إعلام النبيل بجواز التقبيل
إعلام النبيل بجواز التقبيل
لأبي الفضل عبد الله محمد الصديق الغماري
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين . والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين . سيدنا محمد وآله الأكرمين . ورضي الله عن الصحابة والتابعين . وبعد : فقد كنت طبعت جزء " إعلام النبيل ، بجواز التقبيل " سنة 1351 هجرية ، وبالرغم من نفاذه منذ مدة ، لم أهتم بإعادة طبعه ، حتى كان من نحو سنة كثر الطلب عليه من جهات متعددة ، بمصر والشام ونيجيريا وغيرها ، فاعتزمت طبعه ثانية بزيادات لم تكن في الطبعة الأولى ، والله المسئول أن ينفع به في هذه المرة كما نفع به في المرة السابقة ، إنه جواد كريم .
عبد الله محمد الصديق الغماري خادم الحديث الشريف
الأبواب
في ذكرما ورد من تقبيل النبي صلى الله عليه و على آله و سلم لغيره .
في ذكر ما مورد من تقبيل الصحابة وغيرهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
في ذكر ما ورد من التقبيل عن الصحابة رضي الله عنهموغيرهم .
خاتمه وتشمل مسائل
الحمد لله وكفى : والصلاة والسلام على نبينا المصطفى . وعلى آله ومن به اقتفى . هذا جزء سميته " إعلام النبيل بجواز التقبيل " جعلته جواباً لمن سألني عن تقبيل اليد وغيرها كالرأس ، أله أصل في السنة المطهرة ؟ أم هو من البدع المبتكرة المنكرة ؟ والله أساءل أن يوفقني فيه للصواب . إنه الكريم الوهاب .
باب في ذكرما ورد من تقبيل النبي صلى الله عليه و على آله و سلم لغيره .
روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي ومستدركالحاكم من طريق إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة عليها السلام برسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم وكان إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه ؛ وكانت هي إذا دخل عليها قامت إليه مستقبلة وقبلت يده ،
قال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه ، وقال الذهبي : حديث صحيح .
وأخرج ابن الأعرابي من طريق حسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم كان إذا قدم من مغازيه قبل فاطمة عليها السلام ، وروينا في صحيحي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال :قبل رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم الحسن بن علي عليهما السلام ، وعنده الأقرع بن حابس ، فقال : إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت أحداً منهم ، فنظرإليه رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم . ثم قال : " من لا يرحم لا يرحم " .
وروى أبو يعلي عن عائشة رضي الله عنها قال : رايت النبي صلى الله عليه و على آله و سلم التزم عليه السلام وقبله . ويقول . " بأبي الوحيد الشهيد بأبي الوحيد الشهيد "
وروينا في مصنف ابن أبي شيبة وسنن أبي داود وجزء القبل لابن الأعرابي من طريق علي بن مسهر عن الألجح عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقبل ما بين عينيه ، وأخرجه الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح كما قال الحافظ الهيثمي إلا أنه مرسل .
وقد وصله البغوي في معجم الصحابة وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب من حديث عائشة .
لكن في سنده محمد بن عبد الله ابن عبيد ابن عمير وهو ضعيف كما قال الحافظ .
ورواه الدار قطني في السنن عن عائشة . وبين في العلل أنه ورد عنها من طريقين ضعيفين ووصله البيهقي في الشعب من طريق خالد بن سعيد عن الشعبي عن الله بن جعفر به نحوه ورواه البزار في مسنده من طريق عبد الرحمن بن أبي مليكة عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه به ، ورواه الحاكم من طريق الأجلح عن الشعبي عن جابر به . ووصله الطبراني أيضاً في معجمه الصغير من حديث أبي جحيفة فقال : حدثنا أحمد بن خالد بن مسرح – بضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه مشدداً – الحراني بحران ثنا عمي الوليد بن عبد الملك ابن مسرح ثنا مخلد بن يزيد عن مسعر بن كدام عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : قدم جعفر بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم من الحبشة ، فقبل رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم ما بينعينيه ، وقال " ما أدري أنا بقدوم جعفر أسر ؟ أم بفتح خيبر ؟ " ضعيف لضعف شيخ الطبراني ، وأخرجه في المعجم الكبيرمن طريق أخر عن أبي جحيفة ، قال الحافظ الهيثمي : فيه أنس بن سلم لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات . قلت : فيكون مرسل الشعبي بإنضمام هذه الأحاديث الضعيفة إليه صحيحاً محتجابة ، حسبما تقرر في علمي أصول الفقه ومصطلح الحديث .
ورواه الحاكم عن ابن عمر قال ، وجه رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة . فلما قدم منها اعتنقه النبي صلى الله عليه و على آله و سلم وقبل بين عينيه ، وذكر بقية الحديث في تعليمه صلاة التسابيح "
ثم قال الحاكم : إسناده صحيح لا غبار عليه ، ووافقه الذهبي ، وهذا مما يرد على من زعم وضع حديث صلاة التسابيح أو ضعفه
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال حدثني أمي ام الفضل : أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم رأى العياس مقبلاً فقام إليه وقبل ما بين عينيه ، وأقعده عن يمينه . ثم قال : " هذا عمي فمن شاء فليباه بعمه " الحديث قال الحافظ الهيثمي : إسناده حسن .
وأخرج الترمذي من طريق محمد بن اسحق عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : قدم زيد ابن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم عرياناً يجرثو به ، والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده فاعتنقه وقبله . قال الترمذي حديث حسن .
ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة عن عائشة قالت بلغ النبي صلى الله عليه و على آله و سلم أن امرأة من بني فزارة يقال لها أم قرفة جهزت ثلاثين راكباً من ولدها وولد ولدها وقالت : اذهبوا إلى المدينة فاقتلوا محمداً ، فقال : " اللهم اثكلها بولدها " وبعث إليهم زيد ابن حارثة في بعث ، فالتقوا ، فقتل زيد بن فزارة ، وقتل أم قرفة وولدها فأقبل زيد حتى قدم المدينة ، الحديث
وروى الطبراني بإسناد جيد كما قال الدميري في حياة الحيوان عن أبي هريرةرضي الله عنه قال سمعت أذناي هاتان وأبصرت عيناي هاتان رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم وهو آخذ بكفيه جميعاً حسناً أو حسيناً وقدماه على قدمي رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم وهو يقول " حزقة حزقة ، ترق عين بقة " فيرقي الغلام فيضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم ، ثم قال صلى الله عليه و على آله و سلم " افتح فاك " ثم قبله ، ثم قال " اللهم من أحبه فإني أحبه " أي فأني أحب من أحبه ، وهذه بشارة عظيمة لمحب الحسن والحسين عليهما السلام ، بأن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم يحبه .
وروينا في مسند أحمد من طريق عبد الله بن الحارث قال : كان النبي صلى الله عليه و على آله و سلم يصف عبد الله بن عباس وأخويه عبيد الله وكثيراً و يقول " من سبق إلي فله كذا " فيستبقون إليه ، فيقعون على ظهره وصدره ، فيلتزمهم ويقبلهم .
قال الحافظ الهيثمي إسناده حسن وأخرج قاسم بن أصبغ عن أبي الهيثم أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم لقيه فاعتنقه وقبله ، قال الحافظ سنده ضعيف ، وأخرج الخطيب في المتفق بإسناد واه .
وأبو موسى في الذيل بإسناد مجهول كما قال الحافظ من طريق الحسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم لما رجع من تبوك استقبله سعد بن معاذ الأنصاري فقال : " ما هذا الذي أرى بيدك " ؟ قال : من أثر المر والمسحاة أضرب وأنفق على عيالي فقبل النبي صلى الله عليه و على آله و سلم يده وقال " هذه يد لا تمسها النار " .قلت : سعد بن معاذ هذا صحابي آخر غير ذاك المشهور ، نبه عليه الحافظ في الإصابة .
والمر بفتح الميم وشد الراء – مقبض المسحاة .
ورواه الحافظ حمزة بن يوسف السهمي في تاريخ جرجان قال : حدثنا أبو الفتح يوسف بن عمر بن مسرور ببغداد وأبو العباس بن بطانة بالبصرة قالا : ثنا محمد بن مخلد ، قال أبو الفتح قرئ علي محمد بن مخلد العطار وأنا أسمع في كتاب المعجم حدثكم أبو سعيد محمد بن إسحق بن إسماعيل بن الصلت المسمار البلخي ثنا محمد بن تميم يعمي الفريابي ثنا عبد الله بن عيسى الجرجاني حدثنا عبد الله بن المبارك عن مسعر بن كدام عن ابن عون عن أنس بن مالك قال أقبل النبي صلى الله عليه و على آله و سلم من غزوة تبوك فاستقبله سعد بن معاذ فصافحه النبي صلى الله عليه و على آله و سلم ثم قال " يا سعد ما هذا الذي أرى بيك ؟ " فقال ، يا رسول الله اضرب بالمر والمسحاة فانفقه على عيالي ، قال :فقبل يده وقال " لا تمسها النار أبداً "
ثم رواه من طريق أبي بكر محمد ابن سعيد بن حم البخاري ثنا أحمد بن أحيد بن حمدان ثنا أبو عمر وقيس بن أنيف ثنا محمد بن تميم الفريابي ثنا عبد الله بن عيسى الحراني حدثنا عبد الله ابن المبارك عن مسعر عن عون عن الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم بذلك .
وروى الخطيب وأبو نعيم والدليمي وابن عساكر من طريقين عن البخاري قال : ثنا عمرو بن محمد بن جعفر ثنا أ[و عبيدة معمر بن المثني ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كنت قاعدة أغزل والنبي صلى الله عليه و على آله و سلم يخصف نعله فجعل جبينه يعرق وجعل عرقه يتولد نوراً فبهت ، فقال : " مالك بهت ؟ " قلت : جعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نوراً ، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره حيث يقول :
ومبرأ من كل حيضـة * وفساد مرضعة وداء مغيل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه * برقت بروق العارض المتهلل
فوضع رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم ما كان في يده وقام إلي فقبل ما بين عيني وقال " جزاك الله يا عائشة خيراً ، فما أذكر أني سررت كسروري بكلامك "
قال أبو علي صالح بن محمد البغدادي : لا أعلم أن أبا عبيدة حدث عن هشام بن عروة شيئاً ،
قال : لكن الحديث حسن عندي حين صار مخرجه محمد بن إسماعيل البخاري اهـ
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن الأعرابي في جزء القبل عن عائشة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم قبل عثمان بن مظعون حتى رأيت الدموع تسيل على خده ،
قال الترمذي : حديث حسن صحيح ،
وأخرجه الطبراني من طريق عائشة بنت مظعون أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم قبل عثمان بن مظعون على خده بعد ما مات ،
قال الحافظ الهيثمي . في إسناده عبد الرحمن بن عفان الحاطبي وهو ضعيف .
" تنبيه " قال ابن علان في شرح الأذكار : في صحيح البخاري أنه لما توفي عثمان بن مظعون جاء صلى الله عليه و على آله و سلم وكشف عن وجهه وقبله وبكى أهله قلت : راجعت المواضع التي فيها هذا الحديث من الصحيح ، وهي :
" باب" الدخول على الميت من كتاب الجنائز ،
" باب" القرعة من كتاب الشهادات ،
" باب " هجرة النبي صلى الله عليه و على آله و سلم ، وأصحابه إلى المدينة من كتاب الهجرة
" بابا" رؤية النساء والعين الجارية من كتاب التعبير
فلم اجد في شيء منها ذكراً للتقبيل ولا للبكاء ، فهو غير موجود في ابخاري جزماً ، وقد صرح الحاكم في المستدرك بأن الشيخين لم يخرجاه والله أعلم .
باب في ذكر ما ورد من تقبيل الصحابة وغيرهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
تقدم حديث عائشة أن فاطمة عليها السلام كانت إذا دخل عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قامت إليه وقبلت يده .
وأخرج الحافظ أبو بكر ابن المقري في جزء تقبيل اليد عن جابر أن عمر رضي الله عنه قبل يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأخرج ابن جريرو ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ) الآية ، قال : غضب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً من الأيام فقام خطيباً فقال " سلوني فانكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به " فقام إليه رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد الله ابن حذافة – وكان يطعن فيه – فقال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : " أبوك فلان " فدعاه لأبيه ، فقام إليه عمر فقبل رجله ، وقال : يا رسول الله رضينا بالله رباً وبك نبياً وبالقرآن اماماً ، فاعف عنا عفا الله عنك ، فلم ينزل به حتى رضي فيومئذ قال الولد للفراش وللعاهر الحجر " وأنزل عليه ( قد سألهم قوم من قبلكم )
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن الأعرابي في جزء القبل كلهم من طريق يزيد بن أبي زياد أن عبد الرحمن بن أبي ليلي حدثه أن ابن عمر حدثه قال : كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الرزحف وبؤنا بالغضب ؟ ثم قلنا لو دخلنا المدينة ثم بتنا ، ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فان كانت لنا توبة والا ذهبنا ، فأتيناه قبل صلاة الغداة ، فخرج فقال " من القوم " ؟ فقلنا : نحن الفرارون فقال " بل أنتم العاكرون أنا فئتكم وانا فئة المسلمين " قال : فأتيناه حتى قبلنا يده .
قال الترمذي : حديث حسن ، ورواه سعيد بن منصور وابن سعدو ابن أبي شيبة وعبد بن حمي وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردوية والبيهقي في الشعب عن ابن عمر به أيضاً .
وأخرج أحمد ولبخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن الأعرابي في جزء القبل والبغوي في معجم الصحابة من طريق مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال : حدثتني جدتي أم أبان بنت الوازع بن زارع عنجدها زارع – وكان في وفد عبد القيس – قال : لما قدمنا المدينة جعلنا نتبادؤ من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورجليه حسنه الحافظ ابن عبد البر وجودهالحافظ .
وأخرجه أبو يعلى والطبراني والبيهقي من حديث مزيدة بن مالك العصري باسنادجيد كما قال الزرقاني في شرح المواهب .
وأخرج أبو بكر ابن المقري في جزء تقبيل اليد من حديث أسامة بن شريك قال : قمنا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبلنا يده كذاعزاه الحافظ مختصراً وقال سنده قوي .
قلت . وأخرجه ابن الأعرابي بلفظ آخر فقال في جزء القبل .
حدثنا أبو سعيد الحارثي أملاه ثنا سعيد بن عامر ثنا شعبة ثنا زياد ابن علاقة عن أسامة بن شريك قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعنده أصحابه على رؤسهم الطير فجاء الأعراب فسألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ثم قام وقامالناس ، فجعلوا يقبلون يده ، فأخنتها فوضعتها على وجهي فإذا هي أطيب من ريح المسك وأبرد من الثلج .
وروى أحمد من طريق أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن عثمان عن خزيمة بن ثابت أنه رأى في منامه يقبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبره بذلك ونام له صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبل جبهته .
عمارة ، قال الحافظ الهيثمي : لم يرو عنه غير أبي جعفر الخطمي ، وقال تلميذه الحافظ : معروف النسب ، لكن لم أرى فيه توثيقاً .
وأبو جعفر أخرج له الأربعة ، ووثقه ابن معين والنسائي والطبراني وصحح له الحاكم حديث توسل الضرير على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي .
وبقية رجال الإسناد ورجال الصحيح كما قال الحافظ الهيثمي .
وأخرج الحافظ أبوبكر بن المقري في جزء تقبيل اليد ، والبيهقي في الدلائل عن أبي لبابة أنه قبل يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نزلت توبته .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن كعب بن مالك قال : لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبلت يده وركبتيه . رواه الحافظ أبو بكر ابن المقري في جزء تقبيل اليد وزاد أن صاحبيه مرارة بن الربيع وهلال بن أمية فعلا ذلك .
وإسناد ضعيف كما قال الحافظ العراقي في المغني .
وأخرج ابن الأعرابي في جزء القبل قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا شاذ بن فياض ثنا رافع بن سلمة قال سمعت أبي يحدث عن سالم – يعني ابن أبي الجعد الأشجعي – قال : عن رجل من أشجع يقال له زاهر بن حرام – بالراء وقيل بالراى – الأشجعي قال : كان رجلاً بدوياً ، وكان لا يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السوق يبيع سلعة ولم يكن أتاه فاحتضنه من ورائه بكفيه ، فالتفت فأحس برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبل كفيه ، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من يشتري العبد ؟ " قال : إذن تجدني كاسداً ، قال : "ولكنك عند الله ربيح " .
وقال ابن الأعرابي أيضاً : حدثنا إسحق بن إبراهيم الدبري قال : قرأنا علي عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الحسن عن سوادة بن عمرو – وكان يصيب من الخلوق فنهاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ثم لقيه ذات يوم مختضباً به . وفي يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جريدة فطعنه في بطنه وقال " ألم أنهك عن هذا ؟ " فقال : أقدني يا رسول الله ، فكشف عن بطنه ،فطفق يقبل بطن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ورواه البغوي في معجم الصحابة من طريق عمرو بن سليط عن الحسن عن سوادة به .
وأخرج أبو داود من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلي عن أسيد بن حضير رجل من الأنصار قال : بينما هو يحدث القوم – وكان فيه مزاح – بينما يضحكهم . فطعنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خاصرته بعود ، فقال : أصبرني قال " اصطبر " قال : إن عليك قميصاً ، وليس على قميص ، فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن قميصه ، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ، قال : إنما أردت هذا يا رسول الله . إسناده على شرط الشيخين .
وأخرج ابن إسحق عن حبان بن واسع عن أشيخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عدل الصفوف في يوم بدر ، وفي يده قدح ، فمر بسواد من غزية فطعن في بطنه ، فقال أوجعتني فأقدني فكشف عن بطنه فاعتنقه وقبل بطنه فدعا له بخير ، ورواه عبد الرازق عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتخطى بعرجون فأصاب به سواد بن غزية ، الحديث .
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عمر أن امرأة شكت زوجها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال لها " أتبغضينه ؟ " قالت نعم ، قال " أدنيا رؤسكما " فوضع جبهتها على جبهة زوجها ، ثم قال " اللهم ألف بينهما وجب أحدهما إلى صاحبه " ثم لقيته المرأة بعد ذلك فقبلت رجليه ، فقال " كيف أنت وزوجك ؟ " قالت : ما طارف ولا تالد ولا ولد بأحب إلي منه ، فقال " أشهد أني رسول الله " قال عمر : وأنا أشهد أنك رسول الله .
وروى أبو يعلي وأبو نعيم عن جابر بن عبد الله نحوه ، وفي مغازي الواقدي وغيرها في قصة فتح مكة وإهدار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دم نفر ، وأمره بقتلهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة ، منهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح ،فلم يرع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا عثمان آخذا بيد ابن أبي سرح واقفين بين يديه ، فأقبل عثمان على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال : يا رسول الله إنه أمه كانت تحملني وتمشيه وترضعني وتفطمه ، وكانت تلطفني وتتركه ، فهبه لي ، فأعرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وجعل عثمان كلما أعرض عنه رسول الله بوجهه استقبله فيعيد إليه هذا الكلام ، وإنما أعرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه ، لأنه لم يؤمنه ، فلما رأى أن لا يقوم أحد وعثمان قد أكب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقبل رأسه وهو يقول يا رسول الله بايعه فداك أبي وأمي فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم " نعم" ولتنظر بقية الحديث في كتب المغازي والسير . وفي كتاب " الصارم السلول على شاتم الرسول " لأبي العباس ابن تيمية ، وهو من أجود مؤلفاته وأنفعها.
وأخرج ابن الأعرابي والبزار واللفظ له من طريق صالح بن حيان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال أرني آية ، قال " اذهب إلى تلك الشجرة فادعها " فذهب إليها فقال إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعوك " فمالت عن كل جانب منها حتى قلعت عروقها ، ثم أقبلت حتى جاءت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأمرها أن ترجع ، فقام الرجل فقبل رأسه ويديه ورجليه وأسلم ، ولفظ ابن الأعرابي : فقال الرجل ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك فأذن له ، فقبل رأسه ورجليه ، ثم قال : ائذن لي أن أسجد لك ، قال " لا يسجد أحد لأحد " .
صالح بن حيان قال الحافظ الهيثمي ضعيف ، قلت : وبه تعقب الذهبي تصحيح الحاكم للحديث ، وإن كان الحافظ العراقي حكي في المغني تصحيحه ولم يتعقبه.
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن صفوان بن عسال قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي ، قال له صاحبه لا تقل نبي ، إنه لو سمعك كان له أربعة أعين .فأتيا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات ، فذكر الحديث ، وقال في آخره : فقبلا يديه ورجليه .
قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وصححه الحاكم أيضاً .
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن كعب قال كان اسلام أبي بكر الصديق بوحي من السماء وذلك أنه كان تاجراً بالشام فرأي رؤيا فقصها على بحيراء الراهب فقال له من أين أنت ؟ قال من مكة ، قال : من أيها ، قال : من قريش ، قال : فإيش أنت ؟ قال : تاجر ، قال : صدق الله رؤياك ، فانه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته بعد موته ، فأسرها أبو بكر حتى بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءه فقال : يا محمد ، ما الدليل على ما تدعي ؟ قال " الرؤيا التي رأيت بالشام " فعانقه وقبل بين عينيه وقال : أشهد أنك رسول الله .
وأخرج أبو داود بإسناد صحيح / والطبراني باسناد رجاله رجال الصحيح كما قال الحافظ الهيثمي ، عن عائشة – في قصة الافك – قالت . ثم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أبشري يا عائشة فإن الله قد أنزل عذرك " وقرأ عليها القرآن ، فقال أبوها : قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقلت : أحمد الله لا اياكما .
وأخرج أحمد والبخاري والنسائي عن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه دخل فبصر برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مسجى ببرده فكشف عن وجهه وأكب عليه فقبله وأخرج البخاري والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس وعائشة أن أبا بكر رضي الله عنه قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد موته " تنبيه" ذكر الشيخ زروق في شرح الرسالة حديث أبي سعيد الخدري أن أباه استشهد في أحد ، فخرج من الناس يلقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين الدفع إلى المدينة قال : قبلت يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال ، " سعد ؟ " قلت : نعم ، قال " أجرك الله في أبيك " ثم قال صحيح ، قلت : لم أقف على إسناد هذا الحديث بهذا السياق والله أعلم .
" فصل " أخرج أبو يعلى وأبونعيم وابن عساكر عن شداد بن أوس أن رجلاً من بني عامر سأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ما حقيقة أمرك ؟ فقال : " بدو شأني أني دعوة إبراهيم وبشري أخي عيشى ، وأني كنت بكر أمي " وذكر الحديث في ولادته ، ونشأته ، واسترضاعه في بني ليث بن بكر ، وشق صدره ، وقال فيه " ثم قال الثالث لصاحبه تنح ، فأمر يده بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني انهاضاً لطيفاً ثم قال للأول : زنه بعشرة من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم ، فقال دعوه فلو وزنتوه بأمته كلها لرجحهم ، ثم ضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني ثم قالوا يا حبيب الله لم ترك ، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك " .
وأخرج البيهقي وابن عساكر من طريق محمد بن زكريا الغلابي عن يعقوب بن جعفر بن سليمان عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده العباس بن عبد المطلب قال كانت حليمة تخبر أنها لما فطمت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تكلم فقال " الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا " وذكرت قصة شق صدره وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لمرضعته ومن معها بعد أن حكى لهم قصة شق صدره الشريف " وقام الثالث فقال : تنحيا ، فقد أنجزتما ما أمركما الله به فيه ثم دنا مني فأمر يده من مفرق صدري إلى منهى عانتي ، وقال زنوه من امته بعشرة فوزنزني فرجحتهم ، ثم قال : دعوه ، فلو وزنتموه بأمته كلها لرجح بهم ، ثم أخذ بيدي فأنهضني إنهاضاً لطيفاً ، فأكبو علي وقبلوا رأسي وما بين عيني وقالوا يا حبيب الله لن تراع ، ولو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك " في هذين الحديثين من الفقه – مضموماً إلى ما فيهما من دلالة على مشروعية التقبيل – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرجح أمته عقلاً ، وأشدها ذكاء ، وأقواها فطنة ، وأنه لا يوجد في الصحابة – فضلاً عن غيرهم – من يوازيه في فهم شيء من من أمور الدين ومسائل التشريع ، وكشف أسرار القرآن . ذلك أن الملائكة الذين شقوا صدره الشريف ، وزنوه بألف من أمته فرجع بهم ، وأخبروا أنهم لو وزنوه بأمته لرجح بهم ومعلوم بالضرورة العقلة أن الملائكة لم يقصدوا بالوزن معرفة ثقل الأجسام وخفتها ، وإنما قصدوا الموازنة بينه وبين أمته عليه السلام في المعاني الإنسانية السامية من رجاحة العقل ، وشفوف النظر ورحابة الصدر ، ونحو ذلم مما أهله لتحمل أعباء أعظم رسالة ظهرت على وجه الأرض ، يؤيد هذا ما أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن وهب بن منبه قال : قرأت أحد وسبعين كتاباً فوجدت في جميعها أن الله لم يعط جميع الناس من بدء انقضائها من العقل في جنب عقل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا كحبة رمل من بين جميع رمال الدنيا ، وأن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرجح الناس عقلاً وأرجحهم رأياً . فمن الضلال البين ما زعمه بعض المبتدعة في كتيب له أن عمر رضي الله عنه وغيره اجتهدوا في فهم الآيات وأنهم كانوا أصوب من فهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، هكذا زعم ذاك المبتدع قاتله الله .
باب في ذكر ما ورد من التقبيل عن الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم .
روينا في جزء القبل لابن الأعرابي قال : أخبرنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهاب أنا إسماعيل ابن مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال : لما قتل أبي يوم أحد أتيته وهو مسجى فجعلت أكشف عن وجهه أقبله ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يراني ولم ينهني .
وأخرج ابن الأعرابي أيضاً قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا سليك ثنا وكيع عن مالك بن مغول عن أبي حصين عن مجاهد قال : لما نزل عذرها – يعني عائشة – قام إليها أبو بكر رضي الله عنهما فقبل رأسها . وهذا مرسل .
وأخرج البخاري وأبو داود من طريق إبراهيم ابن يوسف عن أبيه اسحق عن البراء بن عازب قال : دخلت مع أبي بكر رضي الله عنه أول ما قدم المدينة فإذا عائشة ابنته مضطجعة ، قد أصابتها حمى ، فأتاها أبو بكر فقال لها : كيف أنت يا بنية ؟ وقبل خدها .
وأخرج سفيان في الجامع عن مسعر عن زياد بن الفياض عن تميم بن سلمة قال : لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فصافحه وقبل يده ، فكان تميم يرى أن تقبيل اليد سنة ، وكذا أخرجه ابن الأعرابي وابن المقري كلاهما في جزء القبل وعبد الرازق في المصنف والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي وابن عساكر ، وإسناده على شرط مسلم إلا أنه منقطع ، فإن تميماً لم يدرك القصة ، لكن له طريق آخر قال عبد الرازق في المصنف أخبرنا معمر حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال فذكره ، وهذا إسناد على شرط الشيخين .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد قال حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ثنا سفيان بن حبيب ثنا شعبة ثنا عمرو عن ذكوان عن صهيب رضي الله عنه قال : رأيت عليا عليه السلام يقبل يد العباس ورجليه إسناده صحيح.
وروى عبد الرزاق وأمد وأبو يعلى والطبراني وابن منده بإسناد صحيح عن أنس – في حديث طويل أن العباس رضي الله عنه قبل عبداً له بين عينيه ، وانظر تتمةالحديث في ص 128 ج 3 من المسند طبعة أولى.
وأخرج الحاكم من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة أنه لقي الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل بطنك فاكشف الموضع الذي قبله حتى أقبله فكشف له الحسن فقبله ، صححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وأخرجه ابن عساكر عن عما بن أبي عمار أن زيد بن ثابت قربت له دابة ليركبها ، فأخذ ابن عباس بركابه فقال زيد تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال : هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا وعلمائنا ، فقال زيد : أرني يدك ، فأخرج يده فقبلها فقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا . وراه الدينوري في المجالسة من طرق ابن المبارك عن داود ابن أبي هند عن الشعبي قال : ركب زيد بن ثابت دابة الخ ، وهذا إسناد على شرط مسلم .
وأخرج ابن الأعرابي قال حدثنا عباس الدوري ثنا شبابة ثنا هشام بن الغز ثنا حيان أبو النضر قال : قال لي واثلة بن الأسقع وهو صحابي – قدني إلى يزيد بن الأسود فإنه بلغني أنه ألم به ، فقدته فلما دخل عليه قلت : إنه ثقيل ، قد وجه وذهب عقله ، فقال : نادوه ، فقلت : هذا أخوك واثلة ، فلما سمع أن واثلة جاءه جعل يلتمس بيده ، فعرفت ما يريد ، فأخذت كف واثلة فجعلتها في يده، فجعل يقبل كفه ، ويضعها مرة على فؤاده ، ومرة على وجهه ، وعلى فيه .
وأخرج ابن ابي حيثمة في التاريخ عن ابن عمر أنه كان يقبل ابنه سالماً ويقول : أعجبوا من شيخ يقبل شيخاً ، وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد من طريق ابن عيينه عن ابن جدعان قال : قال ثابت لأنس : أمسست بيدك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ : قال : نعم ، فقبلها ، وأخرج أبو يعلى عن ثابت قال : كنت إذا أتيت أنساً يخبر بمكاني ، فأدخل عليه فآخذ بيديه فأقبلهما فأقول بأبي هاتين اليدين اللتين مستا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقبل عينيه وأقول بأبي هاتينالعينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الحافظ الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أبي بكر المقدمي وهو ثقة ، قلت : فهو إسناد صحيح .
وأخرج أبو يعلى عن جميلة أم ولد انس بن مالك قالت : كان أنس إذا أتاه ثابت يقول : يا جارية هاتي لي طيباً أمسح يدي فإن ابن أم ثابت لا يرضي حتى يقبل يدي.
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب المفرد وابن الأعرابي من طريق عطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن رزين قال : مررنا بالربذة فقيل لنا ههنا سلمة بن الأكوع قأتيناه فسلمنا عليه ، فأخرج يديه فقال بايعت بهاتين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فأخرج كفاله ضخمة كأنها كف بعير ، فقمنا إليها فقبلنهاها .
وأخرج أبو بكر ابن المقري في جزء تقبيل اليد من طريق أبى مالك الأشجعي قال : قلت لابن أبي أو في : ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فناولنيها فقبلتها .
وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا المعتمر عن اياس بن دغفل قال : رأيت أبا نضرة قبل خد الحسن بن علي عليهما السلام ، قال النووي . اسناد صحيح مليح ، قلت أراد بملاحته علوه.
وقال ابن الأعرابي ، ثنا محمد بن إسماعيل – يعني الصائغ – ثنا الحسن بن علي ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا عاصم بن بهداة قال ما قدمت على أبي وائل قط من سفر إلا قبل كفي . قلت : عاصم أحد أئمة القراء .
وأخرج ابن الأعرابي أيضاً من طريق سفيان عن مالك بن مغول عن طلحة – يعني ابن مصرف – قال قبل خيثمة يدي ، وقال مالك : قبل طلحة يدي .
وأخرج أيضاً من طريق ابن أبي الحواري ثنا وكيع عن مالك بن مغول عن طلحة قال : دخلتعلى خيثمة فقبل يدي وقبلت يده .
وأخرج أيضاً قال : ثنا محمد بن علي الصائغ ثنا الحسن قال قال لي حسين الجعفي : ربما فعله لي سفيان – يعني ابن عيينة – يعني يقبل يده وقال أيضاً : ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت أن أنسا دفع إلى أبي العالية تفاحة فجعلها في كفه وجعل يمسها ويقبلها ويمسها بوجهه ، ويقول : تفاحة مست كفا مست كف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . قلت : هذا إسناد على شرط مسلم .
قال النووي في الأذكار : وعن سهل بن عبد الله التستري السيد الجليل أحد أفراد زهاد الأمة وعبادها رضي الله عنه أنه كان يأتي أبا داود السجستاني – يعني صاحب السنن – ويقول : أخرج لسانك الذي تحدث بهحديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأقبله ، فيقبله .
"خاتمة" تشتمل على ثلاث مسائل
" الأولى " تقبيل اليد وغيرها كالرأس والخد والرجل يستحب في حالتين:
" إحداهما " إذا كان تعطيا واحتراما للشخص لأجل مصلحة دينية كعلم أو زهد أو صلاح أو نحو ذلك ،
" ثانيهما " إذا كان على واجه العطف والشفقة والملاطفة كتقبيل الإنسان لأولاده وأقاربه ونحو ذلك ، ويجوز في حالة ما إذا كان عند الوداع في سفر أو عند القدوم منه ، ويكره التقبيل في حالة ما إذا كان لأجل مصلحة دنيوية كتقبيل يد غني أو ذي جاه كحاكم ونحوه، وقال بعض العلماء يحرم التقبيل في هه الحالة بل نص المتولى في التتمة على أنه لا يستحب الخول على الأغنياء والسلاطين لمرض قلوبهم بالغفلة عن الله ، ويحرم التقبيل للأجنبية أولاً مرد لأنه يؤدي إلى الشهوة المحرمة بالإجماع ، فما يفعله الغربيون والمقلدون لهم من الشرقيين المستغربين في الحفلات من تقبيل يد النساء هو – مع حرمته – نوع من الإباحية البشعة ، أما تقبيل غير الأعضاء فقد تقدم أن أبا العالية قبل تفاحة تبركاً بمسها لكف أنس رضي الله عنه ، وأجاز أحمد تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأجاز ابن أبي الصيف والمحب الطبري تقبيل قبور الصالحين ، وكثير من العلماء قالوا بكراهة ذلك .
" الثانية " قال ابن أبي زيد في الرسالة وكره مالك تقبيل اليد وأنكرما روي فيه ، أهـ
قال شراح الرسالة إنما كرهه لما يدعو إليه من الكبر والنخوة ورؤية النفس ومساعدتها في حظها اهـ
زاد زروق : وإنكار مالك لما روي في تقبيل اليد إن كان من جهة الرواية فمالك حجة فيها لأنه إمام حديث اهـ
قلت : نعم ، كان الإمام مالك حجة في الحديث وشيخاً من شيوخ السنة ، ولكن إنكاره لما ورد في تقبيل اليد لايكون حجة في نفيه ، لثبوت تقبيل اليد وغيرها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن الصحابة من طرق كثيرة تبلغ حد التواتر ، ومالك معذور في إنكاره لأنه لم يصله ذلك بطريق صحيح ، كما فاتته أحاديث كثيرة لم تصله ووصلت غيره من أئمة الحديث ، بل أنكر الإمام مالك وجود أويس القرني ، مع أنه تابعي معروف ، والحديث في فضله ثابت في صحيح مسلم ، فهو يجوز أن نقلد مالكاً في إنكار أويس القرني ، مع أنه تابعي معروف ، والحديث في فضلة ثابت في صحيح مسلم ،فهل يجوز إن نقلد مالكاً في إنكار أويس القرني ؟ ونتغاضى عن الحقيقة والواقع ؟ كلا فكذلك لا يجوز أن ننكر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن الصحابة والتابعين من تقبيل اليد وغيرها . بالطرق الكثيرة البالغة حد التواتر ، لأننا مكلفون باتباع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
" الثالثة " قد يعارض من ينكر التقبل ما تقدم من الأحاديث
- بما رواه الترمذي وابن ماجة من طريق حنظلة بن عبيد الله عن أنس قال : قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه اينحني له ؟ قال " لا " قال أفيلتزمه ويقبله ؟ قال " لا " قال فيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال: " نعم "
- بما رواه الطبراني وأبو يعلى وابن عدي من طريق يوسف بن زياد عن عبد الرحمن ابن زياد الإفريقي عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة قال : دخلت يوماً في السوق مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجلس إلى البزار فاشترى سراويل بأربعة دراهم ، وكان لأهل السوق وزان ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " اتزن وأرجح " فقال الوزان : إن هذه الكلمة ما سمعتها من أحد ، قال أبو هريرة : فقلت له كفى بك من الوهن والجفاء ألا تعرف نيك فطرح الميزان ، ووثب إلى يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يريد أن يقبلها ، فجذب يده منه ، وقال " هذا إنما تفعله الاعاجم بملوكها ولست بملك إنما أنا رجل منكم " .
- بما رواه ابن عدي في الكامل والمحاملي في الأمالي وابن شاهين في الأفراد من طريق عمرو بن عبد الجبار السنجاري عن عمه عبيدة بن حسان عن قتادة عن أنس مرفوعاً " قبلة المؤمن أخاه المصافحة " .
فيجاب بوجوه:
" الأول " أن هذه الأحاديث لا تصلح للمعارضة لضعفها ، بل منها ما عد في الموضوعات .
- " أما الحديث الاول " فضعفه أحمد والبيهقي كما نقله الحافظ العراقي في المغني ، لأن في سنده حنظلة ، قال فيه أحمد وابن معين والنسائي : ضعيف الحديث ، زاد أحمد : يروى عن أنس أحاديث كثيرة مناكير ، وقال ابن حبان في الضعفاء : اختلط بأخرة حتى كان لا يدري ما يحدث به فاختلط حديثه القديم بحديثه الأخير ، تركه يحيى القطان
- " وأما الحديث الثاني " فأورده ابن الجوزي في الموضوعات ، ونقل عن الدارقطني أنه قال في الأفراد : الحمل فيه على يوسف بن زياد لأنه مشهور بالأباطيل ، ولم يروه عن الإفريقي غيره ، وعن ابن حبان أنه قال في الإفريقي يروي الموضوعات عن الأثبات ،
- " وأما الحديث الثالث " فقال عنه ابن عدي غير محفوظ ، وأعله بأن عمراً روى عن عمه مناكير ،
" الثاني " أن هذه الأحاديث على فرض صحتها – وهو بعيد – لا تصلح للمعارضة أيضاً ، لأن أحاديث التقبيل أكثر عدداً ، وأصح سنداً ،
" الثالث " تحمل هذه الأحاديث على ما إذا كان الباعث على التقبيل مصلحة دنيوية كغنى أو جاه أو رياسة مثلاً ، أو على ما قاله الإمام مالك فيما سبق بأن كان يدعو إلى الكبر والنخوة ورأوية النفس ومساعدتها في حظها . ولا شك أن التقبيل إذا أدى إلى هذه الأشياء أو كان الباعث عليه التقرب إلى غني أو ذي جاه فانه يكره بلا خلاف ، ولا يبعد تحريمه حينئذ كما صرح به بعض علماء الشافعية ، أما إذا خلا من ذلك كله فهو مستحب أو جائز على ما قدمنا تفصيله أول الخاتمة ، وبالله التوفيق .
هذا آخر الجزء والحمد الله على إكماله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله .
يوم الاثنين 15 ربيع النبوي سنة 1375 .
لأبي الفضل عبد الله محمد الصديق الغماري
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين . والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين . سيدنا محمد وآله الأكرمين . ورضي الله عن الصحابة والتابعين . وبعد : فقد كنت طبعت جزء " إعلام النبيل ، بجواز التقبيل " سنة 1351 هجرية ، وبالرغم من نفاذه منذ مدة ، لم أهتم بإعادة طبعه ، حتى كان من نحو سنة كثر الطلب عليه من جهات متعددة ، بمصر والشام ونيجيريا وغيرها ، فاعتزمت طبعه ثانية بزيادات لم تكن في الطبعة الأولى ، والله المسئول أن ينفع به في هذه المرة كما نفع به في المرة السابقة ، إنه جواد كريم .
عبد الله محمد الصديق الغماري خادم الحديث الشريف
الأبواب
في ذكرما ورد من تقبيل النبي صلى الله عليه و على آله و سلم لغيره .
في ذكر ما مورد من تقبيل الصحابة وغيرهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
في ذكر ما ورد من التقبيل عن الصحابة رضي الله عنهموغيرهم .
خاتمه وتشمل مسائل
الحمد لله وكفى : والصلاة والسلام على نبينا المصطفى . وعلى آله ومن به اقتفى . هذا جزء سميته " إعلام النبيل بجواز التقبيل " جعلته جواباً لمن سألني عن تقبيل اليد وغيرها كالرأس ، أله أصل في السنة المطهرة ؟ أم هو من البدع المبتكرة المنكرة ؟ والله أساءل أن يوفقني فيه للصواب . إنه الكريم الوهاب .
باب في ذكرما ورد من تقبيل النبي صلى الله عليه و على آله و سلم لغيره .
روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي ومستدركالحاكم من طريق إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة عليها السلام برسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم وكان إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه ؛ وكانت هي إذا دخل عليها قامت إليه مستقبلة وقبلت يده ،
قال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه ، وقال الذهبي : حديث صحيح .
وأخرج ابن الأعرابي من طريق حسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم كان إذا قدم من مغازيه قبل فاطمة عليها السلام ، وروينا في صحيحي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال :قبل رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم الحسن بن علي عليهما السلام ، وعنده الأقرع بن حابس ، فقال : إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت أحداً منهم ، فنظرإليه رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم . ثم قال : " من لا يرحم لا يرحم " .
وروى أبو يعلي عن عائشة رضي الله عنها قال : رايت النبي صلى الله عليه و على آله و سلم التزم عليه السلام وقبله . ويقول . " بأبي الوحيد الشهيد بأبي الوحيد الشهيد "
وروينا في مصنف ابن أبي شيبة وسنن أبي داود وجزء القبل لابن الأعرابي من طريق علي بن مسهر عن الألجح عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقبل ما بين عينيه ، وأخرجه الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح كما قال الحافظ الهيثمي إلا أنه مرسل .
وقد وصله البغوي في معجم الصحابة وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب من حديث عائشة .
لكن في سنده محمد بن عبد الله ابن عبيد ابن عمير وهو ضعيف كما قال الحافظ .
ورواه الدار قطني في السنن عن عائشة . وبين في العلل أنه ورد عنها من طريقين ضعيفين ووصله البيهقي في الشعب من طريق خالد بن سعيد عن الشعبي عن الله بن جعفر به نحوه ورواه البزار في مسنده من طريق عبد الرحمن بن أبي مليكة عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه به ، ورواه الحاكم من طريق الأجلح عن الشعبي عن جابر به . ووصله الطبراني أيضاً في معجمه الصغير من حديث أبي جحيفة فقال : حدثنا أحمد بن خالد بن مسرح – بضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه مشدداً – الحراني بحران ثنا عمي الوليد بن عبد الملك ابن مسرح ثنا مخلد بن يزيد عن مسعر بن كدام عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : قدم جعفر بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم من الحبشة ، فقبل رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم ما بينعينيه ، وقال " ما أدري أنا بقدوم جعفر أسر ؟ أم بفتح خيبر ؟ " ضعيف لضعف شيخ الطبراني ، وأخرجه في المعجم الكبيرمن طريق أخر عن أبي جحيفة ، قال الحافظ الهيثمي : فيه أنس بن سلم لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات . قلت : فيكون مرسل الشعبي بإنضمام هذه الأحاديث الضعيفة إليه صحيحاً محتجابة ، حسبما تقرر في علمي أصول الفقه ومصطلح الحديث .
ورواه الحاكم عن ابن عمر قال ، وجه رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة . فلما قدم منها اعتنقه النبي صلى الله عليه و على آله و سلم وقبل بين عينيه ، وذكر بقية الحديث في تعليمه صلاة التسابيح "
ثم قال الحاكم : إسناده صحيح لا غبار عليه ، ووافقه الذهبي ، وهذا مما يرد على من زعم وضع حديث صلاة التسابيح أو ضعفه
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال حدثني أمي ام الفضل : أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم رأى العياس مقبلاً فقام إليه وقبل ما بين عينيه ، وأقعده عن يمينه . ثم قال : " هذا عمي فمن شاء فليباه بعمه " الحديث قال الحافظ الهيثمي : إسناده حسن .
وأخرج الترمذي من طريق محمد بن اسحق عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : قدم زيد ابن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم عرياناً يجرثو به ، والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده فاعتنقه وقبله . قال الترمذي حديث حسن .
ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة عن عائشة قالت بلغ النبي صلى الله عليه و على آله و سلم أن امرأة من بني فزارة يقال لها أم قرفة جهزت ثلاثين راكباً من ولدها وولد ولدها وقالت : اذهبوا إلى المدينة فاقتلوا محمداً ، فقال : " اللهم اثكلها بولدها " وبعث إليهم زيد ابن حارثة في بعث ، فالتقوا ، فقتل زيد بن فزارة ، وقتل أم قرفة وولدها فأقبل زيد حتى قدم المدينة ، الحديث
وروى الطبراني بإسناد جيد كما قال الدميري في حياة الحيوان عن أبي هريرةرضي الله عنه قال سمعت أذناي هاتان وأبصرت عيناي هاتان رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم وهو آخذ بكفيه جميعاً حسناً أو حسيناً وقدماه على قدمي رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم وهو يقول " حزقة حزقة ، ترق عين بقة " فيرقي الغلام فيضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم ، ثم قال صلى الله عليه و على آله و سلم " افتح فاك " ثم قبله ، ثم قال " اللهم من أحبه فإني أحبه " أي فأني أحب من أحبه ، وهذه بشارة عظيمة لمحب الحسن والحسين عليهما السلام ، بأن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم يحبه .
وروينا في مسند أحمد من طريق عبد الله بن الحارث قال : كان النبي صلى الله عليه و على آله و سلم يصف عبد الله بن عباس وأخويه عبيد الله وكثيراً و يقول " من سبق إلي فله كذا " فيستبقون إليه ، فيقعون على ظهره وصدره ، فيلتزمهم ويقبلهم .
قال الحافظ الهيثمي إسناده حسن وأخرج قاسم بن أصبغ عن أبي الهيثم أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم لقيه فاعتنقه وقبله ، قال الحافظ سنده ضعيف ، وأخرج الخطيب في المتفق بإسناد واه .
وأبو موسى في الذيل بإسناد مجهول كما قال الحافظ من طريق الحسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم لما رجع من تبوك استقبله سعد بن معاذ الأنصاري فقال : " ما هذا الذي أرى بيدك " ؟ قال : من أثر المر والمسحاة أضرب وأنفق على عيالي فقبل النبي صلى الله عليه و على آله و سلم يده وقال " هذه يد لا تمسها النار " .قلت : سعد بن معاذ هذا صحابي آخر غير ذاك المشهور ، نبه عليه الحافظ في الإصابة .
والمر بفتح الميم وشد الراء – مقبض المسحاة .
ورواه الحافظ حمزة بن يوسف السهمي في تاريخ جرجان قال : حدثنا أبو الفتح يوسف بن عمر بن مسرور ببغداد وأبو العباس بن بطانة بالبصرة قالا : ثنا محمد بن مخلد ، قال أبو الفتح قرئ علي محمد بن مخلد العطار وأنا أسمع في كتاب المعجم حدثكم أبو سعيد محمد بن إسحق بن إسماعيل بن الصلت المسمار البلخي ثنا محمد بن تميم يعمي الفريابي ثنا عبد الله بن عيسى الجرجاني حدثنا عبد الله بن المبارك عن مسعر بن كدام عن ابن عون عن أنس بن مالك قال أقبل النبي صلى الله عليه و على آله و سلم من غزوة تبوك فاستقبله سعد بن معاذ فصافحه النبي صلى الله عليه و على آله و سلم ثم قال " يا سعد ما هذا الذي أرى بيك ؟ " فقال ، يا رسول الله اضرب بالمر والمسحاة فانفقه على عيالي ، قال :فقبل يده وقال " لا تمسها النار أبداً "
ثم رواه من طريق أبي بكر محمد ابن سعيد بن حم البخاري ثنا أحمد بن أحيد بن حمدان ثنا أبو عمر وقيس بن أنيف ثنا محمد بن تميم الفريابي ثنا عبد الله بن عيسى الحراني حدثنا عبد الله ابن المبارك عن مسعر عن عون عن الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم بذلك .
وروى الخطيب وأبو نعيم والدليمي وابن عساكر من طريقين عن البخاري قال : ثنا عمرو بن محمد بن جعفر ثنا أ[و عبيدة معمر بن المثني ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كنت قاعدة أغزل والنبي صلى الله عليه و على آله و سلم يخصف نعله فجعل جبينه يعرق وجعل عرقه يتولد نوراً فبهت ، فقال : " مالك بهت ؟ " قلت : جعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نوراً ، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره حيث يقول :
ومبرأ من كل حيضـة * وفساد مرضعة وداء مغيل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه * برقت بروق العارض المتهلل
فوضع رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم ما كان في يده وقام إلي فقبل ما بين عيني وقال " جزاك الله يا عائشة خيراً ، فما أذكر أني سررت كسروري بكلامك "
قال أبو علي صالح بن محمد البغدادي : لا أعلم أن أبا عبيدة حدث عن هشام بن عروة شيئاً ،
قال : لكن الحديث حسن عندي حين صار مخرجه محمد بن إسماعيل البخاري اهـ
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن الأعرابي في جزء القبل عن عائشة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم قبل عثمان بن مظعون حتى رأيت الدموع تسيل على خده ،
قال الترمذي : حديث حسن صحيح ،
وأخرجه الطبراني من طريق عائشة بنت مظعون أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم قبل عثمان بن مظعون على خده بعد ما مات ،
قال الحافظ الهيثمي . في إسناده عبد الرحمن بن عفان الحاطبي وهو ضعيف .
" تنبيه " قال ابن علان في شرح الأذكار : في صحيح البخاري أنه لما توفي عثمان بن مظعون جاء صلى الله عليه و على آله و سلم وكشف عن وجهه وقبله وبكى أهله قلت : راجعت المواضع التي فيها هذا الحديث من الصحيح ، وهي :
" باب" الدخول على الميت من كتاب الجنائز ،
" باب" القرعة من كتاب الشهادات ،
" باب " هجرة النبي صلى الله عليه و على آله و سلم ، وأصحابه إلى المدينة من كتاب الهجرة
" بابا" رؤية النساء والعين الجارية من كتاب التعبير
فلم اجد في شيء منها ذكراً للتقبيل ولا للبكاء ، فهو غير موجود في ابخاري جزماً ، وقد صرح الحاكم في المستدرك بأن الشيخين لم يخرجاه والله أعلم .
باب في ذكر ما ورد من تقبيل الصحابة وغيرهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
تقدم حديث عائشة أن فاطمة عليها السلام كانت إذا دخل عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قامت إليه وقبلت يده .
وأخرج الحافظ أبو بكر ابن المقري في جزء تقبيل اليد عن جابر أن عمر رضي الله عنه قبل يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأخرج ابن جريرو ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ) الآية ، قال : غضب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً من الأيام فقام خطيباً فقال " سلوني فانكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به " فقام إليه رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد الله ابن حذافة – وكان يطعن فيه – فقال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : " أبوك فلان " فدعاه لأبيه ، فقام إليه عمر فقبل رجله ، وقال : يا رسول الله رضينا بالله رباً وبك نبياً وبالقرآن اماماً ، فاعف عنا عفا الله عنك ، فلم ينزل به حتى رضي فيومئذ قال الولد للفراش وللعاهر الحجر " وأنزل عليه ( قد سألهم قوم من قبلكم )
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن الأعرابي في جزء القبل كلهم من طريق يزيد بن أبي زياد أن عبد الرحمن بن أبي ليلي حدثه أن ابن عمر حدثه قال : كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الرزحف وبؤنا بالغضب ؟ ثم قلنا لو دخلنا المدينة ثم بتنا ، ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فان كانت لنا توبة والا ذهبنا ، فأتيناه قبل صلاة الغداة ، فخرج فقال " من القوم " ؟ فقلنا : نحن الفرارون فقال " بل أنتم العاكرون أنا فئتكم وانا فئة المسلمين " قال : فأتيناه حتى قبلنا يده .
قال الترمذي : حديث حسن ، ورواه سعيد بن منصور وابن سعدو ابن أبي شيبة وعبد بن حمي وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردوية والبيهقي في الشعب عن ابن عمر به أيضاً .
وأخرج أحمد ولبخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن الأعرابي في جزء القبل والبغوي في معجم الصحابة من طريق مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال : حدثتني جدتي أم أبان بنت الوازع بن زارع عنجدها زارع – وكان في وفد عبد القيس – قال : لما قدمنا المدينة جعلنا نتبادؤ من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورجليه حسنه الحافظ ابن عبد البر وجودهالحافظ .
وأخرجه أبو يعلى والطبراني والبيهقي من حديث مزيدة بن مالك العصري باسنادجيد كما قال الزرقاني في شرح المواهب .
وأخرج أبو بكر ابن المقري في جزء تقبيل اليد من حديث أسامة بن شريك قال : قمنا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبلنا يده كذاعزاه الحافظ مختصراً وقال سنده قوي .
قلت . وأخرجه ابن الأعرابي بلفظ آخر فقال في جزء القبل .
حدثنا أبو سعيد الحارثي أملاه ثنا سعيد بن عامر ثنا شعبة ثنا زياد ابن علاقة عن أسامة بن شريك قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعنده أصحابه على رؤسهم الطير فجاء الأعراب فسألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ثم قام وقامالناس ، فجعلوا يقبلون يده ، فأخنتها فوضعتها على وجهي فإذا هي أطيب من ريح المسك وأبرد من الثلج .
وروى أحمد من طريق أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن عثمان عن خزيمة بن ثابت أنه رأى في منامه يقبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبره بذلك ونام له صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبل جبهته .
عمارة ، قال الحافظ الهيثمي : لم يرو عنه غير أبي جعفر الخطمي ، وقال تلميذه الحافظ : معروف النسب ، لكن لم أرى فيه توثيقاً .
وأبو جعفر أخرج له الأربعة ، ووثقه ابن معين والنسائي والطبراني وصحح له الحاكم حديث توسل الضرير على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي .
وبقية رجال الإسناد ورجال الصحيح كما قال الحافظ الهيثمي .
وأخرج الحافظ أبوبكر بن المقري في جزء تقبيل اليد ، والبيهقي في الدلائل عن أبي لبابة أنه قبل يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نزلت توبته .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن كعب بن مالك قال : لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبلت يده وركبتيه . رواه الحافظ أبو بكر ابن المقري في جزء تقبيل اليد وزاد أن صاحبيه مرارة بن الربيع وهلال بن أمية فعلا ذلك .
وإسناد ضعيف كما قال الحافظ العراقي في المغني .
وأخرج ابن الأعرابي في جزء القبل قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا شاذ بن فياض ثنا رافع بن سلمة قال سمعت أبي يحدث عن سالم – يعني ابن أبي الجعد الأشجعي – قال : عن رجل من أشجع يقال له زاهر بن حرام – بالراء وقيل بالراى – الأشجعي قال : كان رجلاً بدوياً ، وكان لا يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السوق يبيع سلعة ولم يكن أتاه فاحتضنه من ورائه بكفيه ، فالتفت فأحس برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبل كفيه ، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من يشتري العبد ؟ " قال : إذن تجدني كاسداً ، قال : "ولكنك عند الله ربيح " .
وقال ابن الأعرابي أيضاً : حدثنا إسحق بن إبراهيم الدبري قال : قرأنا علي عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الحسن عن سوادة بن عمرو – وكان يصيب من الخلوق فنهاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ثم لقيه ذات يوم مختضباً به . وفي يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جريدة فطعنه في بطنه وقال " ألم أنهك عن هذا ؟ " فقال : أقدني يا رسول الله ، فكشف عن بطنه ،فطفق يقبل بطن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ورواه البغوي في معجم الصحابة من طريق عمرو بن سليط عن الحسن عن سوادة به .
وأخرج أبو داود من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلي عن أسيد بن حضير رجل من الأنصار قال : بينما هو يحدث القوم – وكان فيه مزاح – بينما يضحكهم . فطعنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خاصرته بعود ، فقال : أصبرني قال " اصطبر " قال : إن عليك قميصاً ، وليس على قميص ، فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن قميصه ، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ، قال : إنما أردت هذا يا رسول الله . إسناده على شرط الشيخين .
وأخرج ابن إسحق عن حبان بن واسع عن أشيخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عدل الصفوف في يوم بدر ، وفي يده قدح ، فمر بسواد من غزية فطعن في بطنه ، فقال أوجعتني فأقدني فكشف عن بطنه فاعتنقه وقبل بطنه فدعا له بخير ، ورواه عبد الرازق عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتخطى بعرجون فأصاب به سواد بن غزية ، الحديث .
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عمر أن امرأة شكت زوجها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال لها " أتبغضينه ؟ " قالت نعم ، قال " أدنيا رؤسكما " فوضع جبهتها على جبهة زوجها ، ثم قال " اللهم ألف بينهما وجب أحدهما إلى صاحبه " ثم لقيته المرأة بعد ذلك فقبلت رجليه ، فقال " كيف أنت وزوجك ؟ " قالت : ما طارف ولا تالد ولا ولد بأحب إلي منه ، فقال " أشهد أني رسول الله " قال عمر : وأنا أشهد أنك رسول الله .
وروى أبو يعلي وأبو نعيم عن جابر بن عبد الله نحوه ، وفي مغازي الواقدي وغيرها في قصة فتح مكة وإهدار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دم نفر ، وأمره بقتلهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة ، منهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح ،فلم يرع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا عثمان آخذا بيد ابن أبي سرح واقفين بين يديه ، فأقبل عثمان على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال : يا رسول الله إنه أمه كانت تحملني وتمشيه وترضعني وتفطمه ، وكانت تلطفني وتتركه ، فهبه لي ، فأعرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وجعل عثمان كلما أعرض عنه رسول الله بوجهه استقبله فيعيد إليه هذا الكلام ، وإنما أعرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه ، لأنه لم يؤمنه ، فلما رأى أن لا يقوم أحد وعثمان قد أكب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقبل رأسه وهو يقول يا رسول الله بايعه فداك أبي وأمي فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم " نعم" ولتنظر بقية الحديث في كتب المغازي والسير . وفي كتاب " الصارم السلول على شاتم الرسول " لأبي العباس ابن تيمية ، وهو من أجود مؤلفاته وأنفعها.
وأخرج ابن الأعرابي والبزار واللفظ له من طريق صالح بن حيان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال أرني آية ، قال " اذهب إلى تلك الشجرة فادعها " فذهب إليها فقال إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعوك " فمالت عن كل جانب منها حتى قلعت عروقها ، ثم أقبلت حتى جاءت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأمرها أن ترجع ، فقام الرجل فقبل رأسه ويديه ورجليه وأسلم ، ولفظ ابن الأعرابي : فقال الرجل ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك فأذن له ، فقبل رأسه ورجليه ، ثم قال : ائذن لي أن أسجد لك ، قال " لا يسجد أحد لأحد " .
صالح بن حيان قال الحافظ الهيثمي ضعيف ، قلت : وبه تعقب الذهبي تصحيح الحاكم للحديث ، وإن كان الحافظ العراقي حكي في المغني تصحيحه ولم يتعقبه.
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن صفوان بن عسال قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي ، قال له صاحبه لا تقل نبي ، إنه لو سمعك كان له أربعة أعين .فأتيا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات ، فذكر الحديث ، وقال في آخره : فقبلا يديه ورجليه .
قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وصححه الحاكم أيضاً .
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن كعب قال كان اسلام أبي بكر الصديق بوحي من السماء وذلك أنه كان تاجراً بالشام فرأي رؤيا فقصها على بحيراء الراهب فقال له من أين أنت ؟ قال من مكة ، قال : من أيها ، قال : من قريش ، قال : فإيش أنت ؟ قال : تاجر ، قال : صدق الله رؤياك ، فانه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته بعد موته ، فأسرها أبو بكر حتى بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءه فقال : يا محمد ، ما الدليل على ما تدعي ؟ قال " الرؤيا التي رأيت بالشام " فعانقه وقبل بين عينيه وقال : أشهد أنك رسول الله .
وأخرج أبو داود بإسناد صحيح / والطبراني باسناد رجاله رجال الصحيح كما قال الحافظ الهيثمي ، عن عائشة – في قصة الافك – قالت . ثم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أبشري يا عائشة فإن الله قد أنزل عذرك " وقرأ عليها القرآن ، فقال أبوها : قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقلت : أحمد الله لا اياكما .
وأخرج أحمد والبخاري والنسائي عن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه دخل فبصر برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مسجى ببرده فكشف عن وجهه وأكب عليه فقبله وأخرج البخاري والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس وعائشة أن أبا بكر رضي الله عنه قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد موته " تنبيه" ذكر الشيخ زروق في شرح الرسالة حديث أبي سعيد الخدري أن أباه استشهد في أحد ، فخرج من الناس يلقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين الدفع إلى المدينة قال : قبلت يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال ، " سعد ؟ " قلت : نعم ، قال " أجرك الله في أبيك " ثم قال صحيح ، قلت : لم أقف على إسناد هذا الحديث بهذا السياق والله أعلم .
" فصل " أخرج أبو يعلى وأبونعيم وابن عساكر عن شداد بن أوس أن رجلاً من بني عامر سأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ما حقيقة أمرك ؟ فقال : " بدو شأني أني دعوة إبراهيم وبشري أخي عيشى ، وأني كنت بكر أمي " وذكر الحديث في ولادته ، ونشأته ، واسترضاعه في بني ليث بن بكر ، وشق صدره ، وقال فيه " ثم قال الثالث لصاحبه تنح ، فأمر يده بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني انهاضاً لطيفاً ثم قال للأول : زنه بعشرة من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم ، فقال دعوه فلو وزنتوه بأمته كلها لرجحهم ، ثم ضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني ثم قالوا يا حبيب الله لم ترك ، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك " .
وأخرج البيهقي وابن عساكر من طريق محمد بن زكريا الغلابي عن يعقوب بن جعفر بن سليمان عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده العباس بن عبد المطلب قال كانت حليمة تخبر أنها لما فطمت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تكلم فقال " الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا " وذكرت قصة شق صدره وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لمرضعته ومن معها بعد أن حكى لهم قصة شق صدره الشريف " وقام الثالث فقال : تنحيا ، فقد أنجزتما ما أمركما الله به فيه ثم دنا مني فأمر يده من مفرق صدري إلى منهى عانتي ، وقال زنوه من امته بعشرة فوزنزني فرجحتهم ، ثم قال : دعوه ، فلو وزنتموه بأمته كلها لرجح بهم ، ثم أخذ بيدي فأنهضني إنهاضاً لطيفاً ، فأكبو علي وقبلوا رأسي وما بين عيني وقالوا يا حبيب الله لن تراع ، ولو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك " في هذين الحديثين من الفقه – مضموماً إلى ما فيهما من دلالة على مشروعية التقبيل – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرجح أمته عقلاً ، وأشدها ذكاء ، وأقواها فطنة ، وأنه لا يوجد في الصحابة – فضلاً عن غيرهم – من يوازيه في فهم شيء من من أمور الدين ومسائل التشريع ، وكشف أسرار القرآن . ذلك أن الملائكة الذين شقوا صدره الشريف ، وزنوه بألف من أمته فرجع بهم ، وأخبروا أنهم لو وزنوه بأمته لرجح بهم ومعلوم بالضرورة العقلة أن الملائكة لم يقصدوا بالوزن معرفة ثقل الأجسام وخفتها ، وإنما قصدوا الموازنة بينه وبين أمته عليه السلام في المعاني الإنسانية السامية من رجاحة العقل ، وشفوف النظر ورحابة الصدر ، ونحو ذلم مما أهله لتحمل أعباء أعظم رسالة ظهرت على وجه الأرض ، يؤيد هذا ما أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن وهب بن منبه قال : قرأت أحد وسبعين كتاباً فوجدت في جميعها أن الله لم يعط جميع الناس من بدء انقضائها من العقل في جنب عقل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا كحبة رمل من بين جميع رمال الدنيا ، وأن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرجح الناس عقلاً وأرجحهم رأياً . فمن الضلال البين ما زعمه بعض المبتدعة في كتيب له أن عمر رضي الله عنه وغيره اجتهدوا في فهم الآيات وأنهم كانوا أصوب من فهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، هكذا زعم ذاك المبتدع قاتله الله .
باب في ذكر ما ورد من التقبيل عن الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم .
روينا في جزء القبل لابن الأعرابي قال : أخبرنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهاب أنا إسماعيل ابن مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال : لما قتل أبي يوم أحد أتيته وهو مسجى فجعلت أكشف عن وجهه أقبله ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يراني ولم ينهني .
وأخرج ابن الأعرابي أيضاً قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا سليك ثنا وكيع عن مالك بن مغول عن أبي حصين عن مجاهد قال : لما نزل عذرها – يعني عائشة – قام إليها أبو بكر رضي الله عنهما فقبل رأسها . وهذا مرسل .
وأخرج البخاري وأبو داود من طريق إبراهيم ابن يوسف عن أبيه اسحق عن البراء بن عازب قال : دخلت مع أبي بكر رضي الله عنه أول ما قدم المدينة فإذا عائشة ابنته مضطجعة ، قد أصابتها حمى ، فأتاها أبو بكر فقال لها : كيف أنت يا بنية ؟ وقبل خدها .
وأخرج سفيان في الجامع عن مسعر عن زياد بن الفياض عن تميم بن سلمة قال : لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فصافحه وقبل يده ، فكان تميم يرى أن تقبيل اليد سنة ، وكذا أخرجه ابن الأعرابي وابن المقري كلاهما في جزء القبل وعبد الرازق في المصنف والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي وابن عساكر ، وإسناده على شرط مسلم إلا أنه منقطع ، فإن تميماً لم يدرك القصة ، لكن له طريق آخر قال عبد الرازق في المصنف أخبرنا معمر حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال فذكره ، وهذا إسناد على شرط الشيخين .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد قال حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ثنا سفيان بن حبيب ثنا شعبة ثنا عمرو عن ذكوان عن صهيب رضي الله عنه قال : رأيت عليا عليه السلام يقبل يد العباس ورجليه إسناده صحيح.
وروى عبد الرزاق وأمد وأبو يعلى والطبراني وابن منده بإسناد صحيح عن أنس – في حديث طويل أن العباس رضي الله عنه قبل عبداً له بين عينيه ، وانظر تتمةالحديث في ص 128 ج 3 من المسند طبعة أولى.
وأخرج الحاكم من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة أنه لقي الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل بطنك فاكشف الموضع الذي قبله حتى أقبله فكشف له الحسن فقبله ، صححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وأخرجه ابن عساكر عن عما بن أبي عمار أن زيد بن ثابت قربت له دابة ليركبها ، فأخذ ابن عباس بركابه فقال زيد تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال : هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا وعلمائنا ، فقال زيد : أرني يدك ، فأخرج يده فقبلها فقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا . وراه الدينوري في المجالسة من طرق ابن المبارك عن داود ابن أبي هند عن الشعبي قال : ركب زيد بن ثابت دابة الخ ، وهذا إسناد على شرط مسلم .
وأخرج ابن الأعرابي قال حدثنا عباس الدوري ثنا شبابة ثنا هشام بن الغز ثنا حيان أبو النضر قال : قال لي واثلة بن الأسقع وهو صحابي – قدني إلى يزيد بن الأسود فإنه بلغني أنه ألم به ، فقدته فلما دخل عليه قلت : إنه ثقيل ، قد وجه وذهب عقله ، فقال : نادوه ، فقلت : هذا أخوك واثلة ، فلما سمع أن واثلة جاءه جعل يلتمس بيده ، فعرفت ما يريد ، فأخذت كف واثلة فجعلتها في يده، فجعل يقبل كفه ، ويضعها مرة على فؤاده ، ومرة على وجهه ، وعلى فيه .
وأخرج ابن ابي حيثمة في التاريخ عن ابن عمر أنه كان يقبل ابنه سالماً ويقول : أعجبوا من شيخ يقبل شيخاً ، وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد من طريق ابن عيينه عن ابن جدعان قال : قال ثابت لأنس : أمسست بيدك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ : قال : نعم ، فقبلها ، وأخرج أبو يعلى عن ثابت قال : كنت إذا أتيت أنساً يخبر بمكاني ، فأدخل عليه فآخذ بيديه فأقبلهما فأقول بأبي هاتين اليدين اللتين مستا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقبل عينيه وأقول بأبي هاتينالعينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الحافظ الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أبي بكر المقدمي وهو ثقة ، قلت : فهو إسناد صحيح .
وأخرج أبو يعلى عن جميلة أم ولد انس بن مالك قالت : كان أنس إذا أتاه ثابت يقول : يا جارية هاتي لي طيباً أمسح يدي فإن ابن أم ثابت لا يرضي حتى يقبل يدي.
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب المفرد وابن الأعرابي من طريق عطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن رزين قال : مررنا بالربذة فقيل لنا ههنا سلمة بن الأكوع قأتيناه فسلمنا عليه ، فأخرج يديه فقال بايعت بهاتين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فأخرج كفاله ضخمة كأنها كف بعير ، فقمنا إليها فقبلنهاها .
وأخرج أبو بكر ابن المقري في جزء تقبيل اليد من طريق أبى مالك الأشجعي قال : قلت لابن أبي أو في : ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فناولنيها فقبلتها .
وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا المعتمر عن اياس بن دغفل قال : رأيت أبا نضرة قبل خد الحسن بن علي عليهما السلام ، قال النووي . اسناد صحيح مليح ، قلت أراد بملاحته علوه.
وقال ابن الأعرابي ، ثنا محمد بن إسماعيل – يعني الصائغ – ثنا الحسن بن علي ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا عاصم بن بهداة قال ما قدمت على أبي وائل قط من سفر إلا قبل كفي . قلت : عاصم أحد أئمة القراء .
وأخرج ابن الأعرابي أيضاً من طريق سفيان عن مالك بن مغول عن طلحة – يعني ابن مصرف – قال قبل خيثمة يدي ، وقال مالك : قبل طلحة يدي .
وأخرج أيضاً من طريق ابن أبي الحواري ثنا وكيع عن مالك بن مغول عن طلحة قال : دخلتعلى خيثمة فقبل يدي وقبلت يده .
وأخرج أيضاً قال : ثنا محمد بن علي الصائغ ثنا الحسن قال قال لي حسين الجعفي : ربما فعله لي سفيان – يعني ابن عيينة – يعني يقبل يده وقال أيضاً : ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت أن أنسا دفع إلى أبي العالية تفاحة فجعلها في كفه وجعل يمسها ويقبلها ويمسها بوجهه ، ويقول : تفاحة مست كفا مست كف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . قلت : هذا إسناد على شرط مسلم .
قال النووي في الأذكار : وعن سهل بن عبد الله التستري السيد الجليل أحد أفراد زهاد الأمة وعبادها رضي الله عنه أنه كان يأتي أبا داود السجستاني – يعني صاحب السنن – ويقول : أخرج لسانك الذي تحدث بهحديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأقبله ، فيقبله .
"خاتمة" تشتمل على ثلاث مسائل
" الأولى " تقبيل اليد وغيرها كالرأس والخد والرجل يستحب في حالتين:
" إحداهما " إذا كان تعطيا واحتراما للشخص لأجل مصلحة دينية كعلم أو زهد أو صلاح أو نحو ذلك ،
" ثانيهما " إذا كان على واجه العطف والشفقة والملاطفة كتقبيل الإنسان لأولاده وأقاربه ونحو ذلك ، ويجوز في حالة ما إذا كان عند الوداع في سفر أو عند القدوم منه ، ويكره التقبيل في حالة ما إذا كان لأجل مصلحة دنيوية كتقبيل يد غني أو ذي جاه كحاكم ونحوه، وقال بعض العلماء يحرم التقبيل في هه الحالة بل نص المتولى في التتمة على أنه لا يستحب الخول على الأغنياء والسلاطين لمرض قلوبهم بالغفلة عن الله ، ويحرم التقبيل للأجنبية أولاً مرد لأنه يؤدي إلى الشهوة المحرمة بالإجماع ، فما يفعله الغربيون والمقلدون لهم من الشرقيين المستغربين في الحفلات من تقبيل يد النساء هو – مع حرمته – نوع من الإباحية البشعة ، أما تقبيل غير الأعضاء فقد تقدم أن أبا العالية قبل تفاحة تبركاً بمسها لكف أنس رضي الله عنه ، وأجاز أحمد تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأجاز ابن أبي الصيف والمحب الطبري تقبيل قبور الصالحين ، وكثير من العلماء قالوا بكراهة ذلك .
" الثانية " قال ابن أبي زيد في الرسالة وكره مالك تقبيل اليد وأنكرما روي فيه ، أهـ
قال شراح الرسالة إنما كرهه لما يدعو إليه من الكبر والنخوة ورؤية النفس ومساعدتها في حظها اهـ
زاد زروق : وإنكار مالك لما روي في تقبيل اليد إن كان من جهة الرواية فمالك حجة فيها لأنه إمام حديث اهـ
قلت : نعم ، كان الإمام مالك حجة في الحديث وشيخاً من شيوخ السنة ، ولكن إنكاره لما ورد في تقبيل اليد لايكون حجة في نفيه ، لثبوت تقبيل اليد وغيرها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن الصحابة من طرق كثيرة تبلغ حد التواتر ، ومالك معذور في إنكاره لأنه لم يصله ذلك بطريق صحيح ، كما فاتته أحاديث كثيرة لم تصله ووصلت غيره من أئمة الحديث ، بل أنكر الإمام مالك وجود أويس القرني ، مع أنه تابعي معروف ، والحديث في فضله ثابت في صحيح مسلم ، فهو يجوز أن نقلد مالكاً في إنكار أويس القرني ، مع أنه تابعي معروف ، والحديث في فضلة ثابت في صحيح مسلم ،فهل يجوز إن نقلد مالكاً في إنكار أويس القرني ؟ ونتغاضى عن الحقيقة والواقع ؟ كلا فكذلك لا يجوز أن ننكر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن الصحابة والتابعين من تقبيل اليد وغيرها . بالطرق الكثيرة البالغة حد التواتر ، لأننا مكلفون باتباع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
" الثالثة " قد يعارض من ينكر التقبل ما تقدم من الأحاديث
- بما رواه الترمذي وابن ماجة من طريق حنظلة بن عبيد الله عن أنس قال : قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه اينحني له ؟ قال " لا " قال أفيلتزمه ويقبله ؟ قال " لا " قال فيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال: " نعم "
- بما رواه الطبراني وأبو يعلى وابن عدي من طريق يوسف بن زياد عن عبد الرحمن ابن زياد الإفريقي عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة قال : دخلت يوماً في السوق مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجلس إلى البزار فاشترى سراويل بأربعة دراهم ، وكان لأهل السوق وزان ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " اتزن وأرجح " فقال الوزان : إن هذه الكلمة ما سمعتها من أحد ، قال أبو هريرة : فقلت له كفى بك من الوهن والجفاء ألا تعرف نيك فطرح الميزان ، ووثب إلى يد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يريد أن يقبلها ، فجذب يده منه ، وقال " هذا إنما تفعله الاعاجم بملوكها ولست بملك إنما أنا رجل منكم " .
- بما رواه ابن عدي في الكامل والمحاملي في الأمالي وابن شاهين في الأفراد من طريق عمرو بن عبد الجبار السنجاري عن عمه عبيدة بن حسان عن قتادة عن أنس مرفوعاً " قبلة المؤمن أخاه المصافحة " .
فيجاب بوجوه:
" الأول " أن هذه الأحاديث لا تصلح للمعارضة لضعفها ، بل منها ما عد في الموضوعات .
- " أما الحديث الاول " فضعفه أحمد والبيهقي كما نقله الحافظ العراقي في المغني ، لأن في سنده حنظلة ، قال فيه أحمد وابن معين والنسائي : ضعيف الحديث ، زاد أحمد : يروى عن أنس أحاديث كثيرة مناكير ، وقال ابن حبان في الضعفاء : اختلط بأخرة حتى كان لا يدري ما يحدث به فاختلط حديثه القديم بحديثه الأخير ، تركه يحيى القطان
- " وأما الحديث الثاني " فأورده ابن الجوزي في الموضوعات ، ونقل عن الدارقطني أنه قال في الأفراد : الحمل فيه على يوسف بن زياد لأنه مشهور بالأباطيل ، ولم يروه عن الإفريقي غيره ، وعن ابن حبان أنه قال في الإفريقي يروي الموضوعات عن الأثبات ،
- " وأما الحديث الثالث " فقال عنه ابن عدي غير محفوظ ، وأعله بأن عمراً روى عن عمه مناكير ،
" الثاني " أن هذه الأحاديث على فرض صحتها – وهو بعيد – لا تصلح للمعارضة أيضاً ، لأن أحاديث التقبيل أكثر عدداً ، وأصح سنداً ،
" الثالث " تحمل هذه الأحاديث على ما إذا كان الباعث على التقبيل مصلحة دنيوية كغنى أو جاه أو رياسة مثلاً ، أو على ما قاله الإمام مالك فيما سبق بأن كان يدعو إلى الكبر والنخوة ورأوية النفس ومساعدتها في حظها . ولا شك أن التقبيل إذا أدى إلى هذه الأشياء أو كان الباعث عليه التقرب إلى غني أو ذي جاه فانه يكره بلا خلاف ، ولا يبعد تحريمه حينئذ كما صرح به بعض علماء الشافعية ، أما إذا خلا من ذلك كله فهو مستحب أو جائز على ما قدمنا تفصيله أول الخاتمة ، وبالله التوفيق .
هذا آخر الجزء والحمد الله على إكماله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله .
يوم الاثنين 15 ربيع النبوي سنة 1375 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق