قول الحلاج سبحانك سبحاني
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثرت الإتهامات على حسين منصور الحلاج بسبب شطحاته وبلفظه كلمات لا تدرك معناها إلا منه
ومنها قوله سبحانك سبحاني
سبحانك؟؟؟؟
أصلها اللغوي
، فهي مأخوذة من " السَّبْح " : وهو البُعد :
يقول العلامة ابن فارس : " العرب تقول : سبحان مِن كذا ، أي ما أبعدَه .
قال الأعشى :
سُبحانَ مِنْ علقمةَ الفاخِر أقولُ لمّا جاءني فخرُهُ
سبحانك
المقصود بها الله عز وجل هو التنزيه عن النقص والعيب والأوهام الفاسدة ، والظنون الكاذبة في أسمائه وصفاته وأفعاله
لا يماثله شيء من المخلوقات لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فليس له مثيل -سبحانه وتعالى-، كما قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
سبحاني
:المقصود بها القائل وهو الحلاج
1: إن قالها في سكره فهي شطحه من شطحاته
يقول سراج الدين الطوسي في كتابه اللمع : (( في تعريفه للعبارة الشطحية )) : ((هي عبارة مستغربة في وصف وجدٍ فاض بقوته وهاج بشدة غليانه وغلبته ))
فهي ناتجه عن محبة لله وفرح وسرور ولكن تدل على ضعف القلب في إحتمال الوارد
عن أنس ابن مالك عن سيدنا رسول الله : لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه ؛ من أحدكم كان على راحلته ، بأرض فلاة ، فانفلتت منه ، وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها ، فأتى شجرة ، فاضطجع في ظلها ، قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك ، إذ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ، ثم قال – من شدة الفرح - : اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك ! أخطأ من شدة الفرح ..
هكذا ومن شدة الفرح أيضاً شطح .
2:إشارة الى الآية القرآنية
قوله تعالى :"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"
: قال ابن العربي رضي الله عنه : ليس لله تعالى خلق هو أحسن من الإنسان ، فإن الله خلقه حيا عالما ، قادرا ، مريدا ، متكلما ، سميعا ، بصيرا ، مدبرا ، حكيما ، وهذه صفات الرب ، وعنها عبر بعض العلماء ، ووقع البيان بقوله : { إن الله خلق آدم على صورته } ، يعني على صفاته التي قدمنا ذكرها .
وكان يقصد بتلك الآية تنزيه الله سبحانه عن العيب والنقص في خلقه فأنه توحيدلله بقوله سبحاني
3:وإذا أشار إلى تلك الآية
قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
والخليفة الذي إستخلفه الله في أرضه على باقي المخلوقات فهو منزه عنهم بأن خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه
أما باقي المخلوقات فبقوله كن فيكون
والمقصود بالآية سيدنا آدم أبو البشر وهو من البشر ولكنه ليس خليفة ولم يخلقه الله بيديه ولكنه نفخ فيه من روحه
ولاأعتقد أبدا أنه يقصد بها الحلول أو الإمتزاج أو شيء من هذا القبيل
جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية وهو يتكلم عن الحلاج قال :
إذاظهر مثل هذا القول عن غائب العقل قد رفع عنه القلم، لكونه في حال من أحوال الفنا والسكر، فهذا تكلم به في حال رفع عنه فيهما القلم، فالقول وإن كان باطلاً لكن القائل غير مؤاخذ.
ومثل هذا يعرض لمن استولى عليه سلطان الحب مع ضعف العقل، كما يقال: إن محبوبًا ألقى نفسه في اليم فألقى المحب نفسه خلفه، فقال: أنا وقعت فلم وقعت خلفي؟ قال: غبت بك عني فظننت أنك أني.
وقد ينتهي بعض الناس إلى مقام يغيب فيه بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته.
فإذا ذهب تمييز هذا وصار غائب العقل بحيث يرفع عنه القلم لم يكن معاقباً على ما تكلم به في هذه الحال، مع العلم بأنه خطأ وضلال، وأنه حال ناقص لا يكون لأولياء الله. ( انتهى باختصار من كلام ابن تيمية كما جاء في الفتاوى)
طبعاً والذين حكموا بقتله مأجورون لإنهم أرادوا الحفاظ على حياض الدين
فالشريعة الشريعة كما بين السيد النبهان أنا في الشريعة كالسمكة في الماء
اختلف العلماء في شأن الحلاج لأنه روي عنه أنه قال ( سبحاني ) ونحو ذلك من الألفاظ واللذين رجحوا إيمانه وصلاحه قالوا إنه قال تلك الكلمات في حال غلبة الوجد وانعدام الصحو وهي حال تسقط فيها المؤاخذة عن الإنسان وغير هؤلاء العلماء أنكروا أن يكون قال تلك الكلمات دون صحو ولذلك اتهموه بالكفر
والله أعلم بحقيقة حاله ( انتهى )
أقول :
لاينبغي الاستعجال بحكم الكفر على أي أحد والحَلاَّجَ عِنْدَ قَتلِه مَا زَالَ يُوَحِّدُ الله وَيَصِيْحُ:اللهَ اللهَ فِي دَمِي، فَأَنَا عَلَى الإِسْلاَمِ.وَتَبَرَّأَ مِمَّا سِوَى الإِسْلاَمِ، وذكر ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء
قد أوقفني كلام الفضيلة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر رحمه اللخ حيث قال :
إن أمر هذه القضية : " قضية الحلاج " معروف سرها ، و ما كان سراً في يوم من الأيام . لقد كان " الحلاج " قوة جارفة ، كان مركزاً للجاذبية لا يضارع ، يلتفت حوله الناس أينما حل ، و يسيرون معه أينما ارتحل . و كان ككل صوفي يحب آل البيت؛ لأنه كان يحب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ، و كان آل البيت إذ ذاك يطمحون في أن تكون الدولة لهم ، و ما كان بنو العباس يطمئنون إلى شخصية كشخصية الحلاج المحبة لآل البيت ، نسل رسول لله ، صلوات الله عليه و سلامه . و ما دام الحلاج دعاية قوية تسير في كل مكان ، و نتجه إلى كل بلد ، فيجب- حفاظا على أمن الدولة ، و تحصيناً لاستقرارها - : أن ينكل بالحلاج .و ما كان مقتل الحلاج دينياً قط ! كلا ، و إنما كان سياسياً بحتاً ، و من السهل على الملوك المستبدين أن يزيفوا القضايا ، أن يأتوا بالشهود الزور ، و أن يعدوا القضاة بالمال و الترقية ، و أن ينفذوا أهواءهم
فكان ما كان من قضية و قتل ... و الدين من كل ذلك براء ، و الألفاظ التي ينسبونها للحلاج ليست في كتاب من كتابه ، و كتبه – و بعضها موجود – لا تسند خصومه و لا تؤيدهم . هذا ما كان من أمر الحلاج
وبقيت كلمة إن من منطق الصحيح : أن لا يفتي المهندس في أبحاث الأطباء و ألا يحكم الأديب باعتباره أديباً في أعمال المهندسين ... و من العدالة -على هذا الوضع - ألا يحكم على هذه القمم الشامخة "ابن عربي " ، " الحلاج " ، " ابن فارض " ، من لم يبلغ مداهم أو يقاربه )). انتهى كلام الشيخ عبد الحليم محمود.
هذه مقتطفات مقالة رمزية لسيدي عبد القادر يوضح فيها موقفه من قضية الحلاج و قولته المشهورة التي شطح بها "أنا الحق " فقادته إلى السياف ليُقتل بسببها في بغداد سنة 309 هـ
" طار واحد من العارفين إلى أفق الدعوى بأجنحة " أنا الحق" .. رأى روض الأبدية خاليا من الحسيس و الأنيس ، صفر بغير لغته تعريضا لحتفه ، ظهر عليه عُقاب الملِك من مكمن " إن الله لغني عن العالمين " أنشب في إهابه مخلب "كل نفس ذائقة الموت" فقال له شرع سليمان الزمان : لم تكلمت بغير لغتك ، لم ترنمت بلحن غير معهود من مثلك ؟ ادخل الآن في قفص وجودك ، ارجع من طريق عزة القدم إلى مضيق ذِلّة الحدوث .. قل بلسان اعترافك ، ليسمعك أرباب الدعاوى : حسب الموجود إفراد الواجد .. مناط حفظ الطريق ..إقامة خدمة الشرع
الحلاج لما وصل إلى الباب و طرقه نودي : يا حلاج لا يدخل هذا الباب إلا من تجرد عن صفات البشرية ، و فني عن سمات الآدمية ، فمات حباو ذاب عشقا ، و أسلم روحه لدى الباب و جاد بنفسه عند الحجاب ...
فوقف في مقام الدهشة على أقدام الحيرة ، فلما أخرسه الفناء ، أنطقه السكر ، فقال : أنا الحق .. فأجابه حاجب الهيبة : اليوم قطع و قتل ، و غدا قرب و وصل .. فقال بلسان حاله : فما غلت نظرة منهم بسفك دمي
لما هاجت بلابل أشواقه ، و اضطرمت نيران إحراقه .. طلبَ الوصول فأُجلس على بساط الامتحان ، و قيل له : يا ابن منصور ، إن كنت صادقا أو محبا بائعا ، فابذل نفسك النفيسة و روحك الشريفة في الفناء ، لتصل إلينا ، فقابل الأمر بالطاعة ، و قال : أنا الحق ، ليقبلَ في هذه الساعة " و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا "
الحلاج ، غلب على سويداء قلبه سكر المحبة ، و قهر سرّ سرائره سلطان العشق فقال من حيرة الطلب : أنا ..
و إبليس دخلتْ نخوة الكبر في هامة همّته ، و جرت خزانة السر مع أنفاس نفسه .. فقال أنا خير منه ..
فمن غلب عليه سكر حب مولاه ، جدير أن يُمنح -بوصله و قربه - و من نظر إلى نفسه بعين العجب ، حقيق أن يقطع رأس كبره بسيف الطرد .
الحلاج قطع طريق العشق و أخذ جوهرة سرّ المحبة ، و أودعها في أخفى مكامن خزانة قلبه .. مشيرا لحاله .. فلما قابل بصر بصيرته شعاع نور جمالها ، عمي عن النظر إلى الموجودات ، فظنّ خلو المكان من الأعيان ، فاعترف بالأخذ .. فاستحق قطع اليد و القتل !!
و حياتك من ملك تلك الجوهرة لا يقنع إلاّ بأوفى درجات المحبة ، و هي : الفناء "
.................................................
قال الشوكاني في رسالته
(الصوارم الحداد القاطعة لعلائق مقالات أرباب الاتحاد)... – إلى أن قال الشوكاني - : وقد أوضحت في تلك الرسالة حال كل واحد من هؤلاء -أي كالحلاج وابن عربي وابن سبعين وابن الفارض ..- وأوردت نصوص كتبهم وبينت أقوال العلماء في شأنهم وكان تحرير هذا الجواب في عنفوان الشباب وأنا الآن أتوقف في حال هؤلاء وأتبرأ من كل ما كان من أقوالهم وأفعالهم مخالفا لهذه الشريعة البيضاء الواضحة التى ليلها كنهارها ولم يتعبدني الله بتكفير من صار في ظاهر أمره من أهل الإسلام ، وهب أن المراد بما في كتبهم وما نقل عنهم من الكلمات المستنكرة المعنى الظاهر والمدلول العربي وأنه قاض على قائله بالكفر البواح والضلال الصراح ، فمن أين لنا أن قائله لم يتب عنه؟!! ونحن لو كنا في عصره بل في مصره بل في منزله الذي يعالج فيه سكرات الموت لم يكن لنا إلى القطع بعدم التوبة سبيل لأنها تقع من العبد بمجرد عقد القلب ما لم يغرغر بالموت فكيف وبيننا وبينهم من السنين عدة مئين؟!! ولا يصح الاعتراض على هذا بالكفار فيقال هذا التجويز ممكن في الكفار على اختلاف أنواعهم؛ لأنا نقول فرق بين من أصله الإسلام ومن أصله الكفر ؛ فإن الحمل على الأصل مع اللبس هو الواجب لاسيما والخروج من الكفر إلى الإسلام لا يكون إلا بأقوال وأفعال لا بمجرد عقد القلب والتوجه بالنية المشتملين على الندم والعزم على عدم المعاودة فإن ذلك يكفى في التوبة ولا يكفى في مصير
الكافر مسلما ، وأيضا فرق بين كفر التأويل وكفر التصريح على أني لا أثبت كفر التأويل كما حققته في غير هذا الموطن، وفي هذه الإشارة كفاية لمن له هداية ، وفي ذنوبنا التي قد أثقلت ظهورنا لقلوبنا أعظم شغلة وطوبى لمن شغلته عيوبه ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه فالراحلة التى قد حملت مالا تكاد تنوء به إذا وضع عليها زيادة عليه انقطع ظهرها وقعدت على الطريق قبل وصول المنزل ، وبلا شك أن التوئب على ثلب أعراض المشكوك في إسلامهم فضلا عن المقطوع بإسلامهم جراءة غير محمودة ، فربما كذب الظن ، وبطل الحديث ، وتقشعت سحائب الشكوك ، وتجلت ظلمات الظنون ، وطاحت الدقائق ، وحقت الحقائق ، وأن يوماً يفر المرء من أبيه ، ويشح بما معه من الحسنات على أحبابه وذويه ، لحقيق بأن يحافظ فيه على الحسنات ولا يدعها يوم القيامة نهباً بين قوم قد صاروا تحت أطباق الثرى قبل أن يخرج إلى هذا العالم بدهور وهو غير محمود على ذلك ولا مأجور ، فهذا مالا يفعله بنفسه العاقل ، وأشد مِن ذلك أن ينثر جراب طاعاته ، وينثل كنانة حسناته على أعدائه ، غير مشكور بل مقهور ، وهكذا يفعل عند الحضور للحساب بين يدي الجبار بالمغتابين والنمامين والهمازين واللمازين ، فإنه قد علم بالضرورة الدينية أن مظلمة العرض كمظلمة المال والدم ، ومجرد التفاوت في مقدار المظلمة لا يوجب عدم إنصاف ذلك الشيء المتفاوت أو بعضه بكونه مظلمة ، فكل واحدة من هذه الثلاث مظلمة لآدمي ، وكل مظلمة لآدمي لا تسقط إلا بعفوه ، وما لم يعف عنه باق على فاعله يوافى عرصات القيامة .فقل لي كيف يرجو من ظلم ميتا بثلب عرضه أن يعفو عنه ؟!! ومن ذاك الذي يعفو في هذا الموقف وهو أحوج ما كان إلى ما يقيه عن النار وإذا التبس عليك هذا فانظر ما تجده من الطباع البشرية في هذه الدار !! فإنه لو ألقى الواحد من هذا النوع الإنساني إلى نار من نار هذه الدنيا وأمكنه أن يتقيها بأبيه أو بأمة أو بابنه أو بحبيبه لفعل ، فكيف بنار الآخرة التي ليست نار هذه الدنيا بالنسبة إليها شيئاً ؟!! ومن هذه الحيثية قال بعض من نظر بعين الحقيقة: لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي! لأنهما أحق بحسناتي التي تؤخذ مني قَسراً. وما أحسن هذا الكلام. ولا ريب أن أشد أنواع الغيبة وأضرها وأشرها وأكثرها بلاء وعقاباً ، ما بلغ منها إلى حد التكفير واللعن ؛ فإنه قد صح أن تكفير المؤمن كفر، ولعنه راجع على فاعله ، وسبابه فسق ، وهذه عقوبة من جهة الله سبحانه. وأما من وقع له التكفير واللعن والسب فمظلمة باقية على ظهر المكِّفر واللاعِن والسَبَّاب فانظر كيف صار المكفر كافراً، واللاعن ملعوناً والسَبَّاب فاسقاً ، ولم يكن ذلك حد عقوبته ؛ بل غريمه ينتظر بعرصات المحشر ليأخذ من حسناته أو يضع عليه من سيئاته بمقدار تلك المظلمة ، ومع ذلك فلا بد من شيء غير ذلك وهو العقوبة على مخالفة النهي ؛ لأن الله قد نهى في كتابه وعلى لسان رسوله عن الغيبة بجميع أقسامها ، ومخالف النهي فاعل محرم ، وفاعل المحرم معاقب عليه ، وهذا عارض من القول جرى به القلم ، ثم أحجم عن الكلام ، سائلا من الله حسن الختام . راجعاً إلى كمال ترجمة ذلك السيد الهمام فنقول صاحب الترجمة حال تحرير هذه الأحرف مستمر على تلك الخصال الجميلة والمناقب الجليلة قانع بميسور من العيش مؤثر للخمول الذى هو الراحة والنعمة المجهولة زاده الله من أفضاله وأنجح له ما يرجوه من آماله وتوفى رحمه الله
في سنة . . .)). انتهى بالنَّص مع حذف الأبيات من أراد الرجوع إليها فعله بالرجوع للأصل
ــــــــــــــــ
قال تلميذه العلامة صديق حسن خان في التاج المكلل ( ص 179 طبعة المطبعة الهندية العربية 1382 هـ - 1963 ، بتحقيق الدكتور عبد الحكيم شرف الدين ) ، مانصه : ( قلت ( صديق خان ) : والمذهب الراجح فيه على ماذهب اليه العلماء المحققون الجامعون بين العلم والعمل والشرع والسلوك " السكوت في شأنه " ، وصرف كلامه المخالف لظاهر الشرع الى محامل حسنة ، وكف اللسان عن تكفيره وتكفير غيره من المشائخ الذين ثبت تقواهم في الدين ، وظهر علمهم في الدنيا بين المسلمين ، وكانوا ذروة عليا من العمل الصالح ، ومن ثم رأيت شيخنا الامام العلامة الشوكاني في الفتح الرباني مال الى ذلك ، وقال : " لكلامه محامل " ، ورجع عما كتبه في أول عمره بعد أربعين سنة)
ثم قال بعده بخمسة أسطروأقول في هذا الكتاب : إن الصواب ماذهب اليه الشيخ أحمد السهرندي - مجدد الالف الثاني - ، والشيخ الاجل مسند الوقت أحمد ولي الله - المحدث الدهلوي - ،والإمام المجتهد الكبير محمد الشوكاني من قبول كلامه الموافق لظاهر الكتاب والسنة ، وتأويل كلامه الذي يخالف ظاهرهما ، تأويله بما يستحسن من المحامل الحسنة ، وعدم التفوه ، فيه بما لا يليق ، بأهل العلم والهدى ، والله أعلم بسرائر الخلق وضمائرهم )
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثرت الإتهامات على حسين منصور الحلاج بسبب شطحاته وبلفظه كلمات لا تدرك معناها إلا منه
ومنها قوله سبحانك سبحاني
سبحانك؟؟؟؟
أصلها اللغوي
، فهي مأخوذة من " السَّبْح " : وهو البُعد :
يقول العلامة ابن فارس : " العرب تقول : سبحان مِن كذا ، أي ما أبعدَه .
قال الأعشى :
سُبحانَ مِنْ علقمةَ الفاخِر أقولُ لمّا جاءني فخرُهُ
سبحانك
المقصود بها الله عز وجل هو التنزيه عن النقص والعيب والأوهام الفاسدة ، والظنون الكاذبة في أسمائه وصفاته وأفعاله
لا يماثله شيء من المخلوقات لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فليس له مثيل -سبحانه وتعالى-، كما قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
سبحاني
:المقصود بها القائل وهو الحلاج
1: إن قالها في سكره فهي شطحه من شطحاته
يقول سراج الدين الطوسي في كتابه اللمع : (( في تعريفه للعبارة الشطحية )) : ((هي عبارة مستغربة في وصف وجدٍ فاض بقوته وهاج بشدة غليانه وغلبته ))
فهي ناتجه عن محبة لله وفرح وسرور ولكن تدل على ضعف القلب في إحتمال الوارد
عن أنس ابن مالك عن سيدنا رسول الله : لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه ؛ من أحدكم كان على راحلته ، بأرض فلاة ، فانفلتت منه ، وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها ، فأتى شجرة ، فاضطجع في ظلها ، قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك ، إذ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ، ثم قال – من شدة الفرح - : اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك ! أخطأ من شدة الفرح ..
هكذا ومن شدة الفرح أيضاً شطح .
2:إشارة الى الآية القرآنية
قوله تعالى :"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"
: قال ابن العربي رضي الله عنه : ليس لله تعالى خلق هو أحسن من الإنسان ، فإن الله خلقه حيا عالما ، قادرا ، مريدا ، متكلما ، سميعا ، بصيرا ، مدبرا ، حكيما ، وهذه صفات الرب ، وعنها عبر بعض العلماء ، ووقع البيان بقوله : { إن الله خلق آدم على صورته } ، يعني على صفاته التي قدمنا ذكرها .
وكان يقصد بتلك الآية تنزيه الله سبحانه عن العيب والنقص في خلقه فأنه توحيدلله بقوله سبحاني
3:وإذا أشار إلى تلك الآية
قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
والخليفة الذي إستخلفه الله في أرضه على باقي المخلوقات فهو منزه عنهم بأن خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه
أما باقي المخلوقات فبقوله كن فيكون
والمقصود بالآية سيدنا آدم أبو البشر وهو من البشر ولكنه ليس خليفة ولم يخلقه الله بيديه ولكنه نفخ فيه من روحه
ولاأعتقد أبدا أنه يقصد بها الحلول أو الإمتزاج أو شيء من هذا القبيل
جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية وهو يتكلم عن الحلاج قال :
إذاظهر مثل هذا القول عن غائب العقل قد رفع عنه القلم، لكونه في حال من أحوال الفنا والسكر، فهذا تكلم به في حال رفع عنه فيهما القلم، فالقول وإن كان باطلاً لكن القائل غير مؤاخذ.
ومثل هذا يعرض لمن استولى عليه سلطان الحب مع ضعف العقل، كما يقال: إن محبوبًا ألقى نفسه في اليم فألقى المحب نفسه خلفه، فقال: أنا وقعت فلم وقعت خلفي؟ قال: غبت بك عني فظننت أنك أني.
وقد ينتهي بعض الناس إلى مقام يغيب فيه بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته.
فإذا ذهب تمييز هذا وصار غائب العقل بحيث يرفع عنه القلم لم يكن معاقباً على ما تكلم به في هذه الحال، مع العلم بأنه خطأ وضلال، وأنه حال ناقص لا يكون لأولياء الله. ( انتهى باختصار من كلام ابن تيمية كما جاء في الفتاوى)
طبعاً والذين حكموا بقتله مأجورون لإنهم أرادوا الحفاظ على حياض الدين
فالشريعة الشريعة كما بين السيد النبهان أنا في الشريعة كالسمكة في الماء
اختلف العلماء في شأن الحلاج لأنه روي عنه أنه قال ( سبحاني ) ونحو ذلك من الألفاظ واللذين رجحوا إيمانه وصلاحه قالوا إنه قال تلك الكلمات في حال غلبة الوجد وانعدام الصحو وهي حال تسقط فيها المؤاخذة عن الإنسان وغير هؤلاء العلماء أنكروا أن يكون قال تلك الكلمات دون صحو ولذلك اتهموه بالكفر
والله أعلم بحقيقة حاله ( انتهى )
أقول :
لاينبغي الاستعجال بحكم الكفر على أي أحد والحَلاَّجَ عِنْدَ قَتلِه مَا زَالَ يُوَحِّدُ الله وَيَصِيْحُ:اللهَ اللهَ فِي دَمِي، فَأَنَا عَلَى الإِسْلاَمِ.وَتَبَرَّأَ مِمَّا سِوَى الإِسْلاَمِ، وذكر ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء
قد أوقفني كلام الفضيلة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر رحمه اللخ حيث قال :
إن أمر هذه القضية : " قضية الحلاج " معروف سرها ، و ما كان سراً في يوم من الأيام . لقد كان " الحلاج " قوة جارفة ، كان مركزاً للجاذبية لا يضارع ، يلتفت حوله الناس أينما حل ، و يسيرون معه أينما ارتحل . و كان ككل صوفي يحب آل البيت؛ لأنه كان يحب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ، و كان آل البيت إذ ذاك يطمحون في أن تكون الدولة لهم ، و ما كان بنو العباس يطمئنون إلى شخصية كشخصية الحلاج المحبة لآل البيت ، نسل رسول لله ، صلوات الله عليه و سلامه . و ما دام الحلاج دعاية قوية تسير في كل مكان ، و نتجه إلى كل بلد ، فيجب- حفاظا على أمن الدولة ، و تحصيناً لاستقرارها - : أن ينكل بالحلاج .و ما كان مقتل الحلاج دينياً قط ! كلا ، و إنما كان سياسياً بحتاً ، و من السهل على الملوك المستبدين أن يزيفوا القضايا ، أن يأتوا بالشهود الزور ، و أن يعدوا القضاة بالمال و الترقية ، و أن ينفذوا أهواءهم
فكان ما كان من قضية و قتل ... و الدين من كل ذلك براء ، و الألفاظ التي ينسبونها للحلاج ليست في كتاب من كتابه ، و كتبه – و بعضها موجود – لا تسند خصومه و لا تؤيدهم . هذا ما كان من أمر الحلاج
وبقيت كلمة إن من منطق الصحيح : أن لا يفتي المهندس في أبحاث الأطباء و ألا يحكم الأديب باعتباره أديباً في أعمال المهندسين ... و من العدالة -على هذا الوضع - ألا يحكم على هذه القمم الشامخة "ابن عربي " ، " الحلاج " ، " ابن فارض " ، من لم يبلغ مداهم أو يقاربه )). انتهى كلام الشيخ عبد الحليم محمود.
هذه مقتطفات مقالة رمزية لسيدي عبد القادر يوضح فيها موقفه من قضية الحلاج و قولته المشهورة التي شطح بها "أنا الحق " فقادته إلى السياف ليُقتل بسببها في بغداد سنة 309 هـ
" طار واحد من العارفين إلى أفق الدعوى بأجنحة " أنا الحق" .. رأى روض الأبدية خاليا من الحسيس و الأنيس ، صفر بغير لغته تعريضا لحتفه ، ظهر عليه عُقاب الملِك من مكمن " إن الله لغني عن العالمين " أنشب في إهابه مخلب "كل نفس ذائقة الموت" فقال له شرع سليمان الزمان : لم تكلمت بغير لغتك ، لم ترنمت بلحن غير معهود من مثلك ؟ ادخل الآن في قفص وجودك ، ارجع من طريق عزة القدم إلى مضيق ذِلّة الحدوث .. قل بلسان اعترافك ، ليسمعك أرباب الدعاوى : حسب الموجود إفراد الواجد .. مناط حفظ الطريق ..إقامة خدمة الشرع
الحلاج لما وصل إلى الباب و طرقه نودي : يا حلاج لا يدخل هذا الباب إلا من تجرد عن صفات البشرية ، و فني عن سمات الآدمية ، فمات حباو ذاب عشقا ، و أسلم روحه لدى الباب و جاد بنفسه عند الحجاب ...
فوقف في مقام الدهشة على أقدام الحيرة ، فلما أخرسه الفناء ، أنطقه السكر ، فقال : أنا الحق .. فأجابه حاجب الهيبة : اليوم قطع و قتل ، و غدا قرب و وصل .. فقال بلسان حاله : فما غلت نظرة منهم بسفك دمي
لما هاجت بلابل أشواقه ، و اضطرمت نيران إحراقه .. طلبَ الوصول فأُجلس على بساط الامتحان ، و قيل له : يا ابن منصور ، إن كنت صادقا أو محبا بائعا ، فابذل نفسك النفيسة و روحك الشريفة في الفناء ، لتصل إلينا ، فقابل الأمر بالطاعة ، و قال : أنا الحق ، ليقبلَ في هذه الساعة " و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا "
الحلاج ، غلب على سويداء قلبه سكر المحبة ، و قهر سرّ سرائره سلطان العشق فقال من حيرة الطلب : أنا ..
و إبليس دخلتْ نخوة الكبر في هامة همّته ، و جرت خزانة السر مع أنفاس نفسه .. فقال أنا خير منه ..
فمن غلب عليه سكر حب مولاه ، جدير أن يُمنح -بوصله و قربه - و من نظر إلى نفسه بعين العجب ، حقيق أن يقطع رأس كبره بسيف الطرد .
الحلاج قطع طريق العشق و أخذ جوهرة سرّ المحبة ، و أودعها في أخفى مكامن خزانة قلبه .. مشيرا لحاله .. فلما قابل بصر بصيرته شعاع نور جمالها ، عمي عن النظر إلى الموجودات ، فظنّ خلو المكان من الأعيان ، فاعترف بالأخذ .. فاستحق قطع اليد و القتل !!
و حياتك من ملك تلك الجوهرة لا يقنع إلاّ بأوفى درجات المحبة ، و هي : الفناء "
.................................................
قال الشوكاني في رسالته
(الصوارم الحداد القاطعة لعلائق مقالات أرباب الاتحاد)... – إلى أن قال الشوكاني - : وقد أوضحت في تلك الرسالة حال كل واحد من هؤلاء -أي كالحلاج وابن عربي وابن سبعين وابن الفارض ..- وأوردت نصوص كتبهم وبينت أقوال العلماء في شأنهم وكان تحرير هذا الجواب في عنفوان الشباب وأنا الآن أتوقف في حال هؤلاء وأتبرأ من كل ما كان من أقوالهم وأفعالهم مخالفا لهذه الشريعة البيضاء الواضحة التى ليلها كنهارها ولم يتعبدني الله بتكفير من صار في ظاهر أمره من أهل الإسلام ، وهب أن المراد بما في كتبهم وما نقل عنهم من الكلمات المستنكرة المعنى الظاهر والمدلول العربي وأنه قاض على قائله بالكفر البواح والضلال الصراح ، فمن أين لنا أن قائله لم يتب عنه؟!! ونحن لو كنا في عصره بل في مصره بل في منزله الذي يعالج فيه سكرات الموت لم يكن لنا إلى القطع بعدم التوبة سبيل لأنها تقع من العبد بمجرد عقد القلب ما لم يغرغر بالموت فكيف وبيننا وبينهم من السنين عدة مئين؟!! ولا يصح الاعتراض على هذا بالكفار فيقال هذا التجويز ممكن في الكفار على اختلاف أنواعهم؛ لأنا نقول فرق بين من أصله الإسلام ومن أصله الكفر ؛ فإن الحمل على الأصل مع اللبس هو الواجب لاسيما والخروج من الكفر إلى الإسلام لا يكون إلا بأقوال وأفعال لا بمجرد عقد القلب والتوجه بالنية المشتملين على الندم والعزم على عدم المعاودة فإن ذلك يكفى في التوبة ولا يكفى في مصير
الكافر مسلما ، وأيضا فرق بين كفر التأويل وكفر التصريح على أني لا أثبت كفر التأويل كما حققته في غير هذا الموطن، وفي هذه الإشارة كفاية لمن له هداية ، وفي ذنوبنا التي قد أثقلت ظهورنا لقلوبنا أعظم شغلة وطوبى لمن شغلته عيوبه ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه فالراحلة التى قد حملت مالا تكاد تنوء به إذا وضع عليها زيادة عليه انقطع ظهرها وقعدت على الطريق قبل وصول المنزل ، وبلا شك أن التوئب على ثلب أعراض المشكوك في إسلامهم فضلا عن المقطوع بإسلامهم جراءة غير محمودة ، فربما كذب الظن ، وبطل الحديث ، وتقشعت سحائب الشكوك ، وتجلت ظلمات الظنون ، وطاحت الدقائق ، وحقت الحقائق ، وأن يوماً يفر المرء من أبيه ، ويشح بما معه من الحسنات على أحبابه وذويه ، لحقيق بأن يحافظ فيه على الحسنات ولا يدعها يوم القيامة نهباً بين قوم قد صاروا تحت أطباق الثرى قبل أن يخرج إلى هذا العالم بدهور وهو غير محمود على ذلك ولا مأجور ، فهذا مالا يفعله بنفسه العاقل ، وأشد مِن ذلك أن ينثر جراب طاعاته ، وينثل كنانة حسناته على أعدائه ، غير مشكور بل مقهور ، وهكذا يفعل عند الحضور للحساب بين يدي الجبار بالمغتابين والنمامين والهمازين واللمازين ، فإنه قد علم بالضرورة الدينية أن مظلمة العرض كمظلمة المال والدم ، ومجرد التفاوت في مقدار المظلمة لا يوجب عدم إنصاف ذلك الشيء المتفاوت أو بعضه بكونه مظلمة ، فكل واحدة من هذه الثلاث مظلمة لآدمي ، وكل مظلمة لآدمي لا تسقط إلا بعفوه ، وما لم يعف عنه باق على فاعله يوافى عرصات القيامة .فقل لي كيف يرجو من ظلم ميتا بثلب عرضه أن يعفو عنه ؟!! ومن ذاك الذي يعفو في هذا الموقف وهو أحوج ما كان إلى ما يقيه عن النار وإذا التبس عليك هذا فانظر ما تجده من الطباع البشرية في هذه الدار !! فإنه لو ألقى الواحد من هذا النوع الإنساني إلى نار من نار هذه الدنيا وأمكنه أن يتقيها بأبيه أو بأمة أو بابنه أو بحبيبه لفعل ، فكيف بنار الآخرة التي ليست نار هذه الدنيا بالنسبة إليها شيئاً ؟!! ومن هذه الحيثية قال بعض من نظر بعين الحقيقة: لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي! لأنهما أحق بحسناتي التي تؤخذ مني قَسراً. وما أحسن هذا الكلام. ولا ريب أن أشد أنواع الغيبة وأضرها وأشرها وأكثرها بلاء وعقاباً ، ما بلغ منها إلى حد التكفير واللعن ؛ فإنه قد صح أن تكفير المؤمن كفر، ولعنه راجع على فاعله ، وسبابه فسق ، وهذه عقوبة من جهة الله سبحانه. وأما من وقع له التكفير واللعن والسب فمظلمة باقية على ظهر المكِّفر واللاعِن والسَبَّاب فانظر كيف صار المكفر كافراً، واللاعن ملعوناً والسَبَّاب فاسقاً ، ولم يكن ذلك حد عقوبته ؛ بل غريمه ينتظر بعرصات المحشر ليأخذ من حسناته أو يضع عليه من سيئاته بمقدار تلك المظلمة ، ومع ذلك فلا بد من شيء غير ذلك وهو العقوبة على مخالفة النهي ؛ لأن الله قد نهى في كتابه وعلى لسان رسوله عن الغيبة بجميع أقسامها ، ومخالف النهي فاعل محرم ، وفاعل المحرم معاقب عليه ، وهذا عارض من القول جرى به القلم ، ثم أحجم عن الكلام ، سائلا من الله حسن الختام . راجعاً إلى كمال ترجمة ذلك السيد الهمام فنقول صاحب الترجمة حال تحرير هذه الأحرف مستمر على تلك الخصال الجميلة والمناقب الجليلة قانع بميسور من العيش مؤثر للخمول الذى هو الراحة والنعمة المجهولة زاده الله من أفضاله وأنجح له ما يرجوه من آماله وتوفى رحمه الله
في سنة . . .)). انتهى بالنَّص مع حذف الأبيات من أراد الرجوع إليها فعله بالرجوع للأصل
ــــــــــــــــ
قال تلميذه العلامة صديق حسن خان في التاج المكلل ( ص 179 طبعة المطبعة الهندية العربية 1382 هـ - 1963 ، بتحقيق الدكتور عبد الحكيم شرف الدين ) ، مانصه : ( قلت ( صديق خان ) : والمذهب الراجح فيه على ماذهب اليه العلماء المحققون الجامعون بين العلم والعمل والشرع والسلوك " السكوت في شأنه " ، وصرف كلامه المخالف لظاهر الشرع الى محامل حسنة ، وكف اللسان عن تكفيره وتكفير غيره من المشائخ الذين ثبت تقواهم في الدين ، وظهر علمهم في الدنيا بين المسلمين ، وكانوا ذروة عليا من العمل الصالح ، ومن ثم رأيت شيخنا الامام العلامة الشوكاني في الفتح الرباني مال الى ذلك ، وقال : " لكلامه محامل " ، ورجع عما كتبه في أول عمره بعد أربعين سنة)
ثم قال بعده بخمسة أسطروأقول في هذا الكتاب : إن الصواب ماذهب اليه الشيخ أحمد السهرندي - مجدد الالف الثاني - ، والشيخ الاجل مسند الوقت أحمد ولي الله - المحدث الدهلوي - ،والإمام المجتهد الكبير محمد الشوكاني من قبول كلامه الموافق لظاهر الكتاب والسنة ، وتأويل كلامه الذي يخالف ظاهرهما ، تأويله بما يستحسن من المحامل الحسنة ، وعدم التفوه ، فيه بما لا يليق ، بأهل العلم والهدى ، والله أعلم بسرائر الخلق وضمائرهم )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق