاته عليه السلام تقصير عن هوى وتحريف لنص الحديث ، وتأويل بدون دليل.
وفعل عمر إنما يدل على أن التوسل بقرابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأحياء جائز كجوازه بالنبي عليه الصلاة والسلام ليس غير ، بل في استعياب ابن عبد البر بيان سبب استسقاء عمر بالعباس حيث يقول فيه (إن الأرض أجدبت إجداباً شديداً على عهد عمر زمن الرمادة وذلك سنة سبع عشرة فقال كعب يا أمير المؤمنين : إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا إستقوا بعصبة الأنبياء ، فقال عمر : هذا عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وصنو أبيه وسيد بني هاشم فمشي إليه عمر , وشكا إليه ) .
فهل استبان أن استسقاء عمر بالعباس لم يكن من جهة أن الرسول ميت لا يسمع نداء ، ولا جاه له عند الله تعالى : حاش لله ، ما هذا إلا إفك مفترى .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يتمثل بشعر أبي طالب : "وأبيض يستسقى الغمام بوجهه" . كما في البخاري.
بل وروى استنشاد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر كما في فتح الباري .
وفي شعر حسان رضى الله عنه : "فسقى الغمام بغرة العباس" . كما في الاستيعاب وفي كل ذلك طلب السقيا من الله بذات العباس وجاهه عند الله تعالى.
ولذلك قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 2 / 497 ) ( ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه )) . اهـ .
ثانياً : حديث مالك الدار
روى البيهقي بإسناد صحيح عن مالك الدار (وكان خازن عمر) قال: ( أصاب الناس قحط في زمان عمر ، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام فقال: إيت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له : عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل عمر فأخبر عمر فقال :" يا رب ما ءالو إلا ما عجزت) اهـ.
ومحل الاستشهاد طلب الاستسقاء منه صلى الله عليه و سلم في البرزخ ، ودعاؤه لربه ، وعلمه بسؤال من يسأل لمن ينكر صنيعه هذا أحد من الصحابة .
وقد أخرج هذا الحديث البخاري في تاريخه بطريق ابي صالح ذكوان مختصراً .
وأخرجه ابن أبي خيثمة من هذا الوجه مطولاً ، كما في الإصابة .
وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ، كما نص عليه ابن حجر (2/495-496) حيث قال: ( وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار قال : أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر . . . الحديث. وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة) ا.هـ.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (7/90) : (هذا إسناد صحيح) .
وهذا نص على عمل الصحابة في الاستسقاء به صلى الله عليه و سلم بعد وفاته من غير نكير , حيث لم ينكر عليه أحد منهم مع بلوغ الخبر إليهم ، وما يرفع إلى أمير المؤمنين يذيع ويشيع . فهذا يقطع ألسنة المتقولين .
وهذا قامع لمن لا يجيز التوسل به صلوات الله عليه بعد لحوقه بالرفيق الأعلى .
وقد جمع المحدث الكبير محمد عابد السندي ، في جزء خاص الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب فشفى وكفى .
وعمل الأمة المتوارث طبقة فطبقة في ذلك مما يصعب استقصاؤه وفي ذلك كتب خاصة .
ثالثاً ورابعاً : حديثا عثمان بن حنيف :
حديث الضرير وهو: ما رواه الإمام أحمد في المسند (4 /138) والترمذي في سننه (5/229) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 204 ـ205) وابن ماجه (1/441) واللفظ له وابن خزيمة في صحيحه (2 /225) وعبدُ بنُ حُميدٍ في مُنتخَبِ مسنده (رقم 379) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) والحاكم في المستدرك (1/313 ,519) وصحّحه ووافقه الذهبي و أخرجه البيهقي في الدلائل (6/166) والبغوي في معجم الصحابة (4/346) و ابن أبي حاتم في العلل (3/229) : كلُّهم من طريق شُعبةَ عن أبي جعفر- وهو المدني الخطمي عمير بن زيد - عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أنّ رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :ادع الله لي أن يعافيني. فقال: إن شئتَ أخَّرتُ وهو خيرٌ لك وإن شئتَ دعوتُ, فقال ادعه، فأمره أن يتوضَّأ فيُحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمدصلى الله عليه وسلم نبي الرحمة , يا محمدُ.. إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في».
ولا يخفى أن هذا الحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه و على آله وسلم ومعجزاته ، حيث أن رجلا أعمى أبصر ببركته صلى الله عليه و على آله وسلم كما كان عيسى بن مريم يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله .
وترجم له المحدّثون بـقولهم: " باب من له إلى الله حاجة ، أو إلى أحد من خلقه " .
وذكره الحافظ الجزري في " الحصن الحصين " ، والحافظ السيوطي في " الجامع الصغير " ، وشرْحه للمناوي ، و قال العلامة علي القاري :
{ " قوله ( " يا محمد " ) : إلتفات وتضرع لديه ، ليتوجه النبي صلى الله عليه و سلم بروحه إلى الله تعالى ، ويُغني السائل عما سواه ، وعن التوسل إلى غير مولاه، قائلاً : " إني أتوجه بك " أي بذريعتك ، الذريعة :الوسيلة ، والباء للاستعانة ، و " إلى ربي في حاجتي هذه " ، وهي المقصودة المعهودة " لتُقضى لي " . ويمكن أن يكون التقدير : ليقضي الله الحاجة لأجلك ، بل هذا هو الظاهر . وفي نسخة : " لتَقضي " بصيغة الفاعل ، أي : لتقضي أنت يا رسول الله الحاجة لي . والمعنى : لتكون سبباً لحصول حاجتي و وصول مرادي ، فالإسناد مجازي .}.انتهى .
قال الترمذي ـ كما في بعض نُسخ سُننه ـ: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غيرُ الخطمي, وفي أكثر النُّسَخ أنه قال : وهو الخطمي .
زاد شُعبةُ في روايته عند أحمد وابن خزيمة والحاكم: «وشفعني فيه» لكنه نُقِلَ عنه الشك فيها من طريقين وذلك في روايتي أحمدٍ وابنِ خزيمة وقال شعبة أيضاً في روايته عند البيهقي في الدلائل:«وشفعني في نفسي», بدل:«وشفعني فيه».
و رواه الإمام أحمد في المسند (4 /138) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص204) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) وابن أبى خيثمة في تاريخه ـ حسبما نقله ابن تيميّة في قاعدة (ص99) وفتاويه (1/275) ـ : كلهم من طريق حماد بن سلمة عن أبي جعفر- وهو أيضًا الخطمي- عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف . زاد حمادٌ في روايته عند ابن أبي خيثمة " ثم ما كانت حاجةٌ فافعل مثلَ ذلك أو قال " فُعِلَ مثلُ ذلك " على نقل ابن تيميّة في قاعدته وفتاويه.
ورواه النسائي في العمل (ص 205) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210) كلاهما من طريق هشام الدستوائي عن أبي جعفر – وهو أيضا الخطمي – عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية النسائي: «شفعه في وشفعني في نفسي ». وزاد أيضاً : فرجع وقد كُشف له عن بصره.
ورواه ابنُ السُّنِّي في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/625) وصحح إسناده وأقره الذهبي وأخرجه البيهقي في الدلائل (6/167): كلهم من طريق روح بن القاسم عن أبي جعفرٍ– وهو أيضا الخطمي – عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف , وقال روحٌ في جميع رواياته: " وشفعني في نفسي".
وروى البيهقي في الدّلائل (6/167-168) من طريقين وإسنادهما صحيح , والطبراني في الدعاء (2/1290) وفي الصغير (1/184) وفي الكبير وصححه بعد سوقه من طرق (9/17-18) كما ذكره أبو الحسن الهيثمي في " مجمع الزوائد " وأقره عليه , كما أقر المنذري قبله في " الترغيب والترهيب " , وقبله الحافظ عبد الغني المقدسي في الترغيب رقم 91 ..
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدصلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل فيقضي لي حاجتي" وتذكر حاجتك, ورح إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة. وقال ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلَّمتَه في، فقال عثمان بن حنيف : ما كلَّمتُه ولكن شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير البصر فشكا إليه ذهاب بصره... فذكر الحديث باختصار.
والصحابي المذكور فَِهم من حديث دعاء الحاجة أنه لا يختص بزمنه صلى الله عليه وسلم وهذا توسل به .
وهكذا علّم الرسول صلى الله عليه و سلم الضرير الدعاء ، وفيه التوسل بالشخص وصرفه عن ظاهره تحريف للكلم عن مواضعه بهوى .
وأما كون استجابة دعاء الضرير بدعاء الرسول صلوات الله عليه – وهو غير مذكور في الرواية – أوبدعاء الضرير ، فلا شأن لنا بذلك ، بل الحجة هي نص الدعاء المأثور عن الرسول عليه الصلاة والسلام .
وقد نص على صحة هذا الحديث جماعة من الحفاظ .
وقد قال القادحون في هذا الحديث بأنَّ التوسُّل بذات النَّبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه لم يبينه النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يرشد إليه أمّته ولم يعلِّمهم إيَّّاه)
والصحيحُ عكسُه , لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن وعلَّم التوسُّل به للضرير وأرشده إليه في حديث الضرير الذي ثبتت صحّتَه بالأدلَّة الواضحة, ولقد تقرَّر في قواعد الأصول أنَّ العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه , وأنَّ تبيينه وإرشاده و تعليمه لفرد من أفراد الأمّة تبيينٌ وإرشادٌ وتعليمٌ لعمومها , إلاّ إذا ثبت نسخٌ أو تخصيصٌ , وهيهات أن يَثْبُتَ النَّسخُ أو التَّخصيصُ لهذا الحديث ..
فقد قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (5/42): لا خلاف بين علماء أهل الأثَر والفقه أن الحديث إذا رواه ثقةٌ عن ثقةٍ حتى يتصل بالنبيصلى الله عليه وسلم أنّه حُجَّةٌ يُعمَلُ بها إلا أن ينسخه غيرُه.
ثم قال في الجزء نفسه (ص220): فضائله صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليها النسخ ولا الاستثناء ولا النقصان.
وقالوا: (العلة الأولى في حديث الضرير: أنه من رواية شُعبةَ عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف , وأبو جعفر هذا مجهول ولذلك قال الترمذي عن أبي جعفر: وليس الخطمي , فأبو جعفر الخطمي ثقة مدني معروفٌ. والحديث إذا كان في إسناده مجهول لا يصح الاحتجاج به.) .
وفيه لَبسٌ واضحٌ وتهرُّبٌ من مواطن التحقيق , لأنه يوهم أنّ الحديث ليست له روايةٌ مُعتَبَرَةٌ غير رواية شُعبة, وهو خلاف الواقع، فقد سبق أن بيَّنتُ في هذا البحث أنّ له ثلاث روايات أخرى غير رواية شعبة هي: رواية حماد بن سلمة , ورواية هشام الدستوائي , ورواية روح بن القاسم, وكل واحدة منها تثبته على انفرادها فكيف بهن مجتمعات؟.
قولهم: ( أبو جعفر هذا مجهول , ولذلك قال الترمذي عن أبى جعفر: وليس الخطمي).
وهذا مردود من ستة أوجه:
أولها: أنّ أبا جعفر الخطمي هذا وإن كان لم يُعَيَّنْ في روايات شعبة عند الترمذي في السنن (رقم 3649) والنسائي في عمل اليوم والليلة (رقم 664) وعبد بن حميد في منتخب مسنده (رقم 379) وأحمد في إحدى روايتيه في المسند (4/138) وفي رواية حماد بن سلمة عند النسائي في العمل (رقم 633)
فقد عُيِّنَ في بقية روايات شعبة عند ابن ماجه في سننه (1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والبخاري في تاريخه (6/209) والحاكم في مستدركه (1/313،519) والبيهقي في الدلائل (6/166) والبغوي في معجم الصحابة (4/246) وابن أبي حاتم في العلل (3/229)، وفي إحدى روايتيه عند أحمد في المسند (4/138)
وعُيِّنَ كذلك في روايات حماد بن سلمة عند أحمد في المسند (4/138) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) وابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص98) وفتاويه (1/274)
وعُيِّنَ كذلك في روايتي هشام الدستوائي عند النسائي في عمل اليوم والليلة (رقم 665) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210)
وعُيِّنَ كذلك في روايات روح بن القاسم عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633)والحاكم في المستدرك (1/526) والبيهقي في الدلائل (6/167)
وقد تقرر في علم المصطلح : أنَّ الراويَ إذا أُبهم في طريق وعُيِّنَ في طريق مُعتَبَر آخر حُمِلَ المُبهَمُ على المُبيَّنِ , وزال الإبهامُ وارتفع الإشكالُ, وعلى هذا المنوال ألَّف الخطيبُ كتابَه: "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ودَرَجَ عليه كافة المحدثين أيضًا قبل الخطيب وبعده.
ثانيها: أنّ الحافظ المَزِّي في تهذيب الكمال (21/242) والحافظ ابنَ حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب (6/20) عَدَّا أبا جعفر الخطميَّ هذا في الرواة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ولم يعُدَّا فيهم أبا جعفر غيره.
ثالثها: أنّ الترمذي صحّح هذا الحديث في سننه , وليس من عادته تصحيحُ أحاديث المجهولين , أَحْرَى إذا كانت لا تُروَى إلا من طريقهم.
رابعها: أنّ بعض هؤلاء قد غيَّر العبارة الواردة في بعض نُسخ الترمذي: ( وهو غير الخطمي) فأبدلها بقوله: ( وليس الخطمي) وأرجو أن يكون هذا التغيير وقع بدافع الخطإ والنسيان لا بدافع حاجة في النفس , لأن العبارة الأصليةَ تقبل التوجيه , والمبدلة لا تقبله , إذ الاحتمال قد يتطرق إلى أن يكون أصل رواية الترمذي هو لفظة (عينُ) بدلا من (غيرُ) لِطِبَاقٍ بين اللفظتين, وكذلك يتطرق إلى أن تكون لفظةغيرُ) قد زيدت في بعض النُّسَخ , وهذا يؤيده كون أكثر نُسَخِ سنن الترمذي ليست فيها تلك اللفظةُ كما سياتي بيانه بإذن الله.
خامسها: أنّ الخطمي هو المدني: عمير بن يزيد وهو الذي في جميع روايات هذا الحديث كما تواطأ عليه الحُفَّاظُ حيث قال بعضهم: أبو جعفر المدني , وقال بعضهم الخطمي وقال بعضهم: المدني الخطمي وقال بعضهم: المدني وهو الخطمي عمير بن يزيد .
فممن قال: (الخطمي) شعبة في روايتيه عند البيهقي في الدلائل (6/166) وابن أبي حاتم في العلل (3/229), وحماد بن سلمة في رواياته عند أحمد في المسند (4/138) والبخاري وابن أبي خيثمة في تاريخيهما
وممن قال: (المدني) شُعْبَةُ في رواياته عند البخاري في التاريخ الكبير (6/210) وأحمد في المسند (4/138) وابن ماجه في السنن (رقم 1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والبغوي في معجم الصحابة (4/346) والحاكم في المستدرك (1/313 , 519) وقد وافقه الذهبي على ذلك
وممن قال: (المدني وهو الخطمي) روح بن القاسم في روايتيه عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/526) وأقره الذهبي على ذلك وكذا في دلائل النبوة للبيهقي (6/167), وفي معجم الطبراني الكبير (9/17-18) وقال في الصغير (1/184) أبو جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد)
وممن نص كذلك على أنه الخطمي: الترمذي في سننه كما في طبعة بولاق وهي أول الطبعات , وكما في طبعة دار سحنون بتونس ضمن موسوعة السنة , وكما في طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1395 هـ , وكما في طبعة دار الكتب العلمية سنة 1408 هـ , وكذلك نسخة ابن كثير التي نقل منها في موضعين من تاريخه (6/161 , 295) , ونسخة المَزِّي التي نقل منها في تحفة الأشراف (7/226) , ونسخة الإمام السبكي التي نقل منها في شفاء السقام (ص: 134)، وكذلك نقل "شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم وعادل مرشد وإبراهيم الزئبق ومحمّد رضوان وسعيد اللَّحام وهشيم عبد الغفور وعامر غضبان ومحمّد أنس الخن ومحمّد بركات وعبد اللطيف حرز الله", نقلوا كلُّهم في تحقيقهم لمسند الإمام أحمد (28/479) طبعة مؤسّسة الرّسالة عن النُّسخ الّتي اطّلعوا عليها من سنن التّرمذيّ أنّه قال بأنّ أبا جعفرٍ هذا هو الخطميّ.
وقد جزم كلٌّ من الطّبراني في الصّغير (1/184) وابن أبي حاتم في العلل (3/229) وابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص 99) وفتاويه (1/275) والدَّارقطني في تعليقاته على ضعفاء ابن حبّان (ص 213) والمَزِّيُّ في تهذيب الكمال (19/359) وابن تيميّة في قاعدته (ص93) وفتاويه (1/266) والذهبي في جزء السّيرة من تاريخه (ص 364): جزموا كلهم بأنَّ الخطميَّ هو الّذي روى عنه شُعبةُ. وصرح الألباني في توسله (ص 76، 93) بأن هذا الحديث: لا شُبهة في سنده ولا شك في صحته.
سادسها: أنَّ لفظة: (وهوغيرالخطمي) بافتراض ثبوتها عن الترمذي يلزم الرجوع إلى بقية روايات شعبة عند غير الترمذي, ثم الرجوع إلى روايات رفيق شعبة: حماد بن سلمة, ثم الرجوع إلى روايات هشام الدستوائي وروح بن القاسم, وحينئذ نجد روايتي شعبة عند البيهقي في الدلائل (6/166) وابن أبي حاتم في العلل (3/229) مصرحتين بأنّه الخطمي، ونجد رواياته عند أحمد في إحدى روايتيه (4/138) وابن ماجه في سننه (رقم:1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والحاكم في مستدركه (1/313 , 519) والبغوي في معجم الصحابة (4/346): مصرحة كلها بأن أبا جعفر هذا هو المدني, والمدني هوالخطمي , ونجد روايات حماد بن سلمة عند أحمد في مسنده (4/138) والبخاري في تاريخه (6/209) وكذا ابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص98) وفتاويه (1/274): مصرحة كلها بأنه الخطمي وكذلك نجد تصريح النسائي في روايته في عمل اليوم والليلة (رقم 665) من طريق هشام الدستوائي بأنه الخطمي ونجد روايتي روح بن القاسم عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/526): مصرحتين بأنه الخطمي.
قالوا حتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة ).
والظاهرُ أنَّهم وقفوا على تعريف ابن المدينيِّ لأبي جعفر الخطمي وهو قوله عنه هو مدني قدم البصرة, وليس لأهل المدينة عنه أثر, ولا يعرفونه)، غير أنهم فاتهم أنَّ ابن المديني أراد أن يبين أنَّ أهل المدينة لم يرووا عن أبي جعفر الخطمي , لأنه وإن كان مدنيا وأخذ عن أشياخ المدينة كأبي أمامة وسعيد بن المسيب والحارث بن فضيل الخطمي وعُمارة بن خزيمة بن ثابت وعُمارة بن عثمان بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم، فإنه انتقل إلى البصرة وعنه روى أئمةٌ حفاظٌ أثباتٌ من أهل البصرة هم: شعبة ابن الحجاج وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم ويحي بن سعيد القَطَّان .
ومُجمَلُ القول عن الخطميِّ أنه أنصاريٌّ مدنيٌّ, روى عن علماء المدينة دون أن يروي عنه أهلُها لأنه انتقل إلى البصرة وأقام بها, فكانت شُهرتُه وتلامذتُهُ بالبصرة دون المدينة, هذا هو الذي أراد ابن المديني من تعريفه السابق لاغير، فإن كانوا فهموا من تعريف ابن المديني جهالة الخطمي فلا وجه لذلك الفهم.
وأقوال هؤلاء عن الخطمي متناقضةٌ، فقولُهم في هذه المقابلة بجهالته متناقضٌ مع قولهم: (فأبو جعفر الخطميُّ ثقةٌ مدنيٌّ معروفٌ).
وتجهيلهم للخطمي بقولهم حتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة ) غلط محض , فلجهالةُ مطلقًا على قسمين: جهالةُ عين وجهالةُ حال, فالأولى ترتفع برواية ثقتين عن الراوي, كما قال الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" ص88, 89, وابن الصلاح في "المقدمة" ص101, والعراقي في " شرحه لألفيته" ص158, والنووي في "التقريب" مع شرح السيوطي له: "تدريب الراوي" ص209 , 210, والصنعاني في "توضيح الأفكار" ج2 ص 174, 175 ,190 ,191, وغير هؤلاء.
وأبو جعفر الخطميُّ هذا روى عنه خمسةُ حُفَّاظٍ ثقاتٍ أثباتٍ, تقدمت أسماءهم, فجهالةُ العين إذن منفيةٌ عنه على الأقل.
وأما جهالة الحال فترتفع ـ في المذهب الصحيح ـ بتوثيق حافظٍ واحدٍ متيقِّظٍ عارفٍ بأسباب التَّزكيَّة, كما قال الخطيب في "الكفاية" ص96, و ابن الصلاح في "المقدمة" ص98, 99, والعراقي في "الألفية" رقم 263, وابن حجرفي "شرح نخبة الفكر" ص41, والنووي في "التقريب" والسيوطي في "التدريب" ص203, وغيرهم, وأبو جعفر الخطميُّ هذا وثقه تسعةٌ من حفاظ الحديث متيقظون عارفون بأسباب التَّزكية وهم: يحي بن معين وابن مهدي وابن نمير وابن حبان والعجلي والنسائي والطبراني والذهبي وابن حجر, ولم يَصِفه أحدٌ من حفاظ الحديث بشيء من أنواع الجرح, بل قال عنه ابن عبد البر في "الاستغناء" ج1 ص505: هو عند جميعهم ثقةٌ.
وهنا أسألهم كيف يمكن بعد كل ما تقدم جرح الخطمي هذا بالجهالة أوغيرها؟ وإن كان أخذ العلم عن أهل بلده ولم ينشره فيه ونشره في بلد آخر كيف يمكن جرحه بذلك؟ وهل عدم معرفةِ الراوي في مدينةٍ دون أخرى يَستلزمُ جهالتَهُ؟ ومتى كان ذلك جرحًا تُرَدُّ به أحاديثُ الثِّقات؟ أو سالبًا يسلبهم الثقَة الثَّابِتَةَ لهم؟ ومن قال بذلك من أئمة الجرح والتعديل؟ وفي أي كتاب من كتبهم يوجد؟ ولماذا تجرأتم على نقض الإجماع الذي نقلهُ ابنُ عبد البر على توثيق الخطمي هذا بعبارتكم التي ابتكرتم في الجرح لكنه غير معروف بالمدينة)؟
يـا ناطـح الجبل العالي ليهدمــه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
فتبين بهذه الحجج البالغة والبراهين الدامغة: أنّ أبا جعفر هذا هو الخطمي وأن ما زعموه من جهالة أبي جعفر لا أصل له ثابتًا ولا فرع نابتًا.
وقالوا: (العلّة الثانية في هذا الحديث: أنّ فيه أن عثمان احتجب, والخلفاء الراشدون لم يُعرَف أنَّ واحداً منهم قد احتجب عن الناس)
وهذا مردود من وجهين:
الوجه الأول: أنّ عثمان ـ وهو ابن عفان ـ لا ذكر له في شيء من طرق أصل هذا الحديث حتى يمكن إعلاله باحتجابه, وكذلك لفظُ الاحتجاب لم يرد في شيء من طرق هذا الحديث بما في ذلك طريق القصة التي في خلافة عثمان ، فإن كانوا فهموا الاحتجاب عن الناس من قول عثمان بن حنيف في القصة: (فجاء البواب فأخذ بيده) فكون عثمان اتخذ بوابا لا يلزم منه دوام الاحتجاب المنهي عنه شرعا , لما ثبت في الصحيحين من أنّ له صلى الله عليه وسلم بوابا اسمه رباح, ولما ثبت فيهما أيضا عن أبي موسى الأشعري أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم في أحد الأيام, وإن كانوا فهموا الاحتجاب من قول عثمان بن حنيف في نفس القصة: (وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته) فقد جاء في رواية الطبراني في الصغير (1/184) وفي الكبير (9/17-18): أن ذلك وقع من عثمان بسبب النسيان حيث قال للرجل: ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت هذه الساعة.
قولهم : ( والخلفاء الراشدون لم يُعرف أنّ واحدا منهم قد احتجب عن الناس)
هذا تحكم من غير إحاطة, إذ قد ثبت في الصحيحين وسنن أبي داود (3/139) ومصنف عبد الرزاق (5/469) وتمهيد ابن عبد البر (8/163-164) وشرح السنة للبغوي (6/337) وغيرهم من رواية مالك بن أوس عن عمر قال: فبينما أنا جالس عنده – يعني عمر- أتاه حاجبه يَرْفَأ فقال: هل لك في
عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون, قال نعم, فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يَرْفَأ يسيرا ثم قال: هل لك في علي وعباس, قال نعم, فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا.
قلت: فهذا الأثر الصحيح مصرحٌ بأن ثاني الخلفاء الراشدين كان له حاجب, كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاجب, فاتخاذ الحاجب إذن لا يلزم منه دوامُ الاحتجاب المنهي عنه شرعا.
الوجه الثاني: أنّ هذا الإعلال بالاحتجاب المزعوم فيه إدراج للقصة الواقعة في خلافة عثمان في أصل الحديث الواقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وإدراجُها في أصله وهي متميزة عنه تاريخًا وسببًا, ثمّ إعلال أصله بها لا يُستساغ صدورُهما ممن ينتسب إلى العلم إلا عن فادح الغفلة والنسيان.
وقالوا: (العلة الثالثة: أنّ في هذا الحديث " اللهم شفعني فيه وشفعه فِيَّ ", فكيف يُريد الرجل أن يشفع في النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا حُمل ذلك على أنَّ معناه: اللهم استجب دعائي له بالاستجابة واستجب دعاءه لي بردِّ البصر فيكون هذا من التوسل بدعائه لا بشخصه والتوسل بدعائه غير محل خلاف أصلاً)
وهو إعلالٌ باطلٌ مردودٌ بأنَّ هذه الزيادة انفرد شعبةُ بذكرها دون سائر الرواة, وهناك طريقتان للتعامل معها.
الطريقة الأولى : هيَّ حملُ الهاء في «شفعني فيه» على أنها هاءُ سَكْتٍ لتطابق معنى زيادة « فشفعه في وشفعني في نفسي» التي هي أصح زيادة وردت في هذا الحديث لثبوتها عن الحفاظ الأربعة الذين رووه عن أبي جعفر الخطمي الذي عليه مداره, وحينئذ فلا تَعارُضَ بين الزيادتين أصلاً لاتحادهما معنىً، وهذا هو الأولى لأنَّ الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول كما بينه ابن حجرفي الفتح ج3 ص94 وج 8 ص451 وج 9 ص474 وج13 ص410., وهاءُ السَّكْتِ وردت كثيرا في القرآن وفي الأثر، من ذلك قوله تعالى في سورة الحاقة: هَآؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَّه إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَّهْ، وقوله: يَالَـــيْـــتَـــنِي لَمُ أوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمَ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة َ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ، وفي سورة القارعة: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، ومن أمثلتها في الأثر قول سعد بن أبي وقاص كما في طبقات ابن سعد (3/140) وأصله في صحيح البخاري: " لقد خِبْتُ إذن وضلَّ عمليَهْ" أي عملي، وكذلك المعنى في عبارة (وشفعني فيهْ) أي: فِيَّ بِيَاءِ المتكلِّم أي «شفعني في نفسي», وروايةُ حمادٍ بنِ سلمة التي ذكرها ابنُ تيميّة في قاعدته (ص99) وفتاويه (1/275) مُوضِّحةٌ لهذا المعنى لأنّ فيها " اللهم فشفّعني في نفسي وشفّع نبيّي في ردّ بصري". وبهذا تتّفق الرواياتُ كلُّها وينسجمُ المعنى ويَبطُلُ الإعلالُ من أصله .
أضِفْ إلى هذا أنّ حمل الهاء في هذه العبارة على الضمير يلزم منه أن يكون الأعمى شافعا في النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مستحيل شرعا وعقلا, أويُلجَأ إلى التأويلات البعيدة المتعسَّفة مثل ما فعل ابنُ تيميّة والألباني وتلميذُه الرِّفاعي , حيث قال ابنُ تيميّة في قاعدته (ص96) وفتاويه (1/271,335, 336) " وشفعني فيه" أي في دعائه وسؤاله لي, وقال الألباني في توسله (ص80): أي اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد عليّ بصري, وقال الرِّفاعي في توصله (ص169؛ 238): أي واقبل شفاعتي بقبولك شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلمفي أي اقبل دعائي في قبول دعائه من أجل أن ترد على بصري, وقال أحدهم: اللهم استجب دعائي له بالاستجابة واستجب دعاءه لي بردِّ البصر.
هكذا تواردوا على هذه التأويلات البعيدة المتعسَّفة وغفلوا عن هذا التحقيق الجليّ الواضح, والعجب لابن تيميّة والألباني والرفاعي حيث صحّحوا عبارة " وشفعني فيه" وبالغوا في الاحتجاج بها في القاعدة (ص100) والفتاوي (1/266, 268؛ 270؛ 271؛ 274؛ 276؛ 277؛ 324). وفي التوسل (ص80؛ 81؛ 83) وفي التوصل: (ص168؛ 237؛ 238). دون أن يشير أحدٌ منهم إلى عِلَّةِ الشكّ التي فيها مع وقوفهم عليها, في الوقت الذي طعن ابنُ تيميّة والألبانيُّ في زيادة حمّاد بن سلمة المتقدمة التي هي: (ثم ما كانت حاجةٌ فافعل مـثلَ ذلك) أو قال (فُعِلَ مثلُ ذلك), مع أنّ العبارتين زِيدَتَا من ثقتين حافظين في متن حديثٍ واحدٍ , وحمادٌ أفقه من شعبة , وفِقْهُ الراوي من مرجّحات روايته كما بيَّنهُ ابنُ أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/25) والحاكم في علوم الحديث (1/11)، والخليلي في الإرشاد (1/177)، والخطيب في الكفاية (ص436)، والحازمي في الاعتبار (ص39)، والحسن بن عبد الرحمن في المحدث الفاصل (ص238)، وابن الأثير في جامع الأصول (1/62)، والسبكي في جمع الجوامع (ص 113)، وابن حجر في الفتح (1/362)، والسيوطي في شرح الكوكب الساطع (2/466)، ثم إنّ شُعبة نُقِلَ عنه الشكُّ في أصل زيادته من طريقين, وحمادٌ لم يُنقَلْ عنه قطّ شكٌّ في أصل زيادته, وروايةُ مَن جَزَمَ أرجحُ من رواية من شَكَّ كما بينه ابنُ حجر في الفتح (1/228, 2/178, 3/31, 563, 6/178, 8/5).
وأعجب من هذا أنّ ابن تيميّة في قاعدته (ص96) وفتاويه (1/271): زعم أنّ شعبة وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي قالوا في رواياتهم للحديث: (وشفعني فيه), وهذا خلاف الواقع لأنّ هذه العبارة لا توجد إلا في بعض روايات شعبة وحده , وقد نُقِلَ عنه الشَّكُّ فيها من طريقين كما سبق, بل إنَّ الذي وردعن حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم, إنما هوعبارة (شفعني في نفسي), بدل(شفعني فيه),
ومن العجيب زعم الرفاعي في التوصل (ص 168؛ 237؛ 238) أنّ عبارة (شفعني فيه) في سنن الترمذي, ولم أقف عليها في شيءٍ من نُسَخِ سننه التي وقفت عليها ولا أعلم أحدًا غيره نسبها إلى الترمذي قطّ.
والحقيقةُ أنَّ ابنَ تيميّة والألباني والرفاعي, وإن اعترفوا بصحة هذا الحديث المخالف لنحلتهم, فإنهم قد تعسفوا له تأويلات بعيدة, وتخبطوا في شأنه.
الطريقة الثانية: في التعامل مع عبارةشفعني فيه) هي: أن يُرجَّحَ بينها وبين عبارة (شفعني في نفسي), وحينئذ يتَّضح أنَّ عبارة (شفعني فيه) مرجوحةٌ , لأن شعبة وهو الذي تفرد بها دون سائر الروات نُقِلَ عنه الشك فيها من طريقين وذلك في روايتي أحمد (4/138) وابن خزيمة (2/225)، وقال عنها ابنُ كثير في تاريخه (6/161): كأنها غلط من الراوي.
قلت: ويتأكد كونُها مرجوحةً إذا حُملت الهاءُ فيها على الضمير, مع أنَّنا لو افترضنا أنها ثبتت, لما كان ذلك قادحًا في صحة الحديث لما تقدم من كونه ثبت من دونها في ثلاث روايات أخر غير رواية شعبة.(1)
قالوا : ( العلّة الربعة : ما وجدنا الحديث في سنن النسائي, وعادة النسائي إذا كان الحديث مُختلَفاً فيه على الراوي أن يأتي به من الوجه الذي اختُلِفَ فيه على الراوي بعد ذكره الأَوَّلَ, فقد أورد هذا الحديث بالرواية السابقة من رواية عُمارة بن خزيمة بن ثابت, ثم أورده بعد ذلك من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت, ولم نجد لعُمارة بن زيد بن ثابت في كتب الرجال ذكرًا, إلا ذكرًا لا يُبشِّرُ بخير, فإذن هذا الحديثُ الذي اعتمدوا عليه في إباحة التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ ضعيفٌ لا يصل إلى مرتبة الاحتجاج)
وهو كلام مردود من أوله إلى آخره باستثناء قولهم: (وعادة النسائي) إلى قولهم: ( فقد أورد هذا الحديث بالرواية السابقة من رواية عمارة بن خزيمة بن ثابت )
وبيان ذلك أنّ سنن النسائي حيث أُطلقت تنصرف إلى المُجتبىَ كما هو معروف عند حُفَّاظ الحديث, وهذا الحديث ليس في المُجتبىَ إطلاقًا وإنما هو في عمل اليوم والليلة , وهو في أواخر السنن الكبرى , وقد طُبِعَ مستقلا عنها عدة طبعات، وهذا الحديث رواه النسائي فيه من طريق شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف ، ثم ذكر النسائيُّ أنّ شعبة وحماد بن سلمة خالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فروياه عن أبي جعفر:عمير بن يزيد, ـ وهو أيضا الخطمي ـ عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف , وهذا يعني أنّ أبا جعفر الخطمي له في هذا الحديث شيخان أحدهما عمارة بن خزيمة بن ثابت والآخر أبو أمامة وكلاهما رواه عن عثمان بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم, فكان أبو جعفر الخطمي تارة يحدث به على هذا الوجه وتارة يحدث به على الوجه الآخر, وكلا الوجهين صحيح لا مطعن فيه, ومن اعتبر هذا نوعًا من الاختلاف القادح, فقد خالف منهج المحدثين.
وأما قولهم ثم أورده ـ يعني النسائيَّ ـ بعد ذلك من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت, ولم نجد لعُمارة بن زيد بن ثابت في كتب الرجال...)
فهو كلام مردود بأنَّ عُمارة بن زيد بن ثابت لا رواية له في شيء من كتب النسائي على الإطلاق, ولوكان هذا الحديثُ رُوِيَّ عنهُ في شيء من كتب الحديث لكان معدودا في الرواة عن عثمان بن حنيف وفي شيوخ أبى جعفر الخطمي، ولوكان النسائيُّ رَوَى عنه في شيء من كتبه لكان مُترجَمًا في كاشف الذهبي مع ذيل العراقي، وفي تهذيب الكمال للمَزِّي، وفي كتابي ابن حجر التهذيب, والتقريب, لأن كافة الرواة الذين روى لهم النسائيُّ محصورون في هذه الكتب, وعمارة هذا لا ذكر له في شيء منها على الإطلاق, بل لاذكر له في شيء من كتب الرجال إطلاقًا.
وقالوا: ( بأن الحديث أخرجه الترمذي وأصحاب السنن وأحمد )
وهذا حجة عليهم لأن رواية شعبة عند أحمد وابن ماجه فيها التصريح بأن أبا جعفر هذا هو المدني، والمدني هو الخطمي، وكذلك رواية أحمد من طريق حماد بن سلمة - رفيق شعبة - فيها التصريح بأنه الخطمي. لكنهم تغاضوا عن هذا كله ولم يذكروا شيئا عن روايات حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم لعلمهم أنها ناسفة لدعواهم.
وقالوا : ( بأن الذين صححوا الحديث توهَّموا أنّ أبا جعفر هو الخطمي)
وهذا عكس الواقع، لأنهم لم يتوهَّمُوا ذلك بل تيقنوه جازمين, وصرحوا به واعتمدوه في كتبهم.
وقالوا: ( بأن مالكًا أخرج في الموطإ أنّ فتية من الأنصار تعاقروا الخمرَ في المدينة فقتلوا أحدهم فرفع مروانُ أمرَه إلى معاوية فأمره أن يقتاد له منهم ), وهو مردود من ثلاثة أوجه:
أولها: أنّ هذا الذي أشاروا إليه مجرد بلاغ, والبلاغ لا تقوم به حجة كما هو معروف عند علماء الحديث, وليس هذا البلاغ من بلاغات مالك التي وصلها الحافظ ابن عبد البر في التمهيد.
ثانيها: أنّ هذه القصة التي ذكروها لا تصح كما قال ابن حزم في المحلى (10/421).
ثالثها: أنّ المعاقرة التي ذكر أنها في الموطإ وشنَّع بها على هذا الرجل, لم أجد ذكرها في شيء من نُسَخِ الموطإ التي وقفت عليها ولم أر من نسبها إليه غيره, وإنما رأيت فيها: عن مالك أنه بلغه أنّ مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه أوتي بسكران قد قتل رجلا فكتب إليه معاوية: أن اقتله به. وذكر ابن أبي شيبة في المصنف (6/592) والبيهقي في السنن (8/42): نحوه ولم يذكر واحدٌ منهما المعاقرة ولم يذكرها أيضا ابنُ حزم في المحلى ولم يسم الرجل المقتول كما زعم هؤلاء , وإنما نقل تسميته عن ابن أبي الزناد حيث قال ابن حزم في المحلى (10/421): "ومن طريق يحي بن سعيد الأنصاري وعبد الرحمن بن أبي الزناد: أنّ معاوية أقاد من السكران, قال ابن أبي الزناد: وكان القاتل محمد بن النعمان الأنصاري, والمقتول عُمارة بن زيد بن ثابت".
قال ابن حزم: وهذا لا يصح لأن يحي لم يولد إلا بعد موت معاوية, وعبد الرحمن بن أبي الزناد في غاية الضعف, أول من ضعفه مالكٌ.
قلت: وعبد الرحمن أيضا لم يولد إلا بعد موت معاوية بأربعين سنة وبعد موت مروان بن الحكم بخمس وثلاثين سنة.
انظر تاريخ موت معاوية في تهذيب الكمال (28/179) وتهذيب التهذيب (28/179), والتقريب (2/592).
وتاريخ موت مروان في تهذيب الكمال (28/389) وتهذيب التهذيب (8/111), والتقريب (1/ 335).
وتاريخ ميلاد عبد الرحمن بن أبي الزناد في تهذيب الكمال (17/101) وتهذيب التهذيب (5/85) والتقريب (1/335).
وقالوا: ( بأن عُمارة بن زيد بن ثابت ليس بحجة إذا كان هو الذي قُتل في معاقرة الخمر)
وجوابه من وجهين:
أولهما: أنّ هذه القصة قد اتضح بالأدلة الواضحة أنها لا تصح لانقطاعها.
ثانيهما: أنّ عُمارة بن زيد بن ثابت تقدم أنه لا وجود له في شيء من طرق هذا الحديث على الإطلاق, بل لا وجود له في شيء من كتب الرجال فكيف يأتي به المحاضرُ من عند نفسه؟
جرد الحجج المصححة للحديث :
وبالجملة فإن نسبة هؤلاء للموطإ ما ليس فيه وتشنيعهم به على هذا الرجل واحتجاجهم بهذه القصّة مع التغاضي عن انقطاعها, وعن تضعيف ابن حزم لها, وعن كونها أجنبيةً على هذا الحديث, وإقحامها لهذا الرجل المجهول العين والحال في سند الحديث، ثمّ إعلالها به, تعصُّبٌ واضحٌ نتجت عنه التلبيساتُ والتي قابلناها بِعَدَدِهَا من الحجج القاطعة والبراهين الدامغة المصحّحة للحديث, وهي بالتفصيل:
1.- عدُّ الحفاظ لأبي جعفر الخطمي في الرواة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت وعدم عدهم لأبي جعفر آخر غيره.
2.- كون الراوي إذا أُبهِم في طريق وعُيِّنَ في طريق معتبَر آخر حُمِلَ المُبهمُ على المبيَّن وزال الإبهام وارتفع الإشكال.
3.- كون أكثر نُسَخِ سنن الترمذي مصرحةً بأنه قال بأن أبا جعفر هذا:هو الخطمي.
4.- تصحيح الترمذي نفسه لهذا الحديث وهو غيرُ معروف بتصحيح أحاديث المجهولين أحرى إذا كانت لا تُروَى إلا من طُرُقهم.
5.- روايتا شعبة عند البيهقي في الدلائل وابن أبي حاتم في العلل المصرحتان بأن أبا جعفر هذا هو الخطمي.
6.- روايات شعبة عند أحمد وابن خزيمة وابن ماجه والحاكم والبغوي والبخاري في التاريخ الكبير المصرحة بأنَّ أبا جعفر هذا هو المدني الذي هو الخطمي.
7.- روايات حماد بن سلمة ـ رفيق شعبة ـ عند أحمد والبخاري في التاريخ وابن أبي خيثمة المصرحة بأنَّ أبا جعفر هذا هوالخطمي.
8.- رواية هشام الدستوائي عند النسائي التي صرح فيها النسائي بأنَّ أبا جعفر هذا هو: عمير بن يزيد (الذي هو أبو جعفر الخطمي).
9.- روايتا روح بن القاسم عند ابن السني والحاكم المصرحتين بأنَّ أبا جعفر هذا هو الخطمي.
10.- تخطئة الحفاظ لتلك الرواية التي فيها أنه غيرُ الخطمي.
11.- تصاريحهم بأن الخطمي هو الذي روى عنه شُعبةُ.
12.- تصحيحهم لهذا الحديث في كتبهم واعتمادهم له.
13.- كون هذا الحديث لم يُضعفه حافظٌ قط من الحفاظ الذين خرَّجوه في كتبهم ولا من الحُفَّاظِ الذين لم يُخرِّجوه.
14.- نَقْلُ ابنِ تيميّة عن سائر العلماء أنهم قالوا: هو أبو جعفر الخطمي. وتصويبه لهم في ذلك في القاعدة (ص93) والفتاوي (1/266), واعترافُ الألباني في توسله (ص76, 93) بأن هذا الحديث لا شُبهة في سنده ولا شك في صحته.
وانطلاقًا مما سلف وتأسيسًا على ما تقدم , فإن عدم اعتبار شيء من هذه الحجج المقنعة والبراهين الدامغة, والاقتصار على تلك الرِّوايةِ البيِّنَةِ الخطإ, والإعراض عن غيرها, والإتيان برجل مجهول لا ذكر له في شيء من طرق هذا الحديث على الإطلاق, وإقحامه في سنده, وإعلاله به، هذه الأمورُ تصعُبُ استساغةُ صدورها ممن يحترمُ نفسه ويَتحلَّى بالأمانة العلميَّةِ.
وخلاصة القول: أنّ هذا الحديث صحيحٌ لذاته صريحٌ في دلالته على التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه, ثابتٌ عنه صلى الله عليه وسلم بما تَثبُتُ به الأدلَّةُ الشرعيةُ ولا يُمكن دفعُه ولا التخلُّصُ منه بحال من الأحوال, وهو معجزةٌ ظاهرةٌ من معجزاتهصلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته, وقد يَتَرَتَّبُ على إنكاره وردِّه ما يترتب على إنكار المعجزة وردِّها.
وكل من يحاول دفعَه والتخلُّصَ منه فإنما يحاول ذلك بصدر التعصب والعدوان لا بيد الدليل والبرهان .
وخلاصة القول أنه قد نصّ على صحّته جمعٌ كبيرٌ من حفّاظ الحديث ومن العلماء المحدّثين من بينهم : التّرمذيّ في كافة نسخ سننه, وابن ماجه في سننه(1/441), والطّبراني في الصّغير (1/184), والحاكم في المستدرك (1/313), والذّهبي في تلخيصه له, والسّيوطي في الجامع الصغير (رقم 1508) والحافظ أبو عبد الله المقدسي كما قال ابن تيمية في قاعدته (ص98), وفتاويه(1/274), كما صحّحه ابن خزيمة بإخراجه له في صحيحه(ج 2 ص 225 ), وحتّى ابن تيميّة نفسه صرّح في قاعدته (ص 132), وفتاويه(1/323) بصحّة هذا الحديث, وكذلك الألباني في توسّله (ص 76 ؛93). حيث صرّح بأنّ هذا الحديث لا شبهة في سنده ولا شكّ في صحته.
خامساً : حديث فاطمة بنت أسد
جاء في مناقب فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب إنها لما ماتت حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لحدها بيده وأخرج ترابه بيده فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه فقال :
((الله الذي يحي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين . وكبر عليها أربعاً وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم)) .
رواه الطبراني في الكبير والأوسط . وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم ، وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح .[ كذا بمجمع الزوائد ج9 ص257 ] .
واختلف بعضهم في [روح بن صلاح] أحد رواته ، ولكن ابن حبان ذكره في الثقات
وقال الحاكم : ثقة مأمون .
وكلا الحافظين صحح الحديث ، وهكذا الهيثمي في [مجمع الزوائد] : ورجاله رجال الصحيح.
ورواه كذلك ابن عبد البر عن ابن عباس ، وابن أبي شيبة عن جابر ، وأخرجه الديلمي وأبو نعيم ، فطرقه يشد بعضه بعضاً بقوة وتحقيق .
وهو نص على أنه لا فرق بين الأحياء والأموات في باب التوسل .
وهذا توسل بجاه الأنبياء صريح .
قال الشيخ الحافظ الغماري في إتحاف الأذكياء (ص20) :
( وروح هذا ضعفه خفيف عند من ضعفه كما يستفاد من عباراتهم ، ولذا عبر الحافظ الهيثمي بما يفيد خفة الضعف كما لا يخفى على من مارس كتب الفن . فالحديث لا يقل عن رتبة الحسن , بل هو على شرط ابن حبان صحيح ) .
ونلاحظ هنا أيضاً أن الأنبياء الذين توسل النبي صلى الله عليه وسلم بحقهم على الله في هذا الحديث وغيره قد ماتوا فثبت جواز التوسل إلى الله بالحق وبأهل الحق أحياء وموتى .
سادساً : حديث توسل سيدنا آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم
روى البيهقي في دلائل النبوة (5/489) : عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لما اقترف ءادم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي، فقال الله عز وجل : يا ءادم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه ، قال: لأنك يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمدا رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك) . الحديث .
أخرجه الحاكم في المستدرك ، وقال : (هذا حديث صحيح الإسناد ، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ). اهـ
وساق سنده التقى السبكي في ( شفاء السقام ).
وأخرجه الطبراني في الأوسط والصغير ، وفي سندهما بعض من لا يعرفه الهيثمي .
وأما عبد الرحمن بن زيد فقد ضعفه مالك ، وتبعه أخرون ، إلا أنه لم يتهم بالكذب بل بالوهم , ومثله ينتقى بعض أحاديثه .
وهذا هو الذي فعله الحاكم حيث رأى ان الخبر مما قبله مالك فيما روى ابن حميد عنه حيث قال لأبي جعفر المنصور : "..... وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام " .
وبعد أن أقر الإمام مالك رضي الله عنه بصحة الخبر واحتج به , زالت تهمة الوهم وقلة الضبط عن عبد الرحمن الذي إنما يقتدي من رماه بذلك بمالك ، وعبد الرحمن بن زيد ليس ممن يرد خبره مطلقاً .
وهذا هو الإمام الشافعي يستدل في دين الله ببعض أحاديثه في " الأم " وفي " مسنده " , فلا لوم على الحاكم في عده هذا الحديث صحيحاً ، بل هو الصحيح ، إلا عند من يضيق صدره عند سماع فضائل المصطفى صلى الله عليه وسلم .
وأما قول مالك لأبي جعفر المذكور فهو ما أخرجه القاضي عياض في " الشفاء بتعريف حقوق المصطفى " بسند جيد وابن حميد في السند هو محمد بن حميد الرازي في الراجح، على خلاف ما ظنه التقي السكبي , لكن الرازي هذا ليس حاله كما يريد أن يصوره الشمس بن عبد الهادي , حيث حشر قول جميع من تكلم فيه وأهمل كلام من أثنى عليه ، وهو أحد الثلاثة الذين اتصلوا بابن تيمية ، وهم شباب ، فانخدعوا به وزاغوا, يذكر الجرح ويغفل عن التعديل في الأدلة التي تساق ضد شذوذ شيخه .
ومحمد بن حميد هذا روى عن ابو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد بن حنبل ، ويحى بن معين .
قال ابن ابي خيثمة : سئل عن أبي معين فقال : "ثقة لا بأس به رازي كيّس" ، وقال أحمد : "لا يزال بالرد علم مادام محمد بن حميد" ، وممن أثنى عليه الصاغاني والذهلي .
وقال الخليلي في " الإرشاد " كان حافظاً عالماً بهذا الشأن رضيه أحمد ويحي وقال البخاري : فيه نظر ، وليس مثله يتهم في هذا الخبر ، وقد مات سنة 248 هـ عن سن عالية , وكان عمره عند وفاة مالك لا يقل عن نحو خمس عشر سنة ، وهم يقبلون رواية ابن خمس في مسند إمامهم ويعقوب بن اسحاق ، لابأس به كما ذكره الخطيب في تاريخه .
وأبو الحسن عبد الله بن محمد بن المنتاب ، من أجلّ أصحاب إسماعيل القاضي ، ولاه المقتدر قضاء المدينة المنورة حوالي سنة ثلاثمائة ولم يكن غير الثقات الأفذاذ من أهل العلم ليولّى قضاء المدينة المنورة في ذلك العهد .
واسم المنتاب يهم فيه كثير ، وصاحبه محمد بن احمد بن الفرج وثقه السمعاني في " الأنساب " عند ذكر الجزائري ، وأقره ابن الأثير في " اللباب " وأبو الحسن الفهري من الثقات الأثبات مترجم في " العبر " للذهبي .
وابن دلهات من ثقاة شيوخ ابن عبد البر مترجم في " صلة " ابن بشكوال ، وهي مطبوعة بمدريد .
وابن عبد الهادي يأبى قبول هذا الخبر ، لأنه يمس شذوذ شيخه ليس إلا ، أراد ابن المنتاب بسوق هذا الخبر الرد على ما في " مبسوط " شيخه إسماعيل القاضي المالكي المخالف لما رواه ابن وهب ، عن مالك ، وإسماعيل من أهل العراق ، وأهل مصر والمدينة المنورة أعلم بمسائل مالك منهم .
على أن إسماعيل لم يسند ما ذكره إلى مالك بل ارسله إرسالاً ، لكنه حيث يوافق هوى إبن عبد الهادي يقبله بدون سؤال عن سنده بخلاف ما هنا ويطريه إطراء يغنيه عن ذكر السند في نظره ، فكأنه لم ير قول داود الأصفهاني فيه ، ولله في خلقه شؤون ، على أنه قد وردت أخبار اخرى في توسل آدم يعضد بعضها بعضاً .
فمن شواهده ما ذكره ابن تيمية في فتاواه (2/150) حيث قال :
(وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بشران مِنْ طَرِيقِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي ( الوفا بِفَضَائِلِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ العوفي ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طهمان عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ { مَيْسَرَةَ قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى كُنْت نَبِيًّا ؟ قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَاسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَخَلَقَ الْعَرْشَ : كَتَبَ عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَخَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ الَّتِي أَسْكَنَهَا آدَمَ وَحَوَّاءَ فَكَتَبَ اسْمِي عَلَى الْأَبْوَابِ وَالْأَوْرَاقِ وَالْقِبَابِ وَالْخِيَامِ وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ فَلَمَّا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى : نَظَرَ إلَى الْعَرْشِ فَرَأَى اسْمِي فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِك فَلَمَّا غَرَّهُمَا الشَّيْطَانُ تَابَا وَاسْتَشْفَعَا بِاسْمِي إلَيْهِ } .
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ : وَمِنْ طَرِيقِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رشدين ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الفهري ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا أَصَابَ آدَمَ الْخَطِيئَةَ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ يَا رَبِّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ إلَّا غَفَرْت لِي فَأَوْحَى إلَيْهِ وَمَا مُحَمَّدٌ ؟ وَمَنْ مُحَمَّدٌ ؟ فَقَالَ : يَا رَبِّ إنَّك لَمَّا أَتْمَمْت خَلْقِي رَفَعْت رَأْسِي إلَى عَرْشِك فَإِذَا عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَعَلِمْت أَنَّهُ أَكْرَمُ خَلْقِك عَلَيْك ؛ إذْ قَرَنْت اسْمَهُ مَعَ اسْمِك . فَقَالَ : نَعَمْ قَدْ غَفَرْت لَك وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِك وَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك } .
فَهَذَا الْحَدِيثُ يُؤَيِّدُ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُمَا كَالتَّفْسِيرِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ) .
فهذان شاهدان لهذا الحديث .
وأما الشاهد الثالث :
فهو ما أخرجه ابن المنذر في تفسيره واخرج ابن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : لما أصاب آدم الخطيئة عظم كربه ، واشتد ندمه . فجاءه جبريل فقال : يا آدم هل أدلك على باب توبتك الذي يتوب الله عليك منه؟ قال بلى يا جبريل قال : قم في مقامك الذي تناجي فيه ربّك فمجده وامدح ، فليس شيء أحب إلى الله من المدح قال : فأقول ماذا يا جبريل؟ قال : فقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير . ثم تبوء بخطيئتك فتقول : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت . رب إني ظلمت نفسي وعملت السوء فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . اللهم إني أسألك بجاه محمد عبدك وكرامته عليك أن تغفر لي خطيئتي . قال : ففعل آدم فقال الله : يا آدم من علمك هذا؟ فقال : يا رب إنك لما نفخت فيّ الروح فقمت بشراً سوياً أسمع وأبصر وأعقل وأنظر رأيت على ساق عرشك مكتوباً « بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله » فلما لم أر على أثر اسمك اسم ملك مقرب ، ولا نبي مرسل غير اسمه علمت أنه أكرم خلقك عليك . قال : صدقت . وقد تبت عليك وغفرت لك خطيئتك . (الدر المنثور 1/146) .
ومحمد بن علي بن الحسين هو أبو جعفر الباقر من ثقات التابعين وساداتهم , خرج له الستة , روى عن جابر , وأبي سعيد , وابن عمر , وغيرهم .
والشاهد الرابع :
ما رواه أبو بكر الأجري في كتاب الشريعة قال: حدثنا هارون بن يوسف التاجر، ثنا أبو مروان العثماني، حدثني أبو عثمان بن خالد، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه أنه قال: من الكلمات التي تاب الله بها علي آدم قال: اللهم إني أسألك بحق محمد عليك قال الله تعالى وما يدريك ما محمد، قال: يا رب رفعت رأسي فرأيت مكتوباً علي عرشك لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك .
وممّن صححه من الأئمة :
- الحاكم في المستدرك (2/615) .
وقد نقل مجموعة من العلماء تصحيح الحاكم لهذا الحديث كالسبكي والقسطلاني والزرقاني .
- السبكي : حيث وصفه بأنه جيّد في شفاء السقام (ص163) .
- البلقيني في فتاواه .
- تقي الدين الحصني في دفع الشبه (ص72) .
- السيوطي : ذكره في تفسيره الدر المنثور , وفي الخصائص , وفي الرياض الأنيقة ص49 وقال : (أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه البيهقي في دلائل النبوة , وقال : تفرد به عبد الرحمن وهو ضعيف) , ونقل له شاهداً في الخصائص عن ابن عباس , وقال : (أخرجه الحاكم وصححه).
وأما قوله في مناهل الصفا : ضعيف , أي من طريق ابن عمر كما صرح بذلك بقوله : (رواه ابن عمر بسند ضعيف) .
والحاصل : أن الحديث عنده صحيح بشواهده وطرقه .
- القسطلاني : صححه في عدة مواطن من كتاب المواهب , آخرها (2/392) من ط دار الكتب العلمية.
- الزرقاني : صححه في شرح المواهب (8/314) .
- السمهودي : في وفاء الوفا (2/419) .
سابعاً : حديث الخروج إلى الصلاة
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في سنن ابن ماجه في " باب المشي إلى الصلاة ": (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ) الحديث .قال الشهاب البوصيري في " مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه " هذا إسناد مسلسل بالضعفاء .
عطيه هو العوفي ، وفضيل بن مرزوق ، والفضل بن الموفق ، (هو ابن خال ابن عيينة ، قال أبو حاتم صالح ضعيف الحديث ولم يضعفه سواه وجرحه غير مفسر بل وثقه اليسني) كلهم ضعفاء , لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق فضيل بن مرزوق ، فهو صحيح عنده .
وذكر رزين ، ورواه أحمد بن منيع في ( مسنده ) ثنا يزيد ، ثنا فضيل بن مرزوق ، فذكره بإسناده ومتنه وقال علاء الدين مفلطاي في ( الأعلام شرح سنن ابن ماجه ) ذكر أبو نعيم الفضل " وهو ابن دكين " في كتاب " الصلاة " عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري موقوفاً اهـ .
ولم ينفرد عطية عن الخدري ، بل تابعه أبو الصديق عنه في رواية عبد الحكم بن ذكوان . وهو ثقة عند ابن حبان ، وإن أعله أبو الفرج في ( علله ) .
وأخرج ابن السني في ( علم اليوم والليلة ) بسند فيه الوازع ،عن بلال ، وليس فيه عطيه ولا مرزوق ولا ابن الموفق " اللهم بحق السائلين عليك " تظهرانه لم ينفرد عطية ، ولا ابن مرزوق ،ولا ابن الموفق ,بالنظر إلى هذه الطرق على فرض ضعف الثلاثة .
مع أن يزيد بن هارون شيخ أحمد بن منيع شارك ابن الموفق في روايته ، عن ابن مرزوق وكذا الفضل بن دكين وابن فضيل وسليمان بن حبان وغيرهم .
وعطية جرح بالتشيع لكن حسن له الترمذي عدة أحاديث ، وعن ابن معين أنه صالح ، وعن ابن سعد : ثقة إن شاء الله ، وعن ابن عدي : له أحاديث صالحه .وبعد التصريح بالخدري لا يبقى إحتمال التدليس ، ولا سيما مع المتابعة وابن مرزوق ترجح توثيقه عند مسلم فروى عنه في " صحيحه " .
على أن الحديث مروي بطريق بلال ، رضي الله عنه فلا تنزل درجة الحديث مهما نزلت عن درجة الاحتجاج به ، بل يدور أمره بين الصحة والحسن لكثرة المتابعات الشواهد كما أشرنا إليها .
وقول من يقول : إن الجرح مقدم على التعديل على ضعفه فيما إذا تعارضا بتكافئهما في الميزان ، دون إثبات ذلك مفاوز فلا يتمكن المبتدعة من اتخاذ ذلك تكأة لرد الأحاديث الثابتة برجال وثقهم أهل الشأن بترجح ذلك عندهم .
وقد حسّن هذا الحديث الحفاظ : العراقي في " تخريج أحاديث الإحياء " وابن حجر في " أمالي " الأذكار " , والدمياطي في المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح (ص471_472) ، والحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ الحافظ المنذري كما في الترغيب والترهيب (3/273) , والحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1/291) , وقال الحافظ البوصيري في مصباح الزجاجة (1/99) : لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه، من طريق فضيل بن مرزوق، فهو صحيح عنده . اهـ .
فهؤلاء خمسة من الحفاظ ، رحمهم الله تعالى ، صححوا أو حسنوا الحديث وقولهم حقيق بالقبول .
وفي الحديث التوسل بعامة المسلمين وخاصتهم، وإدخال الباء في أحد مفعولي السؤال إنما هو في السؤال الإستعلامي كقوله تعالى " فسئل به خبيراً " و " وسأل سائل بعذاب واقع " وأما السؤال الإستعطائي فلا تدخل الباء فيه أصلاً إلا على المتوسل به , فدونك الأدعية المأثورة فتصوّر إدخالها هنا في المفعول الثاني إخراج للكلام عن سننه بهوى ، وصيحة باطل تمجها الأسماع .
وليس معنى الحق الإجابة ، بل ما يستحقه السائلون المتضرعون فضلاً من الله سبحانه , فيكون عد " بحق السائلين " سؤالاً لهذا الداعي هذياناً محضاً ، ولا سيما عند ملاحظة ما عطف عليه في الحديث ، وأما زعم أنه ليس في سياق الحديث ما يصلح أن يكون سؤالاً غير ذلك , فمما يثير الضحك الشديد والهزء المديد ، فأين ذهب من هذا الزاعم "أن تعيذني من النار" وكم يكرر الفعل للتوكيد : فالسؤال في الفعل الأخر هو السؤال في الفعلين المتقدمين ، بل لو لم تكن تلك الأفعال من باب التوكيد لدخلت في باب التنازع ، فيكون هذا القيد معتبراً في الجميع على كل تقدير , وأما من يحاول رد التوسل بتصور دخوله في الحلف بغير الله ، فإنما حاول الرد على المصطفى صلوات الله عليه , لأنه هو الذي علم صيغ التوسل ، وفيها التوسل بالأشخاص ، وأين التوسل من الحلف؟
ثامناً : التوسل بأصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-
قال أبو يعلى الموصلي في مسنده (4/132) :حدثنا عقبة ، حدثنا يونس ، حدثنا سليمان الأعمش ، عن أبي سفيان، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( ليأتين على الناس زمان يخرج الجيش من جيوشهم فيقال : هل فيكم أحد صحب محمداً فتستنصرون به فتنصروا ؟ ثم يقال : هل فيكم من صحب محمداً فيقال : لا . فمن صحب أصحابه ؟ فيقال لا . فيقال من رأى من صحب أصحابه ؟ فلو سمعوا به من وراء البحر لأتوه )) .إسناده صحيح .
ورواه أبو يعلى في مسنده ( 4 / 200) بلفظ مقارب :حدثنا ابن نمير ، حدثنا محاضر ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يبعث بعثٌ فيقال لهم : هل فيكم أحد صحب محمداً ؟ فيقال : نعم. فيلتمس فيوجد الرجل فيستفتح فيفتح عليهم . ثم يبعث بعث فيقال: هل فيكم من رأى أصحاب محمد ؟ قيلتمس فلا يوجد حتى لو كان من وراء البحر لأتيتموه . ثم يبقى قوم يقرؤن القرآن لا يدرون ما هو " .قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/18) :رواه أبو يعلى من طريقين ورجالهما رجال الصحيح . اهـ .
تاسعاً : التوسل بصعاليك المهاجرين
قال الطبراني في معجمه الكبير (1/292) :حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه ، ثنا أبي ، ثنا عيسى بن يونس ، حدثني أبي عن أبيه ،عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين ) ثم قال : وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا يحيى بن سعيد عن أبي إسحاق عن أمية بن خالد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين ) .
ثم رواه من طريق قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن المهلب بن أبي صفرة ، عن أمية بن خالد مرفوعاً نحوه .قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (10/262) : رواه الطبراني ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح . (2)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق