لو تفتح عمل الشيطان
ورد في صحيح الإمام مسلم
( 2664 ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير قالا حدثنا عبدالله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان
صحيح مسلمج13 ص130وعند ابن ماجه والنسائي (وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ فَإِنَّ اللَّوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)
سنن ابن ماجه ج12 ص203 والنسائي ج6 ص156
كثيرا ما نستخدم هذا الحرف (لو) في كلامنا الاعتيادي بل إن كثيرا من المعاني لا تستقيم إلا بها سواء بصيغة الماضي (لوفعلت كذا لما حصل ذلك) أو في صيغة المستقبل من حيث المعنى 00000
فهل الْمُرَادمن الحديث تَرْك النُّطْق بِلَوْ مُطْلَقًا ؟
لا سيما أنه قد وردت أحاديث أخرى استعمل النبي صلى الله عليه وسلم فيها (لو) مثل :
-قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَوْ أَنِّي اِسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْي )
- لوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ000 البخاري ج1 ص50
- يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا البخاري000 ج1 ص207
تَصَدَّقُوا فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا يَقُولُ الرَّجُلُ لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالْأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا
البخاري ج5 ص223
-وقول سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه :وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا البخاري ج5 ص205
وقد يوهم هذا تعارضا بين هذه الأحاديث وحديث المنع (وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ فَإِنَّ اللَّوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)
وقد أجاب على هذا الإمام النووي رحمه الله :
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَوْ أَنِّي اِسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْي )
هَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز قَوْل ( لَوْ ) فِي التَّأَسُّف عَلَى فَوَات أُمُور الدِّين وَمَصَالِح الشَّرْع ، وَأَمَّا الْحَدِيث الصَّحِيح فِي أَنَّ " لَوْ تَفْتَح عَمَل الشَّيْطَان " فَمَحْمُول عَلَى التَّأَسُّف عَلَى حُظُوظ الدُّنْيَا وَنَحْوهَا ، وَقَدْ كَثُرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي اِسْتِعْمَال ( لَوْ ) فِي غَيْر حُظُوظ الدُّنْيَا وَنَحْوهَا ، فَيُجْمَع بَيْن الْأَحَادِيث بِمَا ذَكَرْنَاهُ . وَاَللَّه أَعْلَم .
شرح النووي على مسلم ج4 ص301
قال العلامة بدر الدين العيني
ومن فوائد الحديث المذكور جواز التمتع وتعليق الإحرام بإحرام الغير وجواز قول لو في التأسف على فوات أمور الدين والمصالح وأما الحديث في أن لو تفتح عمل الشيطان فمحمول على التأسف في حظوظ الدنيا عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج11 ص411
وقد ترجم الإمام البخاري في هذا السياق ( بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ اللَّوْ ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى
{ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً }
ثم أورد بعض الأحاديث أذكر منها :
وَاصَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ الشَّهْرِ وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ
ومنها : حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ
ومنها : وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ ثم إن حد يث النهي إنما نهى عن (اللو) التي فيها اعتراض على مشيئة الله عز وجل( وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل)
قال الشاطبي رحمه الله ولم ولو وليت تورث القلب انفلاقا قال بعض شراح المصابيح أي أن قول الواو واعتقاد معناها يفضي بالعبد إلى التكذيب بالقدر أو عدم الرضا بصنع الله لأن القدر إذا ظهر بما يكره العبد قال لو فعلت كذا لم يكن كذا وقد قدر في علم الله أنه لا يفعل إلا الذي فعل ولا يكون إلا الذي كان وقد أشار بقوله قبل ذلك ولكن قدر الله وما شاء فعل ولم يرد كراهة التلفظ بلو في جميع الأحوال وسائر الصور وإنما عني الإتيان بها في صيغة تكون فيها منازعة فعل ولم يرد كراهة التلفظ بلو في جميع الأحوال وسائر الصور وإنما عني الإتيان بها في صيغة تتكون فيها منازعة القدر والتأسف على ما فاته من أمور الدنيا وإلا فقد ورد في القرآن مثل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل آل عمران وفي الحديث لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لأنه لم يرد به منازعة القدر
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيحج15 ص213
قال ابن حجر:وَقَالَ القاضي عِيَاض الَّذِي يُفْهَم مِنْ تَرْجَمَة الْبُخَارِيّ وَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْبَاب مِنْ الْأَحَادِيث أَنَّهُ يَجُوز اِسْتِعْمَال " لَوْ وَلَوْلَا " فِيمَا يَكُون لِلِاسْتِقْبَالِ مِمَّا فَعَلَهُ لِوُجُودِ غَيْره وَهُوَ مِنْ بَاب لَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَدْخُل فِي الْبَاب إِلَّا مَا هُوَ لِلِاسْتِقْبَالِ ، وَمَا هُوَ حَقّ صَحِيح مُتَيَقَّن ، بِخِلَافِ الْمَاضِي وَالْمُنْقَضِي أَوْ مَا فِيهِ اِعْتِرَاض عَلَى الْغَيْب وَالْقَدَر السَّابِق . قَالَ : وَالنَّهْي إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ قَالَهُ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ حَتْمًا ، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُصِبْهُ مَا أَصَابَهُ قَطْعًا ، فَأَمَّا مَنْ رَدَّ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى ، وَأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّه أَرَادَ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا قَالَ وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ النَّهْي عَلَى ظَاهِره وَعُمُومه لَكِنَّهُ نَهْي تَنْزِيه ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله : " فَإِنَّ لَوْ تَفْتَح عَمَل الشَّيْطَان " أَيْ يُلْقِي فِي الْقَلْب مُعَارَضَة الْقَدَر فَيُوَسْوِس بِهِ الشَّيْطَان ، وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ اِسْتِعْمَال لَوْ فِي الْمَاضِي مِثْل قَوْله " لَوْ اِسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت مَا أَهْدَيْت " فَالظَّاهِر أَنَّ النَّهْي عَنْهُ إِطْلَاق ذَلِكَ فِيمَا لَا فَائِدَة فِيهِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَهُ تَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَ مِنْ طَاعَة اللَّه أَوْ مَا هُوَ مُعْتَذِر عَلَيْهِ مِنْهُ وَنَحْو هَذَا فَلَا بَأْس بِهِ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل أَكْثَر الِاسْتِعْمَال الْمَوْجُود فِي الْأَحَادِيث . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " الْمُرَاد مِنْ الْحَدِيث الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم أَنَّ الَّذِي يَتَعَيَّن بَعْد وُقُوع الْمَقْدُور التَّسْلِيم لِأَمْرِ اللَّه وَالرِّضَى بِمَا قَدَّرَ وَالْإِعْرَاض عَنْ الِالْتِفَات لِمَا فَاتَ ، فَإِنَّهُ إِذَا تَذَكَّرَ فِيمَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ أَنِّي فَعَلْت كَذَا لَكَانَ كَذَا ، جَاءَتْهُ وَسَاوِس الشَّيْطَان فَلَا تَزَال بِهِ حَتَّى يُفْضِي إِلَى الْخُسْرَان ، فَيُعَارِض بِتَوَهُّمِ التَّدْبِير سَابِق الْمَقَادِير ، وَهَذَا هُوَ عَمَل الشَّيْطَان الْمَنْهِيّ عَنْ تَعَاطِي أَسْبَابه بِقَوْلِهِ : " فَلَا تَقُلْ لَوْ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَح عَمَل الشَّيْطَان " وَلَيْسَ الْمُرَاد تَرْك النُّطْق بِلَوْ مُطْلَقًا إِذْ قَدْ نَطَقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فِي عِدَّة أَحَادِيث ، وَلَكِنَّ مَحَلّ النَّهْي عَنْ إِطْلَاقهَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا أُطْلِقَتْ مُعَارِضَة لِلْقَدَرِ ، مَعَ اِعْتِقَاد أَنَّ ذَلِكَ الْمَانِع لَوْ اِرْتَفَعَ لَوَقَعَ خِلَاف الْمَقْدُور ، لَا مَا إِذَا أَخْبَرَ بِالْمَانِعِ عَلَى جِهَة أَنْ يَتَعَلَّق بِهِ فَائِدَة فِي الْمُسْتَقْبَل فَإِنَّ مِثْل هَذَا لَا يُخْتَلَف فِي جَوَاز إِطْلَاقه ، وَلَيْسَ فِيهِ فَتْح لِعَمَلِ الشَّيْطَان وَلَا مَا يُفْضِي إِلَى تَحْرِيم .
فتح الباري ج20 ص232
( 2664 ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير قالا حدثنا عبدالله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان
صحيح مسلمج13 ص130وعند ابن ماجه والنسائي (وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ فَإِنَّ اللَّوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)
سنن ابن ماجه ج12 ص203 والنسائي ج6 ص156
كثيرا ما نستخدم هذا الحرف (لو) في كلامنا الاعتيادي بل إن كثيرا من المعاني لا تستقيم إلا بها سواء بصيغة الماضي (لوفعلت كذا لما حصل ذلك) أو في صيغة المستقبل من حيث المعنى 00000
فهل الْمُرَادمن الحديث تَرْك النُّطْق بِلَوْ مُطْلَقًا ؟
لا سيما أنه قد وردت أحاديث أخرى استعمل النبي صلى الله عليه وسلم فيها (لو) مثل :
-قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَوْ أَنِّي اِسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْي )
- لوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ000 البخاري ج1 ص50
- يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا البخاري000 ج1 ص207
تَصَدَّقُوا فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا يَقُولُ الرَّجُلُ لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالْأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا
البخاري ج5 ص223
-وقول سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه :وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا البخاري ج5 ص205
وقد يوهم هذا تعارضا بين هذه الأحاديث وحديث المنع (وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ فَإِنَّ اللَّوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)
وقد أجاب على هذا الإمام النووي رحمه الله :
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَوْ أَنِّي اِسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْي )
هَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز قَوْل ( لَوْ ) فِي التَّأَسُّف عَلَى فَوَات أُمُور الدِّين وَمَصَالِح الشَّرْع ، وَأَمَّا الْحَدِيث الصَّحِيح فِي أَنَّ " لَوْ تَفْتَح عَمَل الشَّيْطَان " فَمَحْمُول عَلَى التَّأَسُّف عَلَى حُظُوظ الدُّنْيَا وَنَحْوهَا ، وَقَدْ كَثُرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي اِسْتِعْمَال ( لَوْ ) فِي غَيْر حُظُوظ الدُّنْيَا وَنَحْوهَا ، فَيُجْمَع بَيْن الْأَحَادِيث بِمَا ذَكَرْنَاهُ . وَاَللَّه أَعْلَم .
شرح النووي على مسلم ج4 ص301
قال العلامة بدر الدين العيني
ومن فوائد الحديث المذكور جواز التمتع وتعليق الإحرام بإحرام الغير وجواز قول لو في التأسف على فوات أمور الدين والمصالح وأما الحديث في أن لو تفتح عمل الشيطان فمحمول على التأسف في حظوظ الدنيا عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج11 ص411
وقد ترجم الإمام البخاري في هذا السياق ( بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ اللَّوْ ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى
{ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً }
ثم أورد بعض الأحاديث أذكر منها :
وَاصَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ الشَّهْرِ وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ
ومنها : حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ
ومنها : وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ ثم إن حد يث النهي إنما نهى عن (اللو) التي فيها اعتراض على مشيئة الله عز وجل( وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل)
قال الشاطبي رحمه الله ولم ولو وليت تورث القلب انفلاقا قال بعض شراح المصابيح أي أن قول الواو واعتقاد معناها يفضي بالعبد إلى التكذيب بالقدر أو عدم الرضا بصنع الله لأن القدر إذا ظهر بما يكره العبد قال لو فعلت كذا لم يكن كذا وقد قدر في علم الله أنه لا يفعل إلا الذي فعل ولا يكون إلا الذي كان وقد أشار بقوله قبل ذلك ولكن قدر الله وما شاء فعل ولم يرد كراهة التلفظ بلو في جميع الأحوال وسائر الصور وإنما عني الإتيان بها في صيغة تكون فيها منازعة فعل ولم يرد كراهة التلفظ بلو في جميع الأحوال وسائر الصور وإنما عني الإتيان بها في صيغة تتكون فيها منازعة القدر والتأسف على ما فاته من أمور الدنيا وإلا فقد ورد في القرآن مثل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل آل عمران وفي الحديث لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لأنه لم يرد به منازعة القدر
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيحج15 ص213
قال ابن حجر:وَقَالَ القاضي عِيَاض الَّذِي يُفْهَم مِنْ تَرْجَمَة الْبُخَارِيّ وَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْبَاب مِنْ الْأَحَادِيث أَنَّهُ يَجُوز اِسْتِعْمَال " لَوْ وَلَوْلَا " فِيمَا يَكُون لِلِاسْتِقْبَالِ مِمَّا فَعَلَهُ لِوُجُودِ غَيْره وَهُوَ مِنْ بَاب لَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَدْخُل فِي الْبَاب إِلَّا مَا هُوَ لِلِاسْتِقْبَالِ ، وَمَا هُوَ حَقّ صَحِيح مُتَيَقَّن ، بِخِلَافِ الْمَاضِي وَالْمُنْقَضِي أَوْ مَا فِيهِ اِعْتِرَاض عَلَى الْغَيْب وَالْقَدَر السَّابِق . قَالَ : وَالنَّهْي إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ قَالَهُ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ حَتْمًا ، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُصِبْهُ مَا أَصَابَهُ قَطْعًا ، فَأَمَّا مَنْ رَدَّ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى ، وَأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّه أَرَادَ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا قَالَ وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ النَّهْي عَلَى ظَاهِره وَعُمُومه لَكِنَّهُ نَهْي تَنْزِيه ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله : " فَإِنَّ لَوْ تَفْتَح عَمَل الشَّيْطَان " أَيْ يُلْقِي فِي الْقَلْب مُعَارَضَة الْقَدَر فَيُوَسْوِس بِهِ الشَّيْطَان ، وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ اِسْتِعْمَال لَوْ فِي الْمَاضِي مِثْل قَوْله " لَوْ اِسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت مَا أَهْدَيْت " فَالظَّاهِر أَنَّ النَّهْي عَنْهُ إِطْلَاق ذَلِكَ فِيمَا لَا فَائِدَة فِيهِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَهُ تَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَ مِنْ طَاعَة اللَّه أَوْ مَا هُوَ مُعْتَذِر عَلَيْهِ مِنْهُ وَنَحْو هَذَا فَلَا بَأْس بِهِ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل أَكْثَر الِاسْتِعْمَال الْمَوْجُود فِي الْأَحَادِيث . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " الْمُرَاد مِنْ الْحَدِيث الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم أَنَّ الَّذِي يَتَعَيَّن بَعْد وُقُوع الْمَقْدُور التَّسْلِيم لِأَمْرِ اللَّه وَالرِّضَى بِمَا قَدَّرَ وَالْإِعْرَاض عَنْ الِالْتِفَات لِمَا فَاتَ ، فَإِنَّهُ إِذَا تَذَكَّرَ فِيمَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ أَنِّي فَعَلْت كَذَا لَكَانَ كَذَا ، جَاءَتْهُ وَسَاوِس الشَّيْطَان فَلَا تَزَال بِهِ حَتَّى يُفْضِي إِلَى الْخُسْرَان ، فَيُعَارِض بِتَوَهُّمِ التَّدْبِير سَابِق الْمَقَادِير ، وَهَذَا هُوَ عَمَل الشَّيْطَان الْمَنْهِيّ عَنْ تَعَاطِي أَسْبَابه بِقَوْلِهِ : " فَلَا تَقُلْ لَوْ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَح عَمَل الشَّيْطَان " وَلَيْسَ الْمُرَاد تَرْك النُّطْق بِلَوْ مُطْلَقًا إِذْ قَدْ نَطَقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فِي عِدَّة أَحَادِيث ، وَلَكِنَّ مَحَلّ النَّهْي عَنْ إِطْلَاقهَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا أُطْلِقَتْ مُعَارِضَة لِلْقَدَرِ ، مَعَ اِعْتِقَاد أَنَّ ذَلِكَ الْمَانِع لَوْ اِرْتَفَعَ لَوَقَعَ خِلَاف الْمَقْدُور ، لَا مَا إِذَا أَخْبَرَ بِالْمَانِعِ عَلَى جِهَة أَنْ يَتَعَلَّق بِهِ فَائِدَة فِي الْمُسْتَقْبَل فَإِنَّ مِثْل هَذَا لَا يُخْتَلَف فِي جَوَاز إِطْلَاقه ، وَلَيْسَ فِيهِ فَتْح لِعَمَلِ الشَّيْطَان وَلَا مَا يُفْضِي إِلَى تَحْرِيم .
فتح الباري ج20 ص232
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق