كتاب إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة
كتاب إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة
المؤلف :
السيد العلامة عبد الله بن الصديق الغماري الحسيني
و يليه للمؤلف :
حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك
و معه :
توضيح البيان لوصول ثواب القرءان
سنية رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة
سنية رفع اليدين في الدعاء بعد الصلوات المكتوبة لمن شاء
السيد العلامة عبد الله بن الصديق الغماري الحسيني
و يليه للمؤلف :
حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك
و معه :
توضيح البيان لوصول ثواب القرءان
سنية رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة
سنية رفع اليدين في الدعاء بعد الصلوات المكتوبة لمن شاء
عبد الله الغماري.. بقية السلف الصالح
(في ذكرى وفاته: 19 من شعبان 1413هـ)
أحمد تمام
في بيت كريم من بيوتات المغرب ولد عبد الله بن محمد الغماري سنة (1328هـ = 1910م)، ونشأ في أسرة ذات علم وفضل؛ فالوالد واحد من كبار محدثي المغرب، وله زاوية معروفة بـ"الزاوية الصديقية"، كانت تُلقى فيها دروس الحديث والفقه واللغة، والأخ الأكبر له محدّث معروف ، وكان الوالد الشيخ أول من تعهد ابنه بالرعاية والتربية والتعليم والتثقيف؛ فحفظه القرآن الكريم وعدة متون تعليمية في الفقه والحديث واللغة، مثل: متن الآجرومية في النحو، ومختصر خليل في الفقه المالكي، وبلوغ المرام من أدلة الأحكام.
وبعد هذه الدراسة الأولية انتقل إلى "فاس"؛ حيث درس الحديث والفقه والنحو على شيوخها وعلمائها، ثم دخل "جامعة القرويين" للدراسة بها، ثم عاد إلى "طنجة"، وانتظم في حضور دروس الزاوية الصديقية، وحضر دروس والده، وفي تلك الفترة المبكرة من عمره ظهرت آيات نبوغه وذكائه؛ فوضع شرحا لمتن الآجرومية، باسم "تشييد المباني لتوضيح ما حوته الآجرومية من الحقائق والمعاني". والآجرومية متن في النحو، جمع فيه مؤلفه "ابن آجروم" بإيجاز شديد ما ينبغي للمبتدئ معرفته من أبواب النحو، وقد اشتهر هذا الكتاب حتى أصبح أساسا للدراسات النحوية للناشئين.
الرحلة إلى القاهرة :
وبعد أن أتقن "الغماري" دروسه، وبرع الحديث شدّ الرحال إلى القاهرة في سنة (1349هـ = 1930م)، وكانت مصر تشهد نهضة أدبية وفكرية سبقت بها العالم العربي، وجذبت إليها أعلام النهضة؛ فأصبحت مجمعا للفنون والعلوم والآداب، وكان الأزهر الكريم يشمخ بكلياته الثلاث التي أُنشئت، وهي: الشريعة، واللغة العربية، وأصول الدين، ويفخر بعلمائه الفحول وشيوخه العظام.
التحق "الغماري" بالأزهر ودرس به، واتصل بعلمائه، وتوثقت صلته ببعضهم، ثم تقدم لنيل عالمية الأزهر في خمسة عشر فنا، فوُفِّق في الحصول عليها، ونال شرف الانتساب إلى الأزهر.
وفي فترة إقامته بالقاهرة تردد على عدد من شيوخ مصر، وروى عنهم من أمثال: "محمد بخيت المطيعي"، وهو من أفذاذ علماء الأزهر، وقد تولى منصب الإفتاء، والشيخ "عبد المجيد اللبان" أول من تولى مشيخة كلية أصول الدين، و"محمد حسنين مخلوف"، وفي الوقت نفسه كان الغماري يدرس الحديث بالرواق العباسي في الجامع الأزهر، فالتف حوله طلبة الشهادة العالمية، وانتفعوا بعلمه كثيرًا.
في مجال الدعوة
ولم تقتصر جهود الشيخ "الغماري" على التدريس لطلبة العلم في مصر، بل اتجه إلى ميدان أفسح، يتصل فيه بعامة الناس، ويرد على أسئلتهم، ويحل قضاياهم ومشكلاتهم؛ فكانت له محاضرات في الجمعيات الإسلامية مثل جمعية: "العشيرة المحمدية"، و"جمعية الهداية الإسلامية"، وجماعة "أنصار السلف الصالح"، وجماعة "الإخوان المسلمين"، وكانت له صلة بمؤسسها الإمام "حسن البنا" ووالده الشيخ "أحمد عبد الرحمن البنا"، وقد كان الشيخ عبد الرحمن البنا من كبار المشتغلين بالسنة النبوية، وله فيها مساهمات مشكورة وجهود محمودة، وقد أخرج للناس كتابه المعروف "الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحد بن حنبل الشيباني". كما ألقى محاضرات للنساء في جمعية "السيدات المسلمات" التي أنشأتها الداعية المعروفة "زينب الغزالي"، وإلى جانب الدروس والمحاضرات كان يكتب المقالات التي تتناول الحديث وعلومه.
وفي هذه الفترة كان يفد إلى مصر كبار الأئمة من العالم الإسلامي؛ إما للسكنى والإقامة، وإما للزيارة والرحلة، وكانت القاهرة قبلة العلم ومأوى العلماء، فانتهز الغماري فرصة وجودهم بالقاهرة، واتصل بهم وروى عنهم؛ مثل الشيخ: "محمد زاهد الكوثري" وكيل المشيخة العثمانية ومن أفذاذ العلماء، وقد استوطن القاهرة بعد سقوط الخلافة العثمانية، والتف حوله التلاميذ من القاهرة، وكان واسع الرواية كثير الشيوخ. والشيخ "محمد الخضر حسين"، وهو تونسي الأصل أقام بالقاهرة، وكان من أعضاء المجمع اللغوي، وتولى مشيخة الأزهر بعد ذلك. والملك "إدريس السنوسي" ملك ليبيا، وكان مقيما بالقاهرة. والشيخ "الطاهر بن عاشور" و"يوسف النبهاني" و"بدر الدين الحسني"، و"محمد راغب الطباخ"… وغيرهم.
(في ذكرى وفاته: 19 من شعبان 1413هـ)
أحمد تمام
في بيت كريم من بيوتات المغرب ولد عبد الله بن محمد الغماري سنة (1328هـ = 1910م)، ونشأ في أسرة ذات علم وفضل؛ فالوالد واحد من كبار محدثي المغرب، وله زاوية معروفة بـ"الزاوية الصديقية"، كانت تُلقى فيها دروس الحديث والفقه واللغة، والأخ الأكبر له محدّث معروف ، وكان الوالد الشيخ أول من تعهد ابنه بالرعاية والتربية والتعليم والتثقيف؛ فحفظه القرآن الكريم وعدة متون تعليمية في الفقه والحديث واللغة، مثل: متن الآجرومية في النحو، ومختصر خليل في الفقه المالكي، وبلوغ المرام من أدلة الأحكام.
وبعد هذه الدراسة الأولية انتقل إلى "فاس"؛ حيث درس الحديث والفقه والنحو على شيوخها وعلمائها، ثم دخل "جامعة القرويين" للدراسة بها، ثم عاد إلى "طنجة"، وانتظم في حضور دروس الزاوية الصديقية، وحضر دروس والده، وفي تلك الفترة المبكرة من عمره ظهرت آيات نبوغه وذكائه؛ فوضع شرحا لمتن الآجرومية، باسم "تشييد المباني لتوضيح ما حوته الآجرومية من الحقائق والمعاني". والآجرومية متن في النحو، جمع فيه مؤلفه "ابن آجروم" بإيجاز شديد ما ينبغي للمبتدئ معرفته من أبواب النحو، وقد اشتهر هذا الكتاب حتى أصبح أساسا للدراسات النحوية للناشئين.
الرحلة إلى القاهرة :
وبعد أن أتقن "الغماري" دروسه، وبرع الحديث شدّ الرحال إلى القاهرة في سنة (1349هـ = 1930م)، وكانت مصر تشهد نهضة أدبية وفكرية سبقت بها العالم العربي، وجذبت إليها أعلام النهضة؛ فأصبحت مجمعا للفنون والعلوم والآداب، وكان الأزهر الكريم يشمخ بكلياته الثلاث التي أُنشئت، وهي: الشريعة، واللغة العربية، وأصول الدين، ويفخر بعلمائه الفحول وشيوخه العظام.
التحق "الغماري" بالأزهر ودرس به، واتصل بعلمائه، وتوثقت صلته ببعضهم، ثم تقدم لنيل عالمية الأزهر في خمسة عشر فنا، فوُفِّق في الحصول عليها، ونال شرف الانتساب إلى الأزهر.
وفي فترة إقامته بالقاهرة تردد على عدد من شيوخ مصر، وروى عنهم من أمثال: "محمد بخيت المطيعي"، وهو من أفذاذ علماء الأزهر، وقد تولى منصب الإفتاء، والشيخ "عبد المجيد اللبان" أول من تولى مشيخة كلية أصول الدين، و"محمد حسنين مخلوف"، وفي الوقت نفسه كان الغماري يدرس الحديث بالرواق العباسي في الجامع الأزهر، فالتف حوله طلبة الشهادة العالمية، وانتفعوا بعلمه كثيرًا.
في مجال الدعوة
ولم تقتصر جهود الشيخ "الغماري" على التدريس لطلبة العلم في مصر، بل اتجه إلى ميدان أفسح، يتصل فيه بعامة الناس، ويرد على أسئلتهم، ويحل قضاياهم ومشكلاتهم؛ فكانت له محاضرات في الجمعيات الإسلامية مثل جمعية: "العشيرة المحمدية"، و"جمعية الهداية الإسلامية"، وجماعة "أنصار السلف الصالح"، وجماعة "الإخوان المسلمين"، وكانت له صلة بمؤسسها الإمام "حسن البنا" ووالده الشيخ "أحمد عبد الرحمن البنا"، وقد كان الشيخ عبد الرحمن البنا من كبار المشتغلين بالسنة النبوية، وله فيها مساهمات مشكورة وجهود محمودة، وقد أخرج للناس كتابه المعروف "الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحد بن حنبل الشيباني". كما ألقى محاضرات للنساء في جمعية "السيدات المسلمات" التي أنشأتها الداعية المعروفة "زينب الغزالي"، وإلى جانب الدروس والمحاضرات كان يكتب المقالات التي تتناول الحديث وعلومه.
وفي هذه الفترة كان يفد إلى مصر كبار الأئمة من العالم الإسلامي؛ إما للسكنى والإقامة، وإما للزيارة والرحلة، وكانت القاهرة قبلة العلم ومأوى العلماء، فانتهز الغماري فرصة وجودهم بالقاهرة، واتصل بهم وروى عنهم؛ مثل الشيخ: "محمد زاهد الكوثري" وكيل المشيخة العثمانية ومن أفذاذ العلماء، وقد استوطن القاهرة بعد سقوط الخلافة العثمانية، والتف حوله التلاميذ من القاهرة، وكان واسع الرواية كثير الشيوخ. والشيخ "محمد الخضر حسين"، وهو تونسي الأصل أقام بالقاهرة، وكان من أعضاء المجمع اللغوي، وتولى مشيخة الأزهر بعد ذلك. والملك "إدريس السنوسي" ملك ليبيا، وكان مقيما بالقاهرة. والشيخ "الطاهر بن عاشور" و"يوسف النبهاني" و"بدر الدين الحسني"، و"محمد راغب الطباخ"… وغيرهم.
محنة الشيخ:
وفي أثناء إقامته بالقاهرة لم ينقطع عن تأليف الكتب والرسائل، وتحقيق الكتب النفيسة في علم الحديث عن علم وبصيرة وقدرة وتمكن، تمده ثقافة واسعة، وإحاطة عميقة بعلوم الحديث، ولم يكن مبالغًا المحدثُ الشيخ "عبد الوهاب عبد اللطيف" حين وصف صديقه "الغماري" في مقدمة تحقيقه لكتاب "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" للسخاوي، فقال: "وفضيلة الأستاذ المحدث قد وُهب قريحة وقَّادة، وحافظة قوية، وبصيرة نفاذة، قلما تجد في هذا الباب مثله، وسترى فيما يمر عليك من تعليقاته أنه حرر ما فات المؤلف تحريره، وأكمل ما بيض له المصنف..."
وظل الشيخ موضع تقدير من علماء مصر حتى تعرض لمحنة عصيبة في أواخر الخمسينيات، وكانت رياح الاستبداد تعصف بالمخلصين من الرجال في الحقبة الناصرية، ولم يسلم من أذاها نفر من خيرة رجال مصر علما وخلقا، وكان الناس يؤخذون بالظنة والشبهة؛ فيُلقى بهم في غياهب السجون، وكانت تهمة الانتساب إلى جماعة "الإخوان المسلمين" تكفي لأن يُلقى صاحبها في السجن، ولم يكن السن أو المكانة العلمية درعا يحمي صاحبه من وطأة الطغيان، ولم يسلم الشيخ الجليل "عبد الله الغماري" من هذه المحنة، ولم يشفع له علمه وسنُّه، فألقي في السجن في (14 من جمادى الآخرة 1379هـ = 15 من ديسمبر 1959م)، وظل حبيسًا إحدى عشرة سنة، فأفرج عنه في (16 من شوال 1389هـ = 26 من ديسمبر 1969م)، وخرج من السجن ليقوم بما كان يتولاه من قبل من التأليف والتدريس.
وقد حضرت للشيخ دروسه في القاهرة، في مسجد "محمود" في أواخر السبعينيات، وكان رجلا بهيَّ الطلعة، يرتدي الزي المغربي المعروف، على وجهه نور الحديث، وأثارة من السلف الصالح، وقرأ علينا بعضًا من كتاب "موطأ الإمام مالك"، و"شمائل النبي" للترمذي، وقد قرأ عليه جماعة كبيرة من أهل العلم، وأجازهم برواياته ورواية مؤلفاته على عادة المحدثين.
مؤلفاته
للشيخ مؤلفات كثيرة في الفقه والحديث، تزيد عن مائة كتاب ورسالة أشهرها:
- الكنز الثمين في أحاديث النبي الأمين.
- الفتح المبين لشرح الكنز الثمين.
- الأربعون الصديقية في مسائل اجتماعية.
دلالة القرآن المبين على أن النبي صلى الله عليه وسلمأفضل العالمين.
- فتح الغني الماجد بحجة الخبر الواحد.
- تمام المنة ببيان الخصال الموجبة للجنة.
- بدع التفاسير.
- جواهر البيان في تناسب سور القرآن.
- أوضح البرهان على تحريم الخمر والحشيش في القرآن.
وكانت له مشاركة جيدة في إخراج نفائس كتب الحديث وتحقيقها مثل: "المقاصد الحسنة" للسخاوي، و"بلوغ المرام من أدلة الأحكام" لابن حجر العسقلاني، و"مسند أبي بكر الصديق" لجلال الدين السيوطي، و"الاستخراج لأحكام الخراج" لابن رجب الحنبلي.
وفاته
أقام الشيخ الجليل الفترة الأخيرة من حياته في "طنجة"، وإن لم يقطع صلته بالقاهرة، يفد إليها من حين إلى آخر، ومرض في آخر أيامه، وتوفي في "طنجة" في (19 من شعبان 1413هـ = 12 من فبراير 1993م)، ودُفن بجوار والده.
وفي أثناء إقامته بالقاهرة لم ينقطع عن تأليف الكتب والرسائل، وتحقيق الكتب النفيسة في علم الحديث عن علم وبصيرة وقدرة وتمكن، تمده ثقافة واسعة، وإحاطة عميقة بعلوم الحديث، ولم يكن مبالغًا المحدثُ الشيخ "عبد الوهاب عبد اللطيف" حين وصف صديقه "الغماري" في مقدمة تحقيقه لكتاب "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" للسخاوي، فقال: "وفضيلة الأستاذ المحدث قد وُهب قريحة وقَّادة، وحافظة قوية، وبصيرة نفاذة، قلما تجد في هذا الباب مثله، وسترى فيما يمر عليك من تعليقاته أنه حرر ما فات المؤلف تحريره، وأكمل ما بيض له المصنف..."
وظل الشيخ موضع تقدير من علماء مصر حتى تعرض لمحنة عصيبة في أواخر الخمسينيات، وكانت رياح الاستبداد تعصف بالمخلصين من الرجال في الحقبة الناصرية، ولم يسلم من أذاها نفر من خيرة رجال مصر علما وخلقا، وكان الناس يؤخذون بالظنة والشبهة؛ فيُلقى بهم في غياهب السجون، وكانت تهمة الانتساب إلى جماعة "الإخوان المسلمين" تكفي لأن يُلقى صاحبها في السجن، ولم يكن السن أو المكانة العلمية درعا يحمي صاحبه من وطأة الطغيان، ولم يسلم الشيخ الجليل "عبد الله الغماري" من هذه المحنة، ولم يشفع له علمه وسنُّه، فألقي في السجن في (14 من جمادى الآخرة 1379هـ = 15 من ديسمبر 1959م)، وظل حبيسًا إحدى عشرة سنة، فأفرج عنه في (16 من شوال 1389هـ = 26 من ديسمبر 1969م)، وخرج من السجن ليقوم بما كان يتولاه من قبل من التأليف والتدريس.
وقد حضرت للشيخ دروسه في القاهرة، في مسجد "محمود" في أواخر السبعينيات، وكان رجلا بهيَّ الطلعة، يرتدي الزي المغربي المعروف، على وجهه نور الحديث، وأثارة من السلف الصالح، وقرأ علينا بعضًا من كتاب "موطأ الإمام مالك"، و"شمائل النبي" للترمذي، وقد قرأ عليه جماعة كبيرة من أهل العلم، وأجازهم برواياته ورواية مؤلفاته على عادة المحدثين.
مؤلفاته
للشيخ مؤلفات كثيرة في الفقه والحديث، تزيد عن مائة كتاب ورسالة أشهرها:
- الكنز الثمين في أحاديث النبي الأمين.
- الفتح المبين لشرح الكنز الثمين.
- الأربعون الصديقية في مسائل اجتماعية.
دلالة القرآن المبين على أن النبي صلى الله عليه وسلمأفضل العالمين.
- فتح الغني الماجد بحجة الخبر الواحد.
- تمام المنة ببيان الخصال الموجبة للجنة.
- بدع التفاسير.
- جواهر البيان في تناسب سور القرآن.
- أوضح البرهان على تحريم الخمر والحشيش في القرآن.
وكانت له مشاركة جيدة في إخراج نفائس كتب الحديث وتحقيقها مثل: "المقاصد الحسنة" للسخاوي، و"بلوغ المرام من أدلة الأحكام" لابن حجر العسقلاني، و"مسند أبي بكر الصديق" لجلال الدين السيوطي، و"الاستخراج لأحكام الخراج" لابن رجب الحنبلي.
وفاته
أقام الشيخ الجليل الفترة الأخيرة من حياته في "طنجة"، وإن لم يقطع صلته بالقاهرة، يفد إليها من حين إلى آخر، ومرض في آخر أيامه، وتوفي في "طنجة" في (19 من شعبان 1413هـ = 12 من فبراير 1993م)، ودُفن بجوار والده.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله بديع السموات والأرض، ذي الجلال والإكرام والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جاء بالسنة والفرض، وبين الحلال والحرام. ورضي الله عن ءاله الكرام، وصحابته الأعلام.
هذا جزء حررت فيه معنى البدعة، وذكرت أنواعها، وبينت حسنها [وسيئها] وحسبما اقتضته الأدلة، في إطار القواعد الأصولية، ناكبا عن طريق التزمت الممقوت، طارحا للتساهل المرذول.
وبالله أستعين فهو الموفق المعين.
خادم الحديث والسنة
عبد الله بن الصديق الغماري الحسيني
أبو الفضل
مقدمة
الحمد لله بديع السموات والأرض، ذي الجلال والإكرام والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جاء بالسنة والفرض، وبين الحلال والحرام. ورضي الله عن ءاله الكرام، وصحابته الأعلام.
هذا جزء حررت فيه معنى البدعة، وذكرت أنواعها، وبينت حسنها [وسيئها] وحسبما اقتضته الأدلة، في إطار القواعد الأصولية، ناكبا عن طريق التزمت الممقوت، طارحا للتساهل المرذول.
وبالله أستعين فهو الموفق المعين.
خادم الحديث والسنة
عبد الله بن الصديق الغماري الحسيني
أبو الفضل
قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن: الإبداع إنشاء صنعة
بلا احتذاء وإقتداء، وإذا استعمل في الله تعالى، فهو ايجاد الشيء بغير ءالة ولا
مادة ولا زمان ولا مكان، وليس ذلك إلا لله. والبديع يقال للمبدع نحو قوله: {بديع
السموات والأرض} ويقال للمبدَع -بفتح الدال - نحو ركية بديع. وكذلك البدع، يقال
لهما جميعا بمعنى الفاعل والمفعول. وقوله تعالى: {قل كنت بدعا من الرسل} قيل معناه
مبدعا لم يتقدمني رسول، وقيل: مبدعا فيما أقوله. والبدعة في المذهب إيراد قول لم
يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة، [وأمثالها] المتقدمة، وأصولها المتقنة،
وروي: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" اهـ.
وقال ابن الأثير في النهاية: البدعة بدعتان: بدعة هدى، وبدعة ضلال فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيز الذم والإنكار.
وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه، وحض عليه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيز المدح. وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء، وفعل المعروف، فهو في الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثوابا، فقال: "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها" وقال في ضده: "ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به، أو رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه"؛ لما كانت من أفعال الخير، وداخلة في حيز المدح، سماها بدعة ومدحها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنها لهم، وإنما صلاَها ليالي ثم تركها، ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس لها. ولا كانت في زمن أبي بكر، وإنما عمر جمع الناس عليها وندبها إليها، فبهذا سماها بدعة، وهي على الحقيقة سنة. لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وقوله: "اقتدوا [بالذين] من بعدي أبي بكر وعمر" وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر: "كل محدثة بدعة".
إنما يريد: ما خلف أصول الشريعه ولم يوافق السنة اهـ.
وقال الفيومي في المصباح: أبدع الله تعالى الخلق إبداعا خلقهم لا على مثال وأبدعت الشيء وابتدعته، استخرجته وأحدثته، ومنه قيل للحالة المخالفة بدعة، وهي اسم من الابتداع، كالرفعة من الارتفاع. ثم غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين، أو زيادة لكن قد يكون بعضها غير مكروه، فيسمى بدعة مباحة، وهو ما شهد لجنسه أصل في الشرع، أو اقتضته مصلحة يندفع بها مفسدة، كاحتجاب الخليفةعن أخلاط الناس اهـ.
وقال ابن الأثير في النهاية: البدعة بدعتان: بدعة هدى، وبدعة ضلال فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيز الذم والإنكار.
وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه، وحض عليه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيز المدح. وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء، وفعل المعروف، فهو في الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثوابا، فقال: "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها" وقال في ضده: "ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به، أو رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه"؛ لما كانت من أفعال الخير، وداخلة في حيز المدح، سماها بدعة ومدحها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنها لهم، وإنما صلاَها ليالي ثم تركها، ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس لها. ولا كانت في زمن أبي بكر، وإنما عمر جمع الناس عليها وندبها إليها، فبهذا سماها بدعة، وهي على الحقيقة سنة. لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وقوله: "اقتدوا [بالذين] من بعدي أبي بكر وعمر" وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر: "كل محدثة بدعة".
إنما يريد: ما خلف أصول الشريعه ولم يوافق السنة اهـ.
وقال الفيومي في المصباح: أبدع الله تعالى الخلق إبداعا خلقهم لا على مثال وأبدعت الشيء وابتدعته، استخرجته وأحدثته، ومنه قيل للحالة المخالفة بدعة، وهي اسم من الابتداع، كالرفعة من الارتفاع. ثم غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين، أو زيادة لكن قد يكون بعضها غير مكروه، فيسمى بدعة مباحة، وهو ما شهد لجنسه أصل في الشرع، أو اقتضته مصلحة يندفع بها مفسدة، كاحتجاب الخليفةعن أخلاط الناس اهـ.
وفي القاموس وشرحه: البدعه بالكسر الحدث في الدين بعد
الإكمال ومنه الحديث: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة
ضلالة" أو هي ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء والأعمال،
وهذا قول الليث، وقال ابن السكيت: البدعة كل محدثة اهـ.
ثم نقل الشارح كلام النهاية، كما سبق.
يستخلص مما سبق أن كل محدثة بدعة، في اللغة والشرع وأن البدعة في عرف الشرع نوعان محمودة ومذمومة.
من المعلوم بالضرورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المباحات، لأنها كثيرة، لا يستطيع بشر أن يستوعبها عدا، فضلا عن أن يتناولها.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان زاهدا متقللا، ويترك ما زاد على ذلك.
فم زعم تحريم شيء بدعوى [أن] النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله فقد ادعى ما ليس عليه دليل، وكانت دعواه مردودة.
وفي الصحيحين عن خالد بن الوليد أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة، فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقيل: هو ضب يا رسول الله فرفع يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: "لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه" قال خالد: فاجتررته فأكلته، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر.
وفي الحديث دليل للقاعدة الأصوليه: أن ترك الشيء، لا يقتضى تحريمه قد يقال: سؤال خالد، يدل على خلاف القاعدة. وهو أن الترك يقتضي التحريم وقد استدل به بعضهم لذلك.
فيقال في جوابه: لما رأى خالد اعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب بعد أهوى إليه ليأكل منه، حصل عنده شبهة في تحريمه، فلذلك سأل. وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم له، مؤيدا للقاعدة، ومؤكدا لعمومها في أن ترك الشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يفيد تحريمه وفي الحديث دليل أيضا على أن استقذار الشيء لا يحرمه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استقذر الضب وعافه، ولم يحرمه.
ثم نقل الشارح كلام النهاية، كما سبق.
يستخلص مما سبق أن كل محدثة بدعة، في اللغة والشرع وأن البدعة في عرف الشرع نوعان محمودة ومذمومة.
من المعلوم بالضرورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المباحات، لأنها كثيرة، لا يستطيع بشر أن يستوعبها عدا، فضلا عن أن يتناولها.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان زاهدا متقللا، ويترك ما زاد على ذلك.
فم زعم تحريم شيء بدعوى [أن] النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله فقد ادعى ما ليس عليه دليل، وكانت دعواه مردودة.
وفي الصحيحين عن خالد بن الوليد أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة، فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقيل: هو ضب يا رسول الله فرفع يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: "لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه" قال خالد: فاجتررته فأكلته، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر.
وفي الحديث دليل للقاعدة الأصوليه: أن ترك الشيء، لا يقتضى تحريمه قد يقال: سؤال خالد، يدل على خلاف القاعدة. وهو أن الترك يقتضي التحريم وقد استدل به بعضهم لذلك.
فيقال في جوابه: لما رأى خالد اعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب بعد أهوى إليه ليأكل منه، حصل عنده شبهة في تحريمه، فلذلك سأل. وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم له، مؤيدا للقاعدة، ومؤكدا لعمومها في أن ترك الشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يفيد تحريمه وفي الحديث دليل أيضا على أن استقذار الشيء لا يحرمه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استقذر الضب وعافه، ولم يحرمه.
ومن المعلوم ايضا بالضرورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يفعل جميع المندوبات، لاشتغاله بمهام عظام، استغرقت معظم وقته: تبيلغ الدعوة،
ومجادلة المشركين والكتابين، وجهاد الكفار، لحماية بيضة الإسلام، وعقد معاهدات
الصلح والأمان والهدنة وإقامة الحدود، وإنفاذ السرايا للغزو وبعث العمال بجباية
الزكاة، وتبليغ الأحكام، وغير ذلك مما يلزم لتأسيس الدوله الإسلامية، وتحديد
معالمها، بل ترك صلى الله عليه وسلم بعض المندوبات عمدا، مخافة أن تفرض على أمته،
أو يشق عليهم إذا هو فعله.
ولأنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بالنصوص العامة الشاملة للمندوبات بجميع أنواعها منذ جاء الإسلام، إلى قيام الساعة، مثل: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} {ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا} {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} وجاءت الأحاديث النبوية، على هذا المنوال، وسنذكر بعضها بحول الله تعالى فمن زعم في فعل خير مستحدث، أنه بدعة مذمومة، فقد أخطأ وتجرأ على الله ورسوله حيث ذم ما ندب [الله ورسوله] إليه، في عموميات الكتاب والسنة.
روى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: "إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة".
ولأنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بالنصوص العامة الشاملة للمندوبات بجميع أنواعها منذ جاء الإسلام، إلى قيام الساعة، مثل: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} {ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا} {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} وجاءت الأحاديث النبوية، على هذا المنوال، وسنذكر بعضها بحول الله تعالى فمن زعم في فعل خير مستحدث، أنه بدعة مذمومة، فقد أخطأ وتجرأ على الله ورسوله حيث ذم ما ندب [الله ورسوله] إليه، في عموميات الكتاب والسنة.
روى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: "إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة".
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة
ضلالة" هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع، قال أهل اللغة: هي كل شيء عمل غير
مثال سابق. قال العلماء البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرّمة ومكروهة فمن
الواجبة نظم أدلّة المتكلمين، للرّد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك ومن
المندوبة تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط وغير ذلك. ومن المباح [التبسّط] في
ألوان الأطعمة وغير ذلك. والحرام والمكروه ظاهران فإذا عرف ما ذكرته، علم أن
الحديث من العام المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الوارده، ويؤيدها قول عمر رضي
الله عنه نعمة البدعة، ولا يمنع من كون الحديث [عام مخصوص] قوله: "كل
بدعة"، مؤكدا بـ"كل"، بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى: {تدمر
كل شيء} اهـ.
في حديث العرباض بن سارية، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.
قال الحافظ بن رجب في شرحه: "والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعه يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة لغة" اهـ.
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود قال: "إن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد صلّى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها".
قال الحافظ بن حجر والمحدثات بفتح الدال جمع محدثه، والمراد بها ما أحدث وما ليس له أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع، فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة، بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث على غير مثال، يسمى بدعة سواء كان محمودا او مذموما اهـ.
قلت: ما أحدث وله أصل في الشرع يشهد له يسمى سنة حسنة، كذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم ومقابله يسمى بدعة، كما يسمى سنة سيئة.
في حديث العرباض بن سارية، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.
قال الحافظ بن رجب في شرحه: "والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعه يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة لغة" اهـ.
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود قال: "إن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد صلّى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها".
قال الحافظ بن حجر والمحدثات بفتح الدال جمع محدثه، والمراد بها ما أحدث وما ليس له أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع، فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة، بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث على غير مثال، يسمى بدعة سواء كان محمودا او مذموما اهـ.
قلت: ما أحدث وله أصل في الشرع يشهد له يسمى سنة حسنة، كذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم ومقابله يسمى بدعة، كما يسمى سنة سيئة.
وروى أبو نعيم عن ابراهيم بن الجنيد، قال: سمعت الشافعي
يقول: البدعة بدعتان بدعة محمودة، وبدعة مذمومة.
فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم.
وروى البيهقي في مناقب الشافعي عنه، قال: المحدثات ضربان: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنةً أو أثرا أو إجماعا، فهذه بدعة الضلالة.
وما أحدث من الخير لا خلاف فيه في واحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر في قيام رمضان: نعمة البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت، ليس فيها رد لما مضى.
وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري: وأما قوله في حديث العرباض: "فإن كل بدعة ضلالة" بعد قوله: "وإياكم ومحدثات الأمور" فإنه يدل على أن المحدث يسمى بدعة وقوله: "كل بدعة ضلالة" قاعدة شرعية كلية، بمنطوقها [ومفهومها]. أما منطوقها فكأن يقال: حكم كذا بدعة وكل بدعة ضلالة، فلا تكون من الشرع، لأن الشرع كله هدى فإن [ثبت] أن الحكم المذكور بدعة، صحة المقدمتان وأنتجتا المطلوب.
والمراد بقوله: "كل بدعة ضلالة" ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام اهـ.
وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: البدعة بكسر الباء، في الشرع، هي إحداث ما لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي منقسمه إلى حسنة وقبيحة.
قال الشيخ الإمام المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه، في ءاخر كتاب القواعد: البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب، فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فمحرمة، أو الندب، فمندوبة، أو المكروهة فمكروهة، أو المباح فمباحة.
فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم.
وروى البيهقي في مناقب الشافعي عنه، قال: المحدثات ضربان: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنةً أو أثرا أو إجماعا، فهذه بدعة الضلالة.
وما أحدث من الخير لا خلاف فيه في واحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر في قيام رمضان: نعمة البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت، ليس فيها رد لما مضى.
وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري: وأما قوله في حديث العرباض: "فإن كل بدعة ضلالة" بعد قوله: "وإياكم ومحدثات الأمور" فإنه يدل على أن المحدث يسمى بدعة وقوله: "كل بدعة ضلالة" قاعدة شرعية كلية، بمنطوقها [ومفهومها]. أما منطوقها فكأن يقال: حكم كذا بدعة وكل بدعة ضلالة، فلا تكون من الشرع، لأن الشرع كله هدى فإن [ثبت] أن الحكم المذكور بدعة، صحة المقدمتان وأنتجتا المطلوب.
والمراد بقوله: "كل بدعة ضلالة" ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام اهـ.
وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: البدعة بكسر الباء، في الشرع، هي إحداث ما لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي منقسمه إلى حسنة وقبيحة.
قال الشيخ الإمام المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه، في ءاخر كتاب القواعد: البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب، فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فمحرمة، أو الندب، فمندوبة، أو المكروهة فمكروهة، أو المباح فمباحة.
وللبدع الواجبة أمثلة، منها الاشتغال بعلم النحو الذي يُفهم
به كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك واجب، لأن حفظ
الشريعة واجب ولا يتأتى حفظها إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني: حفظ غريب الكتاب والسنة، الثالث: تدوين أصول الدين وأصول الفقه، الرابع: الكلام في الجرح والتعديل، وتمييز الصحيح من السقيم. وقد دلّت قواعد الشريعة على أن حفظ الشريعة فرض كفاية، في ما زاد عن المتعين، ولا يأتي ذلك إلا بما ذكرناه. وللبدع المحرمة أمثله منها مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة، والرد على هؤلاء من البدع الواجبة. وللبدع المندوبة أمثلة منها إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها التراويح والكلام في دقائق التصوف، وفي الجدل ومنها جمع المحافل للاستدلال [إن] قصد بذلك وجه الله تعالى.
وللبدع المكروهة أمثلة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف و[البدع] المباحة أمثلة منها المصافحة عقب الصبح والعصر ومنها التوسع في اللذيد من المآكل والمشارب والملابس والمساكن ولبس الطيالسة، وتوسيع الأكمام، وقد يختلف في بعض ذلك، فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة، ويجعله ءاخرون من السنة المنقولة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بعده وذلك كالاستعاذة في الصلاة والبسملة اهـ.
وكذا نقله الحافظ في الفتح وسلّمه وهو حقيق بالتسليم.
الثاني: حفظ غريب الكتاب والسنة، الثالث: تدوين أصول الدين وأصول الفقه، الرابع: الكلام في الجرح والتعديل، وتمييز الصحيح من السقيم. وقد دلّت قواعد الشريعة على أن حفظ الشريعة فرض كفاية، في ما زاد عن المتعين، ولا يأتي ذلك إلا بما ذكرناه. وللبدع المحرمة أمثله منها مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة، والرد على هؤلاء من البدع الواجبة. وللبدع المندوبة أمثلة منها إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها التراويح والكلام في دقائق التصوف، وفي الجدل ومنها جمع المحافل للاستدلال [إن] قصد بذلك وجه الله تعالى.
وللبدع المكروهة أمثلة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف و[البدع] المباحة أمثلة منها المصافحة عقب الصبح والعصر ومنها التوسع في اللذيد من المآكل والمشارب والملابس والمساكن ولبس الطيالسة، وتوسيع الأكمام، وقد يختلف في بعض ذلك، فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة، ويجعله ءاخرون من السنة المنقولة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بعده وذلك كالاستعاذة في الصلاة والبسملة اهـ.
وكذا نقله الحافظ في الفتح وسلّمه وهو حقيق بالتسليم.
يعلم مما مر: أن العلماء متفقون على انقسام البدعة إلى
محمودة ومذمومة، وأن عمر رضي الله عنه أول من نطق بذلك. ومتفقون على أن قول النبي
صلى الله عيه وسلم: "كل بدعة ضلالة" عام مخصوص. ولم يشذ عن هذا الاتفاق
إلا الشاطبي صاحب الاعتصام، فإنه أنكر هذا الانقسام، وزعم أن كل بدعة مذمومة، لكنه
اعترف بأن من البدع ما هو مطلوب وجوبا أو ندبا، فجعله من قبيل المصلحة المرسلة،
فخلافه لفظي يرجع إلى التسمية. أي أن البدعة المطلوبة، لا تسمى بدعة حسنة، بل تسمى
مصلحة.
قال الامام الشافعي: "كل ما له مستند من الشرع، فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف، لأن تركهم للعمل به، قد يكون لعذر قام لهم في الوقت، أو لِما هو أفضل منه، أو لعله لم يبلغ جميعهم علم به" اهـ.
وقال الإمام ابن لب، في الرد على من كره الدعاء عقب الصلاة: غاية ما يستند اليه منكر الدعاء أدبار الصلوات: أن إلتزامه على ذلك الوجه، لم يكن من عمل السلف وعلى تقدير صحة هذا النقل فالترك ليس بموجب لحكم في ذلك المتروك، إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه وأما تحريم أو لصوق كراهية بالمتروك فلا، ولا سيما فيما له أصل جملي متقرر من الشرع كالدعاء اهـ.
وقال ابن العربي: "ليست البدعة والمحدث مذمومين للفظ بدعة ومحدث ولا معناهما، وإنما يذم من البدعة ما خالف السنة، ويذم من المحدثات ما دعا إلى الضلالة" اهـ.
الدليل لما اتفق عليه العلماء من تخصيص حديث: "كل بدعة ضلالة" عدّة أحاديث:
الحديث الأول:
روى مسلم والنسائي وابن ماجه عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
قال الامام الشافعي: "كل ما له مستند من الشرع، فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف، لأن تركهم للعمل به، قد يكون لعذر قام لهم في الوقت، أو لِما هو أفضل منه، أو لعله لم يبلغ جميعهم علم به" اهـ.
وقال الإمام ابن لب، في الرد على من كره الدعاء عقب الصلاة: غاية ما يستند اليه منكر الدعاء أدبار الصلوات: أن إلتزامه على ذلك الوجه، لم يكن من عمل السلف وعلى تقدير صحة هذا النقل فالترك ليس بموجب لحكم في ذلك المتروك، إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه وأما تحريم أو لصوق كراهية بالمتروك فلا، ولا سيما فيما له أصل جملي متقرر من الشرع كالدعاء اهـ.
وقال ابن العربي: "ليست البدعة والمحدث مذمومين للفظ بدعة ومحدث ولا معناهما، وإنما يذم من البدعة ما خالف السنة، ويذم من المحدثات ما دعا إلى الضلالة" اهـ.
الدليل لما اتفق عليه العلماء من تخصيص حديث: "كل بدعة ضلالة" عدّة أحاديث:
الحديث الأول:
روى مسلم والنسائي وابن ماجه عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
قال النووي: فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن
الحسنات والتحذير من الأباطيل والمستقبحات. وفي هذا الحديث تخصيص لقوله صلى الله
عليه وسلم: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وأن المراد به المحدثات
الباطلة والبدع المذمومه اهـ.
وقال السندي في حاشية ابن ماجة: قوله: "سنّة حسنة" أي طريقة مرضية يقتدي بها، والتمييز بين الحسنة والسيئة بموافقة أصول الشرع وعدمها اهـ.
الحديث الثاني:
روى بن ماجة بإسناد صحيح عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استنّ خيرا [فاستنّ] به كان له أجره كاملا ومن أجور من استنّ به، لا ينقص من أجورهم شيئا ومن استنّ سنة سيئة فاستنّ به فعليه وزره كاملا ومن أوزاره الذي استن به لا ينقص من أوزارهم شيئا".
الحديث الثالث:
روى ابن ماجة عن أبي [جحيفة] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سنّ سنة حسنة فعمل بها بعده كان له أجره ومثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سنّ سنة سيئة فعمل بها بعده كان عليه وزره ومثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا" إسناده جيد.
الحديث الرابع:
روى أحمد والبزّار والطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن حذيفه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن خيرا فاستنّ به كان له أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا ومن سنّ شرا فاستنّ به كان عليه وزره ومن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا".
الحديث الخامس:
روى الطبراني بإسناد حسن أيضا عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سنّ سنة حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك ومن سنّ سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك ومن مات مرابطا في سبيل الله جرى عليه عمل الرابط حتى يبعث يوم القيامة".
وقال السندي في حاشية ابن ماجة: قوله: "سنّة حسنة" أي طريقة مرضية يقتدي بها، والتمييز بين الحسنة والسيئة بموافقة أصول الشرع وعدمها اهـ.
الحديث الثاني:
روى بن ماجة بإسناد صحيح عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استنّ خيرا [فاستنّ] به كان له أجره كاملا ومن أجور من استنّ به، لا ينقص من أجورهم شيئا ومن استنّ سنة سيئة فاستنّ به فعليه وزره كاملا ومن أوزاره الذي استن به لا ينقص من أوزارهم شيئا".
الحديث الثالث:
روى ابن ماجة عن أبي [جحيفة] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سنّ سنة حسنة فعمل بها بعده كان له أجره ومثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سنّ سنة سيئة فعمل بها بعده كان عليه وزره ومثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا" إسناده جيد.
الحديث الرابع:
روى أحمد والبزّار والطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن حذيفه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن خيرا فاستنّ به كان له أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا ومن سنّ شرا فاستنّ به كان عليه وزره ومن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا".
الحديث الخامس:
روى الطبراني بإسناد حسن أيضا عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سنّ سنة حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك ومن سنّ سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك ومن مات مرابطا في سبيل الله جرى عليه عمل الرابط حتى يبعث يوم القيامة".
فهذه الأحاديث تصريح بتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة فالحسنة
هي التي توافق أصول الشرع، وهي وإن كانت محدثة باعتبار شخصها، فهي مشروعة باعتبار
نوعها لدخولها في قاعدة شرعية، او عموم ءاية او حديث، ولهذا سميت حسنة وكان أجرها
يجري على من سنّها بعد وفاته.
والسيئة هي التي تخالف قواعد الشرع وهي مذمومة، [والبدعة الضلالة]. قال الأبيّ في شرح مسلم: ويدخل في السنة الحسنة البدع المستحسنة كقيام رمضان والتحضير في المنار إثر فراغ الأذان وعن أبواب الجامع وعند دخول الإمام [والتصبيح] عند طلوع الفجر، كل ذلك من الإعانة على العبادة التي يشهد الشرع باعتبارها. وقد كان علي وعمر يوقظان الناس لصلاة الصبح بعد طلوع الفجر واتفق أن إمام الجامع الأعظم بتونس، وأظنه البرجيني، حيث أتى ليدخل الجامع، سألته امرأة ان يدعو لأبنها الأسير، وكان المؤذنون حينئذ يحضرون في المنار، فقال لها: ما أصاب الناس في هذا يعني التحضير أشدّ من أسر ابنك، فكان الشيخ -يعني ابن عرفة- ينكر ذلك، ويقول: ليس إنكاره بصحيح، بل التحضير من البدع المستحسنة التي شهد الشرع باعتبارها ومصلحتها ظاهرة، قال وهو إجماع من الشيوخ إذ لم ينكره، قيام رمضان والاجتماع على التلاوة، ولا شك أنه لا وجه لإنكاره إلاّ كونه بدعة، ولكنها مستحسنة، ويشهد لاعتبارها الأذان والإقامة فإن الأذان للإعلام بدخول الوقت، والإقامة بحضور الصلاة، وكذلك التحضير هو إعلام بقرب حضور الصلاة اهـ.
[ويجب أن ننبه] على مسئلة مهمة، لا يعرفها أهل العلم، فضلا عمن دونهم، وهي تعين على فهم هذه الأحاديث، ويدرك بها الفرق بين ثلاث حقائق شرعية:
1- سن سنة أو استنانها أي إنشاؤها باجتهاد واستنباط من قواعد الشرع أو عمومات نصوصه.
والسيئة هي التي تخالف قواعد الشرع وهي مذمومة، [والبدعة الضلالة]. قال الأبيّ في شرح مسلم: ويدخل في السنة الحسنة البدع المستحسنة كقيام رمضان والتحضير في المنار إثر فراغ الأذان وعن أبواب الجامع وعند دخول الإمام [والتصبيح] عند طلوع الفجر، كل ذلك من الإعانة على العبادة التي يشهد الشرع باعتبارها. وقد كان علي وعمر يوقظان الناس لصلاة الصبح بعد طلوع الفجر واتفق أن إمام الجامع الأعظم بتونس، وأظنه البرجيني، حيث أتى ليدخل الجامع، سألته امرأة ان يدعو لأبنها الأسير، وكان المؤذنون حينئذ يحضرون في المنار، فقال لها: ما أصاب الناس في هذا يعني التحضير أشدّ من أسر ابنك، فكان الشيخ -يعني ابن عرفة- ينكر ذلك، ويقول: ليس إنكاره بصحيح، بل التحضير من البدع المستحسنة التي شهد الشرع باعتبارها ومصلحتها ظاهرة، قال وهو إجماع من الشيوخ إذ لم ينكره، قيام رمضان والاجتماع على التلاوة، ولا شك أنه لا وجه لإنكاره إلاّ كونه بدعة، ولكنها مستحسنة، ويشهد لاعتبارها الأذان والإقامة فإن الأذان للإعلام بدخول الوقت، والإقامة بحضور الصلاة، وكذلك التحضير هو إعلام بقرب حضور الصلاة اهـ.
[ويجب أن ننبه] على مسئلة مهمة، لا يعرفها أهل العلم، فضلا عمن دونهم، وهي تعين على فهم هذه الأحاديث، ويدرك بها الفرق بين ثلاث حقائق شرعية:
1- سن سنة أو استنانها أي إنشاؤها باجتهاد واستنباط من قواعد الشرع أو عمومات نصوصه.
وهذا معنى ما [أفادته] الأحاديث المذكورة بعبارة: "من
سن سنةً حسنة" أي من أنشأ سنة حسنة مستندا في ابتداع ذاتها إلى دلائل الشرع
كان له أجرها. ومن سن سنة سيئة أي ابتدع سنة مخالفة للشرع، واستند في ابتداعها إلى
ما لا تقره الشريعة، كان عليه إثمها.
2- التمسك بالسنة أي اتباعها والعمل بها. وهذا ثابت في أحاديث كثيرة، تحض على إتباع السنة والعمل بها والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
3- إحياء سنة نبوية، ترك العمل بها. روى الترمذي وابن ماجة من طريق كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث: "اعلم يا بلال" قال وما أعلم يا رسول الله؟ قال: "أنه من أحيا سنة من سنتي قد أُميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل ءاثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا" حسنه الترمذي، وهو حديث ضعيف، لكن له شواهد.
وروى الترمذي أيضا من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: قال أنس بن مالك: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل".
ثم قال لي: "يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحياني ومن أحياني كان معي في الجنة". قال الترمذي: حديث حسن، قلت بل ضعيف.
ورواه أبو النصر السجزي في الابانة بلفظ: "من أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة".
الحديث السادس:
روى الشيخان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية لمسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي بعض ألفاظه: "من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد".
قال ابن رجب: هذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع، فهو مردود، ويدل على أن كل عمل عليه أمره، فهو غير مردود اهـ.
2- التمسك بالسنة أي اتباعها والعمل بها. وهذا ثابت في أحاديث كثيرة، تحض على إتباع السنة والعمل بها والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
3- إحياء سنة نبوية، ترك العمل بها. روى الترمذي وابن ماجة من طريق كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث: "اعلم يا بلال" قال وما أعلم يا رسول الله؟ قال: "أنه من أحيا سنة من سنتي قد أُميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل ءاثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا" حسنه الترمذي، وهو حديث ضعيف، لكن له شواهد.
وروى الترمذي أيضا من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: قال أنس بن مالك: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل".
ثم قال لي: "يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحياني ومن أحياني كان معي في الجنة". قال الترمذي: حديث حسن، قلت بل ضعيف.
ورواه أبو النصر السجزي في الابانة بلفظ: "من أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة".
الحديث السادس:
روى الشيخان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية لمسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي بعض ألفاظه: "من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد".
قال ابن رجب: هذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع، فهو مردود، ويدل على أن كل عمل عليه أمره، فهو غير مردود اهـ.
وقال الحافظ في الفتح: هذا الحديث معدود من أُصول الإسلام،
وقاعدة من قواعده، فإن معناه: من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أُصوله فلا
يلتفت إليه.
ونقل عن الطوفي انه قال: "هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع، لأن الدليل يتركب من مقدمتين، والمطلوب بالدليل إما إثبات الحكم أو نفيه، وهذا الحديث مقدمة كبرى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لأن منطوقه كلية في كل دليل ناف لحكم، مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس: هذا ليس من أمر الشرع وكل ما كان كذلك فهو مردود، فهذا العمل مردود، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث، وإنما يقع النزاع في الأولى.
ومفهومه أن من عمل عملا عليه أمر الشرع، فهو صحيح مثل أن يقال في الوضوء بالنية: هذا عليه أمر الشرع، وكل ما كان عليه أمر الشرع، فهو صحيح، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث، والأولى فيها النزاع" اهـ.
قلت: هذا الحديث مخصص لحديث كل بدعه ضلالة، ومبين للمراد منها كما هو واضح. إذ لو كانت البدعة ضلالة بدون استثناء، لقال الحديث: من أحدث في أمرنا هنا شيئا. لكن لما قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أفاد أن المحدث نوعان ما ليس من الدين بأن كان مخالفا لقواعده ودلائله، فهو مردود، وهو البدعة الضلالة، وما هو من الدين بأن شهد له أصل، أو أيده دليل، فهو صحيح مقبول، وهو السنة الحسنة.
الحديث السابع:
ونقل عن الطوفي انه قال: "هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع، لأن الدليل يتركب من مقدمتين، والمطلوب بالدليل إما إثبات الحكم أو نفيه، وهذا الحديث مقدمة كبرى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لأن منطوقه كلية في كل دليل ناف لحكم، مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس: هذا ليس من أمر الشرع وكل ما كان كذلك فهو مردود، فهذا العمل مردود، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث، وإنما يقع النزاع في الأولى.
ومفهومه أن من عمل عملا عليه أمر الشرع، فهو صحيح مثل أن يقال في الوضوء بالنية: هذا عليه أمر الشرع، وكل ما كان عليه أمر الشرع، فهو صحيح، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث، والأولى فيها النزاع" اهـ.
قلت: هذا الحديث مخصص لحديث كل بدعه ضلالة، ومبين للمراد منها كما هو واضح. إذ لو كانت البدعة ضلالة بدون استثناء، لقال الحديث: من أحدث في أمرنا هنا شيئا. لكن لما قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أفاد أن المحدث نوعان ما ليس من الدين بأن كان مخالفا لقواعده ودلائله، فهو مردود، وهو البدعة الضلالة، وما هو من الدين بأن شهد له أصل، أو أيده دليل، فهو صحيح مقبول، وهو السنة الحسنة.
الحديث السابع:
روى أحمد وأبو داود من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ
بن جبل قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، فذكر الحديث وفيه: وكانوا يأتون الصلاة،
وقد سبقهم ببعضها النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، فكان الرجل يشير إلى الرجل إن
جاء: كم صلى؟ فيقول: واحدة أو اثنتين فيصليها ثم يدخل مع القوم في صلاتهم، فجاء
معاذ فقال: لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقني، فجاء وقد سبقه
النبي صلى الله عليه وءاله وسلم ببعضها، فثبت معه، فلما قضى رسول الله صلى الله
عليه وءاله وسلم صلاته، قام فقضى، فقال رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم:
"إنه قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا" ورواه أحمد أيضا من طريق ءاخر عن
أبي ليلى عن معاذ.
ورواه ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وءاله وسلم، فذكر
الحديث، صححه ابن حزم وابن دقيق العيد. وابن أبي ليلى أدرك عشرين ومائة من
الصحابة، فالحديث متصل صحيح وقال الطبراني ثنا أبو زرعة المشقي ثنا يحيى بن صالح
[الوحاظي] ثنا فليح بن سليمان عن زيد بن أبي سليمان عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو
بن مرة الجملي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: كنا نأتي الصلاة،
إذا جاء رجل وقد سبق بشيء من الصلاة أشار إليه الذي يليه: قد سبقت بكذا وكذا فيقضي
قال: فكنا بين راكع وساجد وقائم وقاعد فجئت وقد سبقت ببعض الصلاة، وأشير اليّ
بالذي سبقت به، فكنت لا أجده على حال إلا كنت عليها فكنت بحالهم التي وجدتهم
عليها، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم قمت فصليت، واستقبل رسول الله
صلى الله عليه وءاله وسلم الناس وقال: من القائل كذا وكذا؟ قالوا معاذ بن جبل،
فقال: قد سن لكم معاذ فاقتدوا به إذا جاء أحدكم وقد سبق بشيء من الصلاة فليصل مع
الإمام بصلاته، فإذا فرغ الإمام فليقض ما سبقه به. إسناد صحيح، وهو يدل على جواز
إحداث أمر في العبادة صلاة أو غيرها إذا كان موافقا لأدلة الشرع، وأن النبي صلى
الله عليه وءاله وسلم لم يعنف معاذا ولا قال له: لم أقدمت على أمر في الصلاة قبل
أن تسألني عنه. بل أقره وقال: "سن لكم معاذ فاصنعوا كما صنع" لأن ما
صنعه يوافق قاعدة الإتمام، وأتباع المأموم لإمامه، بحيث لا يقضي ما فاته حتى يتم
الإمام صلاته.
يؤيد هذا ويؤكده أن أبا بكرة لما ركع قبل الصف، ومشى راكعا حتى دخل الصف، قال له النبي صلى الله عليه وءاله وسلم: "زادك الله حرصا ولا تعد" فنهاه عن العودة إلى ذلك ولم يقره عليه. لأنه يخالف هيئة الصلاة، وينافي السكون المطلوب فيها.
يؤيد هذا ويؤكده أن أبا بكرة لما ركع قبل الصف، ومشى راكعا حتى دخل الصف، قال له النبي صلى الله عليه وءاله وسلم: "زادك الله حرصا ولا تعد" فنهاه عن العودة إلى ذلك ولم يقره عليه. لأنه يخالف هيئة الصلاة، وينافي السكون المطلوب فيها.
ويؤخذ من حديث معاذ: أن مخالفة المأموم لإمامه في أفعال
الصلاة كانت جائزة، إذ كان الرجل يصلي ما فاته، فيختلف معه في الركوع أو السجود أو
القيام، ثم يتم معه: فلما فعل معاذ ما فعل، وأمر النبي صلى الله عليه وءاله وسلم
باتباعه نسخ جواز المخالفة، وتعينت متابعة الإمام في أفعال الصلاة والحكم المنسوخ
لا يجوز العمل به بإجماع العلماء.
ومن هنا يعلم بطلان قول ابن حزم بأن المسافر يقصر الصلاة خلف إمامه المتم، فإنه إذا قصر كان مخالفا للإمام، والمخالفة منسوخة، والعمل بالمنسوخ باطل، فصلاته باطلة. كما لو استقبل في صلاته بيت المقدس فإن صلاته باطلة. ويعلم بطلان قوله أيضا من جهة أخرى، وهي أنه من المعلوم بالضرورة أن وفود العرب، كانت تفد إلى النبي صلى الله عليه وءاله وسلم بالمدينة، وتصلي معه، ولم يقل لهم: قصروا الصلاة، مع أنه قال لأهل مكة في حجه: "أتموا صلاتكم فإنا [قوم سفر]" ولهذا انجزم بأن الوفود كانوا يتمون الصلاة معه صلى الله عليه وءاله وسلم، ذا ليس من المعقول أن يأمرهم بالتقصير، ولم ينقل إلينا. بل هذا محال في حق الصحابة الذين كانوا حريصين على نقل أقواله وأفعاله خصوصا ما كان منها متعلقا بالصلاة التي هي من أهم أركان الدين. وهذه حجة لازمة [لمقلدة] ابن حزم، لا يستطيعون الانفكاك عنها.
كما لزمتهم الحجة بحديث ابن عباس حين سأله موسى بن سلمة: إذا صلينا معكم صلينا أربعا؟ وإذا صلينا في رحلنا، صلينا ركعتين؟ فقال له ابن عباس تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وءاله وسلم. وقد أوله مقلد [متوقح] تأويلا عاميا سخيفا. فلما نبهناه إلى سخافته، عمد إلى التحريف حيث زعم ان ابن عباس قال: تلك السنة. وهذا كذب قبيح، يزري بصاحبه، ويجعله في مصاف الكذابين الوضاعين، مثل الجويباري.
الحديث الثامن:
ومن هنا يعلم بطلان قول ابن حزم بأن المسافر يقصر الصلاة خلف إمامه المتم، فإنه إذا قصر كان مخالفا للإمام، والمخالفة منسوخة، والعمل بالمنسوخ باطل، فصلاته باطلة. كما لو استقبل في صلاته بيت المقدس فإن صلاته باطلة. ويعلم بطلان قوله أيضا من جهة أخرى، وهي أنه من المعلوم بالضرورة أن وفود العرب، كانت تفد إلى النبي صلى الله عليه وءاله وسلم بالمدينة، وتصلي معه، ولم يقل لهم: قصروا الصلاة، مع أنه قال لأهل مكة في حجه: "أتموا صلاتكم فإنا [قوم سفر]" ولهذا انجزم بأن الوفود كانوا يتمون الصلاة معه صلى الله عليه وءاله وسلم، ذا ليس من المعقول أن يأمرهم بالتقصير، ولم ينقل إلينا. بل هذا محال في حق الصحابة الذين كانوا حريصين على نقل أقواله وأفعاله خصوصا ما كان منها متعلقا بالصلاة التي هي من أهم أركان الدين. وهذه حجة لازمة [لمقلدة] ابن حزم، لا يستطيعون الانفكاك عنها.
كما لزمتهم الحجة بحديث ابن عباس حين سأله موسى بن سلمة: إذا صلينا معكم صلينا أربعا؟ وإذا صلينا في رحلنا، صلينا ركعتين؟ فقال له ابن عباس تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وءاله وسلم. وقد أوله مقلد [متوقح] تأويلا عاميا سخيفا. فلما نبهناه إلى سخافته، عمد إلى التحريف حيث زعم ان ابن عباس قال: تلك السنة. وهذا كذب قبيح، يزري بصاحبه، ويجعله في مصاف الكذابين الوضاعين، مثل الجويباري.
الحديث الثامن:
روى ابن ماجة في سننه بإسنادٍ رجاله ثقات عن سعيد بن المسيب
أن بلالا أتى النبي صلى الله عليه وءاله وسلم يؤذنه بصلاة الفجر، فقيل: هو نائم،
فقال الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، فأقرت في تأذين الفجر، فثبت الأمر
على ذلك.
ورواه الطبراني في الأوسط عن عائشة، والبيهقي عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن مرسلا، بإسناد حسن ولا شك أن الذي أقر بلالا، هو النبي صلى الله عليه وءاله وسلم. بل روى الطبراني في الكبير عن حفص بن عمر عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه وءاله وسلم يؤذنه بالصبح، فوجده راقدا فقال: الصلاة خير من النوم، مرتين.
فقال النبي صلى الله عليه وءاله وسلم: "ما أحسن هذا اجعله في [أذانك]".
ورواه أبو الشيخ في كتاب الأذان، عن ابن عمر نحوه.
فبلال رضي الله عنه، زاد في الأذان جملة أقره عليها الشارع، لأنها توافق ما شرع له الأذان من الدعوة إلى الصلاة والإعلام بحضور وقتها وعلى هذا فزيادة السيادة في الأذان والإقامة، لا بأس بها. لأن فيها سلوك الأدب مع موافقتها للواقع، فإن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم سيد ولد ءادم، وسنتكلم عليها بعد بحول الله تعالى.
الحديث التاسع:
في صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا نصلي يوما وراء النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" فقال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف قال: "من المتكلم" قال: أنا. قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها".
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان لا يخالف المأثور اهـ.
الحديث العاشر:
ورواه الطبراني في الأوسط عن عائشة، والبيهقي عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن مرسلا، بإسناد حسن ولا شك أن الذي أقر بلالا، هو النبي صلى الله عليه وءاله وسلم. بل روى الطبراني في الكبير عن حفص بن عمر عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه وءاله وسلم يؤذنه بالصبح، فوجده راقدا فقال: الصلاة خير من النوم، مرتين.
فقال النبي صلى الله عليه وءاله وسلم: "ما أحسن هذا اجعله في [أذانك]".
ورواه أبو الشيخ في كتاب الأذان، عن ابن عمر نحوه.
فبلال رضي الله عنه، زاد في الأذان جملة أقره عليها الشارع، لأنها توافق ما شرع له الأذان من الدعوة إلى الصلاة والإعلام بحضور وقتها وعلى هذا فزيادة السيادة في الأذان والإقامة، لا بأس بها. لأن فيها سلوك الأدب مع موافقتها للواقع، فإن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم سيد ولد ءادم، وسنتكلم عليها بعد بحول الله تعالى.
الحديث التاسع:
في صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا نصلي يوما وراء النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" فقال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف قال: "من المتكلم" قال: أنا. قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها".
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان لا يخالف المأثور اهـ.
الحديث العاشر:
روى الطبراني في الأوسط بإسناد جيد عن أنس: أن رسول الله
صلى الله عليه وءاله وسلم مر بأعرابي وهو يدعو في صلاته ويقول: "يا من لا
تراه العيون ولا تخالطه الظنون ولا يصفه الواصفون ولا تغيره الحوادث ولا يخشى
الدوائر. يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد قطر الأمطار وعدد ورق الشجار
وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار لا توارى منه سماء سماء ولا أرض أرضا
ولا بحر ما في قعره ولا جبل ما في وعره: اجعل خير عمري ءاخره وخير عملي خواتيمه
وخير أيامي يوم ألقاك فيه". فلما انصرف دعاه النبي صلى الله عليه وءاله وسلم
ووهب له ذهبًا أهدى إليه من بعض المعادن وقال له: "وهبت لك الذهب بحسن ثنائك
على الله عز وجل" فالنبي صلى الله عليه وءاله وسلم لم يكتف بإقرار هذا
الأعرابي، على الدعاء الذي أنشأه، بل أعطاه عليه جائزة، لانه أحسن فيه الثناء على
الله تعالى.
الحديث الحادي عشر:
في صحيح البخاري قصة قتل خبيب، وصلاته ركعتين قبل قتله، قال: "وهو أول من سن صلاة ركعتين عند القتل".
القرءان يؤيد البدعة الحسنة
روى الطبراني في الأوسط عن أبي إمامة رضي الله عنه قال: إن الله فرض عليكم صوم رمضان، ولم يفرض عليكم قيامه، وإنما قيامه شيء أحدثتموه، فدوموا عليه، فإن ناسا من بني إسرائيل ابتدعوا بدع، فعابهم الله بتركها فقال: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} في سنده زكريا بن أبي مريم، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال النَسائي: ليس بالقوي وقال الدارقطني: يعتبر به وما استنبطه أبو أمامة رضي الله عنه، صحيح، فإن الآية لم تعب أولئك الناس على ابتداع الرهبانية، لأنهم قصدوا بها رضوان الله، بل عابتهم على أنهم لم يرعوها حق رعايتها، وهذا يفيد مشروعية البدعة الحسنة كما هو ظاهر وابن كثير رحمه الله لم يدرك مغزى الآية فحملها على ذم البدعة مطلقا، وهو خطأ.
البدعة نوعان
الحديث الحادي عشر:
في صحيح البخاري قصة قتل خبيب، وصلاته ركعتين قبل قتله، قال: "وهو أول من سن صلاة ركعتين عند القتل".
القرءان يؤيد البدعة الحسنة
روى الطبراني في الأوسط عن أبي إمامة رضي الله عنه قال: إن الله فرض عليكم صوم رمضان، ولم يفرض عليكم قيامه، وإنما قيامه شيء أحدثتموه، فدوموا عليه، فإن ناسا من بني إسرائيل ابتدعوا بدع، فعابهم الله بتركها فقال: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} في سنده زكريا بن أبي مريم، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال النَسائي: ليس بالقوي وقال الدارقطني: يعتبر به وما استنبطه أبو أمامة رضي الله عنه، صحيح، فإن الآية لم تعب أولئك الناس على ابتداع الرهبانية، لأنهم قصدوا بها رضوان الله، بل عابتهم على أنهم لم يرعوها حق رعايتها، وهذا يفيد مشروعية البدعة الحسنة كما هو ظاهر وابن كثير رحمه الله لم يدرك مغزى الآية فحملها على ذم البدعة مطلقا، وهو خطأ.
البدعة نوعان
بدعة تتعلق بأصول الدين، وبدعة تتعلق بفروعه.
* فأما البدعة التي تتعلق بأصول الدين، فهي التي حدثت في العقائد وما يناسبها ولها أمثلة:
1- بدعة إنكار القدر: وأول من أظهرها، معبد الجهني بالبصرة، كما في صحيح مسلم عن يحيى بن يعمر. واعتقدها طائفة من المبتدعة، يتسمون بالقدرية وهم صنفان:
صنف يزعمون أن الله لا يعلم الحوادث قبل وقوعها، وهؤلاء كفار، وقد انقرضوا والحمد لله.
وصنف يزعمون أن الله لا يقدر الشر ولا يريده، وهم المعتزلة. ويزعمون مع ذلك أن القرءان مخلوق، وأن المسلم المرتكب لكبيرة، ليس بمؤمن ولا كافر، بل هو فاسق، منزلة بين المنزلتين وأن المسلم العاصي مخلد في النار، وينكرون الشفاعة في العصاة، وينكرون عذاب القبر والحوض والميزان والصراط ورؤية الله في الجنة، ويزعمون أن العبد خالق لأفعاله وأوجبوا على الله رعاية مصالح العباد. إلى غير ذلك من عقائدهم الباطلة المخالفة للكتاب والسنة.
2- بدعة الجهمية: أتباع جهم بن صفوان، وهو جبري، يقول: إن العبد مجبور في أفعاله، لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه، على حسب ما يخلق في سائر الجمادات وينسب إليه الأفعال مجازا، كما تنسب إلى الجمادات. ويفرع على ذلك أن التكليف جبر، والثواب والعقاب جبر. وهذا يصادم بدائة العقول وصرائح النقول.
3- بدعة مشبهة الحشوية: يشبّهون الله بخلقه، أجازوا عليه [المماسة] والمصافحة. وأجروا ما جاء في الآيات والأحاديث من ألفاظ الاستواء والوجه واليدين والعين والجنب والمجيء والإتيان والفوقية وغير ذلك على ظاهرها الذي يفهم عند إطلاقها على الأجسام، حتى قال داود الخواري من زعمائهم: [اعفوني] عن الفرج واللحية، واسألوني عما وراء ذلك. ومعنى هذه العبارة: أنه يثبت لله جميع الجوارح غير اللحية والفرج.
* فأما البدعة التي تتعلق بأصول الدين، فهي التي حدثت في العقائد وما يناسبها ولها أمثلة:
1- بدعة إنكار القدر: وأول من أظهرها، معبد الجهني بالبصرة، كما في صحيح مسلم عن يحيى بن يعمر. واعتقدها طائفة من المبتدعة، يتسمون بالقدرية وهم صنفان:
صنف يزعمون أن الله لا يعلم الحوادث قبل وقوعها، وهؤلاء كفار، وقد انقرضوا والحمد لله.
وصنف يزعمون أن الله لا يقدر الشر ولا يريده، وهم المعتزلة. ويزعمون مع ذلك أن القرءان مخلوق، وأن المسلم المرتكب لكبيرة، ليس بمؤمن ولا كافر، بل هو فاسق، منزلة بين المنزلتين وأن المسلم العاصي مخلد في النار، وينكرون الشفاعة في العصاة، وينكرون عذاب القبر والحوض والميزان والصراط ورؤية الله في الجنة، ويزعمون أن العبد خالق لأفعاله وأوجبوا على الله رعاية مصالح العباد. إلى غير ذلك من عقائدهم الباطلة المخالفة للكتاب والسنة.
2- بدعة الجهمية: أتباع جهم بن صفوان، وهو جبري، يقول: إن العبد مجبور في أفعاله، لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه، على حسب ما يخلق في سائر الجمادات وينسب إليه الأفعال مجازا، كما تنسب إلى الجمادات. ويفرع على ذلك أن التكليف جبر، والثواب والعقاب جبر. وهذا يصادم بدائة العقول وصرائح النقول.
3- بدعة مشبهة الحشوية: يشبّهون الله بخلقه، أجازوا عليه [المماسة] والمصافحة. وأجروا ما جاء في الآيات والأحاديث من ألفاظ الاستواء والوجه واليدين والعين والجنب والمجيء والإتيان والفوقية وغير ذلك على ظاهرها الذي يفهم عند إطلاقها على الأجسام، حتى قال داود الخواري من زعمائهم: [اعفوني] عن الفرج واللحية، واسألوني عما وراء ذلك. ومعنى هذه العبارة: أنه يثبت لله جميع الجوارح غير اللحية والفرج.
قال التاج السبكي في طبقات الشافعية: أن أبا اسماعيل عبد
الله بن محمد الهروي الذي تسميه المجسمة شيخ الإسلام، قال: سألت يحيى بن عمار عن
ابن حبان، قلت: رأيته؟ قال: وكيف لم [أره]؟ ونحن أخرجناه من سجستان. كان له علم
كثير، ولم يكن له كبير دين. قدم علينا فأنكر الحد لله، فأخرجناه من سجستان.
قال السبكي: انظر ما أجهل هذا الجارح! وليت شعري من المجروح؟ مثبت الحد لله؟ أو نافيه! وذكر في الطبقات أيضا، في ترجمة أبي عثمان الصابوني: أن المجسمة بمدينة هراة، لقبوا أبا أسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري المشار إليه، بشيخ الإسلام. قال: وكان الأنصاري المذكور كثير العبادة محدثا، إلا أنه كان يتظاهر بالتجسيم والتشبيه، وينال من أهل السنة في كتابه ذم الكلام، حتى ذكر أن ذبائح [الأشعرية] لا تحل. وله أيضا كتاب الأربعين، [سمتها] أهل البدعة [الأربعون في السنة] يقول فيها: باب إثبات القدم لله، باب إثبات كذا وكذا، يعني الأعضاء كاليد والجنب قال: وكان أهل هراة في عصره فئتين: فئة تعتقده وتبالغ فيه، لما عنده من التقشف والعبادة. وفئة تكفره، لما يظهر من التشبيه اهـ.
قال: ومن مصنفاته التي [فوقت] نحوه سهام الملام: كتاب ذم الكلام، وكتاب الفاروق في الصفات، وكتاب الأربعين، وهذه الكتب الثلاثة، أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح اهـ. قلت: ونقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أنه كان يثني على مصنفات الهروي هذا، ويحض على قراءتها، لأن ابن تيمية كان يعتقد التشبيه.
4- بدعة الخوارج: وهم فرق، يجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي رضي الله عنهما. ويقدمون ذلك على كل طاعة، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك ويكفرون اصحاب الكبائر.
ومن الخوارج طائفة الأزارقة، كفروا عليا وعثمان وطلحة والزبير وعائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
قال السبكي: انظر ما أجهل هذا الجارح! وليت شعري من المجروح؟ مثبت الحد لله؟ أو نافيه! وذكر في الطبقات أيضا، في ترجمة أبي عثمان الصابوني: أن المجسمة بمدينة هراة، لقبوا أبا أسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري المشار إليه، بشيخ الإسلام. قال: وكان الأنصاري المذكور كثير العبادة محدثا، إلا أنه كان يتظاهر بالتجسيم والتشبيه، وينال من أهل السنة في كتابه ذم الكلام، حتى ذكر أن ذبائح [الأشعرية] لا تحل. وله أيضا كتاب الأربعين، [سمتها] أهل البدعة [الأربعون في السنة] يقول فيها: باب إثبات القدم لله، باب إثبات كذا وكذا، يعني الأعضاء كاليد والجنب قال: وكان أهل هراة في عصره فئتين: فئة تعتقده وتبالغ فيه، لما عنده من التقشف والعبادة. وفئة تكفره، لما يظهر من التشبيه اهـ.
قال: ومن مصنفاته التي [فوقت] نحوه سهام الملام: كتاب ذم الكلام، وكتاب الفاروق في الصفات، وكتاب الأربعين، وهذه الكتب الثلاثة، أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح اهـ. قلت: ونقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أنه كان يثني على مصنفات الهروي هذا، ويحض على قراءتها، لأن ابن تيمية كان يعتقد التشبيه.
4- بدعة الخوارج: وهم فرق، يجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي رضي الله عنهما. ويقدمون ذلك على كل طاعة، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك ويكفرون اصحاب الكبائر.
ومن الخوارج طائفة الأزارقة، كفروا عليا وعثمان وطلحة والزبير وعائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
وذكر الحسين الكرابيسي في كتابه الذي حكى فيه مقالات
الخوارج: أن الميمونية -طائفة منهم- يجيزون نكاح بنات البنات، وبنات الأولاد،
وبنات أولاد الأخوة والأخوات وقالوا: إن الله حرم نكاح البنات وبنات الأخوة
والأخوات ولم يحرم نكاح بنات هؤلاء.
وحكى الأشعري والكعبي عنهم إنكار كون سورة يوسف من القرءان قلت حكى عن العجاردة أيضا إنكار سورة يوسف وقالوا: لا يجوز أن تكون قصة العشق من القرءان.
5- بدعة القول بحوادث لا أول لها: وهي منقولة عن ابن تيمية كما في فتح الباري. ولأجلها رجح رواية حديث: "كان الله ولم يكن شيء قبله" على "رواية كان الله ولم يكن شيء غيره" وعلى رواية "كان الله قبل كل شيء" قال الحافظ: مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل الرواية الأولى على ما بعدها، لا العكس، والجمع يقدم على الترجيح بالاتفاق اهـ.
ولأجلها أيضا انتقد علي بن حزم حكاية الإجماع على أن ما سوى الله مخلوق، كما تجد ذلك في تعليقاته على مراتب الاجماع وهذه العقيدة أخذها عن عبد الله بن ميمون الإسرائيلي صاحب كتاب دلالة الحائرين. فاعجب لرجل يشدد النكير على المبتدعين في الفروع، ثم يبتدع بدعة في الأصول، ويرد لأجلها الأحاديث الصحيحة! ويستنكر إجماعا مليا أيده العقل والنقل!!
6- بدعة القاديانية: أتباع غلام أحمد القادياني، ظهر في أوائل هذا القرن، وزعم أنه نبي، وأن نبوته ظلية بمعنى أنها ليست ناسخة للإسلام، بل متممة له. ثم زعم أنه المسيح الموعود بنزوله في ءاخر الزمان، وأنه أفضل من المسيح ابن مريم عليهما السلام.
وكان يحض أتباعه على الولاء للإنجليز، ويحمد الله على أنه ولد في بلد ترفرف عليه الراية الإنجليزية. وكان دسيسة استعمارية جنده المستعمرون لتفريق كلمة المسلمين في الهند، وتشكيكهم في عقيدتهم. ولذلك كان إذا ذهب لمناظرة مع علماء المسلمين أو لمحاضرة في أتباعه يصحبه حرس انجليزي لحمايته من المسلمين.
وحكى الأشعري والكعبي عنهم إنكار كون سورة يوسف من القرءان قلت حكى عن العجاردة أيضا إنكار سورة يوسف وقالوا: لا يجوز أن تكون قصة العشق من القرءان.
5- بدعة القول بحوادث لا أول لها: وهي منقولة عن ابن تيمية كما في فتح الباري. ولأجلها رجح رواية حديث: "كان الله ولم يكن شيء قبله" على "رواية كان الله ولم يكن شيء غيره" وعلى رواية "كان الله قبل كل شيء" قال الحافظ: مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل الرواية الأولى على ما بعدها، لا العكس، والجمع يقدم على الترجيح بالاتفاق اهـ.
ولأجلها أيضا انتقد علي بن حزم حكاية الإجماع على أن ما سوى الله مخلوق، كما تجد ذلك في تعليقاته على مراتب الاجماع وهذه العقيدة أخذها عن عبد الله بن ميمون الإسرائيلي صاحب كتاب دلالة الحائرين. فاعجب لرجل يشدد النكير على المبتدعين في الفروع، ثم يبتدع بدعة في الأصول، ويرد لأجلها الأحاديث الصحيحة! ويستنكر إجماعا مليا أيده العقل والنقل!!
6- بدعة القاديانية: أتباع غلام أحمد القادياني، ظهر في أوائل هذا القرن، وزعم أنه نبي، وأن نبوته ظلية بمعنى أنها ليست ناسخة للإسلام، بل متممة له. ثم زعم أنه المسيح الموعود بنزوله في ءاخر الزمان، وأنه أفضل من المسيح ابن مريم عليهما السلام.
وكان يحض أتباعه على الولاء للإنجليز، ويحمد الله على أنه ولد في بلد ترفرف عليه الراية الإنجليزية. وكان دسيسة استعمارية جنده المستعمرون لتفريق كلمة المسلمين في الهند، وتشكيكهم في عقيدتهم. ولذلك كان إذا ذهب لمناظرة مع علماء المسلمين أو لمحاضرة في أتباعه يصحبه حرس انجليزي لحمايته من المسلمين.
وكانت نهايته بيده، من حيث لا يشعر ذلك أنه دعا علماء
المسلمين بالهند إلى المباهلة. فدعا في ابتهاله أمام أتباعه: أن يعجل الله بهلاك الكاذب
من الفريقين كما ابتهل العلماء بذلك أيضا. فابتلاه الله بإسهال شديد أضعفه وأضناه
ولم يمر عليه عام حتى دخل حفرته مذموما مدحورا.
هذه نماذج من المحدثات في أصول الدين، وهي وما شابهها من أقوال الفرق الضالة، يتنزل عليها قول النبي صلى الله عليه وءاله وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وقوله صلى الله عليه وءاله وسلم: "كل بدعة ضلالة" لأن تلك الاقاويل، تخالف الكتاب والسنة، وما أجمع عليه الصحابة والتابعون وعلماء السنة. فكانت باطلة مردودة، وضلالة بدون استثناء. وأصحابها هم المرادون بقول النبي صلى الله عليه وءاله وسلم: "ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة" رواه أحمد وأبو داود من حديث معاوية، وفي رواية لأبي داود: "وأنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه لا يبقي منه عرق ولا مفصل إلا دخله" الكلب بفتح الكاف واللام، داء يعرض للانسان إذا عضه كلب مسعور.
* وأما البدعة التي تتعلق بالفروع، فليست بضلالة لأنها من جملة الحوادث التي تحدث على مر الزمن، ويطلب حكمها من دلائل الشريعة وقواعدها العامة على مراعاة المصالح والمفاسد.
وعدم وجودها في عهد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، أو عدم فعله لها، لا يقتضي أن تكون محرمة، فضلا عن أن تكون ضلالة. وقد قدمنا أن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم لم يفعل جميع المباحات ولا جميع المندوبات. وهذا مقرر في علم الأصول، على أتم وجه.
ولتوضيح ذلك، وتقريبه نذكر بعض الأمثلة:
1- تعدد الجمعة: لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، ولا في عهد الصحابة والتابعين.
هذه نماذج من المحدثات في أصول الدين، وهي وما شابهها من أقوال الفرق الضالة، يتنزل عليها قول النبي صلى الله عليه وءاله وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وقوله صلى الله عليه وءاله وسلم: "كل بدعة ضلالة" لأن تلك الاقاويل، تخالف الكتاب والسنة، وما أجمع عليه الصحابة والتابعون وعلماء السنة. فكانت باطلة مردودة، وضلالة بدون استثناء. وأصحابها هم المرادون بقول النبي صلى الله عليه وءاله وسلم: "ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة" رواه أحمد وأبو داود من حديث معاوية، وفي رواية لأبي داود: "وأنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه لا يبقي منه عرق ولا مفصل إلا دخله" الكلب بفتح الكاف واللام، داء يعرض للانسان إذا عضه كلب مسعور.
* وأما البدعة التي تتعلق بالفروع، فليست بضلالة لأنها من جملة الحوادث التي تحدث على مر الزمن، ويطلب حكمها من دلائل الشريعة وقواعدها العامة على مراعاة المصالح والمفاسد.
وعدم وجودها في عهد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، أو عدم فعله لها، لا يقتضي أن تكون محرمة، فضلا عن أن تكون ضلالة. وقد قدمنا أن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم لم يفعل جميع المباحات ولا جميع المندوبات. وهذا مقرر في علم الأصول، على أتم وجه.
ولتوضيح ذلك، وتقريبه نذكر بعض الأمثلة:
1- تعدد الجمعة: لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، ولا في عهد الصحابة والتابعين.
روى البيهقي في المعرفة من طريق أبي داود في المراسيل عن
بكير بن الأشج، قال: كان في المدينة تسعة مساجد مع مسجده صلى الله عليه وءاله
وسلم. يسمع أهلها أذان بلال فيصلون في مساجدهم. زاد يحيى: ولم يكونوا يصلون الجمعة
في شيء من تلك المساجد إلا مسجد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم. قال الحافظ:
ويشهد له صلاة أهل العوالي مع النبي صلى الله عليه وءاله وسلم الجمعة كما في
الصحيح. وصلاة أهل قباء معه، كما رواه ابن ماجة وابن خزيمة.
وروى البيهقي أن أهل ذي الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة.
قال البيهقي: ولم ينقل أنه أذن لأحد في إقامة الجمعة في شيء من مساجد المدينة، ولا في القرى التي بقربها.
وقال الأثرم لأحمد: أجمع جمعتين في مصر؟ قال: لا أعلم أحد فعله.
وقال ابن المنذر: لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، وفي عهد الخلفاء الراشدين إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم. وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم في مسجد واحد، أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات وأنها لا تصلى إلا في مكان واحد اهـ.
وذكر الحافظ ابن عساكر في مقدمة تاريخ دمشق أن عمر كتب إلى عماله: إلى أبي موسى، والى عمرو بن العاص، والى سعد بن أبي وقاص: أن يتخذ مسجدا جامعا ومسجدا للقبائل، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى المسجد الجامع، فشهدوا الجمعة.
وذكر الحافظ الخطيب في تاريخ بغداد: أن أول جمعة أحدثت في الإسلام في بلد، مع قيام الجمعة القديمة، في أيام المعتضد في دار الخلافة. يعني بغداد، من غير بناء مسجد لإقامة الجمعة، وسبب ذلك، خشية الخلفاء على أنفسهم. وذلك في سنة ثمانين ومائتين، ثم بني في أيام المكتفي، مسجد فجمعوا فيه.
وروى البيهقي أن أهل ذي الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة.
قال البيهقي: ولم ينقل أنه أذن لأحد في إقامة الجمعة في شيء من مساجد المدينة، ولا في القرى التي بقربها.
وقال الأثرم لأحمد: أجمع جمعتين في مصر؟ قال: لا أعلم أحد فعله.
وقال ابن المنذر: لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، وفي عهد الخلفاء الراشدين إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم. وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم في مسجد واحد، أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات وأنها لا تصلى إلا في مكان واحد اهـ.
وذكر الحافظ ابن عساكر في مقدمة تاريخ دمشق أن عمر كتب إلى عماله: إلى أبي موسى، والى عمرو بن العاص، والى سعد بن أبي وقاص: أن يتخذ مسجدا جامعا ومسجدا للقبائل، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى المسجد الجامع، فشهدوا الجمعة.
وذكر الحافظ الخطيب في تاريخ بغداد: أن أول جمعة أحدثت في الإسلام في بلد، مع قيام الجمعة القديمة، في أيام المعتضد في دار الخلافة. يعني بغداد، من غير بناء مسجد لإقامة الجمعة، وسبب ذلك، خشية الخلفاء على أنفسهم. وذلك في سنة ثمانين ومائتين، ثم بني في أيام المكتفي، مسجد فجمعوا فيه.
وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدا قال بتعدد الجمعة غير عطاء
اهـ. وهو ابن أبي رباح، وقال بتعددها أيضا داود الظاهري وابن حزم، وابن العربي
المعافري، وله في ذلك رسالة خاصة، أخبرني بها الإمام الوالد رحمه الله ورضي عنه.
وعلى التعدد استمر عمل المسلمين، في البلاد الإسلامية. ولم يقل أحد أنه بدعة ضلالة، وأن الذين أجازوه مبتدعة ضالون. لأنه فرع فقهي، [اختلفت] أنظار العلماء فيه، بحسب ما ظهر لهم من الأدلة.
2- تعدد الجمعة بدعة: بلا شك. دعت إليها الحاجة، لاتساع العمران وكثرة السكان، بحيث لا يجمعهم مسجد واحد.
وأهل الشرق، اقتصروا على التعدد المحتاج إليه، ففي القطر المصري وغيره من البلاد الإسلامية إذا أذن للصلاة يوم الجمعة، سعى الناس إلى المساجد المتعددة، لأداء شعائر الصلاة، إمتثالا لقول الله تعالى: "يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" فحافظوا على أدائها، وقت النداء كما أفادته الآية. أما المغاربة، فزادوا بدعة أخرى، وهي إقامة الجمعة في المساجد على التوالي والترتيب. يؤذن للصلاة أول الوقت فتصلى الجمعة في مساجد ثم يؤذن ثاني مرة، فتصلى في مساجد أخرى، ثم يؤذن ثالث مرة، فتصلى في مساجد غير السابقة، حتى تكون [ءاخر] جمعة تقام، حوالي الساعة الثانية بعد الزوال.
وهذا اتساع في الابتداع، لا يؤيده دليل، ولا تشمله قاعدة، والذي يقتضيه النظر الصحيح أن السعي إنما يجب عند النداء الأول، وأنه النداء المشروع، وهو المقصود في الآية. والنداءات التي بعده لاغية، لا يجب السعي عندها، لأنها غير مشروعة. والجمعة تقام عند النداء الأول هي الصحيحة، وما عداها باطل، لأن الحاجة دعت إلى التعدد، ولم تدع إلى الترتيب.
3- بعض الأئمة الجهلة، يخطب الجمعة ويصليها في مسجد، ثم يذهب إلى مسجد ءاخر فيخطب فيه الجمعة ويصليها أيضا. فيرتكب بدعة قبيحة ويصلي جمعة باطلة، يأثم عليها، ولا يثاب.
وعلى التعدد استمر عمل المسلمين، في البلاد الإسلامية. ولم يقل أحد أنه بدعة ضلالة، وأن الذين أجازوه مبتدعة ضالون. لأنه فرع فقهي، [اختلفت] أنظار العلماء فيه، بحسب ما ظهر لهم من الأدلة.
2- تعدد الجمعة بدعة: بلا شك. دعت إليها الحاجة، لاتساع العمران وكثرة السكان، بحيث لا يجمعهم مسجد واحد.
وأهل الشرق، اقتصروا على التعدد المحتاج إليه، ففي القطر المصري وغيره من البلاد الإسلامية إذا أذن للصلاة يوم الجمعة، سعى الناس إلى المساجد المتعددة، لأداء شعائر الصلاة، إمتثالا لقول الله تعالى: "يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" فحافظوا على أدائها، وقت النداء كما أفادته الآية. أما المغاربة، فزادوا بدعة أخرى، وهي إقامة الجمعة في المساجد على التوالي والترتيب. يؤذن للصلاة أول الوقت فتصلى الجمعة في مساجد ثم يؤذن ثاني مرة، فتصلى في مساجد أخرى، ثم يؤذن ثالث مرة، فتصلى في مساجد غير السابقة، حتى تكون [ءاخر] جمعة تقام، حوالي الساعة الثانية بعد الزوال.
وهذا اتساع في الابتداع، لا يؤيده دليل، ولا تشمله قاعدة، والذي يقتضيه النظر الصحيح أن السعي إنما يجب عند النداء الأول، وأنه النداء المشروع، وهو المقصود في الآية. والنداءات التي بعده لاغية، لا يجب السعي عندها، لأنها غير مشروعة. والجمعة تقام عند النداء الأول هي الصحيحة، وما عداها باطل، لأن الحاجة دعت إلى التعدد، ولم تدع إلى الترتيب.
3- بعض الأئمة الجهلة، يخطب الجمعة ويصليها في مسجد، ثم يذهب إلى مسجد ءاخر فيخطب فيه الجمعة ويصليها أيضا. فيرتكب بدعة قبيحة ويصلي جمعة باطلة، يأثم عليها، ولا يثاب.
وقد يقع في أذهان بعض الناس، قياس إعادة الجمعة، على إعادة
معاذ صلاة العشاء إماما بقومه، بعد صلاتها مع النبي صلى الله عليه وءاله وسلم وهو
قياس باطل.
ذلك أن الصلوات الأخرى غير الجمعة، لم يأمر الله بالسعي إليها عند النداء لها.وإنما أوجب أداءها في الوقت، فمن هنا جاز أن تعاد الظهر أو العشاء مثلا في الوقت مرتين لتحصيل فضل الجماعة، أو للتصدق على من يصلي وحده، أو يؤم من لم يجد إماما يصلي به، كما فعل معاذ رضي الله عنه.أما الجمعة فإن الله تعالى أوجب السعي إليها عند النداء لها.وأوجب الجماعة فيها.ولو جازت صلاتها على التعاقب، أو جازت إعادتها لامام يصليها في مسجدين.لكان الأمر إليها في الآية لغوا لا فائدة فيه، واللازم باطل بالضرورة، فبطل القياس كذلك.
4- شاع في المغرب الأذان للظهر مرتين، بينهما نحو ساعة. والأذان للعصر مرتين، بينهما عشر دقائق، وفي تطوان يؤذن للعشاء مرتين أيضا. وهذه بدعة سخيفة، لا توجد إلا في المغرب. ولم يشرع الأذان إلا عند دخول الوقت، للإعلام بالصلاة. والأذان بعده لاغ، غير مشروع.
5- ومن البدع السخيفة بالمغرب أيضا يوم الجمعة: أن يؤذن ثلاثة على المنار، واحدا بعد ءاخر، عند طلوع الخطيب إلى المنبر.
6- ومن البدع السخيفة بالمغرب يوم الجمعة أيضا: جهر الناس بالقراءة بالمسجد، قبل خروج الإمام. فإذا جاء الرجل إلى المسجد يوم الجمعة، سمع من بعيد أصواتا مرتفعة، وضجيجا غير مفهوم. فيخيل إليه أنه داخل إلى سوق، لا إلى مسجد حيث يجد هذا يقرأ القرءان وذاك يقرأ دلائل المخيرات وءاخر يذكر، وجماعة يقرأون بصوت واحد مرتفع.
ذلك أن الصلوات الأخرى غير الجمعة، لم يأمر الله بالسعي إليها عند النداء لها.وإنما أوجب أداءها في الوقت، فمن هنا جاز أن تعاد الظهر أو العشاء مثلا في الوقت مرتين لتحصيل فضل الجماعة، أو للتصدق على من يصلي وحده، أو يؤم من لم يجد إماما يصلي به، كما فعل معاذ رضي الله عنه.أما الجمعة فإن الله تعالى أوجب السعي إليها عند النداء لها.وأوجب الجماعة فيها.ولو جازت صلاتها على التعاقب، أو جازت إعادتها لامام يصليها في مسجدين.لكان الأمر إليها في الآية لغوا لا فائدة فيه، واللازم باطل بالضرورة، فبطل القياس كذلك.
4- شاع في المغرب الأذان للظهر مرتين، بينهما نحو ساعة. والأذان للعصر مرتين، بينهما عشر دقائق، وفي تطوان يؤذن للعشاء مرتين أيضا. وهذه بدعة سخيفة، لا توجد إلا في المغرب. ولم يشرع الأذان إلا عند دخول الوقت، للإعلام بالصلاة. والأذان بعده لاغ، غير مشروع.
5- ومن البدع السخيفة بالمغرب أيضا يوم الجمعة: أن يؤذن ثلاثة على المنار، واحدا بعد ءاخر، عند طلوع الخطيب إلى المنبر.
6- ومن البدع السخيفة بالمغرب يوم الجمعة أيضا: جهر الناس بالقراءة بالمسجد، قبل خروج الإمام. فإذا جاء الرجل إلى المسجد يوم الجمعة، سمع من بعيد أصواتا مرتفعة، وضجيجا غير مفهوم. فيخيل إليه أنه داخل إلى سوق، لا إلى مسجد حيث يجد هذا يقرأ القرءان وذاك يقرأ دلائل المخيرات وءاخر يذكر، وجماعة يقرأون بصوت واحد مرتفع.
وفي هذا تشويش منهي عنه، لما روي عن أبو داود بإسناد صحيح
عن أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم
يجهرون بالقراءة، فكشف الستر، وقال: "ألا أن كلكم مناج ربه فلا يؤدين بعضكم
بعصا على بعض في القراءة" والنهي يفيد التحريم، وقال به الشافعية كما في
المجموع للنووي، فهذه البدعة محرمة، حسبما يقتضه الدليل.
7- إرسال اليدين في الصلاة، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة. فهي بدعة، بلا شك. والعجيب جدا: أن المالكية اعتبروا هذه البدعة من مستحبات الصلاة، واعتبروا القبض من مكروهاتها، فخالفوا الإجماع. ذلك أن أهل السنة أجمعوا قولا وعملا على أن القبض من سنن الصلاة، بل منهم من أوحبه، كما في نيل الأوطار. ولم يخالف [إلا] الشيعة الإمامية والمالكية، فكرهوا الفبض الذي هو السنة المتوارثة جيل عن جيل.
والشيعة معروفون بمخالفة أهل السنة، فلا اعتبار بمخالفتهم. لكن ما حجة المالكية في هذه الزلة القبيحة، حيث جعلوا البدعة مندوبة والسنة مكروهة؟ مع أن إمامهم روى حديث القبض في الموطأ، وكان يقبض في الصلاة، ورواه عنه أصحابه المدنيون الذين لازموه إلى حين وفاته رضي الله عنه. لا حجة لهم إلا رواية ابن القاسم في المدونة، وهي رواية شاذة باطلة لوجوه:
الأول: مخالفتهم لما في الموطأ الذي كتبه الإمام بيده، ورواه عنه مئات من تلاميذه.
الثاني: مخالفتها لما رواه عنه أصحاب المدينون.
الثالث: مخالفتها لما رواه عنه أصحاب المصريون غير ابن القاسم.
الرابع: مخالفتها لفعل الإمام نفسه، فإنه كان يقبض في الصلاة.
7- إرسال اليدين في الصلاة، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة. فهي بدعة، بلا شك. والعجيب جدا: أن المالكية اعتبروا هذه البدعة من مستحبات الصلاة، واعتبروا القبض من مكروهاتها، فخالفوا الإجماع. ذلك أن أهل السنة أجمعوا قولا وعملا على أن القبض من سنن الصلاة، بل منهم من أوحبه، كما في نيل الأوطار. ولم يخالف [إلا] الشيعة الإمامية والمالكية، فكرهوا الفبض الذي هو السنة المتوارثة جيل عن جيل.
والشيعة معروفون بمخالفة أهل السنة، فلا اعتبار بمخالفتهم. لكن ما حجة المالكية في هذه الزلة القبيحة، حيث جعلوا البدعة مندوبة والسنة مكروهة؟ مع أن إمامهم روى حديث القبض في الموطأ، وكان يقبض في الصلاة، ورواه عنه أصحابه المدنيون الذين لازموه إلى حين وفاته رضي الله عنه. لا حجة لهم إلا رواية ابن القاسم في المدونة، وهي رواية شاذة باطلة لوجوه:
الأول: مخالفتهم لما في الموطأ الذي كتبه الإمام بيده، ورواه عنه مئات من تلاميذه.
الثاني: مخالفتها لما رواه عنه أصحاب المدينون.
الثالث: مخالفتها لما رواه عنه أصحاب المصريون غير ابن القاسم.
الرابع: مخالفتها لفعل الإمام نفسه، فإنه كان يقبض في الصلاة.
الخامس: مخالفتها لعمل أهل المدينة الذين كانوا يقبضون في
الصلاة فمن الصحابة الخلفاء الأربعة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وابن عمر
وأبو هريرة وجابر وسهل بن سعيد وأمهات المؤمنين. ومن التابعين وتابعيهم وفيهم شيوخ
مالك وأقرانه: خارجة بن زيد والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وعروة بن
الزبير ونافع مولى بن عمر ونافع المقرئ وزيد بن أسلم وولده عبد الله وعبد الرحمن
وسليمان بن يسار وهشام بن عروة وربيعة والزهري وابن وابن أبي ذيب وغيرهم.
السادس: مخالفتها لإجماع أهل السنة، كما مر.
السابع: مخالفتها للسنة المنقولة بالتواتر والتوارث حيلا بعد جيل. ومما لاحظته بعد الاستقراء والتتبع: أن معظم [أقوال] مالك المخالفة للسنة، يتفرد بنقلها ابن القاسم، وهذه شبهة قوية توجب الريبة فيما ينفرد به عن مالك.
الثامن: أنها جاءت فيمن اعتمد على يديه بعد قبضهما، لا مطلقا، بدليل أنها وقعت في المدونة تحت ترجمة: الاعتماد في الصلاة.
8- قراءة الحزب جماعة بعد الصبح والمغرب، لم تكن في العهد النبوي فهي بدعة، لكنها ليست بحرام، ومن ادعى تحريمها فقد كذب على الله حيث حرم ما لم يأتِ تحريمه في الكتاب ولا في السنة. كيف وتلاوة القرءان مطلوبة على العموم؟
قال الحافظ حرب الكرماني تلميذ الإمام أحمد: رأيت أهل دمشق وأهل حمص وأهل مكة وأهل البصرة يجتمعون على القرءان بعد صلاة الصبح ولكن أهل الشام يقرأون القرءان كلهم جماعة من سورة واحدة بأصوات عالية، وأهل البصرة وأهل مكة يجتمعون فيقرأ أحدهم عشر ءايات، والناس ينصتون، ثم يقرأ ءاخر عشر ءايات حتى فرغوا.
قال حرب: وكل ذلك حسن جميل.
السادس: مخالفتها لإجماع أهل السنة، كما مر.
السابع: مخالفتها للسنة المنقولة بالتواتر والتوارث حيلا بعد جيل. ومما لاحظته بعد الاستقراء والتتبع: أن معظم [أقوال] مالك المخالفة للسنة، يتفرد بنقلها ابن القاسم، وهذه شبهة قوية توجب الريبة فيما ينفرد به عن مالك.
الثامن: أنها جاءت فيمن اعتمد على يديه بعد قبضهما، لا مطلقا، بدليل أنها وقعت في المدونة تحت ترجمة: الاعتماد في الصلاة.
8- قراءة الحزب جماعة بعد الصبح والمغرب، لم تكن في العهد النبوي فهي بدعة، لكنها ليست بحرام، ومن ادعى تحريمها فقد كذب على الله حيث حرم ما لم يأتِ تحريمه في الكتاب ولا في السنة. كيف وتلاوة القرءان مطلوبة على العموم؟
قال الحافظ حرب الكرماني تلميذ الإمام أحمد: رأيت أهل دمشق وأهل حمص وأهل مكة وأهل البصرة يجتمعون على القرءان بعد صلاة الصبح ولكن أهل الشام يقرأون القرءان كلهم جماعة من سورة واحدة بأصوات عالية، وأهل البصرة وأهل مكة يجتمعون فيقرأ أحدهم عشر ءايات، والناس ينصتون، ثم يقرأ ءاخر عشر ءايات حتى فرغوا.
قال حرب: وكل ذلك حسن جميل.
وأنكر مالك على أهل الشام ذلك، روى أبو بكر النيسابوري في
مناقب مالك عن زيد بن عبيد الدمشقي قال: قال لي مالك بن أنس: بلغني أنكم تجلسون
حلقا تقرأون، فأخبرته بما كان يفعل أصحابنا، قال مالك: عندنا كان المهاجرون
والأنصار، ما نعرف هذا، قال زيد: فقلت: هذا طريف، قال مالك: وطريف رجلٌ يقرأ
ويجتمع الناس حوله.
وروى أيضا عن إسحاق بن محمد الغروي، قال: سمعنا مالك بن أنس يقول: الاجتماع بكرةً بعد صلاة الصبح لقراءة القرءان بدعة، ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا العلماء بعدهم على هذا كانوا إذا صلوا يخلو كلٌ بنفسه ويقرأ ويذكر الله تعالى ثم ينصرفون من غير أن يكلم بعضهم بعضا اشتغالا بذكر الله، فهذه كلها محدثة.
روى النيسابوري أيضا عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: لم تكن القراءة في المسجد، من أمر الناس القديم، وأول من أحدثها في المسجد الحجاج بن يوسف، [قال مالك: وانا أكره ذلك الذي يقرأ في المسجد في المصحف]، قلت حديث مسلم عن أبي هريرة: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" يفيد مشروعية تلاوة القرءان جماعة في المسجد، فلا ينبغي نسبة إحداثها إلى الحجاج أو غيره.
وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الرب يوم القيامة: سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم. فقيل: ومن أهل الكرم؟ قال: "مجالس الذكر في المساجد".
وروى أيضا عن زيد ابن أسلم قال: قال محجن بن الأدرع: انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فمر برجل في المسجد يرفع صوته، قلت: يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائيا، قال: "لا ولكنه أواه" وروى الفريابي في كتاب الذكر عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين: "إنه أواه" وذلك أنه كان يكثر ذكر الله بالقرءان والدعاء.
وروى أيضا عن إسحاق بن محمد الغروي، قال: سمعنا مالك بن أنس يقول: الاجتماع بكرةً بعد صلاة الصبح لقراءة القرءان بدعة، ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا العلماء بعدهم على هذا كانوا إذا صلوا يخلو كلٌ بنفسه ويقرأ ويذكر الله تعالى ثم ينصرفون من غير أن يكلم بعضهم بعضا اشتغالا بذكر الله، فهذه كلها محدثة.
روى النيسابوري أيضا عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: لم تكن القراءة في المسجد، من أمر الناس القديم، وأول من أحدثها في المسجد الحجاج بن يوسف، [قال مالك: وانا أكره ذلك الذي يقرأ في المسجد في المصحف]، قلت حديث مسلم عن أبي هريرة: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" يفيد مشروعية تلاوة القرءان جماعة في المسجد، فلا ينبغي نسبة إحداثها إلى الحجاج أو غيره.
وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الرب يوم القيامة: سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم. فقيل: ومن أهل الكرم؟ قال: "مجالس الذكر في المساجد".
وروى أيضا عن زيد ابن أسلم قال: قال محجن بن الأدرع: انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فمر برجل في المسجد يرفع صوته، قلت: يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائيا، قال: "لا ولكنه أواه" وروى الفريابي في كتاب الذكر عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين: "إنه أواه" وذلك أنه كان يكثر ذكر الله بالقرءان والدعاء.
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "تعاهدوا القرءان فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في
عقلها" وقراءة الحزب، من طرق تعاهد القرءان، فهو مشروع بهذا الحديث أيضا.
9- قراءة القرءان على الميت، حرمها المبتدعة المتنطعون، وهذا من جملة كذبهم على الله، والتقول على دينه بغير علم.
وقد كتبت جزءا في هذا الموضوع اسمه [توضيح البيان لوصول ثواب القرءان] استوفيت فيه الرد على هذه الفئة المتنطعة. وسأثبته ءاخر الكتاب.
10- الذكر في تشييع الجنازة، لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشيع الجنازة بالذكر، وكان إذا مشى مع جنازة رؤيت عليه كآبة.
وروي الطبراني بإسناد ضعيف عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرءان وعند الزحف وعند الجنازة.
فالذكر مع الجنازة بدعة أحدثت ليشغل المشيعون بالذكر عن الكلام في الميت أو غيره، لكنهم لم يشتغلوا بالذكر بل استمروا في الكلام فالسكوت مع الجنازة أولى وأفضل.
11- رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة، بالغ المبتدعة المتنطعون في تهويل أمره، فزعموا أن الإمام الذي يفعل ذلك، مبتدع لا يصلى خلفه. وهذا من جملة تقولهم على الله تعالى وجرأتهم على دينه وقد أثبت في ءاخر الكتاب رسالة تفيد ذلك.
12- السبحة، صحت أحاديث في الذكر بأعداد معينة كمائة ومائتين وأكثر منها حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قولوا خيرًا قولوا سبحان الله وبحمده فبالواحدة عشرة وبالعشرة مائة وبالمائة ألف ومن زاد زاده الله عزوجل".
والسبحة تضبط الأعداد المأثورة، وللوسائل حكم المقاصد، فالسبحة مشروعة.
9- قراءة القرءان على الميت، حرمها المبتدعة المتنطعون، وهذا من جملة كذبهم على الله، والتقول على دينه بغير علم.
وقد كتبت جزءا في هذا الموضوع اسمه [توضيح البيان لوصول ثواب القرءان] استوفيت فيه الرد على هذه الفئة المتنطعة. وسأثبته ءاخر الكتاب.
10- الذكر في تشييع الجنازة، لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشيع الجنازة بالذكر، وكان إذا مشى مع جنازة رؤيت عليه كآبة.
وروي الطبراني بإسناد ضعيف عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرءان وعند الزحف وعند الجنازة.
فالذكر مع الجنازة بدعة أحدثت ليشغل المشيعون بالذكر عن الكلام في الميت أو غيره، لكنهم لم يشتغلوا بالذكر بل استمروا في الكلام فالسكوت مع الجنازة أولى وأفضل.
11- رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة، بالغ المبتدعة المتنطعون في تهويل أمره، فزعموا أن الإمام الذي يفعل ذلك، مبتدع لا يصلى خلفه. وهذا من جملة تقولهم على الله تعالى وجرأتهم على دينه وقد أثبت في ءاخر الكتاب رسالة تفيد ذلك.
12- السبحة، صحت أحاديث في الذكر بأعداد معينة كمائة ومائتين وأكثر منها حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قولوا خيرًا قولوا سبحان الله وبحمده فبالواحدة عشرة وبالعشرة مائة وبالمائة ألف ومن زاد زاده الله عزوجل".
والسبحة تضبط الأعداد المأثورة، وللوسائل حكم المقاصد، فالسبحة مشروعة.
وصح عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع النبي صلى الله عليه
وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال: "أخبرك بما هو أيسر عليك
من هذا أو أفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض
وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك والحمد
لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك".
حسنه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم وعن صفية أُم المؤمنين قالت دخل عليَّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أُسبح بها، فقال: "قد سبحت
بهذا؟ ألا أُعلمك بأكثر مما سبحت به" فقالت: علمني، فقال: "قولي سبحان
الله عدد خلقه" حسنه الحافظ ابن حجر قال الشوكاني في نيل الأوطار: والحديثان
يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى، وكذا بالسبحة لعدم الفارق، لتقريره صلى
الله عليه وسلم للمرأتين على ذلك وعدم إنكاره، والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي
الجواز اهـ.
قلت: وكذلك حديث يسيرة -بالتصغير- وكانت من المهاجرات قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكنَّ بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا
تغفلن فتنسين الرحمة واعتقدن بالأنامل فإنهنَّ مسؤولات ومستنطقات" لا ينافي
العد بالنوى والحصى والسبحة، بل هي داخلة في معنى الحديث، لأن الأنامل التي تعد
الذكر على هذه الأشياء، يثاب صاحبها كما يثاب على العد عليها نفسها. ووردت ءاثار
عن الصحابة أنهم كانوا يعدون على الحصى أو النوى أو خيط فيه عقد على هيئة السبحة،
استوفاها الحافظ السيوطي في جزء المنحة في السبحة، وقال في ءاخره: ولم ينقل عن أحد
من السلف ولا من الخلف، المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدون بها،
ولا يرون ذلك مكروها، وقد رؤي بعضهم يعد تسبيحا فقيل له: أتعد على الله؟ فقال: لا
ولكن أعد له، والمقصود أن أكثر الذكر المعدود الذي جاءت به السنة الشريفة لا ينحصر
بالأنامل غالبا، ولو أمكن حصره لكان الانشغال بذلك يذهب الخشوع، وهو المراد اهـ.
وروى الديلمي في مسنده الفردوس عن علي عليه السلام مرفوعا: "نعم المذكر السبحة" إسناده ضعيف. كما قال علي القاري. وزعم المبتدع الألباني المتزمت أن الحديث موضوع، وضعف حديث سعد بن أبي وقاص، وحديث صفية، وقد رد عليه العلامة الشيخ عبد الله الحبشي الهرري في كتابه [التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث] وهو رد جيد متقن، أبطل مزاعمه، وبين جهله بقواعد أصول الحديث.
وبقي مما لم يبطله من مزاعمه أمران:
1- قوله عن سند الديلمي: وهذا إسناد ظلمات بعضها فوق بعض. وهذه العبارة منه تدل على جهله أو تجاهله بإصلاح أهل الحديث، لأن الحفاظ يقولون هذه العبارة في سند يكون رجاله ضعفاء، وبعضهم أشد ضعفا من بعض.
أما السند الذي يكون فيه مجهول أو مجهولون، فلا يزيدون على أن يقولوا: فيه مجهول، أو فيه مجاهيل.
2- زعمه أن ابن أبي حاتم يتحرى في تفسيره أصح الأخبار بأصح الأسانيد اهـ.
وروى الديلمي في مسنده الفردوس عن علي عليه السلام مرفوعا: "نعم المذكر السبحة" إسناده ضعيف. كما قال علي القاري. وزعم المبتدع الألباني المتزمت أن الحديث موضوع، وضعف حديث سعد بن أبي وقاص، وحديث صفية، وقد رد عليه العلامة الشيخ عبد الله الحبشي الهرري في كتابه [التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث] وهو رد جيد متقن، أبطل مزاعمه، وبين جهله بقواعد أصول الحديث.
وبقي مما لم يبطله من مزاعمه أمران:
1- قوله عن سند الديلمي: وهذا إسناد ظلمات بعضها فوق بعض. وهذه العبارة منه تدل على جهله أو تجاهله بإصلاح أهل الحديث، لأن الحفاظ يقولون هذه العبارة في سند يكون رجاله ضعفاء، وبعضهم أشد ضعفا من بعض.
أما السند الذي يكون فيه مجهول أو مجهولون، فلا يزيدون على أن يقولوا: فيه مجهول، أو فيه مجاهيل.
2- زعمه أن ابن أبي حاتم يتحرى في تفسيره أصح الأخبار بأصح الأسانيد اهـ.
ذكر هذا الزعم، ليؤيد حديثا يرى تحسينه، وهذا غير صحيح، ففي
تفسير ابن أبي حاتم أخبار واهية، وأثار إسرائيلية كما يظهر ذلك لمتتبعه والذي
لاحظته على هذا المبتدع المتزمت: أنه ليس بمأمون في الكلام على الأحاديث، فمتى كان
الحديث يخالف غرضه، سعى في تضعيفه، وربما ادعى وضعه، وضعف ما له من شواهد. وإذا
كان يوافق غرضه، سعى في تصحيحه، وتمحل بذكر شواهده ويغضي عما فيه من ضعف.
وبسبب ذلك يتناقض كلامه، والمبطل متناقض.
وروى السهمي في تاريخ جرحان بإسنادٍ ضعيف جدا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح بالحصى.
وتعليق السبحة بالعنق، ليس فيه شيء وهو نظير وضع الكاتب القلم على أذنه.
روى الترمذي بإسناد ضعيف عن زيد بن ثابت قال: دخلت على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين يديه كاتب فسمعته يقول: "ضع القلم على أُذنك فإنه أذكر للمصلي" ونظير وضع حمزة رضي الله عنه ريشة نعامة على صدره يوم بدر. ونظير ما رواه الخطيب في رواة مالك عنه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعون أسوكتهم خلف ءاذانهم، يستنون بها لكل صلاة. وروى أبو داود والترمذي عن أبي سلمة قال: كان السواك من أذن زيد بن خالد موضع القلم من أذن الكاتب.
تنبيه: قال الشوكاني في نيل الأوطار -عن حديث سعد بن أبي وقاص، وحديث صفية أم المؤمنين- ما نصه: وفي الحديثين فائدة جليلة وهي أن يتضاعف ويتعدد بعدد ما أحال الذاكر على عدده، وإن لم يتكرر في نفسه. فيحصل مثلا على مقتضى هذين الحديثين لمن قال مرة واحدة: سبحان الله عدد كل شيء، من التسبيح ما لا يحصل لمن كرر التسبيح ليالي وأياما بدون الإحالة على عدد.
وهذا مما يشكل على القائلين: إن الثواب على قدر المشقة المنكرين للتفضيل الثابت بصرائح الأدلة.
وبسبب ذلك يتناقض كلامه، والمبطل متناقض.
وروى السهمي في تاريخ جرحان بإسنادٍ ضعيف جدا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح بالحصى.
وتعليق السبحة بالعنق، ليس فيه شيء وهو نظير وضع الكاتب القلم على أذنه.
روى الترمذي بإسناد ضعيف عن زيد بن ثابت قال: دخلت على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين يديه كاتب فسمعته يقول: "ضع القلم على أُذنك فإنه أذكر للمصلي" ونظير وضع حمزة رضي الله عنه ريشة نعامة على صدره يوم بدر. ونظير ما رواه الخطيب في رواة مالك عنه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعون أسوكتهم خلف ءاذانهم، يستنون بها لكل صلاة. وروى أبو داود والترمذي عن أبي سلمة قال: كان السواك من أذن زيد بن خالد موضع القلم من أذن الكاتب.
تنبيه: قال الشوكاني في نيل الأوطار -عن حديث سعد بن أبي وقاص، وحديث صفية أم المؤمنين- ما نصه: وفي الحديثين فائدة جليلة وهي أن يتضاعف ويتعدد بعدد ما أحال الذاكر على عدده، وإن لم يتكرر في نفسه. فيحصل مثلا على مقتضى هذين الحديثين لمن قال مرة واحدة: سبحان الله عدد كل شيء، من التسبيح ما لا يحصل لمن كرر التسبيح ليالي وأياما بدون الإحالة على عدد.
وهذا مما يشكل على القائلين: إن الثواب على قدر المشقة المنكرين للتفضيل الثابت بصرائح الأدلة.
وقد أجابوا عن هذين الحديثين، وما شابههما من نحو قوله صلى
الله عليه وسلم: "من فطر صائمًا كان له مثل أجره" "ومن عزّى مصابًا
كان له مثل أجره" بأجوبة متعسفة متكلفة. اهـ.
قلت: وفي هذين الحديثين ونحوهما دليل لصاحب دلائل الخيرات: اللهم صل على سيدنا محمد عدد الأشجار، وعدد الثمار، إلخ.. والذين يعترضون عليه، جهلة أغبياء.
13- الذكر بعد الأذان، ليس ببدعة، وليس زيادة في الأذان لأن نهاية الأذان يعرفها الأطفال، فضلا عن الرجال. والذكر مأمور به في عموم الأحوال قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرا كَثِيرا} فهذا الأمر يعم جميع الأوقات، وكونه بعد الأذان، له حكمة، بيّنها مولانا الشيخ الإمام الوالد رضي الله عنه، حيث قال: روى أبو داود والترمذي وحسّنه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة" مع ما رواه الدارمي والترمذي وحسّنه عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الرب تبارك وتعالى مَن شغله قراءة القرءان وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".
14- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بعد الصلاة المكتوبة. زعم مبتدع متزمت أنها بدعة، وبئس ما زعم. فإن قول الله تعال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما} مطلق، يصدق بأي وقت تقع فيه الصلاة، إلا إن ورد النهي عنها في وقت معين، وهو غير موجود. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرة" فهذا عام يشمل جميع الأوقات. ومثله أحاديث كثيرة تفيد العموم، والمقرر في الأصول: أنّ العام يُعمل به في جميع جزئياته، فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة، مشروعة بهذا الحديث وأمثاله، ودعوى بدعيتها جهل بعلم الأصول.
قلت: وفي هذين الحديثين ونحوهما دليل لصاحب دلائل الخيرات: اللهم صل على سيدنا محمد عدد الأشجار، وعدد الثمار، إلخ.. والذين يعترضون عليه، جهلة أغبياء.
13- الذكر بعد الأذان، ليس ببدعة، وليس زيادة في الأذان لأن نهاية الأذان يعرفها الأطفال، فضلا عن الرجال. والذكر مأمور به في عموم الأحوال قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرا كَثِيرا} فهذا الأمر يعم جميع الأوقات، وكونه بعد الأذان، له حكمة، بيّنها مولانا الشيخ الإمام الوالد رضي الله عنه، حيث قال: روى أبو داود والترمذي وحسّنه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة" مع ما رواه الدارمي والترمذي وحسّنه عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الرب تبارك وتعالى مَن شغله قراءة القرءان وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".
14- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بعد الصلاة المكتوبة. زعم مبتدع متزمت أنها بدعة، وبئس ما زعم. فإن قول الله تعال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما} مطلق، يصدق بأي وقت تقع فيه الصلاة، إلا إن ورد النهي عنها في وقت معين، وهو غير موجود. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرة" فهذا عام يشمل جميع الأوقات. ومثله أحاديث كثيرة تفيد العموم، والمقرر في الأصول: أنّ العام يُعمل به في جميع جزئياته، فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة، مشروعة بهذا الحديث وأمثاله، ودعوى بدعيتها جهل بعلم الأصول.
نعم ورد الحض عليها في أوقات معينة، منها عقب الأذان، وعند
الدعاء، وعند دخول المسجد، وعند الخروج منه، وهذا لا يجعلها بدعة في غير هذه
الأوقات، لأن تخصيص بعض أفراد العام بالذكر، لا يخصص العام.
15- بعض المساجد عندنا بطنجة، يذكر المصلون بعد المكتوبة اسم اللطيف مائة مرة أو أكثر، يدعون الله به، فزعم مبتدع عاميّ أن ذلك بدعة، ليست من الدين، وزعمه باطل لأن اللطيف اسم من أسماء الله تعالى، وهو في القرءان الكريم: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الله لطيف بعباده، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فهو من أسماء الله الحسنى، والدعاء بها مطلوب، لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وكل وقت يجوز فيه الدعاء، وهو بعد الصلاة من مظان الإجابة، كما ثبت في الأحاديث. فمالهؤلاء المبتدعة لا يفقهون؟!
16- السيادة في الأذان والإقامة والتشهد في الصلاة، يمنعها المبتدعة المتنطعون، ويجهلون ألا حرام ولا مكروه إلا ما ورد النهي عنه، لقول الله تعالى: {وَمَا ءاتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ولم يقل وما تركه فانتهوا عنه، أو ما لم يفعله فانتهوا عنه.
ومر في المقدمة فقرة 6 أن ترك الشيء لا يدل على منعه ولا كراهته وهي قاعدة أصولية، يجهلها المبتدعة، وقد أوضحتها في كتاب الرد المحكم المتين.
وقد أخبرني شخص بينتها له، أنه ذكرها لمبتدع يدّعي العلم، أثناء مناقشة معه، فأنكرها وقال: ليست من علم الأصول.
وأغلب أخطاء هؤلاء المبتدعة –وما أكثرها- تأتي من جهة جهلهم بالأصول، وعدم تمكنهم من قواعده، مع ضيق باعهم، وقلة اطلاعهم.
15- بعض المساجد عندنا بطنجة، يذكر المصلون بعد المكتوبة اسم اللطيف مائة مرة أو أكثر، يدعون الله به، فزعم مبتدع عاميّ أن ذلك بدعة، ليست من الدين، وزعمه باطل لأن اللطيف اسم من أسماء الله تعالى، وهو في القرءان الكريم: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الله لطيف بعباده، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فهو من أسماء الله الحسنى، والدعاء بها مطلوب، لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وكل وقت يجوز فيه الدعاء، وهو بعد الصلاة من مظان الإجابة، كما ثبت في الأحاديث. فمالهؤلاء المبتدعة لا يفقهون؟!
16- السيادة في الأذان والإقامة والتشهد في الصلاة، يمنعها المبتدعة المتنطعون، ويجهلون ألا حرام ولا مكروه إلا ما ورد النهي عنه، لقول الله تعالى: {وَمَا ءاتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ولم يقل وما تركه فانتهوا عنه، أو ما لم يفعله فانتهوا عنه.
ومر في المقدمة فقرة 6 أن ترك الشيء لا يدل على منعه ولا كراهته وهي قاعدة أصولية، يجهلها المبتدعة، وقد أوضحتها في كتاب الرد المحكم المتين.
وقد أخبرني شخص بينتها له، أنه ذكرها لمبتدع يدّعي العلم، أثناء مناقشة معه، فأنكرها وقال: ليست من علم الأصول.
وأغلب أخطاء هؤلاء المبتدعة –وما أكثرها- تأتي من جهة جهلهم بالأصول، وعدم تمكنهم من قواعده، مع ضيق باعهم، وقلة اطلاعهم.
ثم السيادة بالأذان وما ذُكر معه، لاستحبابها أربعون دليلا،
ذكرها شقيقنا الحافظ أبو الفيض في كتاب تشنيف الآذان، مفصلة دليلا دليلا، مع ما
يتبعها من ايرادات وأجوبة عنها ويتخللها نقول عديدة عن جماعة من الأئمة والحفاظ
والفقهاء وعلماء المذاهب الأربعة، مضافًا إليه علماء الشيعة الزيدية والإمامية،
بحيث من يستوعبه قراءة وفهمًا لم يبق له شك في أن استحباب السيادة هو الصواب.
[17-] وأنا أذكر هنا دليلين أو ثلاثة، وأحيل من أرد التوسع والبسط على تشنيف الآذان:
1- نقل جمال الدين الأسنوي في المهمات عن الإمام عز الدين بن عبد السلام أنه بنى مسئلة السيادة على أن الأفضل سلوك الأدب، أو امتثال الأمر وقال ابن ظهيرة: الأفضل الإتيان بلفظ السيادة، كما صرّح به جمع، وأفتى الجلال الحلي جازمًا به، قال: لأن فيه الإتيان بما أمرنا به، وزيادة الأخبار بالواقع الذي هو أدب، فهو أفضل من تركه.
وقال الأبي في شرح مسلم: وما يستعمل من لفظ السيد والمولى حسن وإن لم يرد، والمستند فيه ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد ءادم" واتفق أن طالبًا يدعى بابن غمرين قال: لا يزاد في الصلاة على سيدنا، قال: لأنه لم يرد، وإنما يقال: على محمد، فنقمها عليه الطلبة، وبلغ الأمر إلى القاضي ابن عبد السلام، فأرسل وراءه الأعوان فاختفى مدة، ولم يخرج حتى شفع فيه حاجب الخليفة فخلى عنه حينئذ وكأنه رأى أن تغيبه تلك المدة هي عقوبته. اهـ.
[17-] وأنا أذكر هنا دليلين أو ثلاثة، وأحيل من أرد التوسع والبسط على تشنيف الآذان:
1- نقل جمال الدين الأسنوي في المهمات عن الإمام عز الدين بن عبد السلام أنه بنى مسئلة السيادة على أن الأفضل سلوك الأدب، أو امتثال الأمر وقال ابن ظهيرة: الأفضل الإتيان بلفظ السيادة، كما صرّح به جمع، وأفتى الجلال الحلي جازمًا به، قال: لأن فيه الإتيان بما أمرنا به، وزيادة الأخبار بالواقع الذي هو أدب، فهو أفضل من تركه.
وقال الأبي في شرح مسلم: وما يستعمل من لفظ السيد والمولى حسن وإن لم يرد، والمستند فيه ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد ءادم" واتفق أن طالبًا يدعى بابن غمرين قال: لا يزاد في الصلاة على سيدنا، قال: لأنه لم يرد، وإنما يقال: على محمد، فنقمها عليه الطلبة، وبلغ الأمر إلى القاضي ابن عبد السلام، فأرسل وراءه الأعوان فاختفى مدة، ولم يخرج حتى شفع فيه حاجب الخليفة فخلى عنه حينئذ وكأنه رأى أن تغيبه تلك المدة هي عقوبته. اهـ.
والدليل أن سلوك الأدب أفضل حديثان أحدهما في صحيح البخاري
عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم،
فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى
أبو بكر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون، فتخلص حتى وقف في الصف،
فصفق الناس حتى التفت أبو بكر فرأى النبي صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول
الله أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى
الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فصلى. فلما انصرف قال: يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ فقال أبو
بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبو
بكر قدّم سلوك الأدب، على امتثال الأمر، وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم.
والآخر: في صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال: لما صالح رسول الله أهل الحديبية، كتب علي بن أبي طالب رضوان الله عليه بينهم كتابًا، فكتب: محمد رسول الله، فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله، لو كنت رسولا، لم نقاتلك، فقال لعلي: "امحه" فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده.
وهذا أيضًا فضل سلوك الأدب، على امتثال الأمر، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم.
2- قال الله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا} عن ابن عباس قال: كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم، فنهاهم الله عن ذلك إعظامًا لنبيّه، فقالوا: يا نبي الله، يا رسول الله. وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة، وكما لا يجوز نداؤه باسمه المجرد عن التعظيم، لا يجوز ذكر اسمه مجردًا عن وصف السيادة، لأنها من ألقاب التعظيم في العرف. وليس هذا بقياس بل هو حكم في معنى النص، لأن ذكر الاسم مثل النداء فالآية تشمله.
والآخر: في صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال: لما صالح رسول الله أهل الحديبية، كتب علي بن أبي طالب رضوان الله عليه بينهم كتابًا، فكتب: محمد رسول الله، فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله، لو كنت رسولا، لم نقاتلك، فقال لعلي: "امحه" فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده.
وهذا أيضًا فضل سلوك الأدب، على امتثال الأمر، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم.
2- قال الله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا} عن ابن عباس قال: كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم، فنهاهم الله عن ذلك إعظامًا لنبيّه، فقالوا: يا نبي الله، يا رسول الله. وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة، وكما لا يجوز نداؤه باسمه المجرد عن التعظيم، لا يجوز ذكر اسمه مجردًا عن وصف السيادة، لأنها من ألقاب التعظيم في العرف. وليس هذا بقياس بل هو حكم في معنى النص، لأن ذكر الاسم مثل النداء فالآية تشمله.
3- أن الأذان ورد بألفاظ متعددة فيه زيادة ونقص، وزاد فيه
بعض الصحابة ألفاظًا لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لعلمهم أن القصد
بالأذان: الإعلام بدخول الوقت، وأنه ليس متعبدًا بلفظه كالقرءان. روى معمر عن أيوب
السختياني عن نافع عن ابن عمر أنه كان يؤذن ثلاثا ثلاثا، وورد عنه: أنه كان يختم
الأذان بالتكبير، بعد لا إله إلا الله، وروى عبد الرزاق عن بلال أنه كان يثني
الأذان والإقامة، وقال ابن حزم: قد صح عن ابن عمر وأبي أمامة وسهل بن حنيف أنهم
كانوا يقولون في أذانهم: حي على خير العمل، قلت كانوا يقولونها بعد حي على الفلاح،
وكان يقولها أيضًا علي زين العابدين عليه السلام، ويقول هو الأذان الأول، ويقولها
الشيعة إلى الآن في الأذان.
ومر في المقدمة أن بلالا وجد النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا، فقال: الصلاة خير من النوم، فقال له: "اجعلها في أذان الفجر"، وذكر السيادة في الأذان وما معه، زيادة في التعظيم، لم تغير لفظًا، ولم تفسد معنى، فهي مطلوبة جزمًا.
18- الفدية عن الميت، اعتاد بعض الناس أن يدعو إلى داره بعض حفاظ القرءان والمنشدين، يتلون شيئًا من كتاب الله، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، وينشد المنشدون أمداحًا نبوية، ثم يُطعمون ويوزّع عليهم صاحب الدعوة ما تيسّر من نقود، يفعل ذلك صقة عن روح ميته، رجاء أن يخفف الله عنه.
حرم المبتدعة المتنطعون هذا العمل، وبالغوا في تحريمه، حتى قال قائل منهم: إن الجلوس في حانة مع شرب الخمر ومدخني الحشيش أفضل من الجلوس مع هؤلاء الطلبة والمنشدين.
ومر في المقدمة أن بلالا وجد النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا، فقال: الصلاة خير من النوم، فقال له: "اجعلها في أذان الفجر"، وذكر السيادة في الأذان وما معه، زيادة في التعظيم، لم تغير لفظًا، ولم تفسد معنى، فهي مطلوبة جزمًا.
18- الفدية عن الميت، اعتاد بعض الناس أن يدعو إلى داره بعض حفاظ القرءان والمنشدين، يتلون شيئًا من كتاب الله، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، وينشد المنشدون أمداحًا نبوية، ثم يُطعمون ويوزّع عليهم صاحب الدعوة ما تيسّر من نقود، يفعل ذلك صقة عن روح ميته، رجاء أن يخفف الله عنه.
حرم المبتدعة المتنطعون هذا العمل، وبالغوا في تحريمه، حتى قال قائل منهم: إن الجلوس في حانة مع شرب الخمر ومدخني الحشيش أفضل من الجلوس مع هؤلاء الطلبة والمنشدين.
وهذا قبيح جدًا إن لم يكن كفرًا، فهو قريب من الكفر والعياذ
بالله، وإطعام الطعام للإخوان والأصدقاء مطلوب، بل جعل الشارع إطعام الطعام كفارة
لحنث اليمين، والظهار وفطر رمضان عمدًا ولغير ذلك، وتلاوة القرءان والصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم عبادتان، وكذلك مدحه عليه الصلاة والسلام. فلم يبق إلا
الهيئة المجتمعة من هذه الأشياء، وهي غير حرام جزمًا إن لم توجد في العهد النبوي،
لما مرّ في المقدمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المباحات ولا جميع
المندوبات، وأن ترك الشيء لا يدل على حرمته ولا كراهته.
وأخذ الأجرة على الوظائف الدينية كتلاوة القرءان والإمامة وخطبة الجمعة والأذان وتعليم العلوم الشريعة، جرى العمل به في البلاد الإسلامية، من زمن بعيد. على أن أخذ الأجر على تلاوة القرءان، يدخل في عموم حديث البخاري: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله" وهو أصح من حديث "لا تستأكلوا به".
وقد صح وصول الحج إلى الميت والصوم والصدقة والدعاء والاستغفار فكذلك يصل القرءان إليه، بجامع أن كلا منها عبادة، والتفريق بينها وبين القرءان، تفريق بين المتماثلات، وقراءة القرءان على الميت جرى العمل بها في البلاد الإسلامية من عهد الأنصار.
تنبيه: لمناسبة ذكر المنشدين الذين ينشدوا أشعارًا وقصائد المديح النبوي، نشير إلى أن أشهر القصائد التي تنشد في الحفلات، قصيدة البردة للبوصيري رحمه الله، وفيها أبيات انتقدها المبتدعة وهي:
1- وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة منْ ... لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ
2- [وقدمتك] جميع الأنبياء بها ... والرسل تقديم مخدوم على خدمِ
4- يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ بهِ ... سواك عند حلول الحادث العممِ
4- فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلمِ
والجواب عن البيت الأول:
وأخذ الأجرة على الوظائف الدينية كتلاوة القرءان والإمامة وخطبة الجمعة والأذان وتعليم العلوم الشريعة، جرى العمل به في البلاد الإسلامية، من زمن بعيد. على أن أخذ الأجر على تلاوة القرءان، يدخل في عموم حديث البخاري: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله" وهو أصح من حديث "لا تستأكلوا به".
وقد صح وصول الحج إلى الميت والصوم والصدقة والدعاء والاستغفار فكذلك يصل القرءان إليه، بجامع أن كلا منها عبادة، والتفريق بينها وبين القرءان، تفريق بين المتماثلات، وقراءة القرءان على الميت جرى العمل بها في البلاد الإسلامية من عهد الأنصار.
تنبيه: لمناسبة ذكر المنشدين الذين ينشدوا أشعارًا وقصائد المديح النبوي، نشير إلى أن أشهر القصائد التي تنشد في الحفلات، قصيدة البردة للبوصيري رحمه الله، وفيها أبيات انتقدها المبتدعة وهي:
1- وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة منْ ... لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ
2- [وقدمتك] جميع الأنبياء بها ... والرسل تقديم مخدوم على خدمِ
4- يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ بهِ ... سواك عند حلول الحادث العممِ
4- فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلمِ
والجواب عن البيت الأول:
أن الله تعالى خلق المكلفين لعبادته، فقال سبحانه: {وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وخلق الدنيا وما فيها لأجلهم،
وخلق الآخرة لأجلهم أيضًا، وجعلهما دارين.
دار للتكليف والعمل، ودار للجزاء على ما عملوا، ولولا الجن والإنس، ما خلقت الدنيا، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم سيّد المكلفين، ورسول العالمين، وخلاصة النوع الإنساني، صح أن يقال: لولاه لم تخرج الدنيا من العدم، وهذا النوع من المجاز لطيف اقتضاه مقام المدح.
وأما الأبيات التالية، فأصلحها على الوجه الآتي، وإن كان الجواب عنهما ممكنًا بتكلف:
وقدمتك جميع الأنبياء بها ... وكرموك لفضل فيك من قدمِ
يا أكرم الخلق ما لي من يشفع في ... سواك عند حلول الحادث العممِ
يُشفّع، بشد الفاء، مبني للمجهول.
والمعنى: ما لي من يقبل الله شفاعته فيّ، سواك وهذا صحيح لأن الله يقول لرسوله يوم القيامة: قل تسمع، وسل تعط، واشفع تُشفّع: أي اشفع تُقبل شفاعتك.
فإن جودك في الدنيا وضرتها ... وفي كتابك علم اللوح والقلمِ
والنبي صلى الله عليه وسلم أجود ولد بين ءادم كما في الحديث، وَجوده في الآخرة بشفاعته في أمته، وهو أعظم الجود.
وكتابه –وهو القرءان- فيه علم اللوح والقلم بلا نزاع.
19- الاحتفال بالمولد النبوي: قال عنه مبتدع يدّعي العلم: هو مثل احتفال النصارى بعيد ميلاد المسيح، يقصد أنه حرام، وهذه جرأة على القول في الدين، بغير حجة. وما أكثر جراءة المبتدعة على تحريم أمور.
وللحافظ السيوطي رسالة [حسن المقصد في عمل المولد] قال في أولها: وقع السؤال عن المولد النبوي في شهر ربيع الأول، ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل محمود؟ أو مذموم؟ وهل يُثاب فاعله؟ أم لا؟
دار للتكليف والعمل، ودار للجزاء على ما عملوا، ولولا الجن والإنس، ما خلقت الدنيا، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم سيّد المكلفين، ورسول العالمين، وخلاصة النوع الإنساني، صح أن يقال: لولاه لم تخرج الدنيا من العدم، وهذا النوع من المجاز لطيف اقتضاه مقام المدح.
وأما الأبيات التالية، فأصلحها على الوجه الآتي، وإن كان الجواب عنهما ممكنًا بتكلف:
وقدمتك جميع الأنبياء بها ... وكرموك لفضل فيك من قدمِ
يا أكرم الخلق ما لي من يشفع في ... سواك عند حلول الحادث العممِ
يُشفّع، بشد الفاء، مبني للمجهول.
والمعنى: ما لي من يقبل الله شفاعته فيّ، سواك وهذا صحيح لأن الله يقول لرسوله يوم القيامة: قل تسمع، وسل تعط، واشفع تُشفّع: أي اشفع تُقبل شفاعتك.
فإن جودك في الدنيا وضرتها ... وفي كتابك علم اللوح والقلمِ
والنبي صلى الله عليه وسلم أجود ولد بين ءادم كما في الحديث، وَجوده في الآخرة بشفاعته في أمته، وهو أعظم الجود.
وكتابه –وهو القرءان- فيه علم اللوح والقلم بلا نزاع.
19- الاحتفال بالمولد النبوي: قال عنه مبتدع يدّعي العلم: هو مثل احتفال النصارى بعيد ميلاد المسيح، يقصد أنه حرام، وهذه جرأة على القول في الدين، بغير حجة. وما أكثر جراءة المبتدعة على تحريم أمور.
وللحافظ السيوطي رسالة [حسن المقصد في عمل المولد] قال في أولها: وقع السؤال عن المولد النبوي في شهر ربيع الأول، ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل محمود؟ أو مذموم؟ وهل يُثاب فاعله؟ أم لا؟
والجواب عندي: أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس
وقراءة ما تيسّر من القرءان، ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله
عليه وسلم، وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير
زيادة على ذلك، هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر
النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف. ثم قال: وقد سئل
شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر، عن عمل المولد فأجاب لما نصه: أصل عمل
المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت
على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن، وتجنب ضدها، كانت بدعة حسنة، قال:
وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله
عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم، فقالوا: هو يوم
أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله، فيستفاد منه فعل الشكر لله
على ما من به في يوم معين، من إسداء نعمة، ودفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم
من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة،
وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق
بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه، فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى،
من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية
والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع
واللهو وغير ذلك، فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحًا بحيث يفتضي السرور بذلك
اليوم، لا بأس بإلحاقه به، وما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنع، وكذلك ما كان خلاف
الأولى اهـ.
قال السيوطي: وقد ظهر لي تخريجه على أصل ءاخر، وهو ما أخرجه
البيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة، مع أنه قد
ورد: أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية. فيحمل
ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم للشكر على إيجاد الله إياه رحمة
للعالمين تشريعٌ لأمته، كما كان يصلي على نفسه لذلك. فيستحب لنا أيضًا إظهار الشكر
بمولده بالاجتماع وإطعام ونحو ذلك من وجوه القربات، وإظهار المسرات اهـ. قلت: حديث
عق عن نفسه بعد النبوة، قال البيهقي: عنه. حديث منكر، وذلك لأنه من رواية عبد الله
بن محرر، وهو متروك فالأولى الاقتصار على حديث عاشوراء كما فعل الحافظ بن حجر، فهو
كاف في الاستدلال. والمقصود أن الاحتفال بالمولد النبوي مستحب كما قال هذان
الحافظان الجليلان وغيرهما، فلا وجه لإنكاره، والله أعلم.
نبذة مما أحدثه الصحابة
بعد العهد النبوي
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحدث الاجتماع في التراويح، فكانوا يصلونها جماعة في المسجد بإمامة أبي بن كعب رضي الله عنه، تنفيذا لأمره، وقال –حين رآهم يصلون مجتمعين- نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل –يعني القيام من ءاخر الليل- والقصة في صحيح البخاري.
- قال الحافظ في الفتح في شرح كلام عمر: والبدعة أصلها، ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع مقابل السنة، فتكون مذمومة. والتحقيق أنها إن كانت تندرج تحت مستحسن في الشرع، فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع، فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة اهـ.
- وفي الموطأ: وحدثني عن مالك: أنه بلغه: أن المؤذن جاء إلى عمر يؤذنه لصلاة الصبح، فوجده نائمًا، فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في أذان الصبح.
نبذة مما أحدثه الصحابة
بعد العهد النبوي
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحدث الاجتماع في التراويح، فكانوا يصلونها جماعة في المسجد بإمامة أبي بن كعب رضي الله عنه، تنفيذا لأمره، وقال –حين رآهم يصلون مجتمعين- نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل –يعني القيام من ءاخر الليل- والقصة في صحيح البخاري.
- قال الحافظ في الفتح في شرح كلام عمر: والبدعة أصلها، ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع مقابل السنة، فتكون مذمومة. والتحقيق أنها إن كانت تندرج تحت مستحسن في الشرع، فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع، فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة اهـ.
- وفي الموطأ: وحدثني عن مالك: أنه بلغه: أن المؤذن جاء إلى عمر يؤذنه لصلاة الصبح، فوجده نائمًا، فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في أذان الصبح.
- وروى الديرعاقولي في الأول من فوائده قال: حدثنا إبراهيم
بن بشار حدثنا سفيان بن عيينه عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه،
قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرءان جمع في شيء.
قلت: عمر هو الذي أشار على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرءان في صحف، حين كثر القتل بين الصحابة في وقعة اليمامة، فتوقف أبو بكر، وقال: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدره له، وبعث إلى زيد بن ثابت فكلفه بتتبع القرءان وجمعه، قال زيد فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل عليّ مما كلفني به من جمع القرءان قال زيد: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. والقصة مبسوطة في صحيح البخاري.
وقول أبي بكر وعمر: هو والله خير، يؤيد ما مر في المقدمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المندوبات. أو جميع ما هو خير، وجمع القرءان كان واجبًا على المسلمين مع أنه بدعة، ليحفظ من الضياع، فألهم الله عمر التفكير في عمل هذه البدعة الواجبة، لما فيها من خير كبير للإسلام والمسلمين.
قلت: عمر هو الذي أشار على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرءان في صحف، حين كثر القتل بين الصحابة في وقعة اليمامة، فتوقف أبو بكر، وقال: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدره له، وبعث إلى زيد بن ثابت فكلفه بتتبع القرءان وجمعه، قال زيد فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل عليّ مما كلفني به من جمع القرءان قال زيد: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. والقصة مبسوطة في صحيح البخاري.
وقول أبي بكر وعمر: هو والله خير، يؤيد ما مر في المقدمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المندوبات. أو جميع ما هو خير، وجمع القرءان كان واجبًا على المسلمين مع أنه بدعة، ليحفظ من الضياع، فألهم الله عمر التفكير في عمل هذه البدعة الواجبة، لما فيها من خير كبير للإسلام والمسلمين.
- وقد اعترف الشاطبي بهذا العمل، وأنه واجب، وسماه مصلحة
وأبى أن يسميه بدعة، لأن البدعة عنده: ما قصد بها الزيادة على الشارع، وهذا خطأ
كبير، لأن من أجاز الزيادة في الشريعة، فليس بمسلم، ولأن الذين عرفوا البدعة، لم
يذكروا قصد الزيادة وقسموها إلى حسنة وسيئة، وقسموها باعتبار المصلحة والمفسدة إلى
الأحكام الخمسة الوجوب والندب والحرمة والكراهية والإباحة، ومر كلامهم في المقدمة،
فلا داعي لإعادته. ثم المصلحة هي الباعثة على إحداث أمر، وهي غير الأمر المحدث
فحفظ القرءان من الضياع مصلحة، أوجبت جمعه في مصحف. واستيعاب المساجد للمصلين
مصلحة، دعت إلى تعدد الجمعة. وهكذا الشأن في كل بدعة حسنة.
فالشاطبي شذ عن العلماء بما ابتدعه، ولم يأت فيما شذ به بشيء معقول، واضطر ءاخر الأمر أن يعترف بأن الأمر المحدث ينقسم إلى الأحكام الخمسة، كما قال سلطان العلماء وغيره، وسماه مصلحة لا بدعة، فما صنع شيئًا.
- وكان مقام إبراهيم ملتصقًا بالبيت من عهده إلى أن أخره عمر، أخرج البيهقي بسند قوي عن عائشة قالت: أن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن أبي بكر ملتصقًا بالبيت، ثم أخره عمر، قال الحافظ في الفتح: ولم تنكر الصحابة فعل عمر، ولا من جاء بعدهم فصار إجماعًا، قال: وكأن عمر رأى أن إبقاءه، يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع فيه الحرج، وتهيأ له ذلك. لأنه الذي كان أشار باتخاذه مصلى، وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن اهـ. فعمر حول المقام من مكانه في عهد إبراهيم، وعهد النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، لمصلحة رآها في تحويله، وعمل عليه مقصورة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ما فعل فيه، لأنهم رأوا المصلحة مثل ما رأى.
فالشاطبي شذ عن العلماء بما ابتدعه، ولم يأت فيما شذ به بشيء معقول، واضطر ءاخر الأمر أن يعترف بأن الأمر المحدث ينقسم إلى الأحكام الخمسة، كما قال سلطان العلماء وغيره، وسماه مصلحة لا بدعة، فما صنع شيئًا.
- وكان مقام إبراهيم ملتصقًا بالبيت من عهده إلى أن أخره عمر، أخرج البيهقي بسند قوي عن عائشة قالت: أن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن أبي بكر ملتصقًا بالبيت، ثم أخره عمر، قال الحافظ في الفتح: ولم تنكر الصحابة فعل عمر، ولا من جاء بعدهم فصار إجماعًا، قال: وكأن عمر رأى أن إبقاءه، يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع فيه الحرج، وتهيأ له ذلك. لأنه الذي كان أشار باتخاذه مصلى، وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن اهـ. فعمر حول المقام من مكانه في عهد إبراهيم، وعهد النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، لمصلحة رآها في تحويله، وعمل عليه مقصورة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ما فعل فيه، لأنهم رأوا المصلحة مثل ما رأى.
- عثمان بن عفان رضي الله عنه. زاد الأذان يوم الجمعة في
السوق لما كثر الناس ففي صحيح البخاري عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم
الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي
بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه، وكثر الناس، زاد النداء
الثالث على الزوراء، وهي دار في سوق المدينة. وسمي هذا الأذان ثالثًا باعتبار
إضافته إلى الأذان الأول والإقامة، ويقال له أول باعتبار سبقه في الزمان على أذان
الجمعة، ويقال له: ثان بإسقاط اعتبار الإقامة.
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: الأذان الأول يوم الجمعة بدعة، قال الحافظ في الفتح: فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار، ويحتمل أن يريد: أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنًا ومنها ما يكون بخلاف ذلك اهـ.
تنبيه: ذكر بعض المعاصرين: أن ما شاع في المغرب من أذان ثلاثة مؤذنين واحدًا بعد ءاخر يوم الجمعة، عند صعود الخطيب على المنبر، كان هذا على العهد النبوي.
وهذا خطأ قبيح، وأصله لعبد الملك بن حبيب فإنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، وخرج، رقى المنبر، فإذا رآه المؤذنون وكانوا ثلاثة، قاموا فأذنوا فوق المنارة واحدًا بعد واحد، ثم تلاه على ذلك أبو بكر وعمر اهـ. وهذا ليس بصحيح بل لا أصل له.
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: الأذان الأول يوم الجمعة بدعة، قال الحافظ في الفتح: فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار، ويحتمل أن يريد: أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنًا ومنها ما يكون بخلاف ذلك اهـ.
تنبيه: ذكر بعض المعاصرين: أن ما شاع في المغرب من أذان ثلاثة مؤذنين واحدًا بعد ءاخر يوم الجمعة، عند صعود الخطيب على المنبر، كان هذا على العهد النبوي.
وهذا خطأ قبيح، وأصله لعبد الملك بن حبيب فإنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، وخرج، رقى المنبر، فإذا رآه المؤذنون وكانوا ثلاثة، قاموا فأذنوا فوق المنارة واحدًا بعد واحد، ثم تلاه على ذلك أبو بكر وعمر اهـ. وهذا ليس بصحيح بل لا أصل له.
وهو يخالف ما في صحيح البخاري وغيره من كتب السنة الصحيحة،
وابن حبيب، مع [إمامته] في الفقه ضعيف في الحديث، قال الحافظ أبو بكر بن سيد
الناس: ضعفه غير واحد، وبعضهم اتهمه بالكذب اهـ. وممن ضعفه الدارقطني، وقال ابن
حزم: ليس بثقة، وقال أيضًا: روايته مطروحة. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر قال: كان
المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبنيًا باللبن وسقفه الجريد، وعمده
خشب النخل، فلم يزد أبو بكر شيئًا، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم، باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبًا، ثم غيره عثمان، فزاد
فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصة، وجعل عمده من حجارة
منقوشة، وسقفه بالساج.. اللبِن بكسر الباء، والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد، هي
الجص، والساج نوع من الخشب الجيد يؤتى به من الهند. فعثمان رضي الله عنه وسع
المسجد زيادة على توسيع عمر رضي الله عنه، وجعل عمده بالحجارة المنقوشة بالجص،
وسقفه بالخشب الجيد، ولم يكن كذلك في العهد النبوي، لأن المصلحة اقتضته، فما فعله
بدعة حسنة بلا شك.
لما جمع زيد بن ثابت القرءان في صحف، وضعها عند أبي بكر،
فلما توفي كانت عند عمر، فلما توفي كانت عند حفصة، وفي أوائل ما تولى عثمان
الخلافة، حصل الاختلاف في قراءة القرءان، فقال حذيفة بن اليمان لعثمان رضي الله
عنهما: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة، قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود
والنصارى. فأهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق،
وأهل العراق يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفر
بعضهم بعضًا. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف، فأمر زيد بن ثابت وعبد
الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في
المصاحف، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وحبس واحدًا بالمدينة، وأمر بما سواه
من القرءان في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. فاتفق الناس على مصحف واحد، وتركوا تلك
القراءات الشاذة كقراءة أبي، وابن مسعود وأبي موسى وهذا العمل -وإن كان بدعة- يعد
من أكبر حسنات عثمان، وأكثرها فائدة للإسلام والمسلمين. بل لو لم يكن له إلا هذا
العمل العظيم، لكفاه فضلاً وشرفًا، رضي الله عنه.
فائدة: قال الحافظ في الفتح: استدل بتحريق عثمان الصحف على القائلين بقدم الحروف والأصوات، لأنه لا يلزم من كون كلام الله قديمًا، أن تكون الأسطر المكتوبة في الورق قديمة، ولو كانت هي عين كلام الله لم يستجز الصحابة إحراقها اهـ. والقول بقدم الحروف والأصوات، قاله بعض الغلاة من حشوية الحنابلة.
- علي كرم الله وجهه، ورضي الله عنه. أنشأ صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعلمها للناس، ولم يكتف بالصلاة الإبراهيمية، لعلمه أن الأمر في الأذكار والدعوات واسع، لا يوقف فيه عند الوارد.
فائدة: قال الحافظ في الفتح: استدل بتحريق عثمان الصحف على القائلين بقدم الحروف والأصوات، لأنه لا يلزم من كون كلام الله قديمًا، أن تكون الأسطر المكتوبة في الورق قديمة، ولو كانت هي عين كلام الله لم يستجز الصحابة إحراقها اهـ. والقول بقدم الحروف والأصوات، قاله بعض الغلاة من حشوية الحنابلة.
- علي كرم الله وجهه، ورضي الله عنه. أنشأ صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعلمها للناس، ولم يكتف بالصلاة الإبراهيمية، لعلمه أن الأمر في الأذكار والدعوات واسع، لا يوقف فيه عند الوارد.
روى سعيد بن منصور وابن جرير في تهذيب الآثار وابن أبي عاصم
ويعقوب بن شيبة في أخبار علي، والطبراني وغيرهم عن سلامة الكندي، قال: كان علي بن
أبي طالب رضي الله عنه يعلم الناس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول:
اللهم داحي المدحوات وباريء المسموكات، وجبار القلوب على فطرتها، شقيها وسعيدها.
اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك، على محمد عبدك ورسولك الخاتم لما
سبق والفاتح لما أغلق والمعلن الحق بالحق والدافع لجيشات الأباطيل كما حمل فأضطلع
بأمرك بطاعتك مستوفزًا في مرضاتك، بغير نكل من قوم، ولا وهن في عزم، واعيًا لوحيك،
حافظًا لعهدك، ماضيًا على نفاذ أمرك، حتى أورى قبسًا لقابس. ءالاء الله تصل بأهله
أسبابه، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم وأبهج موضحات [الأعلام]، ومنيرات
الإسلام ونائرات الأحكام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم
الدين، وبعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة.
اللهم أفسح له مفسحًا في عدنك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، مهنئات له غير مكدرات، من فوز ثوابك المحلول، وجزيل عطائك المعلول اللهم أعل على بناء الناس بناءه، وأكرم مثواه لديك ونزله، وأتمم له نوره وأجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، ومرضي المقالة. ذا منطق عدل، وخطة فصل، وحجة وبرهان عظيم، صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ المزي: سلامة الكندي ليس بمعروف، ولم يدرك عليًا وقال الحافظ الهيتمي: سلامة الكندي روايته مرسلة، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ ابن كثير: هذا مشهور من كلام علي عليه السلام.
اللهم أفسح له مفسحًا في عدنك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، مهنئات له غير مكدرات، من فوز ثوابك المحلول، وجزيل عطائك المعلول اللهم أعل على بناء الناس بناءه، وأكرم مثواه لديك ونزله، وأتمم له نوره وأجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، ومرضي المقالة. ذا منطق عدل، وخطة فصل، وحجة وبرهان عظيم، صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ المزي: سلامة الكندي ليس بمعروف، ولم يدرك عليًا وقال الحافظ الهيتمي: سلامة الكندي روايته مرسلة، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ ابن كثير: هذا مشهور من كلام علي عليه السلام.
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، تلقى تشهد الصلاة من النبي
صلى الله عليه وسلم، ويده في يده، بلفظ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال في تشهده: السلام على النبي ورحمة الله
وبركاته، غير صيغة السلام من الخطاب إلى الغيبة باجتهاد منه، لا عن توقيف كما زعم
الألباني، لجهله بالأصول، وقد بينت بطلان زعمه في كتاب الرؤيا في القرءان والسنة،
قال ابن حزم في الفصل: وكذلك ما أجمع الناس عليه، وجاء به النص من قول كل مصل
فرضًا أو نافلة: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته اهـ. وقال ابن تيمية
في الجواب الباهر: والسلام عليه صلى الله عليه وسلّم قد شرع للمسلمين في كل صلاة،
وشرع للمسلمين إذا دخل أحدهم المسجد أي مسجد كان، فالنوع الأول: كل صلاة يقول
المصلي: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته اهـ.
وقال في موضع ءاخر من هذا الكتاب: وهم يقولون في الصلاة: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، كما كانوا يقولون ذلك في حياته اهـ.
- وروى الطبراني بإسناد صحيح عن الشعبي قال: كان ابن مسعود يقول بعد السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته: السلام علينا من ربنا، فهذه الجملة زادها ابن مسعود في التشهد باجتهاده.
- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، زاد التسمية في أول التشهد، ولم تصح زيادتها عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم. روى الطحاوي عن ابن جريج قال: بسم الله التحيات لله والصلوات لله والزاكيات لله، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين شهدت ألا إله إلا الله، شهدت أن محمدًا رسول الله.
- وغير أيضًا لفظ أشهد، بلفظ شهدت.
وقال في موضع ءاخر من هذا الكتاب: وهم يقولون في الصلاة: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، كما كانوا يقولون ذلك في حياته اهـ.
- وروى الطبراني بإسناد صحيح عن الشعبي قال: كان ابن مسعود يقول بعد السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته: السلام علينا من ربنا، فهذه الجملة زادها ابن مسعود في التشهد باجتهاده.
- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، زاد التسمية في أول التشهد، ولم تصح زيادتها عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم. روى الطحاوي عن ابن جريج قال: بسم الله التحيات لله والصلوات لله والزاكيات لله، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين شهدت ألا إله إلا الله، شهدت أن محمدًا رسول الله.
- وغير أيضًا لفظ أشهد، بلفظ شهدت.
- وروى أبو داود عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه
وسلّم في التشهد: التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبيّ ورحمة
الله، قال ابن عمر: زدت فيها: وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد
ألا إله إلا الله، قال ابن عمر: زدت فيها: وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله، قلت: زيادة وبركاته، صحت من حديث ابن مسعود، وزيادة وحده لا شريك له، صحت
من حديث أبي موسى لكن ابن عمر لم يسمعها، أو لم تصل عنده، فزادها باجتهاده، وهذا
يدل على أنه لا يرى بأسًا في الزيادة على الذكر المأثور في الصلاة. والتلبية في
الحج، زاد فيها عمر وابنه عبد الله والحسن بن علي رضي الله عنهم.
- روى الستة عن نافع عم ابن عمر: أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وكان عبد الله بن عمر يزيد في التلبية: لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك، لبيك والرغباء اليك والعمل.
- وفي صحيح مسلم عن ابن عمر. أن عمر كان يقول هذه الزيادة في التلبية.
- وروى اسحق بن راهوية في مسنده عن عبد الرحمن بن يزيد قال: حججنا في إمارة عثمان بن عفان، مع عبد الله بن مسعود، فزاد في التلبية: لبيك عدد التراب، وما سمعت قبل ذلك ولا بعد.
- وروى ابن سعد عن مسلم بن أبي مسلم قال: سمعت الحسن بن علي، يزيد في تلبيته، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن. بل زاد الناس في التلبية، بحضور النبيّ صلى الله عليه وسلّم فأقرهم.
- روى أبو داود عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فذكر التلبية بمثل رواية ابن عمر، وزاد: والناس يزيدون: لبيك ذا المعارج، ونحوه من الكلام، والنبيّ صلى الله عليه وسلّم يسمع، فلا يقول لهم شيئًا.
- روى الستة عن نافع عم ابن عمر: أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وكان عبد الله بن عمر يزيد في التلبية: لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك، لبيك والرغباء اليك والعمل.
- وفي صحيح مسلم عن ابن عمر. أن عمر كان يقول هذه الزيادة في التلبية.
- وروى اسحق بن راهوية في مسنده عن عبد الرحمن بن يزيد قال: حججنا في إمارة عثمان بن عفان، مع عبد الله بن مسعود، فزاد في التلبية: لبيك عدد التراب، وما سمعت قبل ذلك ولا بعد.
- وروى ابن سعد عن مسلم بن أبي مسلم قال: سمعت الحسن بن علي، يزيد في تلبيته، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن. بل زاد الناس في التلبية، بحضور النبيّ صلى الله عليه وسلّم فأقرهم.
- روى أبو داود عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فذكر التلبية بمثل رواية ابن عمر، وزاد: والناس يزيدون: لبيك ذا المعارج، ونحوه من الكلام، والنبيّ صلى الله عليه وسلّم يسمع، فلا يقول لهم شيئًا.
- قال الحافظ في فتح الباري بعد أن ذكر زيادة عمر وابنه في
التلبية كما هنا: وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال: كانت تلبية
عمر، فذكر مثل المرفوع، وزاد: لبيك مرغوبا وموهوبا إليك، ذا النعماء والفضل الحسن،
واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم في ذلك،
قال الطحاوي -بعد أن أخرجه من حديث ابن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد
يكرب-: أجمع المسلمون جميعا على هذه التلبية، غير أن قومًا قالوا: لا بأس أن يزيد
فيها من الذكر لله ما أحب، وهو قول محمد والثوري والأوزاعي واحتجوا بحديث أبي
هريرة يعني الذي أخرجه النسائي وابن ماجة، وصححه ابن حبان والحاكم، قال: كان من
تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لبيك إله الحق لبيك، وبزيادة ابن عمر
المذكورة، وخالفهم ءاخرون، فقالوا: لا ينبغي أن يزاد على ما علمه رسول الله صلى
الله عليه وسلّم الناس كما في حديث عمرو بن معد يكرب، فعله هو ولم يقل: لبوا بما شئتم
مما هو من جنس هذا، بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة، فكذا لا ينبغي أن يتعدى
في ذلك شئًا مما علمه، ثم أخرج حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه: أنه سمع
رجلا يقول: لبيك ذا المعارج، فقال: [إنه] لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قال: فهذا سعد كره الزيادة في التلبية وبه نأخذ
اهـ.
ويدل على الجواز، ما وقع عند النسائي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال: كان من تلبية النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فذكره ففيه دلالة على أنه قد كان يلبى بغير ذلك، وما تقدم عن عمر وابن عمر، وروى سعيد بن منصور من طريق الأسود بن يزيد: أنه كان يقول: لبيك غفار الذنوب، وفي حديث جابر الطويل في صفة الحج: حتى استوت به ناقته على البيداء، أهل التوحيد: لبيك اللهم لبيك إلخ، وأهلّ الناس بهذا الذي يهلّون به، فلم يرد عليهم شيئًا ولزم تلبيته.
ويدل على الجواز، ما وقع عند النسائي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال: كان من تلبية النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فذكره ففيه دلالة على أنه قد كان يلبى بغير ذلك، وما تقدم عن عمر وابن عمر، وروى سعيد بن منصور من طريق الأسود بن يزيد: أنه كان يقول: لبيك غفار الذنوب، وفي حديث جابر الطويل في صفة الحج: حتى استوت به ناقته على البيداء، أهل التوحيد: لبيك اللهم لبيك إلخ، وأهلّ الناس بهذا الذي يهلّون به، فلم يرد عليهم شيئًا ولزم تلبيته.
وأخرجه أبو داود من الوجه الذي أخرجه مسلم، قال: والناس
يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبيّ صلى الله عليه وسلّم يسمع، فلا يقول
لهم شيئًا. وفي رواية البيهقي: ذا المعارج وذا الفواضل، وهذا ليدل على أن الاقتصار
على التلبية المرفوعة أفضل، لمداومته هو صلى الله عليه وسلّم عليها، وأنه لا بأس
بالزيادة، لكونه لم يردها عليهم، وأقرهم عليها، وهو قول الجمهور، وبه صرح أشهب،
وحكى ابن عبد البر عن مالك الكراهة، قال: وهو أحد قولي الشافعي، وقال الشيخ أبو
حامد: حكى أحد العراقيين عن الشافعي -يعني في القديم- أنه كره الزيادة على المرفوع،
وغلطوا، بل لا يكره ولا يستحب. وحكى الترمذي عن الشافعي، قال: فإن زاد في التلبية
شيئًا من تعظيم الله، فلا بأس، وأحب أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه
وسلّم، وذلك أن ابن عمر حفظ التلبية عنه، ثم زاد من قبله زيادة ونصب البيهقي
الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي، فقال: الاقتصار على المرفوع أحب، ولا ضيق أن يزيد
عليها. قال: وقال أبو حنيفة أن زاد فحسن، وحكى في المعرفة عن الشافعي قال: ولا ضيق
على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم لله ودعائه، غير أن الاختيار
عندي: أن يفرد ما روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم في ذلك اهـ.
وهذا أعدل الوجوه، فيفرد ما جاء مرفوعًا، وإذا اختار قول ما جاء موقوفًا او أنشأه هو من قبل نفسه مما يليق، قاله على انفراده، حتى لا يختلط بالمرفوع، وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد فإنه قال فيه: ثم ليتخبر من المسألة والثناء ما شاء، أي بعد أن يفرغ من المرفوع اهـ كلام الحافظ.
- والخلاصة مما ذكر في هذا الحديث: أن الزيادة على المأثور في التشهد والتلبية ونحوهما من الأذكار، لا بأس بها، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلّم، سمع الزيادة في التلبية، وأقرها كما زاد فيها كبار الصحابة عمر وابنه عبد الله، وعبد الله بن مسعود، والحسن بن علي رضي الله عنهم.
وهذا أعدل الوجوه، فيفرد ما جاء مرفوعًا، وإذا اختار قول ما جاء موقوفًا او أنشأه هو من قبل نفسه مما يليق، قاله على انفراده، حتى لا يختلط بالمرفوع، وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد فإنه قال فيه: ثم ليتخبر من المسألة والثناء ما شاء، أي بعد أن يفرغ من المرفوع اهـ كلام الحافظ.
- والخلاصة مما ذكر في هذا الحديث: أن الزيادة على المأثور في التشهد والتلبية ونحوهما من الأذكار، لا بأس بها، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلّم، سمع الزيادة في التلبية، وأقرها كما زاد فيها كبار الصحابة عمر وابنه عبد الله، وعبد الله بن مسعود، والحسن بن علي رضي الله عنهم.
وأن جواز الزيادة، هو قول الجمهور، بل هو إجماع، لأن
الكراهة التي قال بها مالك، والشافعي في أحد قوليه، نتفق مع الجواز ولا تنافيه،
كما تقرر في علم الأصول.
- نعم: لا خلاف أن الوقوف عند الوارد أفضل وأولى. لكن لا ضيق ولا حرج على من أنشأ ذكرًا أو صلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلّم، مما يليق ولا يجوز أن يسمى مبتدعًا، كما يزعم بعض المتنطعين المتزمتين.
- وأما ما رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم ءامنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن ءاخر ما تتكلم به" قال: فرددتها على النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فلما بلغت: اللهم ءامنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال..لا ونبيك الذي أرسلت.. فكتب الحافظ في الفتح على قوله: "لا ونبيك الذي أرسلت".. ما نصه:
- نعم: لا خلاف أن الوقوف عند الوارد أفضل وأولى. لكن لا ضيق ولا حرج على من أنشأ ذكرًا أو صلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلّم، مما يليق ولا يجوز أن يسمى مبتدعًا، كما يزعم بعض المتنطعين المتزمتين.
- وأما ما رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم ءامنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن ءاخر ما تتكلم به" قال: فرددتها على النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فلما بلغت: اللهم ءامنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال..لا ونبيك الذي أرسلت.. فكتب الحافظ في الفتح على قوله: "لا ونبيك الذي أرسلت".. ما نصه:
قال الخطابي: فيه حجة لمن منع الرواية على المعنى، قال:
ويحتمل أن يكون أشار بقوله: ونبيك، الى أنه كان نبيًا قبل أن يكون رسولاً، أو لأنه
ليس في قوله: ورسولك الذي أرسلت وصف زائد، بخلاف قوله: ونبيك الذي أرسلت، وقال
غيره: ليس فيه حجة على منع ذلك، لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبيّ، ولا خلاف في
المنع إذا اختلف المعنى، فكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحًا، وإن كان وصف الرسالة
يستلزم وصف النبوة، أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ وتقدير الثواب،
فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر، ولو كان يرادفه في الظاهر، أو لعله أوحيَ
اليه بهذا اللفظ، فرأى أن يقف عنده أو ذكره احترازًا ممن أرسل من غير نبوة، كجبريل
وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء، فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس، أو لأن
لفظ النبيّ أمدح من لفظ الرسول، لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل، بخلاف لفظ
النبيّ فإنه لا اشتراك فيه عرفًا، وعلى هذا فقول من قال: كل رسول نبيّ من غير عكس،
ولا علاقة اهـ كلام الحافظ وبعد هذا فالحديث يتعلق بتغيير لفظ الوارد، بما ليس
بوارد، كتغيير نبيك، برسولك، ولا علاقة لهذا بإنشاء لفظ أو ذكر زيادة على الوارد
وهو الذي أجازه الجمهور، بل أقره النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فلم يدع لمتعنت ما
يقول.
- ومن قبيح التعنت، ما كتبه الألباني على صلاة ابن مسعود التي رواها إسماعيل القاضي وابن ماجة، بلفظ: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيّد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيّين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقامًا محمودًا، يغبطه به الأولون والأخرون .. إلخ.
- ومن قبيح التعنت، ما كتبه الألباني على صلاة ابن مسعود التي رواها إسماعيل القاضي وابن ماجة، بلفظ: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيّد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيّين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقامًا محمودًا، يغبطه به الأولون والأخرون .. إلخ.
كتب الألباني، ما نصه: قال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف،
ذكر ذلك في فتوى له في عدم مشروعية وصفه صلى الله عليه وسلّم بالسيادة في الصلاة
عليه صلى الله عليه وسلّم، وهي فتوى مهمة جرى الحافظ فيها على طريقة طريقة السلف
في الاتباع، وترك الابتداع اهـ وهذا جمود شديد، وتزمت ممقود. يشبه نكتة تحكى عن
فلاح، ذهب الى فقيه القرية، يسأله عن يمين أوقعها ختنه على بنته التي تسمى فاطمة،
فأخبره الفقيه بحكم اليمين، وقرأ عليه نص الحكم من كتاب الفقه الموجود فيه. فقال
له الفلاح: لكن لم يذكر اسم ابنتي فاطمة. وكذلك هذا الألباني المبتدع، يريد أن
يثبت له أن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: اللهم صلّ على سيّدنا محمد، وحيث لم
يثبت ذلك، فزيادة السيادة بدعة، والناطق بها مبتدع. فلقد تحجر واسعًا ونطق خلفًا.
وما أتى إلا من جهله بقواعد علم الأصول التي تبين كيف يكون جمع الأدلة، والتوفيق
بينها، حتى تسير في خط مستقيم، لا تناقض بينها، ولا تعارض. فهو حين يعترض للأحكام
والاستنباط، يخبط خبط عشواء، ويمشي في ضلالة عمياء. يجعل المحكم منسوخًا، أو يخرق
الإجماع، وكلاهما ابتداع، وهو مع ذلك يرمي غيره بالابتداع، فصدق عليه المثل
العربي: "رمتني بدائها وانسلت". ويقول النبيّ صلى الله عليه وسلّم:
"من قال هلك الناس فهو أهلكهم" أي أكثرهم هلاكًا.
وتصرفه في المسألة التي نتكلم عنها، يؤيد ما قلناه. فقد نقل
عن فتوى الحافظ بن حجر عدم مشروعية وصف النبيّ بالسيادة في الصلاة عليه صلى الله
عليه وسلّم. والفتوى التي أشار إليها، نقلها، الشيخ جمال الدين القاسمي في شرحه
للأربعين العجلونية، وهي خاصة بالمأثور، فقد سئل الحافظ عن زيادة سيّدنا في الصلاة
الإبراهيمية، هل تستحب فقال في الموضوع: لا يزاد ذلك في الكلمات المأثورة، ويجوز
أن يزاد في غيرهما فالحافظ صرح بجواز زيادة السيادة في غير المأثور، والألباني عمم
كلامه، وتقدم قريبًا عن الحافظ: أنه أجاز أن يفصل بين الوارد، وغيره حتى لا يلتبس،
وعليه فقول ابن مسعود أو غيره لا من السلف ولا من الخلف وكيف يكرهه مسلم وهو الصدق
والواقع؟ فالنبيّ صلى الله عليه وسلّم سيّد المرسلين، وسيّد ولد ءادم، وإمام
المتقين، وقائد الغر المحجلين، وقد خاطبه سهل بن حنيف بقوله: يا سيّدي والرقى
نافعة ؟ فأقره صلى الله عليه وسلّم.
ومر في المقدمة: أن ترك الشيء لا يدل على حرمته، ولا
كراهته، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلّم لم يفعل جميع المباحات، ولا جميع المندوبات
وأن الله تعالى قال: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ولم يقل: وما
تركه فانتهوا عنه لأن النهي حكم، والترك ليس بحكم، وتقدم أيضًا: أن الأمر الحادث
بعد العهد النبويّ إذا كان يشمله دليل أو قاعدة شرعية، فهو سنة حسنة، كما قال
النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وأن أبا بكر وعليًا رضي الله عنهما خالفا أمر النبيّ
صلى الله عليه وسلّم، واختارا سلوك الأدب معه، فأقرهما ولم يعنفهما.
- صلاة الضحى، كان ابن عمر يعتقد أنها بدعة ويستحسنها.
روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى؟ فقال: بدعة، ونعمت البدعة.
وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سالم عن ابيه قال: لقد قتل عثمان، وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئًا أحب إلي منها. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال: أنها -يعني صلاة الضحى- محدثة، وأنها لمن أحسن ما أحدثوا.
- صلاة الضحى، كان ابن عمر يعتقد أنها بدعة ويستحسنها.
روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى؟ فقال: بدعة، ونعمت البدعة.
وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سالم عن ابيه قال: لقد قتل عثمان، وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئًا أحب إلي منها. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال: أنها -يعني صلاة الضحى- محدثة، وأنها لمن أحسن ما أحدثوا.
الصلاة في مسجد فيه قبور
قال البخاري في الصحيح: باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية؟ ويتخذ مكانها مسجدًا ؟ وما يكره من الصلاة في القبور، ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر، فقال: القبر القبر ولم يأمره بالإعادة.
قال الحافظ ابن حجر: قوله وما يكره من الصلاة في القبور، يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو القبر بين القبرين وذلك في الحديث الذي رواه مسلم من طريق أبي مرتد الغنوي مرفوعًا: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها" قلت: وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة، وأورد معه أثر عمر للدلالة على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة، وقوله: ولم يأمره بالإعادة، استنبطه من تمادي أنس على الصلاة، ولو كان يقتضي فسادها لقطعها واستأنف. وقال البخاري: باب كراهية الصلاة في المقابر، وروى فيه عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا".. قال الحافظ في الفتح: استنبط من قوله: "ولا تتخذوها قبورًا" [أن] القبور ليست محلا للعبادة، فتكون الصلاة فيها مكروهة اهـ. وهذا الاستنباط غير ظاهر، وإن كان اللفظ يحتمله، بل غيره أولى لتبادره إلى الذهن. قال ابن [التين]: تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقبرة، وتاوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في المقبرة، وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت لأن الموتى لا يصلون، كأنه قال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور اهـ. وقال ابن قرقول في المطالع وتبعه ابن الأثير في النهاية: إن تأويل البخاري مرجوح، والأولى قول من قال: معناه: أن الميت لا يصلي في قبره اهـ.
وقال الخطابي: يحتمل أن المراد لا تجعلوا بيوتكم للنوم فقط لا تصلون فيها، فإن النوم أخو الموت، والميت لا يصلي. وقال الثوربشتى: يحتمل أن يكون المراد: أن من لم يصل في بيته، جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر اهـ.
وقال الحافظ: ويؤيده ما رواه مسلم: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميتط اهـ.
قال البخاري في الصحيح: باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية؟ ويتخذ مكانها مسجدًا ؟ وما يكره من الصلاة في القبور، ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر، فقال: القبر القبر ولم يأمره بالإعادة.
قال الحافظ ابن حجر: قوله وما يكره من الصلاة في القبور، يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو القبر بين القبرين وذلك في الحديث الذي رواه مسلم من طريق أبي مرتد الغنوي مرفوعًا: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها" قلت: وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة، وأورد معه أثر عمر للدلالة على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة، وقوله: ولم يأمره بالإعادة، استنبطه من تمادي أنس على الصلاة، ولو كان يقتضي فسادها لقطعها واستأنف. وقال البخاري: باب كراهية الصلاة في المقابر، وروى فيه عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا".. قال الحافظ في الفتح: استنبط من قوله: "ولا تتخذوها قبورًا" [أن] القبور ليست محلا للعبادة، فتكون الصلاة فيها مكروهة اهـ. وهذا الاستنباط غير ظاهر، وإن كان اللفظ يحتمله، بل غيره أولى لتبادره إلى الذهن. قال ابن [التين]: تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقبرة، وتاوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في المقبرة، وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت لأن الموتى لا يصلون، كأنه قال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور اهـ. وقال ابن قرقول في المطالع وتبعه ابن الأثير في النهاية: إن تأويل البخاري مرجوح، والأولى قول من قال: معناه: أن الميت لا يصلي في قبره اهـ.
وقال الخطابي: يحتمل أن المراد لا تجعلوا بيوتكم للنوم فقط لا تصلون فيها، فإن النوم أخو الموت، والميت لا يصلي. وقال الثوربشتى: يحتمل أن يكون المراد: أن من لم يصل في بيته، جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر اهـ.
وقال الحافظ: ويؤيده ما رواه مسلم: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميتط اهـ.
وروى البيهقي في السنن حديث أبي مرثد الغنسوي: "لا
تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" وعزاه إلى مسلم، ثم قال: وروينا عن أبي
ظبيان عن ابن عباس: أنه كره أن يصلي إلى حش أو حمام أو قبر، وكل ذلك على وجه
الكراهية إذا لم يعلم في الموضع الذي يصيبه ببدنه وثيابه نجاسة، لما روينا في
الحديث الثابت عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم: "جعلت لي الأرض طيبة طهورًا
وأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان" ثم روى عن ابن جريج قال: قلت لنافع:
أكان ابن عمر يكره أن يصلي وسط القبور؟ قال: لقد صلينا على عائشة وأم سلمة وسط
البقيع، والإمام يوم صلينا على عائشة، أبو هريرة، وحضر ذلك عبد الله بن عمر اهـ.
وقال البخاري: باب، وروى فيه عن عائشة وابن عباس معًا قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا".
وروى حديث أبي هريرة: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" وروى فيه حديث جابر: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" الحديث.
وقال البخاري: باب، وروى فيه عن عائشة وابن عباس معًا قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا".
وروى حديث أبي هريرة: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" وروى فيه حديث جابر: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" الحديث.
قال الحافظ: قوله: وجعلت لي الأرض، تقدم الكلام على هذا
الحديث في أول كتاب التيمم وإيراده له هنا، يحتمل أن يكون أراد أن الكراهة في
الأبواب المتقدمة، ليست للتحريم، لعموم قوله: جعلت لي الأرض مسجدًا أي كل جزء منها
يصلح أن يكون مكانًا للسجود، أو يصلح أن يبنى فيه مكان للصلاة، ويحتمل أن يكون
أراد أن الكراهة فيها للتحريم، وعموم حديث جابر مخصوص بها، والأول أولى، لأن
الحديث سبق في مقام الامتنان، فلا ينبغي تخصيصه، ولا يرد عليه أن الصلاة في الأرض
المتنجسة لا تصح، لأن التنجس وصف طارىء والاعتبار بما قبل ذلك اهـ. وقال ابن عبد
البر-في التمهيد- في الكلام على حديث: "أولئك قوم إذا مات الرجل الصالح عندهم
بنوا على قبره مسجدًا ثم صوروا فيه تلك الصور" ما نصه: وقد احتج من لم يرَ
الصلاة في المقبرة، ولم يجزها بهذا الحديث، وبقوله: "إن شر الناس الذين
يتخذون القبور مساجد" وبقوله: "صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا"
وهذه الآثار، قد عارضها قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدًا
وطهورًا" وتلك فضيلة خُصَّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا يجوز على
فضائله النسخ ولا الخصوص ولا الاستثناء.
وذلك جائز في غيرها إذا كان أمرًا أو نهيًا أو في معنى الأمر والنهي، وبهذا يستبين عند تعارض الآثار في ذلك أن الناسخ منها قوله صلى الله عليه وسلّم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" وقوله لأبي ذر: "حيثما أدركتك الصلاة فصل فقد جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" اهـ كلامه.
وهذا حديث متواتر، ومعناه مجمع عليه، ومعلوم من الدين بالضرورة. وعليه فالصلاة في مسجد فيه قبر، أو في مقبرة أو على قبر أو إليه، أو عنده أو بين قبرين، صحيحة لا غبار عليها، لعموم حديث: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" وهو ناسخ لحديث النهي عن الصلاة في المقابر، وهذه طريقة ابن عبد البر.
وذلك جائز في غيرها إذا كان أمرًا أو نهيًا أو في معنى الأمر والنهي، وبهذا يستبين عند تعارض الآثار في ذلك أن الناسخ منها قوله صلى الله عليه وسلّم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" وقوله لأبي ذر: "حيثما أدركتك الصلاة فصل فقد جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" اهـ كلامه.
وهذا حديث متواتر، ومعناه مجمع عليه، ومعلوم من الدين بالضرورة. وعليه فالصلاة في مسجد فيه قبر، أو في مقبرة أو على قبر أو إليه، أو عنده أو بين قبرين، صحيحة لا غبار عليها، لعموم حديث: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" وهو ناسخ لحديث النهي عن الصلاة في المقابر، وهذه طريقة ابن عبد البر.
وطريقة البيهقي وابن حجر: أن النهي معناه كراهة تنزيه فالصلاة
في المقابر مكروهة كراهة تنزيهية، ولا تكون باطلة، لحديث: "جعلت لي الأرض
مسجدًا وطهورًا" ولا بد أن ننبه على صورة قد تشتبه على بعض الناس فيظنها
تخصيصًا أو استثناء من حديث: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" مع أنها
ليست من ذلك في شىء، وقد أجاب عنها الحافظ ابن حجر فيما سبق من كلامه، حيث قال:
بعد أن قرر أن حديث جابر سبق في مقام الامتنان، فلا ينبغي تخصيصه: ما نصه: ولا يرد
عليه أن الصلاة في الأرض النجسة لا تصح، لأن التنجس وصف طارىء والاعتبار بما قبل
ذلك اهـ يعني أن التنجس وصف مانع من الصحة طارىء على الأرض، والعبرة بما قبل
طروئه، وهذا الجواب يحتاج إلى تتمة وإيضاح، ذلك: أن طهارة ثوب المصلي ومكانه شرط
في صحة الصلاة، وإذا فقد الشرط، فقد المشروط، قاعدة أصولية، لا خلاف فيها، فمن صلى
فاقد الطهارة لم تقع منه صلاة شرعية لفقد شرطها، وقولهم: لا تصح، أو باطلة، كناية
عن أنها لم تقع أصلا. فلا تكون مستثناة ولا مخصوصة من حديث: "جعلت لي الأرض
مسجدًا وطهورًا" بخلاف الصلاة في المقبرة، فإنها وقعت مستوفاة الشروط ولو
قلنا ببطلانها لأجل النهي عن الصلاة في المقابر، كانت مستثناة أو مخصوصة، والفضائل
أو الخصوصيات، يستثنى منها، ولا يدخلها تخصيص.
الجلوس على القبر
اختلف العلماء في الجلوس على القبر الذي ثبت النهي عنه، فحمله الجمهور على الجلوس المعهود، وفي الموطأ: وحدثني عن مالك: أنه بلغه: أن علي بن أبي طالب كان يتوسد القبور ويضطجع عليها.
قال مالك: وإنما نهُي عن العقود على القبور -فيما نرى بضم النون- للمذاهب، يعني قضاء الحاجة، قال السهيلي في الروض الأنف: وقوله: خرج الكناني حتى قعد في القليس، أي أحدث فيها، وفيه شاهد لقول مالك وغيره من الفقهاء في تفسير القعود على المقابر المنهى عنه، وأن ذلك للمذاهب كما قال مالك.
الجلوس على القبر
اختلف العلماء في الجلوس على القبر الذي ثبت النهي عنه، فحمله الجمهور على الجلوس المعهود، وفي الموطأ: وحدثني عن مالك: أنه بلغه: أن علي بن أبي طالب كان يتوسد القبور ويضطجع عليها.
قال مالك: وإنما نهُي عن العقود على القبور -فيما نرى بضم النون- للمذاهب، يعني قضاء الحاجة، قال السهيلي في الروض الأنف: وقوله: خرج الكناني حتى قعد في القليس، أي أحدث فيها، وفيه شاهد لقول مالك وغيره من الفقهاء في تفسير القعود على المقابر المنهى عنه، وأن ذلك للمذاهب كما قال مالك.
وقال المازري والنووي: حمله على قضاء الحاجة، ضعيف أو باطل.
قلت: بل هو وجيه، والدليل عليه أمران:
1- أن العرب في الجاهلية، كانوا لا يعتقدون البعث ولا يعرفونه وكانوا يرون الشخص إذا مات صارمة، لا ترجى له حياة. فلا يتحاشون عن قضاء الحاجة فوق القبر، ولا يرون فيه شيئًا فلما جاء الإسلام، وأثبت البعث، وأن بعد هذه الحياة حياة أخرى أكمل من هذه وأدوم، وأن الشخص بعد موته يكون في حياة برزخية، يحس ويشعر بمن يزوره ويراه، وإن كنا لا نشعر بذلك: نهى النبيّ صلى الله عليه وسلّم عن قضاء الحاجة على القبر، احترامًا لصاحبه، ولأنه يرى الشخص إذا كشف عورته لقضاء الحاجة.
ولهذا قال عقبة: ما أبالي قضيت حاجتي على القبور، أو في السوق والناس ينظرون، يريد أن الموتى يجب الحياء منهم كالأحياء.
2- أن ذلك التأويل جاء منصوصًا عليه، فروى الطحاوي في شرح معاني الآثار عن أبي هريرة مرفوعًا: "من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة نار" وروى عن زيد بن ثابت قال: هلم يا ابن أخي أخبرك، إنما نهى النبيّ صلى الله عليه وسلّم عن الجلوس على القبر، لحديث غائط أو بول.
وروى عبد الرزاق عن طاوس كان يكره أن يبنى على القبر أو يجصص أو يتغوط عنده، وكان يقول لا تتخذوا قبور إخوانكم حشانًا، جمع حش، وهو محل قضاء الحاجة.
أما الجلوس لغير حدث، فقد روى الطحاوي عن مولى لآل علي عليه السلام، أن علي بن أبي طالب كان يجلس على القبر، وقال المولى: كنت أبسط له في المقبرة، فيتوسد ثم يضطجع. وروى عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يجلس على القبور.
قلت: بل هو وجيه، والدليل عليه أمران:
1- أن العرب في الجاهلية، كانوا لا يعتقدون البعث ولا يعرفونه وكانوا يرون الشخص إذا مات صارمة، لا ترجى له حياة. فلا يتحاشون عن قضاء الحاجة فوق القبر، ولا يرون فيه شيئًا فلما جاء الإسلام، وأثبت البعث، وأن بعد هذه الحياة حياة أخرى أكمل من هذه وأدوم، وأن الشخص بعد موته يكون في حياة برزخية، يحس ويشعر بمن يزوره ويراه، وإن كنا لا نشعر بذلك: نهى النبيّ صلى الله عليه وسلّم عن قضاء الحاجة على القبر، احترامًا لصاحبه، ولأنه يرى الشخص إذا كشف عورته لقضاء الحاجة.
ولهذا قال عقبة: ما أبالي قضيت حاجتي على القبور، أو في السوق والناس ينظرون، يريد أن الموتى يجب الحياء منهم كالأحياء.
2- أن ذلك التأويل جاء منصوصًا عليه، فروى الطحاوي في شرح معاني الآثار عن أبي هريرة مرفوعًا: "من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة نار" وروى عن زيد بن ثابت قال: هلم يا ابن أخي أخبرك، إنما نهى النبيّ صلى الله عليه وسلّم عن الجلوس على القبر، لحديث غائط أو بول.
وروى عبد الرزاق عن طاوس كان يكره أن يبنى على القبر أو يجصص أو يتغوط عنده، وكان يقول لا تتخذوا قبور إخوانكم حشانًا، جمع حش، وهو محل قضاء الحاجة.
أما الجلوس لغير حدث، فقد روى الطحاوي عن مولى لآل علي عليه السلام، أن علي بن أبي طالب كان يجلس على القبر، وقال المولى: كنت أبسط له في المقبرة، فيتوسد ثم يضطجع. وروى عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يجلس على القبور.
وحديث عمارة -بضم العين- ابن حزم قال: رآني رسول الله صلى
الله عليه وسلّم على قبر، فقال: "انزل عن القبر لا تؤذِ صاحب القبر"
رواه الطحاوي والطبراني بإسناده فيه ابن لهيعة، ورأيت الحافظ عزاه في الفتح لأحمد،
وقال إسناده صحيح، ووقع في معاني الآثار: عمرو بن حزم وهو خطأ وكذلك وقع في منتقى
الأخبار، ولم ينبه عليه الشوكاني في نيل الأوطار، وعمرو أخو عمارة، ولكن الحديث
حديث عمارة، والقصة وقعت له. وهذا الحديث، ليس نصًا في الجلوس، لأن قوله: رأني على
قبر، يحتمل أن يكون معناه رآني قائمًا على قبر، والقيام أشد إهانة من الجلوس. قال
ابن عربي: حمله مالك على ذلك أي حمل حديث النهي عن الجلوس، على الحدث، وإنما حمله
عليه، لما روى أن عليًا كان يجلس على القبور، وفي أبي داود: أن الصحابة كانوا
يخرجون الى المقبرة، ويجلس النبيّ صلى الله عليه وسلّم مستقبل القبلة، حتى يلحد،
وأصحابه حوله اهـ. وهذا الحديث رواه أبو داود عن البراء بن عازب.
وعلى قول الجمهور: أن المراد: الجلوس المعهود، فلا شك أن القصد بالنهي عنه، احترام الميت، وعدم إذايته، وهذا حق من حقوقه أثبته الشارع، ولكن الميت الذي يدفن في مسجد بطلبه أو طلب أوليائه وعصبته، لتناله بركة ما يحصل في المسجد من صلاة وقراءة وذكر ودعاء، يكون متنازلا عن حقه في منع الجلوس عليه. وهذا كما يتنازل المجني عليه، عن حقه في القصاص فلا يبقى على الجاني تبعة، أما ما رواه ابن سعد قال أخبرنا أبو بكر بن محمد بن أبي مرة المكي أخبرنا نافع بن عمر حدثني ابن أبي مليكة قال: كانت عائشة تضطجع على قبر النبيّ صلى الله عليه وسلّم، قال: فرأته خرج عليها في النوم، فقالت: والله ما هذا إلا لأمر فتنت به، ولا يخرج علي أبدًا قال: فتركته.
فهذا خاص بالنبيّ صلى الله عليه وسلّم، لعلو منزلته. ولأنه لم يأذن لها في ذلك، وهذا الأثر ضعيف.
بناء المساجد على القبور
وعلى قول الجمهور: أن المراد: الجلوس المعهود، فلا شك أن القصد بالنهي عنه، احترام الميت، وعدم إذايته، وهذا حق من حقوقه أثبته الشارع، ولكن الميت الذي يدفن في مسجد بطلبه أو طلب أوليائه وعصبته، لتناله بركة ما يحصل في المسجد من صلاة وقراءة وذكر ودعاء، يكون متنازلا عن حقه في منع الجلوس عليه. وهذا كما يتنازل المجني عليه، عن حقه في القصاص فلا يبقى على الجاني تبعة، أما ما رواه ابن سعد قال أخبرنا أبو بكر بن محمد بن أبي مرة المكي أخبرنا نافع بن عمر حدثني ابن أبي مليكة قال: كانت عائشة تضطجع على قبر النبيّ صلى الله عليه وسلّم، قال: فرأته خرج عليها في النوم، فقالت: والله ما هذا إلا لأمر فتنت به، ولا يخرج علي أبدًا قال: فتركته.
فهذا خاص بالنبيّ صلى الله عليه وسلّم، لعلو منزلته. ولأنه لم يأذن لها في ذلك، وهذا الأثر ضعيف.
بناء المساجد على القبور
استدل الذين قالوا بكراهة بناء المسجد على القبر وهم
الأكثر، أو بمنعه، بحديث: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد" والحديث صحيح، لكن الاستدلال به لقولهم غير صحيح.
1- أن المعنى اتخاذ القبور مساجد: الصلاة اليها تعبدًا، أو السجود لها، وهذا غير بناء مسجد عليها كما هو ظاهر، وقد تفطن الكرماني لهذا، فإن البخاري ترجم بقوله: باب ما يكره من اتخاذ المسجد على قبر، وروى فيه حديث: "لهن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
قال الكرماني: مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدًا، ومدلول الترجمة: اتخاذ المسجد على القبر، ومفهومهما متغاير، ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم اهـ.
وإيراده صحيح، وجوابه بالتلازم بينهما، ليس بصحيح، بل لا وجود للتلازم بينهما اصلاً، لا في اللغة، ولا في الشرع، ولا في الواقع.
2- أن عائشة، لما روت قوله صلى الله عليه وسلّم: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" أعقبته بقولها: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أني أخشى أن يتخذ مسجدًا.
قال الحافظ في الفتح: قوله لأبرزوا قبره اي لكشف قبر النبيّ صلى الله عليه وسلّم، ولم يتخذ عليه الحائل، والمراد: الدفن خارج بيته، وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوي، ولهذا لما وسع المسجد، جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة، حتى لا يتأنى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر، مع استقبال القبلة اهـ. تبين من هذا أن اتخاذ القبر مسجدًا معناه: الصلاة إليه والسجود له لا بناء مسجد عليه.
1- أن المعنى اتخاذ القبور مساجد: الصلاة اليها تعبدًا، أو السجود لها، وهذا غير بناء مسجد عليها كما هو ظاهر، وقد تفطن الكرماني لهذا، فإن البخاري ترجم بقوله: باب ما يكره من اتخاذ المسجد على قبر، وروى فيه حديث: "لهن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
قال الكرماني: مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدًا، ومدلول الترجمة: اتخاذ المسجد على القبر، ومفهومهما متغاير، ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم اهـ.
وإيراده صحيح، وجوابه بالتلازم بينهما، ليس بصحيح، بل لا وجود للتلازم بينهما اصلاً، لا في اللغة، ولا في الشرع، ولا في الواقع.
2- أن عائشة، لما روت قوله صلى الله عليه وسلّم: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" أعقبته بقولها: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أني أخشى أن يتخذ مسجدًا.
قال الحافظ في الفتح: قوله لأبرزوا قبره اي لكشف قبر النبيّ صلى الله عليه وسلّم، ولم يتخذ عليه الحائل، والمراد: الدفن خارج بيته، وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوي، ولهذا لما وسع المسجد، جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة، حتى لا يتأنى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر، مع استقبال القبلة اهـ. تبين من هذا أن اتخاذ القبر مسجدًا معناه: الصلاة إليه والسجود له لا بناء مسجد عليه.
3- قال ابن سعد: اخبرنا علي بن عبد الله بن جعفر -هو ابن
المديني- أخبرنا سفيان يعني ابن عيينة أخبرنا حمزة بن المغيرة عم سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "اللهم لا
تجعل قبري وثنًا، لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وقال ايضًا:
أخبرنا معن بن عيسى أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول
الله صلى الله عليه وسلّم قال: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد اشتد غضب الله
على قوم اتخذوا قبور انبيائهم مساجد".
وقال ابن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يصلى له اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ورواه عبد الرزاق عن معمر عن زيد به، فهذه الأحاديث صريحة في أن اتخاذ القبر مسجدًا، معناه: الصلاة له تعبدا والسجود له، لا بناء مسجد عليه.
4- قال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا، لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجدًا في جوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه، لا التعظيم له، ولا التوجه نحوه، فلا يدخل في ذلك الوعيد اهـ، نقله الحافظ في فتح الباري.
وقال ابن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يصلى له اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ورواه عبد الرزاق عن معمر عن زيد به، فهذه الأحاديث صريحة في أن اتخاذ القبر مسجدًا، معناه: الصلاة له تعبدا والسجود له، لا بناء مسجد عليه.
4- قال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا، لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجدًا في جوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه، لا التعظيم له، ولا التوجه نحوه، فلا يدخل في ذلك الوعيد اهـ، نقله الحافظ في فتح الباري.
وقال التوربشتي في شرح المشكاة، في الكلام على حديث:
"لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد": "هو مخرج على
وجهين: أحدهما: كانوا يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لهم، وقصد العبادة في ذلك،
وثانيهما: أنهم كانوا يتحرون الصلاة في مدافن الأنبياء، والتوجه إلى قبورهم في
حالة الصلاة والعبادة لله، نظرًا منهم أن ذلك [الصنيع] أعظم موقعًا عند الله،
لاشتماله على الأمرين: عبادة، والمبالغة في تعظيم الأنبياء، وكلا الطريقتين غير
مرضية، أما الأولى فشرك كلي، وأما الثانية فلما فيها من معنى الإشراك بالله عز
وجل، وإن كان خفيًا، والدليل على ذم الوجهين قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم
لا تجعل قبري وثنًا اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
والوجه الأول أظهر وأشبه اهـ.
فتحصّل من هذه الوجوه أن اتخاذ القبر مسجدًا معناه: السجود له، والصلاة إليه، والاستدلال به لمنع بناء المسجد على القبر أو كراهته خطأ ظاهر، لتباين المعنيين وتغايرهما.
بقي أمر لا بد أن ننبه عليه، وهو: إذا كان مسجدًا مبنيًا ثم دفن فيه ميت، أو أدخل فيه قبر، فلا يدخله الخلاف في بناء المسجد على القبر، لأنه لم يبن عليه، والدليل على ذلك أمور:
1- قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرنا محمد بن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قالا: قال أبو بكر: أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قائل منهم: عند المنبر، وقال قائل منهم: حيث كان يصلي يؤم الناس، وقال أيضًا: أخبرنا معن بن عيسى، أخبرنا مالك بن أنس: أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي، قال ناس: يدفن عند المنبر، فهؤلاء الناس لم يشيروا بدفنه صلى الله عليه وسلم عند المنبر، أو حيث كان يؤم الناس، إلا لعلمهم بأن هذا لا يشمله بناء مسجد على قبر، وهؤلاء كانوا صحابة.
فتحصّل من هذه الوجوه أن اتخاذ القبر مسجدًا معناه: السجود له، والصلاة إليه، والاستدلال به لمنع بناء المسجد على القبر أو كراهته خطأ ظاهر، لتباين المعنيين وتغايرهما.
بقي أمر لا بد أن ننبه عليه، وهو: إذا كان مسجدًا مبنيًا ثم دفن فيه ميت، أو أدخل فيه قبر، فلا يدخله الخلاف في بناء المسجد على القبر، لأنه لم يبن عليه، والدليل على ذلك أمور:
1- قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرنا محمد بن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قالا: قال أبو بكر: أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قائل منهم: عند المنبر، وقال قائل منهم: حيث كان يصلي يؤم الناس، وقال أيضًا: أخبرنا معن بن عيسى، أخبرنا مالك بن أنس: أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي، قال ناس: يدفن عند المنبر، فهؤلاء الناس لم يشيروا بدفنه صلى الله عليه وسلم عند المنبر، أو حيث كان يؤم الناس، إلا لعلمهم بأن هذا لا يشمله بناء مسجد على قبر، وهؤلاء كانوا صحابة.
2- وقال ابن حزم في المحلى: قد أنذر عليه السلام بموضع قبره
بقوله: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة واعلم أنه في بيته بذلك، ولم
ينكر عليه السلام كون القبر في البيت ولا نهى عن بناء قائم وإنما نهى عن بناء على
القبر قبة فقط اهـ. وحديث ما بين قبري، رواه البزار من حديث سعد بن أبي وقاص،
ورجاله ثقات، ورواه الطبراني من حديث ابن عمر، قاله الحافظ في الفتح.
قلت: ورواه الخطيب في الموضح من حديث أبي سعيد الخدري [1/419] ورواه البزار من حديث علي وأبي هريرة وإسناده ضعيف، ومعنى الروايتين واحد، فإن قبره في بيته ولهذا ترجم البخاري في صحيحه: باب فضل ما بين القبر والمنبر، وروى الحديث بلفظ البيت، والحديث يدل على فضل هذا المكان وفضل الصلاة فيه، وهو يومئ إلى جعله مسجدًا يصلى فيه، كما هو حاصل الآن.
3- أن القبر الشريف أدخل في المسجد النبوي في عهد الوليد بن عبد الملك على يد عمر بن عبد العزيز ولم يغير عمر ذلك في خلافته بأن يفصل بين الحجرة الشريفة والمسجد بجدار، ولم يفعل ذلك خلفاء بني العباس، ولا أرشدهم إليه أحد، مع كثرة من زار المسجد النبوي من الأئمة والحفاظ والفقهاء والزهاد وغيرهم، وكان الإمام مالك مسموع الكلمة عند المنصور ولو أشار عليه بإقامة حاجز بين القبر والمسجد لفعله، وما ذلك إلا لأن إدخال قبر في مسجد ليس كبناء المسجد عليه، وهو في المسجد النبوي إجماع من الأمة بجميع طبقاتها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وبالله التوفيق.
مسئلة
استدل أخي في إحياء المقبور بآية الكهف من جهة أن الله ذكر قولهم: {لتتخذن عليهم مسجدًا} فأقرهم ولم ينكر عليهم.
قال المبتدع الألباني هذا الاستدلال باطل من وجهين:
1- لا يصح اعتبار عدم الرد عليهم إقرارًا لهم، إلا إذا ثبت أنهم كانوا مسلمين صالحين، متمسكين بشريعة نبيهم، وليس في الآية إشارة إلى ذلك، بل يحتمل أنهم كانوا كفارًا أو فجارًا وهو الأقرب.
قلت: ورواه الخطيب في الموضح من حديث أبي سعيد الخدري [1/419] ورواه البزار من حديث علي وأبي هريرة وإسناده ضعيف، ومعنى الروايتين واحد، فإن قبره في بيته ولهذا ترجم البخاري في صحيحه: باب فضل ما بين القبر والمنبر، وروى الحديث بلفظ البيت، والحديث يدل على فضل هذا المكان وفضل الصلاة فيه، وهو يومئ إلى جعله مسجدًا يصلى فيه، كما هو حاصل الآن.
3- أن القبر الشريف أدخل في المسجد النبوي في عهد الوليد بن عبد الملك على يد عمر بن عبد العزيز ولم يغير عمر ذلك في خلافته بأن يفصل بين الحجرة الشريفة والمسجد بجدار، ولم يفعل ذلك خلفاء بني العباس، ولا أرشدهم إليه أحد، مع كثرة من زار المسجد النبوي من الأئمة والحفاظ والفقهاء والزهاد وغيرهم، وكان الإمام مالك مسموع الكلمة عند المنصور ولو أشار عليه بإقامة حاجز بين القبر والمسجد لفعله، وما ذلك إلا لأن إدخال قبر في مسجد ليس كبناء المسجد عليه، وهو في المسجد النبوي إجماع من الأمة بجميع طبقاتها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وبالله التوفيق.
مسئلة
استدل أخي في إحياء المقبور بآية الكهف من جهة أن الله ذكر قولهم: {لتتخذن عليهم مسجدًا} فأقرهم ولم ينكر عليهم.
قال المبتدع الألباني هذا الاستدلال باطل من وجهين:
1- لا يصح اعتبار عدم الرد عليهم إقرارًا لهم، إلا إذا ثبت أنهم كانوا مسلمين صالحين، متمسكين بشريعة نبيهم، وليس في الآية إشارة إلى ذلك، بل يحتمل أنهم كانوا كفارًا أو فجارًا وهو الأقرب.
2- أن الله رد صنيعهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم،
حيث ثبت في الحديث الصحيح "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
فأي رد أوضح من هذا؟ وما مثل من يستدل بمثل هذه الآية على خلاف الأحاديث الصحيحة
إلا كمثل من يستدل على جواز صنع التماثيل والأصنام بقوله تعالى في الجن المذللين
لسليمان عليه السلام: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور
راسيات} اهـ.
وبيان رد كلامه من وجوه:
1- أن جماعة من المفسرين قالوا في الذين حكى الله عنهم قولهم: {لنتخذن عليهم مسجدًا} أنهم كانوا كفارًا، وهو خطأ، والصواب: أنهم كانوا مسلمين، كما قال ابن عباس لأنهم عزموا على بناء مسجد، وهذا شأن المسلم، ولو كانوا كفارًا، لحكى الله عنهم أنهم قالوا: لنتخذن عليهم بيعة، والقرءان دقيق في تعبيره فحيث عبر بمسجد أراد أنهم مسلمون لا محالة..
فإن قيل: بل المراد بالمسجد البيعة مجازًا..
فالجواب من وجهين أحدهما: أن ما يحكيه القرءان عن الأمم السابقة يجب حمله على الحقيقة، ولا يجوز حمله على المجاز، لأن إرادة الحقيقة متيقنة، بخلاف المجاز فإنا لا ندري هل في لغتهم مجاز؟ وقد أوضحت هذا في بدع التفاسير.
فالمسجد في الآية حقيقة، وبناته مسلمون.
والثاني: أن المجاز لا بد له من قرينة تعينه، وليس في الآية قرينة على أن المراد بالمسجد البيعة، فيجب بقاؤه على حقيقته. وهذا ما غفل عنه كثير من المفسرين وغيرهم، ومن الخطإ الواضح أن يحمل الشخص ءاية على معنى قائم في ذهنه ويفسرها به، من غير أن ينظر في سياق الآية، ويتأمل في ألفاظها هل تحتمل هذا المعنى أو ترفضه لمانع اقتضى رفضه، كما في ءاية سورة الكهف.
وبيان رد كلامه من وجوه:
1- أن جماعة من المفسرين قالوا في الذين حكى الله عنهم قولهم: {لنتخذن عليهم مسجدًا} أنهم كانوا كفارًا، وهو خطأ، والصواب: أنهم كانوا مسلمين، كما قال ابن عباس لأنهم عزموا على بناء مسجد، وهذا شأن المسلم، ولو كانوا كفارًا، لحكى الله عنهم أنهم قالوا: لنتخذن عليهم بيعة، والقرءان دقيق في تعبيره فحيث عبر بمسجد أراد أنهم مسلمون لا محالة..
فإن قيل: بل المراد بالمسجد البيعة مجازًا..
فالجواب من وجهين أحدهما: أن ما يحكيه القرءان عن الأمم السابقة يجب حمله على الحقيقة، ولا يجوز حمله على المجاز، لأن إرادة الحقيقة متيقنة، بخلاف المجاز فإنا لا ندري هل في لغتهم مجاز؟ وقد أوضحت هذا في بدع التفاسير.
فالمسجد في الآية حقيقة، وبناته مسلمون.
والثاني: أن المجاز لا بد له من قرينة تعينه، وليس في الآية قرينة على أن المراد بالمسجد البيعة، فيجب بقاؤه على حقيقته. وهذا ما غفل عنه كثير من المفسرين وغيرهم، ومن الخطإ الواضح أن يحمل الشخص ءاية على معنى قائم في ذهنه ويفسرها به، من غير أن ينظر في سياق الآية، ويتأمل في ألفاظها هل تحتمل هذا المعنى أو ترفضه لمانع اقتضى رفضه، كما في ءاية سورة الكهف.
2- أن حديث: "لعن الله اليهود اتخذوا من قبور أنبيائهم
مساجد".. معناه الحقيقي وهو المقصود للشارع السجود للقبر، أو الصلاة إليه
تعبدًا أو تعظيمًا كما سبق بيانه بدليله، وليس معناه بناء المسجد على القبر كما
قال به كثير، فإنه خطأ من جهة اللغة والعرف.
وحديث ابن عباس: "لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسراج" حديث ضعيف لا تقوم به حجة.
وإذن فالاستدلال بآية الكهف سليم ولم يرد في السنة ما يبطله، خلافًا لزعم المبتدع الألباني.
وحديث: "أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا ثم صوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة" من الأدلة الواضحة على أن بناء القبر على المسجد غير اتخاذه مسجدًا، وقد فهم ابن رجب وغيره أن هذا الحديث يدل على تحريم بناء مسجد على القبر وهو غلط مبني على غلط ءاخر وهو فهمهم أن اتخاذ القبر مسجدًا معناه بناء مسجد عليه، وسبب هذا الحديث أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا أنهما رأتا بالحبشة كنيسة يقال لها مارية، وفيها تماثيل وتصاوير، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن وضع التصاوير في أماكن عبادتهم من قبيح فعلهم، فالذم في الحديث منصب على التصاوير لا على بناء المسجد لأنه يوافق القرءان، ويؤيد هذا أن عمر لما ذهب إلى الشام وعزمه راهب أن يتغدى عنده في الكنيسة، قال له عمر: إنا لا ندخل كنيستكم، لما فيها من التصاوير، وتغدى معه خارجها، فالتصاوير هي مصدر الذم ومبعثه.
3- الاستدلال على جواز التماثيل بآية: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل} جهل كبير، لأن سليمان عليه السلام سأل الله أن يعطيه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه الله ما سأل، وذكر أنواعًا من الملك الذي أعطاه فقال: {يعملون}، الجن {له} لسليمان {ما يشاء من محاريب وتماثيل} الآية. فهذه من خصوصيات سليمان لا يجوز لغيره، كما كان من خصوصياته تسخير الريح والطير وغير ذلك.
مسئلة
وحديث ابن عباس: "لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسراج" حديث ضعيف لا تقوم به حجة.
وإذن فالاستدلال بآية الكهف سليم ولم يرد في السنة ما يبطله، خلافًا لزعم المبتدع الألباني.
وحديث: "أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا ثم صوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة" من الأدلة الواضحة على أن بناء القبر على المسجد غير اتخاذه مسجدًا، وقد فهم ابن رجب وغيره أن هذا الحديث يدل على تحريم بناء مسجد على القبر وهو غلط مبني على غلط ءاخر وهو فهمهم أن اتخاذ القبر مسجدًا معناه بناء مسجد عليه، وسبب هذا الحديث أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا أنهما رأتا بالحبشة كنيسة يقال لها مارية، وفيها تماثيل وتصاوير، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن وضع التصاوير في أماكن عبادتهم من قبيح فعلهم، فالذم في الحديث منصب على التصاوير لا على بناء المسجد لأنه يوافق القرءان، ويؤيد هذا أن عمر لما ذهب إلى الشام وعزمه راهب أن يتغدى عنده في الكنيسة، قال له عمر: إنا لا ندخل كنيستكم، لما فيها من التصاوير، وتغدى معه خارجها، فالتصاوير هي مصدر الذم ومبعثه.
3- الاستدلال على جواز التماثيل بآية: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل} جهل كبير، لأن سليمان عليه السلام سأل الله أن يعطيه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه الله ما سأل، وذكر أنواعًا من الملك الذي أعطاه فقال: {يعملون}، الجن {له} لسليمان {ما يشاء من محاريب وتماثيل} الآية. فهذه من خصوصيات سليمان لا يجوز لغيره، كما كان من خصوصياته تسخير الريح والطير وغير ذلك.
مسئلة
زعم بعض الناس أن من تكاسل عن صلاة أو أكثر حتى خرج وقتها
لا يجوز له قضاؤها واستدل لذلك بحديث الصحيحين: "من نام عن صلاة أو نسيها
فليصلها إذا ذكرها".
مفهومه من تركها عمدًا فلا يقضيها، وهو استدلال بمفهوم المخالفة.
لكن اشترط علماء الأصول في تحقق مفهوم المخالفة والعمل به ألا يكون المسكوت عنه في النص ترك لأمر يقتضي تخصيص المنطوق بالذكر، فإن وجد ما يقتضي التخصيص لم يتحقق المفهوم ولا يعمل به.
وحديث: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" اقتضى تخصيص النائم والناسي فيه بالذكر، إرادة التنبيه على ما سبق إلى الأذهان من سقوط القضاء عنهما بالقياس على الصائم إذا أكل ناسيًا أو احتلم نائمًا لا قضاء عليه. فلم يتحقق شرط المفهوم في هذا الحديث، فلا يفيد سقوط القضاء على العامد لترك الصلاة، بل القضاء عليه واجب لعموم الحديث: "فدين الله أحق أن يقضى" وهو حديث صحيح.
مفهومه من تركها عمدًا فلا يقضيها، وهو استدلال بمفهوم المخالفة.
لكن اشترط علماء الأصول في تحقق مفهوم المخالفة والعمل به ألا يكون المسكوت عنه في النص ترك لأمر يقتضي تخصيص المنطوق بالذكر، فإن وجد ما يقتضي التخصيص لم يتحقق المفهوم ولا يعمل به.
وحديث: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" اقتضى تخصيص النائم والناسي فيه بالذكر، إرادة التنبيه على ما سبق إلى الأذهان من سقوط القضاء عنهما بالقياس على الصائم إذا أكل ناسيًا أو احتلم نائمًا لا قضاء عليه. فلم يتحقق شرط المفهوم في هذا الحديث، فلا يفيد سقوط القضاء على العامد لترك الصلاة، بل القضاء عليه واجب لعموم الحديث: "فدين الله أحق أن يقضى" وهو حديث صحيح.
توضيح البيان
لوصول ثواب القرءان
اقرأ على الموتى كلام إلهنا ... ودع الخصومة في وصول ثوابهِ
وإذا سئلت عن الدليل فأفصحنْ ... بجواب طالبه وحسن خطابهِ
يصل الدعاء كذا الصيام تفضّلا ... من ربنا فكذلك حكم كتابهِ
لا فرق بين عبادة وعبادةٍ ... ومن ادعى التفريق ليس بنابهِ
وحديث لجلاجٍ يؤيد قولنا ... ويعيض عن خطإ بوجه صوابهِ
وإذا أتاك معاند بلجاجة ... فأصم أذنك عن سماع سبابهِ
لا تفتحنْ باب الجدال فإنهُ ... يفضي بصاحبه لسوء عقابهِ
لوصول ثواب القرءان
اقرأ على الموتى كلام إلهنا ... ودع الخصومة في وصول ثوابهِ
وإذا سئلت عن الدليل فأفصحنْ ... بجواب طالبه وحسن خطابهِ
يصل الدعاء كذا الصيام تفضّلا ... من ربنا فكذلك حكم كتابهِ
لا فرق بين عبادة وعبادةٍ ... ومن ادعى التفريق ليس بنابهِ
وحديث لجلاجٍ يؤيد قولنا ... ويعيض عن خطإ بوجه صوابهِ
وإذا أتاك معاند بلجاجة ... فأصم أذنك عن سماع سبابهِ
لا تفتحنْ باب الجدال فإنهُ ... يفضي بصاحبه لسوء عقابهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن ءاله الأكرمين وصحابته والتابعين.
أما بعد: فهذا بحث محرر مفيد بينت فيه وصول ثواب القرءان للميت إذا أهداه القارئ بلفظه أو نيته، بعد أن استعرضت الأقوال وأدلتها، وأجبت عن أدلة المانعين للوصول، بما يفيد ضعف ما ذهبوا إليه.
والله أسأل أن يهديني سواء السبيل، فهو حسبي ونعم الوكيل.
اختلف العلماء في إهداء قراءة القرءان للميت، هل يصل ثوابها إليه؟
مشهور مذهب مالك والشافعي: أن قراءة القرءان لا تصل للميت.
ومذهب أحمد وأكثر المتقدمين: أنها تصل. وهو وهو الذي رجحه متأخرو المالكية وغيرهم، قال النووي في الأذكار -بعد حكاية الإجماع على أن الدعاء يصل الميت وينفعه ثوابه- ما نصه: واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرءان؟ فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة: أنه لا يصل وذهب أحمد وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل، فالاختيار:
أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان اهـ وقال ابن القيم: واختلفوا في العبادة البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرءان والذكر فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف وصوله. وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة. نص على هذا الإمام أحمد في رواية محمد بن يحيى الكحال قال: قيل لأبي عبد الله: الرجل يعمل الشيء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك، يجعل نصفه لأبيه أو أمه، قال: أرجو، وقال: الميت يصل إليه كل شيء من صدقة أو غيرها. وقال أيضًا: اقرأ ءاية الكرسي ثلاثة مرات، وقل هو الله أحد، وقل: اللهم إن فضله لأهل المقابر. والمشهور من مذهب مالك والشافعي أن ذلك لا يصل. وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام أنه لا يصل إلى الميت شيء البتة لا دعاء ولا غيره اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في الجواب الكافي عن السؤال الخافي ما نصه: وأما الحادي عشر وهو هل يصل ثواب القراءة للميت؟ فهي مسئلة مشهورة، وقد كتبت فيها كراسة والحاصل أن أكثر المتقدمين من العلماء على الوصول، وأن المختار الوقف عن الجزم في المسئلة، مع استحباب عمله والإكثار منه اهـ. وأفتى ابن رشد من أئمة المالكية أن الميت ينتفع بقراءة القرءان ويصل إليه نفعه ويحصل له أجره إذا نوى القارئ هبة ثواب قراءته له اهـ، واعتمده غير واحد من متأخري المالكية، قال ابن هلال في نواز له: وبه جرى عمل الناس شرقًا وغربًا، ووقفوا على ذلك أوقافًا، واستمر عليه الأمر أزمنة سالفة اهـ.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن ءاله الأكرمين وصحابته والتابعين.
أما بعد: فهذا بحث محرر مفيد بينت فيه وصول ثواب القرءان للميت إذا أهداه القارئ بلفظه أو نيته، بعد أن استعرضت الأقوال وأدلتها، وأجبت عن أدلة المانعين للوصول، بما يفيد ضعف ما ذهبوا إليه.
والله أسأل أن يهديني سواء السبيل، فهو حسبي ونعم الوكيل.
اختلف العلماء في إهداء قراءة القرءان للميت، هل يصل ثوابها إليه؟
مشهور مذهب مالك والشافعي: أن قراءة القرءان لا تصل للميت.
ومذهب أحمد وأكثر المتقدمين: أنها تصل. وهو وهو الذي رجحه متأخرو المالكية وغيرهم، قال النووي في الأذكار -بعد حكاية الإجماع على أن الدعاء يصل الميت وينفعه ثوابه- ما نصه: واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرءان؟ فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة: أنه لا يصل وذهب أحمد وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل، فالاختيار:
أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان اهـ وقال ابن القيم: واختلفوا في العبادة البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرءان والذكر فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف وصوله. وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة. نص على هذا الإمام أحمد في رواية محمد بن يحيى الكحال قال: قيل لأبي عبد الله: الرجل يعمل الشيء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك، يجعل نصفه لأبيه أو أمه، قال: أرجو، وقال: الميت يصل إليه كل شيء من صدقة أو غيرها. وقال أيضًا: اقرأ ءاية الكرسي ثلاثة مرات، وقل هو الله أحد، وقل: اللهم إن فضله لأهل المقابر. والمشهور من مذهب مالك والشافعي أن ذلك لا يصل. وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام أنه لا يصل إلى الميت شيء البتة لا دعاء ولا غيره اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في الجواب الكافي عن السؤال الخافي ما نصه: وأما الحادي عشر وهو هل يصل ثواب القراءة للميت؟ فهي مسئلة مشهورة، وقد كتبت فيها كراسة والحاصل أن أكثر المتقدمين من العلماء على الوصول، وأن المختار الوقف عن الجزم في المسئلة، مع استحباب عمله والإكثار منه اهـ. وأفتى ابن رشد من أئمة المالكية أن الميت ينتفع بقراءة القرءان ويصل إليه نفعه ويحصل له أجره إذا نوى القارئ هبة ثواب قراءته له اهـ، واعتمده غير واحد من متأخري المالكية، قال ابن هلال في نواز له: وبه جرى عمل الناس شرقًا وغربًا، ووقفوا على ذلك أوقافًا، واستمر عليه الأمر أزمنة سالفة اهـ.
دليل المانعين للوصول:
استدلوا بقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ومن هذه الآية استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرًا ما سبقوا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما اهـ، قلت: قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يندب أمته إلى ذلك، وأن الصحابة لم يفعلوه، منقوض بما يأتي إن شاء الله ودعواه أن القربات لا يتصرف فيها بالقياس، مخالف لما قرره أهل الأصول والفقه.
أما الآية، فالجواب عنها من وجوه:
الأول: أنها لم تبق على عمومها، بل أخرج منها الدعاء والصيام والصدقة والحج، وفي حجية العام بعد تخصيصه خلاف كبير بين الأصوليين، وإن كان الراجح بقاءها ففي الاستدلال بالآية نزاع كما ترى.
الثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: {لحقنا بهم ذريتهم} الآية، روى عن ابن عباس ولا يصح. لأن الآية خبر، والخبر لا يدخله نسخ.
الثالث: أنها إخبار عن شريعة إبراهيم وموسى، أما هذه الأمة فلها ما سعت وما سعى لها غيرها، للأحاديث الدالة على ذلك، قاله عكرمة.
الرابع: أنها في الكافر، أما المؤمن فله ما سعى وما سعي له قاله الربيع بن أنس.
الخامس: أن اللام في الإنسان بمعنى [على] أي ليس على الإنسان إلا ما سعى، وهذا ضعيف أو باطل.
السادس: أن في الآية حذفًا تقديره وأن ليس للإنسان إلا ما سعى أو سعى له، وهذا باطل.
السابع: أن المراد بالإنسان في الآية الحي، لا الميت وهذا باطل.
استدلوا بقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ومن هذه الآية استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرًا ما سبقوا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما اهـ، قلت: قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يندب أمته إلى ذلك، وأن الصحابة لم يفعلوه، منقوض بما يأتي إن شاء الله ودعواه أن القربات لا يتصرف فيها بالقياس، مخالف لما قرره أهل الأصول والفقه.
أما الآية، فالجواب عنها من وجوه:
الأول: أنها لم تبق على عمومها، بل أخرج منها الدعاء والصيام والصدقة والحج، وفي حجية العام بعد تخصيصه خلاف كبير بين الأصوليين، وإن كان الراجح بقاءها ففي الاستدلال بالآية نزاع كما ترى.
الثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: {لحقنا بهم ذريتهم} الآية، روى عن ابن عباس ولا يصح. لأن الآية خبر، والخبر لا يدخله نسخ.
الثالث: أنها إخبار عن شريعة إبراهيم وموسى، أما هذه الأمة فلها ما سعت وما سعى لها غيرها، للأحاديث الدالة على ذلك، قاله عكرمة.
الرابع: أنها في الكافر، أما المؤمن فله ما سعى وما سعي له قاله الربيع بن أنس.
الخامس: أن اللام في الإنسان بمعنى [على] أي ليس على الإنسان إلا ما سعى، وهذا ضعيف أو باطل.
السادس: أن في الآية حذفًا تقديره وأن ليس للإنسان إلا ما سعى أو سعى له، وهذا باطل.
السابع: أن المراد بالإنسان في الآية الحي، لا الميت وهذا باطل.
الثامن: أنها في الذنوب، وقد اتفق على أنه لا يحتمل أحد ذنب
أحد، ويدل على هذا قوله قبلها: {ألا تزر وازرة وزر أخرى} وكأنه يقول: لا يؤخذ أحد
بذنب غيره ولا يؤاخذ إلا بذنب نفسه، وهذا ضعيف.
التاسع: أن للإنسان ما عمل بحق، وله ما عمل له غيره بهبة العامل له فجاءت الآية في إثبات الحقيقة، دون ما زاد عليها.
العاشر: أن ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل، فأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله تعالى ما شاء قاله الحسين بن الفضل.
الحادي عشر: أنها لم تنف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفت ملكه لغير سعيه وبين الأمرين فرق لا يخفى، فأخبر الله تعالى أن الإنسان لا يملك إلا سعيه، أما سعي غيره فهو ملك لساعيه: فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء أن يبقيه لنفسه وهو سبحانه لم يقل لا ينتفع إلا بما سعى قال ابن القيم وكان شيخنا -يعني ابن تيمية- يختار هذه الطريقة ويرجحها اهـ، وقال القرطبي: وقيل إن الله عز وجل إنما قال: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} ولام الخفض معناها في العربية الملك والإيجاب فلم يجب للإنسان إلا ما سعى، فإذا تصدق عليه غيره، فليس يجب له شيء، إلا أن الله عز وجل يتفضل عليه، بما لا يجب عليه. كما يتفضل على الأطفال بادخالهم الجنة بغير عمر اهـ.
الثاني عشر: أن معنى {إلا ما سعى} إلا ما نوى بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الناس على نياتهم" قاله أبو بكر الوراق.
التاسع: أن للإنسان ما عمل بحق، وله ما عمل له غيره بهبة العامل له فجاءت الآية في إثبات الحقيقة، دون ما زاد عليها.
العاشر: أن ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل، فأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله تعالى ما شاء قاله الحسين بن الفضل.
الحادي عشر: أنها لم تنف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفت ملكه لغير سعيه وبين الأمرين فرق لا يخفى، فأخبر الله تعالى أن الإنسان لا يملك إلا سعيه، أما سعي غيره فهو ملك لساعيه: فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء أن يبقيه لنفسه وهو سبحانه لم يقل لا ينتفع إلا بما سعى قال ابن القيم وكان شيخنا -يعني ابن تيمية- يختار هذه الطريقة ويرجحها اهـ، وقال القرطبي: وقيل إن الله عز وجل إنما قال: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} ولام الخفض معناها في العربية الملك والإيجاب فلم يجب للإنسان إلا ما سعى، فإذا تصدق عليه غيره، فليس يجب له شيء، إلا أن الله عز وجل يتفضل عليه، بما لا يجب عليه. كما يتفضل على الأطفال بادخالهم الجنة بغير عمر اهـ.
الثاني عشر: أن معنى {إلا ما سعى} إلا ما نوى بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الناس على نياتهم" قاله أبو بكر الوراق.
الثالث عشر: أن الإنسان بسعيه وحسن عشرته، اكتسب الأصدقاء،
وأولد الأولاد ونكح الأزواج، وأسدى الخير وتودد إلى الناس، فترحموا عليه، وأهدوا
له العبادات وكان ذلك أثر سعيه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أن أطيب ما أكل
الرجل من كسب يده وأن ولده من كسبه" قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي، قال ابن
القيم: وهذا جواب متوسط، يحتاج إلى تمام، فإن العبد بإيمانه وطاعته لله ورسوله، قد
سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين، مع عمله، كما ينتفع بعملهم في الحياة مع
عمله، فإن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي يشتركون فيها، كالصلاة في
الجماعة، فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفًا، لمشاركة غيره له في
الصلاة فعمل غيره كان سببًا لزيادة أجره، كما أن عمله سبب لزيادة أجر الآخرين، بل
قد قيل: إن الصلاة يضاعف ثوابها بعدد المصلين. وكذلك اشتراكهم في الجهاد والحج،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، وقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" وشبك بين
أصابعه، ومعلوم أن هذا بأمور الدين أولى منه بأمور الدنيا. فدخول المسلم مع جملة
المسلمين في عقد الإسلام، من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه،
في حياته وبعد موته، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم وقد أخبر الله تعالى عن حملة
العرش ومن حوله أنهم يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم. وأخبر عن دعاء رسله واستغفارهم
للمؤمنين، كنوح وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم. فالعبد بإيمانه، قد تسبب في
وصول هذا الدعاء إليه، فكأنه من سعيه، يوضحه: إن الله سبحانه وتعالى جعل الإيمان
سببًا لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المؤمنين وسعيهم، فإذا أتى به، فقد سعى في
السبب الذي يوصل إليه ذلك، وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن
العاص: "إن أباك لو كان أقر بالتوحيد نفعه ذلك" يعني العتق الذي فعل عنه
بعد
موته، فلو أتى بالسبب لكان قد سعى في عمل يوصل إليه ثواب
العتق، وهذه طريقة لطيفة حسنة جدًا اهـ، والحديث الذي أشار إليه، رواه أحمد وغيره
عن عبد الله بن عمرة أن العاصي بن وائل، نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وأن
هشام بن العاصي نحر خمسًا وخمسين، وأن عمرًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟
فقال: أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك، أفاد الحديث أن السبب
في انتفاع الميت بما يهدى إليه من الأعمال إيمانه وتوحيده. وفي تفسير الألوسي ما
نصه: وقال بعض أجلة المحققين: أنه ورد في الكتاب والسنة ما هو قطعي في حصول
الانتفاع بعمل الغير، وهو ينافي ظاهر الآية. فتقيد بما لا يهبه العامل. وسأل والي
خراسان عبد الله بن طاهر، الحسين بن الفضل عن هذه الآية، مع قوله تعالى: {والله
يضاعف لمن يشاء} فقال: ليس له بالعدل إلا ما سعى، وله بالفضل ما شاء الله تعالى
فقيل عبد الله رأس الحسين اهـ وقال الألوسي أيضًا بعد إيراد بعض أجوبة عن الآية ما
نصه: والذي أميل إليه كلام الحسين، ونحوه كلام ابن عطية، قال: والتحرير عندي في
هذه الآية أن ملاك المعنى هو اللام من قوله سبحانه {للإنسان} فإذا حققت الشيء الذي
يحق للإنسان أن يقول فيه: لي كذا، لم تجده إلا سعيه، وما يكون من رحمة بشفاعة أو
رعاية أب صالح أو ابن صالح أو تضعيف حسنات أو نحو ذلك، فليس هو للإنسان، ولا يسعه
أن يقول: لي كذا وكذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو حقيقة اهـ، ويعلم من مجموع ما تقدم
أن استدلال المعتزلة بالآية على أن العبد إذا جعل ثواب عمله أي عمل كان، لغيره لا
ينجعل ويلغو جعله غير تام وكذا استدلال الشافعي بها على أن ثواب القراءة لا يلحق
الأموات اهـ كلام الألوسي، وما نقله عن المعتزلة ليس متفقًا عليه بينهم فالزمخشري
وهو من كبارهم يقول بالوصول، قال في الكشاف عند تفسير هذه الآية ما نصه: فإن قلت:
أما صح في الأخبار الصدقة عن الميت والحج عنه وله
الأضعاف، قلت: فيه جوابان: أحدهما أن سعي غيره لما لم ينفعه
إلا مبنيًا على سعي نفسه وهو أن يكون مؤمنًا صالحًا، وكذلك الإضعاف، كان سعي غيره
كأنه سعي نفسه لكونه تابعًا له، وقائمًا بقيامه، والثاني: أن سعي غيره لا ينفعه
إذا عمله لنفسه ولكن إذا نواه به، فهو بحكم الشرع كالنائب عنه، والوكيل القائم
مقامه اهـ.
وفي فتاوى الحافظ ابن الصلاح ما نصه: مسئلة في قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وقد ثبت أن أعمال الأبدان لا تنتقل. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" وقد اختلف في القرءان: هل يصل إلى الميت أو لا؟ وكيف يكون الدعاء يصل إليه والقرءان أفضل أجاب رضي الله عنه: هذا قد اختلف فيه، وأهل الخير وجدوا البركة في مواصلة الأموات بالقرءان، وليس الاختلاف في هذه المسئلة، كالاختلاف في الأصول، بل هي من مسائل الفروع، وليس نص الآية المذكورة دالاً على بطلان قول من قال: أنه يصل، فإن المراد به -أي نص الآية- أنه لا حق له ولا جزاء إلا فيما يسعى، ولا يدخل ما يتبرع به الغير من قراءة ودعاء وأنه لا حق في ذلك ولا مجازاة، وإنما أعطاه الغير تبرعًا، وكذلك الحديث لا يدل على بطلان قوله، فإنه في عمله، وهذا من عمل غيره اهـ، وقال الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية: من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع وذلك باطل من وجوه:
أحدها: أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره، وهو انتفاع بعمل الغير.
ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب، ثم لأهل الجنة في دخولها، ثم لأهل الكبائر في الخروج من النار.
ثالثها: أن الملائكة يستغفرون ويدعون لمن في الأرض.
رابعها: أن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرًا قط، بمحض فضله ورحمته، وهذا انتفاع بغير عملهم.
خامسها: أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل ءابائهم.
وفي فتاوى الحافظ ابن الصلاح ما نصه: مسئلة في قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وقد ثبت أن أعمال الأبدان لا تنتقل. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" وقد اختلف في القرءان: هل يصل إلى الميت أو لا؟ وكيف يكون الدعاء يصل إليه والقرءان أفضل أجاب رضي الله عنه: هذا قد اختلف فيه، وأهل الخير وجدوا البركة في مواصلة الأموات بالقرءان، وليس الاختلاف في هذه المسئلة، كالاختلاف في الأصول، بل هي من مسائل الفروع، وليس نص الآية المذكورة دالاً على بطلان قول من قال: أنه يصل، فإن المراد به -أي نص الآية- أنه لا حق له ولا جزاء إلا فيما يسعى، ولا يدخل ما يتبرع به الغير من قراءة ودعاء وأنه لا حق في ذلك ولا مجازاة، وإنما أعطاه الغير تبرعًا، وكذلك الحديث لا يدل على بطلان قوله، فإنه في عمله، وهذا من عمل غيره اهـ، وقال الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية: من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع وذلك باطل من وجوه:
أحدها: أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره، وهو انتفاع بعمل الغير.
ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب، ثم لأهل الجنة في دخولها، ثم لأهل الكبائر في الخروج من النار.
ثالثها: أن الملائكة يستغفرون ويدعون لمن في الأرض.
رابعها: أن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرًا قط، بمحض فضله ورحمته، وهذا انتفاع بغير عملهم.
خامسها: أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل ءابائهم.
سادسها: قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين {كان أبوهما
صالحًا}.
سابعها: أن الميت ينتفع بالصدقة عنه وبالعتق، بنص السنة والإجماع.
ثامنها: أن الحج المفروض يسقط عن الميت لحج وليه عنه بنص السنة.
تاسعها: أن الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره، بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير.
عاشرها: أن المدين قد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة، وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب، وانتفع بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو من عمل الغير اهـ باختصار، فتبين مما تقدم أن الاستدلال بالآية على منع وصول القراءة للميت، غير صحيح لأن الآية لا تفيد ذلك.
سابعها: أن الميت ينتفع بالصدقة عنه وبالعتق، بنص السنة والإجماع.
ثامنها: أن الحج المفروض يسقط عن الميت لحج وليه عنه بنص السنة.
تاسعها: أن الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره، بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير.
عاشرها: أن المدين قد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة، وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب، وانتفع بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو من عمل الغير اهـ باختصار، فتبين مما تقدم أن الاستدلال بالآية على منع وصول القراءة للميت، غير صحيح لأن الآية لا تفيد ذلك.
أدلة القائلين بالوصول
استدلوا بأمور:
أحدها: قال الطبراني في معجمه الكبير، حدثنا الحسين بن اسحاق التستري ثنا علي بن حجر ثنا مبشر بن اسماعيل حدثني عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال: قال أبي اللجلاج أبو خالد: يا بني إذا أنا مت فألحدني فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شن عليّ التراب شنًا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، قال الحافظ الهيثمي رجاله موثقون، قلت فإسناده حسن.
ثانيها: روى الطبراني والبيهقي عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه فاتحة الكتاب" ولفظ رواية البيهقي [بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة البقرة في قبره].
ثالثها: ثبت في الأحاديث الصحيحة وصول الصدقة والصوم والحج والعمرة إلى الميت وهذه عبادات، وقراءة القرءان عبادة أيضًا، فتصل إلى الميت لأنه لا فارق بينها وبين تلك العبادات المذكورة، وهذا من القياس الجلي، الذي لا خلاف في حجيته، والعمل به، قال القرطبي في التذكرة: أصل هذا الباب الصدقة التي لا اختلاف فيها، فكما يصل للميت ثوابها، فكذلك تصل قراءة القرءان والدعاء والاستغفار. إذ كل ذلك صدقة، فإن الصدقة لا تختص بالمال قال صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن قصر الصلاة في حالة الأمن: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" وقال صلى الله عليه وسلم: "يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزىء عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" ولهذا استحب العلماء زيارة القبور، لأن القراءة تحفة الميت من زائره اهـ. فأفاد أن القراءة يشملها لفظ الصدقة في عرف الشرع.
استدلوا بأمور:
أحدها: قال الطبراني في معجمه الكبير، حدثنا الحسين بن اسحاق التستري ثنا علي بن حجر ثنا مبشر بن اسماعيل حدثني عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال: قال أبي اللجلاج أبو خالد: يا بني إذا أنا مت فألحدني فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شن عليّ التراب شنًا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، قال الحافظ الهيثمي رجاله موثقون، قلت فإسناده حسن.
ثانيها: روى الطبراني والبيهقي عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه فاتحة الكتاب" ولفظ رواية البيهقي [بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة البقرة في قبره].
ثالثها: ثبت في الأحاديث الصحيحة وصول الصدقة والصوم والحج والعمرة إلى الميت وهذه عبادات، وقراءة القرءان عبادة أيضًا، فتصل إلى الميت لأنه لا فارق بينها وبين تلك العبادات المذكورة، وهذا من القياس الجلي، الذي لا خلاف في حجيته، والعمل به، قال القرطبي في التذكرة: أصل هذا الباب الصدقة التي لا اختلاف فيها، فكما يصل للميت ثوابها، فكذلك تصل قراءة القرءان والدعاء والاستغفار. إذ كل ذلك صدقة، فإن الصدقة لا تختص بالمال قال صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن قصر الصلاة في حالة الأمن: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" وقال صلى الله عليه وسلم: "يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزىء عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" ولهذا استحب العلماء زيارة القبور، لأن القراءة تحفة الميت من زائره اهـ. فأفاد أن القراءة يشملها لفظ الصدقة في عرف الشرع.
وقال ابن القيم -بعد أن أطال في بيان وصول الأعمال المهداة
إلى الميت، وأفاض في الاستدلال لذلك-، ما نصه: وأما قراءة القرءان، وإهداؤها له
تطوعًا بغير أجرة، فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج فإن قيل: فهذا لم يكن
معروفًا في السلف، ولا يمكن نقله عن واحد منهم، مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم
النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج
والصيام. فلو كان ثواب القراءة يصل، لأرشد إليه، ولكانوا يفعلونه فالجواب: أن مورد
هذا السؤال، إن كان معترفًا بوصول ثواب الصوم والحج والدعاء والاستغفار قيل له: ما
هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرءان واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال؟ وهل هذا
إلا تفريق بين المتماثلات؟ وإن لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت، فهو محجوج
بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع، وأما الذي لأجله لم يظهر ذلك في السلف، فهو
أنه لم يكن لهم أوقاف على من يقرأ ويهدي إلى الموتى، ولا كانوا يعرفون ذلك البتة
ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده، كما يفعله الناس اليوم، ولا كان أحدهم يشهد
من حضره من الناس أن ثواب هذه القراءة لفلان الميت. بل ولا ثواب هذه الصدقة
والصوم، ثم يقال لهذا القائل: ولو كلفت أن تنقل عن واحد من السلف أنه قال: اللهم
ثواب هذا الصوم لفلان، لعجزت، فإن القوم كانوا أحرص شيء على كتمان أعمال البر، فلم
يكونوا ليشهدوا على الله بإيصال ثوابها إلى أمواتهم، فإن قيل: فرسول الله صلى الله
عليه وسلم أرشدهم إلى الصوم والصدقة والحج، دون القراءة، قيل: هو صلى الله عليه
وسلم لم يبتدئهم بذلك بل خرج ذلك منه، مخرج الجواب لهم: فهذا سأله عن الحج عن
ميته، فأذن له وهذا سأله عن الصيام عنه، فأذن له وهذا سأله عن الصدقة، فأذن له.
ولم يمنعهم مما سوى ذلك. وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك
وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟ والقائل أن أحدا من السلف لم يفعل
ذلك قائل ما لا علم له به، فإن هذه شهادة على نفي ما لم
يعلمه فما يدريه أن السلف كانوا يفعلون ذلك، ولا يشهدون من حضرهم عليه، بل يكفي
إطلاع علام الغيوب على نياتهم ومقاصدهم، لا سيما والتلفظ بنية الإهداء لا يشترط
كما تقدم، وسر المسئلة: أن الثواب ملك للعامل، فإذا تبرع به وأهداه إلى أخيه
المسلم أوصله الله إليه. فما الذي خص من هذا الثواب قراءة القرءان؟ وحجر على أن
يوصله إلى أخيه؟ وهذا عمل الناس حتى المنكرين؟ في سائر الأعصار والأمصار من غير
نكير من العلماء اهـ. كلامه. وهو جيد مفيد وإليك بعض الآثار عن السلف في قراءة
القرءان على الميت.
قال البيهقي في السنن: حدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو
العباس ابن يعقوب ثنا العباس بن محمد. قال: سألت يحيى بن معين عن القراءة عند
القبر؟ فقال: حدثني مبشر بن إسماعيل الحلبي عن عبد الرحمن بن العلاء ابن اللجلاج،
عن أبيه، قال لبينه: إذا أنا مت، فضعوني في قبري، وقولوا: بسم الله وعلى سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وسنوا علي التراب سنًا، ثم اقرأوا عند رأسي أول سورة
البقرة وخاتمتها، فإني رأيت ابن عمر يستحب ذلك. قال الحافظ ابن حجر في أمالي
الأذكار: هذا موقوف حسن. وقال الحافظ عبد الحق في كتاب العاقبة: يروى أن عبد الله
بن عمر، أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة وممن رأى ذلك عبد الرحمن بن العلاء.
وقال الخلال في الجامع: كتاب القراءة عند القبور: أخبرنا العباس بن محمد الدوري
ثنا يحيى بن معين، وذكر الأثر الذي نقلناه عن البيهقي ءانفًا ثم نقل عن عباس
الدوري قال: سألت أحمد بن حنبل. قلت، تحفظ في القراءة على القبر شيئًا؟ قال، لا
وسألت يحيى بن معين، فحدثني بهذا الحديث قال الخلال، وأخبرني الحسن بن أحمد الوراق
حدثني علي بن موسى الحداد -وكان صدوقًا- قال، كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة
الجوهري في جنازة فلما دفن الميت، جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر. فقال له أحمد، يا
هذا إن القراءة عند القبر بدعة، فلما خرجنا من المقابر، قال محمد بن قدامة لأحمد
بن حنبل، يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة. قال كتبت عنه شيئًا؟
قال: نعم، قال: فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه: أنه وصى
إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها. وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك،
فقال له أحمد فارجع وقل للرجل: "يقرأ" وقال الحسن بن الصباح الزعفراني
سألت الشافعي عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا بأس بها ومروى الخلال عن الشعبي،
قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرأون عنده القرءان.
وقال الخرائطي في كتاب القبور: سنة في الأنصار، إذا حملوا
الميت أن يقرأوا معه سورة البقرة اهـ. قال الخلال وأخبرني أبو يحيى الناقد، قال:
سمعت الحسن بن الجروي يقول: مررت على قبر أخت لي، فقرأت عندها [تبارك] لما يذكر
فيها فجاءني رجل فقال: إني رأيت أختك في المنام، تقول: "جزى الله أبا علي
خيرًا، فقد انتفعت بما قرأ" أخبرني الحسن بن الهيثم قال: سمعت أبا بكر بن
الأطروش ابن بنت أبي نصر التمار يقول: كان رجل يجيء إلى قبر أمه يوم الجمعة. فيقرأ
سورة يس فجاء في بعض أيامه فقرأ سورة يس ثم قال: اللهم إن كنت قسمت لهذه السورة
ثوابًا، فاجعله في أهل هذه المقابر. فلما كان في الجمعة التي تليها، جاءته إمرأة
فقالت: أنت فلان بن فلانة؟ قال: نعم، قالت: إن بنتا لي ماتت، فرأيتها في النوم
جالسة على شفير قبرها فقلت: ما أجلسك هاهنا؟ قالت: إن فلان بن فلانة، جاء إلى قبر
أمه، فقرأ سورة يس، وجعل ثوابها لأهل المقابر، فأصابنا من روح ذلك أو غفر لنا أو
نحو ذلك اهـ، قلت: يؤيد هذا ما رواه أحمد وأبو داود -والنسائي واللفظ له- وابن
ماجه عن معقل بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قلب القرءان يس
لا يقرأها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له اقرأوها على موتاكم" صححه
ابن حبان والحاكم وذكر ابن حبان: أن المراد بالموتى من حضره الموت، ورجحه ابن
القيم في كتاب الروح بوجوه لكن أخذ ابن الرفعة بظاهر الحديث، فصحح أنها تقرأ بعد
الموت. وذكر الشوكاني أن لفظ الموتى حقيقة فيمن مات، ولا يعدل عن الحقيقة إلا
بقرينة، ولا مانع عندي من قراءتها على المحتضر، ليتدبر ما فيها وعلى الميت لينفعه
ثوابها وقال محمد بن أحمد المروزي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا دخلتم المقابر،
فاقرأوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد، واجعلوا ثواب ذلك لأهل
المقابر، فإنه يصل إليهم، وقال النووي في الكلام على زيارة القبور من شرح المهذب:
ويستحب أن يقرأ من
القرءان ما تيسر ويدعو لهم عقبها. نص عليه الشافعي واتفق
عليه الأصحاب اهـ. وقال في الأذكار في باب ما يقوله بعد الدفن؟ قال الشافعي
والأصحاب: يستحب أن يقرأوا عنده شيئًا من القرءان، قالوا: فإن ختموا القرءان كله
كان حسنًا وروينا في سنن البيهقي بإسناد حسن: أن ابن عمر استحب أن يقرأ على القبر
بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها اه. وذكر الذهبي في تذكرة الحافظ، في ترجمة
الخطيب البغدادي: أنه لما توفي قرىء على قبره عدة ختمات فتبين مما أوردناه أمران.
أ- أن النبي صلى الله عليه وسلم، أرشد إلى قراءة القرءان على الميت.
ب- أن القراءة عند القبر، كانت معروفة عند السلف.
قال القرطبي في التذكرة، وقد قيل: أن ثواب القراءة للقارىء، وللميت ثواب الاستماع ولذلك تلحقه الرحمة، قال تعالى: {وإذا قرىء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} ولا يبعد في كرم الله تعالى أن يلحقه ثواب القراءة والاستماع جميعًا، ويلحقه ثواب ما [يُهدى] إليه من قراءة القرءان وإن لم يسمعه، كالصدقة والدعاء والاستغفار لما ذكرنا قلت لا يلحق الميت ثواب الاستماع لانقطاع تكليفه لكن يلحقه ثواب ما يهدي إليه.
رابع الأدلة: ما ذكره القرطبي، حيث قال: وقد استدل بعض علمائنا على قراءة القرءان، بحديث العسيب الرطب الذي شقه النبي صلى الله عليه وسلم باثنين، ثم غرس على هذا واحدًا، وعلى هذا واحدًا ثم قال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" خرجه البخاري ومسلم. وفي مسند الطيالسي: فوضع على أحدهما نصفًا، وعلى الآخر نصفًا وقال: "إنه يهوّن عليهما ما دام فيهما من بلولتهما شىء" قالوا: ويستفاد من هذا، غرس الأشجار، وقراءة القرءان على القبور، وإذا خفف عنهم بالأشجار، فكيف بقراءة الرجل المؤمن للقرءان؟ اهـ. وهذا قياس أولوي.
أ- أن النبي صلى الله عليه وسلم، أرشد إلى قراءة القرءان على الميت.
ب- أن القراءة عند القبر، كانت معروفة عند السلف.
قال القرطبي في التذكرة، وقد قيل: أن ثواب القراءة للقارىء، وللميت ثواب الاستماع ولذلك تلحقه الرحمة، قال تعالى: {وإذا قرىء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} ولا يبعد في كرم الله تعالى أن يلحقه ثواب القراءة والاستماع جميعًا، ويلحقه ثواب ما [يُهدى] إليه من قراءة القرءان وإن لم يسمعه، كالصدقة والدعاء والاستغفار لما ذكرنا قلت لا يلحق الميت ثواب الاستماع لانقطاع تكليفه لكن يلحقه ثواب ما يهدي إليه.
رابع الأدلة: ما ذكره القرطبي، حيث قال: وقد استدل بعض علمائنا على قراءة القرءان، بحديث العسيب الرطب الذي شقه النبي صلى الله عليه وسلم باثنين، ثم غرس على هذا واحدًا، وعلى هذا واحدًا ثم قال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" خرجه البخاري ومسلم. وفي مسند الطيالسي: فوضع على أحدهما نصفًا، وعلى الآخر نصفًا وقال: "إنه يهوّن عليهما ما دام فيهما من بلولتهما شىء" قالوا: ويستفاد من هذا، غرس الأشجار، وقراءة القرءان على القبور، وإذا خفف عنهم بالأشجار، فكيف بقراءة الرجل المؤمن للقرءان؟ اهـ. وهذا قياس أولوي.
خامسها: صلاة الجنازة، فإنها ما شرعت إلا لانتفاع الميت،
والاستشفاع له لما فيها من قراءة ودعاء واستغفار، فإذا كان يصل إلى الميت ما تشمل
عليه الصلاة من دعاء واستغفار، فكذلك يصل إليه ما تشمل عليه من القرءان، سواء
بسواء والتفريق في العبادة الواحدة بين مشمولاتها، تحكم غير مقبول، ولم أر من
سبقني إلى هذا الدليل، وهو نص في الموضوع، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
خاتمة
تشتمل على مسألتين:
1- قراءة القرءان على الميت، من المسائل الفرعية المختلف فيها بين العلماء وليست من مسائل العقيدة فالتهويل في شأنها، والمبالغة في إنكارها حهاد في غير عدو، وإنكار لما ليس بمنكر، وتمسك بمبدأ خالف تعرف والذين قالوا بعدم الوصول صرحوا بأن القارىء إذا دعا بعد قراءته بإيصال ثوابها إلى الميت، وصله بلا خلاف، لأنها تكون حينئذ من قبيل الدعاء المجمع على وصوله.
2- لم يأت دليل يحرم قراءة القرءان على الميت، لا من القرءان ولا من السنة ولا صرح به أحد من أئمة المذاهب. فكيف يتجرأ بعض الناس اليوم على التصريح بتحريم قراءة القرءان على الميت؟ ولم يقل به أحد قبله. لقد كان الواجب عليه أن يراعي جانب القائلين بالوصول وهم أكثر السلف وفيهم من الصحابة ابن عمر أشد الصحابة تمسكًا بالسنة، ومن الأئمة: أحمد بن حنبل، أتبع الأئمة للآثار. وأن يراعي الدلائل التي أتوا بها، وليس معه منها دليل واحد، نعم لقد كان الواجب عليه أن يراعي ذلك، فلا يصرح بالتحريم، بل يحكي القولين ويرجح ما يراه راجحًا، من غير تشنيع ولا تهويل. لكن الإنصاف عزيز وحب العناد والظهور، قاصم للظهور، كما قال الصوفية رضي الله عنهم، وبالله التوفيق.
خاتمة
تشتمل على مسألتين:
1- قراءة القرءان على الميت، من المسائل الفرعية المختلف فيها بين العلماء وليست من مسائل العقيدة فالتهويل في شأنها، والمبالغة في إنكارها حهاد في غير عدو، وإنكار لما ليس بمنكر، وتمسك بمبدأ خالف تعرف والذين قالوا بعدم الوصول صرحوا بأن القارىء إذا دعا بعد قراءته بإيصال ثوابها إلى الميت، وصله بلا خلاف، لأنها تكون حينئذ من قبيل الدعاء المجمع على وصوله.
2- لم يأت دليل يحرم قراءة القرءان على الميت، لا من القرءان ولا من السنة ولا صرح به أحد من أئمة المذاهب. فكيف يتجرأ بعض الناس اليوم على التصريح بتحريم قراءة القرءان على الميت؟ ولم يقل به أحد قبله. لقد كان الواجب عليه أن يراعي جانب القائلين بالوصول وهم أكثر السلف وفيهم من الصحابة ابن عمر أشد الصحابة تمسكًا بالسنة، ومن الأئمة: أحمد بن حنبل، أتبع الأئمة للآثار. وأن يراعي الدلائل التي أتوا بها، وليس معه منها دليل واحد، نعم لقد كان الواجب عليه أن يراعي ذلك، فلا يصرح بالتحريم، بل يحكي القولين ويرجح ما يراه راجحًا، من غير تشنيع ولا تهويل. لكن الإنصاف عزيز وحب العناد والظهور، قاصم للظهور، كما قال الصوفية رضي الله عنهم، وبالله التوفيق.
سنية رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة
للعلامة المحدث
السيد محمد بن مقبول الأهدل الحسيني الشافعي رحمه الله
قدمها وعلق عليها:
أبو الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق
خادم علم الحديث الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى.
وبعد: كثر اللغط في هذه الأيام، حول رفع اليدين في الدعاء بعد الصلوات المكتوبة، وزعم زاعمون أنه ممنوع وأنه بدعة، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله.
وقد صليت المغرب في بعض المساجد، ولما خرجت إلى الطريق، سألني شاب قائلا: هل تجوز الصلاة خلف هذا الإمام؟ قلت: ولم لا تجوز؟ قال: لأنه مبتدع، قلت: وما بدعته؟ قال: يرفع يديه في الدعاء بعد الصلاة فأفهمته خطأه، وبينت له الصواب، وتكرر هذا السؤال من غيره، وتكرر الجواب، ثم رأيت أن أنشر رسالة في هذا الموضوع كتبها العلامة المحدث السيد محمد بن مقبول الأهدل الحسيني الشافعي، رحمه الله، فحققتها وصدرتها بهذا التقديم الذي قررت فيه مشروعية رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة، بأدلة وقواعد أصولية، لتخرس ألسنة تجرأت على القول في الدين بغير علم، ولتهتدي قلوب ضلت بتقليد اولئك المجترئين.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
-[1]-
حرمة الشىء أو كراهته، تستفاد من النهي عنه. فقد تقرر في علم الأصول: أن النهي إذا كان جزمًا أفاد الحرمة وإذا كان غير جازم أفاد الكراهة.
مثال نهي التحريم: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب، هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب}.
ومقال نهي الكراهة: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين".
ويستفاد التحريم أيضًا: من هذه المادة نفسها نحو: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن".
ومن لغظ الإثم والفسق ونحوهما كما بينته بأمثلته في كتاب تنوير البصيرة ببيان علامات الكبيرة.
ورفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة لم يرد نهي عنه، فليس هو بحرام ولا مكروه.
للعلامة المحدث
السيد محمد بن مقبول الأهدل الحسيني الشافعي رحمه الله
قدمها وعلق عليها:
أبو الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق
خادم علم الحديث الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى.
وبعد: كثر اللغط في هذه الأيام، حول رفع اليدين في الدعاء بعد الصلوات المكتوبة، وزعم زاعمون أنه ممنوع وأنه بدعة، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله.
وقد صليت المغرب في بعض المساجد، ولما خرجت إلى الطريق، سألني شاب قائلا: هل تجوز الصلاة خلف هذا الإمام؟ قلت: ولم لا تجوز؟ قال: لأنه مبتدع، قلت: وما بدعته؟ قال: يرفع يديه في الدعاء بعد الصلاة فأفهمته خطأه، وبينت له الصواب، وتكرر هذا السؤال من غيره، وتكرر الجواب، ثم رأيت أن أنشر رسالة في هذا الموضوع كتبها العلامة المحدث السيد محمد بن مقبول الأهدل الحسيني الشافعي، رحمه الله، فحققتها وصدرتها بهذا التقديم الذي قررت فيه مشروعية رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة، بأدلة وقواعد أصولية، لتخرس ألسنة تجرأت على القول في الدين بغير علم، ولتهتدي قلوب ضلت بتقليد اولئك المجترئين.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
-[1]-
حرمة الشىء أو كراهته، تستفاد من النهي عنه. فقد تقرر في علم الأصول: أن النهي إذا كان جزمًا أفاد الحرمة وإذا كان غير جازم أفاد الكراهة.
مثال نهي التحريم: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب، هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب}.
ومقال نهي الكراهة: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين".
ويستفاد التحريم أيضًا: من هذه المادة نفسها نحو: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن".
ومن لغظ الإثم والفسق ونحوهما كما بينته بأمثلته في كتاب تنوير البصيرة ببيان علامات الكبيرة.
ورفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة لم يرد نهي عنه، فليس هو بحرام ولا مكروه.
-[2]-
ترك الشىء لا يدل على منعه، لأنه ليس بنهي، والله تعالى يقول: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ولم يقل: وما تركه فانتهوا عنه.
ألا ترى إلى الجمعة، لم تتعدد في العهد النبوي، ولم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأهل العوالي بإقامتها عندهم، مع بعد المسافة بينهم وبين المسجد النبوي، وهي متعددة الآن ولم يقل أحد: أن تعددها حرام، أو بدعة لأنه لم يرد نهي عنه، فترك النبي صلى الله عليه وسلم لرفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة -إن صح- لا يفيد حرمته ولا كراهته.
-[3]-
تقرر في الأصول: أن الآية أو الحديث إذا شملت بعمومها أمرًا دل على مشروعيته.
وحديث: "إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرا خاليتين" يشمل بعمومه رفع اليدين بعد الصلاة فيكون مشروعًا، ولا يجوز أن يسمى بدعة أبدًا بحال.
ويؤيده حديث ءاخر عام أيضا، وهو ما رواه الطبراني عن سلمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رفع قوم أكفهم إلى الله عز وجل يسألونه شيئا إلا كان على الله حقا أن يضع أيديهم الذي سألوا" قال الحافظ الهيثمي، رجاله رجال الصحيح، فرفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة مشروع بعموم هذين الحديثين الصحيحين حتمًا.
-[4]-
هؤلاء الذين لا يكتفون في المسئلة بدليل يشملها بعمومه، ويطلبون دليلاً خاصًا بها، يلزمهم خطر عظيم في الدين، قد يؤدي بهم إلى الكفر وهم لا يشعرون. لأنه لو كانت كل حادثة يشترط في مشروعيتها، ونفي وصف البدعة عنها، ورود دليل خاص يعينها، لتعطلت عمومات الكتاب والسنة وبطل الاحتجاج بها، وذلك هدم لمعظم دلائل الشريعة، وتضييق لدائرة الأحكام ويلزم على ذلك أن تكون الشريعة غير وافية بأحكام ما يحدث من حوادث على امتداد الزمان، وهذه لوازم قد تؤدي إلى نقص في قدر الشريعة والنيل منها وهو كفر بواح.
-[5]-
ترك الشىء لا يدل على منعه، لأنه ليس بنهي، والله تعالى يقول: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ولم يقل: وما تركه فانتهوا عنه.
ألا ترى إلى الجمعة، لم تتعدد في العهد النبوي، ولم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأهل العوالي بإقامتها عندهم، مع بعد المسافة بينهم وبين المسجد النبوي، وهي متعددة الآن ولم يقل أحد: أن تعددها حرام، أو بدعة لأنه لم يرد نهي عنه، فترك النبي صلى الله عليه وسلم لرفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة -إن صح- لا يفيد حرمته ولا كراهته.
-[3]-
تقرر في الأصول: أن الآية أو الحديث إذا شملت بعمومها أمرًا دل على مشروعيته.
وحديث: "إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرا خاليتين" يشمل بعمومه رفع اليدين بعد الصلاة فيكون مشروعًا، ولا يجوز أن يسمى بدعة أبدًا بحال.
ويؤيده حديث ءاخر عام أيضا، وهو ما رواه الطبراني عن سلمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رفع قوم أكفهم إلى الله عز وجل يسألونه شيئا إلا كان على الله حقا أن يضع أيديهم الذي سألوا" قال الحافظ الهيثمي، رجاله رجال الصحيح، فرفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة مشروع بعموم هذين الحديثين الصحيحين حتمًا.
-[4]-
هؤلاء الذين لا يكتفون في المسئلة بدليل يشملها بعمومه، ويطلبون دليلاً خاصًا بها، يلزمهم خطر عظيم في الدين، قد يؤدي بهم إلى الكفر وهم لا يشعرون. لأنه لو كانت كل حادثة يشترط في مشروعيتها، ونفي وصف البدعة عنها، ورود دليل خاص يعينها، لتعطلت عمومات الكتاب والسنة وبطل الاحتجاج بها، وذلك هدم لمعظم دلائل الشريعة، وتضييق لدائرة الأحكام ويلزم على ذلك أن تكون الشريعة غير وافية بأحكام ما يحدث من حوادث على امتداد الزمان، وهذه لوازم قد تؤدي إلى نقص في قدر الشريعة والنيل منها وهو كفر بواح.
-[5]-
ومع تمسكنا بحجية الدليل العام لمسئلتنا، عملاً بإجماع
الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين نذكر دليلا خاصًا بها يكون شجي في حلوق
المتنطعين، وقذى في عيونهم وهو ما رواه الطبراني عن محمد بن أبي يحيى قال: رأيت
عبد الله بن الزبير، ورأى رجلا رافعا يديه يدعو قبل أن يفرغ من صلاته، فلما فرغ
منها قال له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من
صلاته، قال الحافظ الهيثمي: رجاله ثقات، [مجمع الزوائد] [ج: 10، ص: 169].
وروى الطبراني أيضا عن أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها".
قال الحافظ الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمار بن خالد الواسطي، وهو ثقة.
وروى الطبراني أيضا عن خالد بن الوليد: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيق مسكنه، فقال: "ارفع يديك إلى السماء وسل السعة" إسناده حسن.
وروى الطبراني أيضًا عن خلاد بن السائب عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع راحتيه إلى وجهه. وروى أبو يعلى والطبراني عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع يديه فيردهما صفرا ليس فيهما شىء" فهذه الأحاديث تشمل بعمومها رفع اليدين بعد الصلاة جزما، ولا عبرة بخلاف المتنطعين المتزمتين.
وليس كل خلاف جاء معتبرا ... إلا خلافًا له حفظ من النظرِ
وللحافظ السيوطي جزء سماه [فض الوعاء عن أحاديث رفع اليدين في الدعاء] ذكر فيه مائة حديث، وهذا عدد التواتر على جميع الأقوال المذكورة في كتب الأصول والمصطلح، ومما ذكره فيه: ما رواه ابن أبي شيبة عن الأسود العامري عن أبيه، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سلم، انحرف ورفع يديه ودعا. والأسود هو عبد الله ابن الحاجب، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي محله الصدق [في تهذيب التهذيب] [ج: 1، ص: 341] وأبوه صحابي.
-[6]-
وروى الطبراني أيضا عن أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها".
قال الحافظ الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمار بن خالد الواسطي، وهو ثقة.
وروى الطبراني أيضا عن خالد بن الوليد: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيق مسكنه، فقال: "ارفع يديك إلى السماء وسل السعة" إسناده حسن.
وروى الطبراني أيضًا عن خلاد بن السائب عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع راحتيه إلى وجهه. وروى أبو يعلى والطبراني عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع يديه فيردهما صفرا ليس فيهما شىء" فهذه الأحاديث تشمل بعمومها رفع اليدين بعد الصلاة جزما، ولا عبرة بخلاف المتنطعين المتزمتين.
وليس كل خلاف جاء معتبرا ... إلا خلافًا له حفظ من النظرِ
وللحافظ السيوطي جزء سماه [فض الوعاء عن أحاديث رفع اليدين في الدعاء] ذكر فيه مائة حديث، وهذا عدد التواتر على جميع الأقوال المذكورة في كتب الأصول والمصطلح، ومما ذكره فيه: ما رواه ابن أبي شيبة عن الأسود العامري عن أبيه، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سلم، انحرف ورفع يديه ودعا. والأسود هو عبد الله ابن الحاجب، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي محله الصدق [في تهذيب التهذيب] [ج: 1، ص: 341] وأبوه صحابي.
-[6]-
مما هو معلوم بالضرورة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يفعل جميع المندوبات، بل اكتفى بالارشاد إليها في عموم الايات والأحاديث الدالة
على فعل الخير، والمرغبة فيه لاشتغاله بواجبات عظام، استغرقت معظم وقته، وهي واجبات
كونه رسولا، وخليفه وقاضيًا، ومفتيًا. فكيف يتفرغ بعد هذا ليستوعب المندوبات كلها
عملا؟ هذا محال، لا تستطيعه طاقة بشر، فالتعلل في رفض بعض المندوبات بأن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يفعله، سد لأبواب كثيرة من الخير، وحرمان لتاركها من تحصيل
ثوابها.
-[7]-
قال علماء الأصول: السنة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، ولم يقولوا: وتروكه، لأن الترك ليس بحكم شرعي، ولا أثر له في التشريع. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر [فأتوا] منه استطعتم، وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه، ولم يقل: إذا تركت شيئا فاجتنبوه، لما تقدم بيانه.
فترك الشىء لا يدل على منعه، وإنما يدل على جواز تركه فقط.
فالنبي صلى الله عليه وسلم حين ترك صلاة الضحى، دل تركه لها على أنها جائزة إذ لو كانت واجبة، ما تركها وكذلك تركه رفع يديه في الدعاء أحيانا، يدل على جواز تركه، لا على أنه ممنوع والله هو الموفق والهادي.
أبو الفضل
عبد الله بن الصديق.
-[7]-
قال علماء الأصول: السنة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، ولم يقولوا: وتروكه، لأن الترك ليس بحكم شرعي، ولا أثر له في التشريع. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر [فأتوا] منه استطعتم، وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه، ولم يقل: إذا تركت شيئا فاجتنبوه، لما تقدم بيانه.
فترك الشىء لا يدل على منعه، وإنما يدل على جواز تركه فقط.
فالنبي صلى الله عليه وسلم حين ترك صلاة الضحى، دل تركه لها على أنها جائزة إذ لو كانت واجبة، ما تركها وكذلك تركه رفع يديه في الدعاء أحيانا، يدل على جواز تركه، لا على أنه ممنوع والله هو الموفق والهادي.
أبو الفضل
عبد الله بن الصديق.
سنية رفع اليدين في الدعاء
بعد الصلوات المكتوبة لمن شاء
بسم الله الرحمن الرحيم
سئل السيد العلامة محمد بن عبد الله الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر بن مقبول الأهدل الزبيدي اليماني رحمه الله تعالى: هل يسن رفع اليدين بعد الصلوات المكتوبة؟ وهل ورد من الأحاديث في ذلك ما تقوم به الحجة خصوصا أو عموما؟ بينوا لنا ذلك بيانًا شافيًا جزاكم الله الجنة وأعظم لكم المنة ءامين.
فأجاب بقوله: اعلم وفقني الله وإياك بأن رفع اليدين في الدعاء -أي دعاء وفي أي وقت كان- بعد الصلوات الخمس أو غيرها دلت عليه الأحاديث خصوصًا وعمومًا. فمن العموم ما أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين من حديث سلمان قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفر خائبتين". وأخرج الحاكم وقال: صحيح الاسناد من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رحيم كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم لا يضع فيهما خيرًا". وأخرج أحمد وأبو داود من حديث مالك بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها". وأخرج أيضا من حديث ابن عباس نحوه، وزاد فيه: "فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم". وأخرج الترمذي من حديث عمر بن الخطاب قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه". وقال في فتح الباري في كتاب الدعوات في باب رفع اليدين في الدعاء:
وقد وردت الأخبار في مشروعية الرفع. وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه وغيرهما من حديث سلمان رفعه: "إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا". بكسر المهملة وسكون الفاء أي خالية، وسنده جيد انتهى.
بعد الصلوات المكتوبة لمن شاء
بسم الله الرحمن الرحيم
سئل السيد العلامة محمد بن عبد الله الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر بن مقبول الأهدل الزبيدي اليماني رحمه الله تعالى: هل يسن رفع اليدين بعد الصلوات المكتوبة؟ وهل ورد من الأحاديث في ذلك ما تقوم به الحجة خصوصا أو عموما؟ بينوا لنا ذلك بيانًا شافيًا جزاكم الله الجنة وأعظم لكم المنة ءامين.
فأجاب بقوله: اعلم وفقني الله وإياك بأن رفع اليدين في الدعاء -أي دعاء وفي أي وقت كان- بعد الصلوات الخمس أو غيرها دلت عليه الأحاديث خصوصًا وعمومًا. فمن العموم ما أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين من حديث سلمان قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفر خائبتين". وأخرج الحاكم وقال: صحيح الاسناد من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رحيم كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم لا يضع فيهما خيرًا". وأخرج أحمد وأبو داود من حديث مالك بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها". وأخرج أيضا من حديث ابن عباس نحوه، وزاد فيه: "فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم". وأخرج الترمذي من حديث عمر بن الخطاب قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه". وقال في فتح الباري في كتاب الدعوات في باب رفع اليدين في الدعاء:
وقد وردت الأخبار في مشروعية الرفع. وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه وغيرهما من حديث سلمان رفعه: "إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا". بكسر المهملة وسكون الفاء أي خالية، وسنده جيد انتهى.
ومن الخصوص ما رواه الحافظ أبو بكر أحمد بن اسحاق المعروف
بابن السني في كتابه عمل اليوم والليلة، حدثنا أحمد بن الحسن، حدثنا اسحاق يعقوب
بن خالد بن يزيد البالسي، حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي عن خصيف، عن أنس
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد سبسط كفيه في دبر كل
صلاة يقول اللهم إلهي وإله ابراهيم واسحاق ويعقوب وإله جبريل وميكائيل وإسرافيل
أسألك أن تستجيب دعوتي فإني مضطر، وتعصمني في ديني فاني مبتلى، وتنالني برحمتك
فإني مذنب، وتنفي عني الفقر فإني متمسكن، إلا كان حقًا على الله أن لا يرد يديه
خائبتين". وفي إسناده عبد العزيز بن عبد الرحمن، فيه مقال.
وصريح في ميزان الاعتدال وغيره بأنه حديث ضعيف لكنه يعمل به في الفضائل كما سيأتي تحقيق ذلك. وقد صرح الكمال بن الهمام في فتح القدير في كتاب الجنائز بأن الاستحباب يثبت بالحديث الضعيف غير الموضوع انتهى.
ويقويه ما أخرجه الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن الأسود العامري عن أبيه، قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر فلما سلم انحرف ورفع يديه ودعا.." الحديث ولا يخفى أن أئمة الحديث ذكروا أن رواية الضعيف توجب الارتفاع من درجة السقوط إلى درجة الاعتبار. وقال الحافظ السيوطي في رسالته المسماة فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء، أخرج ابن أبي شيبة قال، حدثنا محمد بن أبي يحيى الأسلمي قال: "رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رجلاً رافعًا يديه يدعو قبل أن يفرغ من صلاته، فلما فرغ منها قال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته" رجاله ثقات انتهى "هذا الحديث ترجم له الطبراني بقوله: محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن عبد الله بن الزبير".
وصريح في ميزان الاعتدال وغيره بأنه حديث ضعيف لكنه يعمل به في الفضائل كما سيأتي تحقيق ذلك. وقد صرح الكمال بن الهمام في فتح القدير في كتاب الجنائز بأن الاستحباب يثبت بالحديث الضعيف غير الموضوع انتهى.
ويقويه ما أخرجه الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن الأسود العامري عن أبيه، قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر فلما سلم انحرف ورفع يديه ودعا.." الحديث ولا يخفى أن أئمة الحديث ذكروا أن رواية الضعيف توجب الارتفاع من درجة السقوط إلى درجة الاعتبار. وقال الحافظ السيوطي في رسالته المسماة فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء، أخرج ابن أبي شيبة قال، حدثنا محمد بن أبي يحيى الأسلمي قال: "رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رجلاً رافعًا يديه يدعو قبل أن يفرغ من صلاته، فلما فرغ منها قال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته" رجاله ثقات انتهى "هذا الحديث ترجم له الطبراني بقوله: محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن عبد الله بن الزبير".
وقال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح: إن الترمذي
حسن أحاديث فيها ضعفاء، وفيها من رواية المدلسين ومن كثر غلطه وغير ذلك فكيف يعمل
يتحسينه وهو بهذه الصفة. وقد قال الخطيب أجمع أهل العلم على أن الخبر لا يجب قبوله
إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به، وقد صرح أبو الحسن بن القطان أحد
الحفاظ النقاد من أهل المغرب في بيان الوهم والإيهام بأن هذا القسم لا يحتج به
كله، بل يعمل به في فضائل الأعمال، ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت
طرقه أو عضده اتصال عمل أوموافقة شاهد صحيح أو ظاهر القرءان. وهذا حسن قوي ما أظن
منصفا يأباه انتهى.
وقال الإمام النووي في الأربعين: اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.
قال العلامة ابراهيم الشبرخيتي المالكي في شرحه قوله: وقد اتفق العلماء إلخ في ذكر الاتفاق نظر، لأن ابن العربي قال: إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا. قال المؤلف في الأذكار: وذكر الفقهاء والمحدثون أنه يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا. وأما الأحكام كالحلال والحرام والمعاملات فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع والأنكحة فإن المستحب أن يتنزه عن ذلك ولكن لا يجب، ومحل كونه لا يعمل بالضعيف في الأحكام ما لم يكن [تلقاه] الناس بالقبول، فإن كان كذلك تعين وصار حجة يعمل به في الأحكام وغيرها كما قال الشافعي.
وقال الإمام النووي في الأربعين: اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.
قال العلامة ابراهيم الشبرخيتي المالكي في شرحه قوله: وقد اتفق العلماء إلخ في ذكر الاتفاق نظر، لأن ابن العربي قال: إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا. قال المؤلف في الأذكار: وذكر الفقهاء والمحدثون أنه يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا. وأما الأحكام كالحلال والحرام والمعاملات فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع والأنكحة فإن المستحب أن يتنزه عن ذلك ولكن لا يجب، ومحل كونه لا يعمل بالضعيف في الأحكام ما لم يكن [تلقاه] الناس بالقبول، فإن كان كذلك تعين وصار حجة يعمل به في الأحكام وغيرها كما قال الشافعي.
وقال ابن حجر المكي في شرحه فتح المبين على الأربعين: أشار
المصنف بحكاية الاتفاق على ما ذكره إلى الرد على ما نازع فيه بأن الفضائل إنما
تتلقى من الشارع فإثباتها بما ذكر اختراع عبادة وشرع في الدين بما لم يأذن به
الله، ووجه رده أن الإجماع لكونه قطعيًا تارة وظنيًا قويًا أخرى، لا يرد بمثل ذلك
لو لم يكن عنه جاب، فكيف وجوابه واضح إذ ليس ذلك من باب الاختراع والشرع
المذكورين، وإنما هو من باب ابتغاء فضيلة ورجائها بأمارة ضعيفة من غير ترتب مفسدة
عليه.
فعرفت من مجموع ما نقلناه من كلام الحفاظ النقاد والفقهاء المحققين الأمجاد: أن الحديث الضعيف يثبت به الاستحباب، وفيما نحن فيه من ذلك وأن عموم الأحاديث المطلقة تقوي ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فعرفت من مجموع ما نقلناه من كلام الحفاظ النقاد والفقهاء المحققين الأمجاد: أن الحديث الضعيف يثبت به الاستحباب، وفيما نحن فيه من ذلك وأن عموم الأحاديث المطلقة تقوي ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك
تأليف:
أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري
تقديم
الترك ليس بحجة في شرعنا ... لا يقتضي منعًا ولا إيجابا
فمن ابتغى حظرًا بترك نبينا ... ورآه حكمًا صادقًا وصوابا
قد ضل عن نهج الأدلة كلها ... بل أخطأ الحكم الصحيح وخابا
لا حظر يمكن إلا إن نهى أتى ... متوعدًا لمخالفيه عذابا
أو ذم فعل مؤذن بعقوبة ... أو لفظ تحريم يواكب عابا
تأليف:
أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري
تقديم
الترك ليس بحجة في شرعنا ... لا يقتضي منعًا ولا إيجابا
فمن ابتغى حظرًا بترك نبينا ... ورآه حكمًا صادقًا وصوابا
قد ضل عن نهج الأدلة كلها ... بل أخطأ الحكم الصحيح وخابا
لا حظر يمكن إلا إن نهى أتى ... متوعدًا لمخالفيه عذابا
أو ذم فعل مؤذن بعقوبة ... أو لفظ تحريم يواكب عابا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا سواء السبيل، ووفقنا لمعرفة الحجة والدليل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وءاله الأكرمين، ورضي الله عن صحابته والتابعين.
أما بعد: فقد طلب مني تلميذنا الفاضل الأستاذ محمود سعيد أن أحرر رسالة في مسئلة الترك، تزيل عن قارئها كل حيرة وشك، وذكر أنه وجد في [إتقان الصنعة] إشارة إليها موجزة، فأجبت طلبه وأسعفت رغبته، وكتبت هذا المؤلف محررًا ليكون قارئه في ميدان الاستدلال على بصيرة من أمره، ويعرف الدليل المقبول من غيره، والله الموفق والهادي وعليه اعتمادي.
المقدمة
الأدلة التي احتج بها أئمة المسلمين جميعًا هي:
الكتاب والسنة -لا خلاف بينهم في ذلك- وإنما اختلفوا في الإجماع والقياس، فالجمهور احتج بهما وهو الراجح لوجوه مقررة في علم الأصول. وتوجد أدلة مختلف فيها بين الأئمة الأربعة، وهي الحديث المرسل، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والاستصحاب، والاستحسان، وعمل أهل المدينة والكلام عليها مبسوط في كتاب الاستدلال من جمع الجوامع للسبكي.
ما هو الحكم الشرعي؟
الحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف، وأنواعه خمسة:
1- الواجب أو الفرض: وهو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه مثل الصلاة والزكاة وصوم رمضان وبر الوالدين.
2- الحرام: وهو ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه، مثل الربا والزنا والعقوق والخمر.
3- المندوب: وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، مثل نوافل الصلاة.
4- المكروه: وهو ما يثاب تاركه ولا عقاب على فاعله، مثل صلاة النافلة بعد صلاة الصبح أو العصر.
5- المباح أو الحلال: وهو ما ليس في فعله ولا تركه ثواب ولا عقاب، مثل أكل الطيبات والتجارة. فهذه أنواع الحكم التي يدور عليها الفقه الإسلامي. ولا يجوز لمجتهد صحابيًا كان أو غيره أن يصدر حكمًا من هذه الأحكام إلا بدليل من الأدلة السابقة، وهذا معلوم من الدين بالضرورة لا يحتاج إلى بيان.
ما هو الترك؟
نقصد بالترك الذي ألفنا هذه الرسالة لبيانه:
أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يفعله أو يتركه السلف الصالح من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنهي عن ذلك المتروك يقتضي تحريمه أو كراهته.
وقد أكثر الاستدلال به كثير من المتأخرين على تحريم أشياء أو ذمها، وأفرط في استعماله بعض المتنطعين المتزمتين، ورأيت ابن تيمية استدل به واعتمده في مواضع سيأتي الكلام عليها بحول الله.
الحمد لله الذي هدانا سواء السبيل، ووفقنا لمعرفة الحجة والدليل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وءاله الأكرمين، ورضي الله عن صحابته والتابعين.
أما بعد: فقد طلب مني تلميذنا الفاضل الأستاذ محمود سعيد أن أحرر رسالة في مسئلة الترك، تزيل عن قارئها كل حيرة وشك، وذكر أنه وجد في [إتقان الصنعة] إشارة إليها موجزة، فأجبت طلبه وأسعفت رغبته، وكتبت هذا المؤلف محررًا ليكون قارئه في ميدان الاستدلال على بصيرة من أمره، ويعرف الدليل المقبول من غيره، والله الموفق والهادي وعليه اعتمادي.
المقدمة
الأدلة التي احتج بها أئمة المسلمين جميعًا هي:
الكتاب والسنة -لا خلاف بينهم في ذلك- وإنما اختلفوا في الإجماع والقياس، فالجمهور احتج بهما وهو الراجح لوجوه مقررة في علم الأصول. وتوجد أدلة مختلف فيها بين الأئمة الأربعة، وهي الحديث المرسل، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والاستصحاب، والاستحسان، وعمل أهل المدينة والكلام عليها مبسوط في كتاب الاستدلال من جمع الجوامع للسبكي.
ما هو الحكم الشرعي؟
الحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف، وأنواعه خمسة:
1- الواجب أو الفرض: وهو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه مثل الصلاة والزكاة وصوم رمضان وبر الوالدين.
2- الحرام: وهو ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه، مثل الربا والزنا والعقوق والخمر.
3- المندوب: وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، مثل نوافل الصلاة.
4- المكروه: وهو ما يثاب تاركه ولا عقاب على فاعله، مثل صلاة النافلة بعد صلاة الصبح أو العصر.
5- المباح أو الحلال: وهو ما ليس في فعله ولا تركه ثواب ولا عقاب، مثل أكل الطيبات والتجارة. فهذه أنواع الحكم التي يدور عليها الفقه الإسلامي. ولا يجوز لمجتهد صحابيًا كان أو غيره أن يصدر حكمًا من هذه الأحكام إلا بدليل من الأدلة السابقة، وهذا معلوم من الدين بالضرورة لا يحتاج إلى بيان.
ما هو الترك؟
نقصد بالترك الذي ألفنا هذه الرسالة لبيانه:
أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يفعله أو يتركه السلف الصالح من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنهي عن ذلك المتروك يقتضي تحريمه أو كراهته.
وقد أكثر الاستدلال به كثير من المتأخرين على تحريم أشياء أو ذمها، وأفرط في استعماله بعض المتنطعين المتزمتين، ورأيت ابن تيمية استدل به واعتمده في مواضع سيأتي الكلام عليها بحول الله.
أنواع الترك
إذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا فيحتمل وجوهًا غير التحريم:
1- أن يكون تركه عادة: قدم إليه صلى الله عليه وسلم ضب مشوي فمد يده الشريفة ليأكل منه فقيل: إنه ضب، فأمسك عنه، فسئل: أحرام هو؟ فقال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه!.. والحديث في الصحيحين وهو يدل على أمرين:
أحدهما: أن تركه للشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يدل على تحريمه.
والآخر: أن استقذار الشيء لا يدل على تحريمه أيضًا.
2- أن يكون تركه نسيانًا، سها صلى الله عليه وسلم في الصلاة فترك منها شيئًا فسئل: هل حدث في الصلاة شيء؟ فقال: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني".
3- أن يكون تركه مخافة أن يفرض على أمته، كتركه صلاة التروايح حين اجتمع الصحابة ليصلوها معه.
4- أن يكون تركه لعدم تفكيره فيه، ولم يخطر على باله. كان صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة إلى جذع نخلة ولم يفكر في عمل كرسي يقوم عليه ساعة الخطبة، فلما اقترح عليه عمل منبر يخطب عليه وافق وأقره لأنه أبلغ في الإسماع. واقتراح الصحابة أن يبنوا له دكة من طين يجلس عليها ليعرفه الوافد الغريب، فوافقهم ولم يفكر فيها من قبل نفسه.
5- أن يكون تركه لدخوله في عموم ءايات أو أحاديث، كتركه صلاة الضحى، وكثيرًا من المندوبات لأنها مشمولة لقول الله تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} وأمثال ذلك كثيرة.
6- أن يكون تركه خشية تغير قلوب الصحابة أو بعضهم. قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: "لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام فإن قريشًا استقصرت بناءه" وهو في الصحيحين. فترك صلى الله عليه وسلم نقض البيت وإعادة بنائه حفظًا لقلوب أصحابه القريبي العهد بالإسلام من أهل مكة. ويحتمل تركه صلى الله عليه وسلم وجوهًا أخرى تُعلم من تتبع كتب السنة. ولم يأت في حديث ولا أثر تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك شيئًا لأنه حرام.
الترك لا يدل على التحريم
إذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا فيحتمل وجوهًا غير التحريم:
1- أن يكون تركه عادة: قدم إليه صلى الله عليه وسلم ضب مشوي فمد يده الشريفة ليأكل منه فقيل: إنه ضب، فأمسك عنه، فسئل: أحرام هو؟ فقال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه!.. والحديث في الصحيحين وهو يدل على أمرين:
أحدهما: أن تركه للشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يدل على تحريمه.
والآخر: أن استقذار الشيء لا يدل على تحريمه أيضًا.
2- أن يكون تركه نسيانًا، سها صلى الله عليه وسلم في الصلاة فترك منها شيئًا فسئل: هل حدث في الصلاة شيء؟ فقال: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني".
3- أن يكون تركه مخافة أن يفرض على أمته، كتركه صلاة التروايح حين اجتمع الصحابة ليصلوها معه.
4- أن يكون تركه لعدم تفكيره فيه، ولم يخطر على باله. كان صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة إلى جذع نخلة ولم يفكر في عمل كرسي يقوم عليه ساعة الخطبة، فلما اقترح عليه عمل منبر يخطب عليه وافق وأقره لأنه أبلغ في الإسماع. واقتراح الصحابة أن يبنوا له دكة من طين يجلس عليها ليعرفه الوافد الغريب، فوافقهم ولم يفكر فيها من قبل نفسه.
5- أن يكون تركه لدخوله في عموم ءايات أو أحاديث، كتركه صلاة الضحى، وكثيرًا من المندوبات لأنها مشمولة لقول الله تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} وأمثال ذلك كثيرة.
6- أن يكون تركه خشية تغير قلوب الصحابة أو بعضهم. قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: "لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام فإن قريشًا استقصرت بناءه" وهو في الصحيحين. فترك صلى الله عليه وسلم نقض البيت وإعادة بنائه حفظًا لقلوب أصحابه القريبي العهد بالإسلام من أهل مكة. ويحتمل تركه صلى الله عليه وسلم وجوهًا أخرى تُعلم من تتبع كتب السنة. ولم يأت في حديث ولا أثر تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك شيئًا لأنه حرام.
الترك لا يدل على التحريم
قررت في كتاب [الرد المحكم المتين] أن ترك الشيء لا يدل على
تحريمه، وهذا نص ما ذكرته هناك:
والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع. وإما أن ذلك الفعل المتروك يكون محظورًا فهذا لا يستفاد من الترك وحده، وإنما يستفاد من دليل يدل عليه.
ثم وجدت الإمام أبا سعيد بن لب ذكر هذه القاعدة أيضًا، فإنه قال في الرد على من كره الدعاء عقب الصلاة: غاية ما يستند إليه منكر الدعاء أدبار الصلوات أن [التزامه] على ذلك الوجه لم يكن من عمل السلف، وعلى تقدير صحة هذا النقل، فالترك ليس بموجب لحكم في ذلك المتروك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه، وأما تحريم أو لصوق كراهية بالمتروك فلا، ولا سيما فيما له أصل جملي متقرر من الشرع كالدعاء.
وفي [المحلى] [ج:2 ص:254] ذكر ابن حزم احتجاج المالكية والحنفية على كراهية صلاة ركعتين قبل المغرب بقول إبراهيم النخعي أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلونها، ورد عليهم بقوله: لو صح لما كانت فيه حجة، لأنه ليس فيهم أنهم رضي الله عنهم نهوا عنهما.
قال أيضًا: وذكروا عن ابن عمر أنه قال: ما رأيت أحدًا يصليهما. ورد عليه بقوله: وأيضًا فليس في هذا لو صح نهى عنهما، ونحن لا ننكر ترك التطوع ما لم ينه عنه.
وقال أيضًا في [المحلى] [ج2 ص271] في الكلام عن ركعتين بعد العصر: وأما حديث علي، فلا حجة فيه أصلاً، لأنه ليس فيه إلا إخباره بما علم من أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما، وليس في هذا نهي عنهما ولا كراهة لهما، فما صام عليه السلام قط شهرًا كاملاً غير رمضان وليس هذا بموجب كراهية صوم شهر كامل تطوعًا اهـ. فهذه نصوص صريحة في أن الترك لا يفيد كراهة فضلاً عن الحرمة.
وقد أنكر بعض المتنطعين هذه القاعدة ونفى أن تكون من علم الأصول فدل بإنكاره على جهل عريض، وعقل مريض. وها أنذا أبيّن أدلتها في الوجوه الآتية:
والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع. وإما أن ذلك الفعل المتروك يكون محظورًا فهذا لا يستفاد من الترك وحده، وإنما يستفاد من دليل يدل عليه.
ثم وجدت الإمام أبا سعيد بن لب ذكر هذه القاعدة أيضًا، فإنه قال في الرد على من كره الدعاء عقب الصلاة: غاية ما يستند إليه منكر الدعاء أدبار الصلوات أن [التزامه] على ذلك الوجه لم يكن من عمل السلف، وعلى تقدير صحة هذا النقل، فالترك ليس بموجب لحكم في ذلك المتروك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه، وأما تحريم أو لصوق كراهية بالمتروك فلا، ولا سيما فيما له أصل جملي متقرر من الشرع كالدعاء.
وفي [المحلى] [ج:2 ص:254] ذكر ابن حزم احتجاج المالكية والحنفية على كراهية صلاة ركعتين قبل المغرب بقول إبراهيم النخعي أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلونها، ورد عليهم بقوله: لو صح لما كانت فيه حجة، لأنه ليس فيهم أنهم رضي الله عنهم نهوا عنهما.
قال أيضًا: وذكروا عن ابن عمر أنه قال: ما رأيت أحدًا يصليهما. ورد عليه بقوله: وأيضًا فليس في هذا لو صح نهى عنهما، ونحن لا ننكر ترك التطوع ما لم ينه عنه.
وقال أيضًا في [المحلى] [ج2 ص271] في الكلام عن ركعتين بعد العصر: وأما حديث علي، فلا حجة فيه أصلاً، لأنه ليس فيه إلا إخباره بما علم من أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما، وليس في هذا نهي عنهما ولا كراهة لهما، فما صام عليه السلام قط شهرًا كاملاً غير رمضان وليس هذا بموجب كراهية صوم شهر كامل تطوعًا اهـ. فهذه نصوص صريحة في أن الترك لا يفيد كراهة فضلاً عن الحرمة.
وقد أنكر بعض المتنطعين هذه القاعدة ونفى أن تكون من علم الأصول فدل بإنكاره على جهل عريض، وعقل مريض. وها أنذا أبيّن أدلتها في الوجوه الآتية:
أحدها: أن الذي يدل على التحريم ثلاثة أشياء:
[1] النهي، نحو: {ولا تقربوا الزنا}، {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.
[2] لفظ التحريم، نحو: {حرّمت عليكم الميتة}..
[3] ذم الفعل أو التوعد عليه بالعقاب، نحو: "من غش فليس منا"، والترك ليس واحدًا من هذه الثلاثة، فلا يقتضي التحريم.
ثانيهما: أن الله تعالى قال: {وَمَا ءاتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ولم يقل وما تركه فانتهوا، فالترك لا يفيد التحريم.
ثالثها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أمرتكم به [فأتوا] منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" ولم يقل: وما تركته فاجتنبوه. فكيف دلّ الترك على التحريم؟
رابعها: أن الأصوليين عرّفوا السنة بأنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره ولم يقولوا: وتركه، لأنه ليس بدليل.
خامسها: تقدّم أن الحكم خطاب الله، وذكر الأصوليين: أن الذي يدل عليه قرءان أو سنة أو إجماع أو قياس، والترك ليس واحدًا منها فلا يكون دليلا.
سادسها: تقدم أن الترك يحتمل أنواع غير التحريم، والقاعدة الأصولية أن ما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال، بل سبق أنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك شيئا لأنه حرام، وهذا وحده كاف لبطلان الاستدلال به.
سابعها: أن الترك أصل لأنه عدم فعل، والعدم هو الأصل والفعل طارىء والأصل لا يدل على شيء لغة ولا شرعًا، فلا يقتضي الترك تحريمًا.
أقوال غير محررة
قال ابن السمعاني: إذا ترك الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا وجب علينا متابعته فيه، واستدل بأن الصحابة حيت رأوا النبي صلى الله عليه وسلم أمسك يده عن الضب توقفوا وسألوه عنه.
قلت: لكن جوابه بأنه ليس بحرام -كما سبق- يدل على أن تركه لا يقتضي التحريم. فلا حجة له في الحديث، بل الحجة فيه عليه.
وسبق أن الترك يحتمل أنواعًا من الوجوه، فكيف تجب متابعته في أمر محتمل لأن يكون عادة أو سهوًا أو غير ذلك مما تقدّم؟!
كلام ابن تيمية
[1] النهي، نحو: {ولا تقربوا الزنا}، {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.
[2] لفظ التحريم، نحو: {حرّمت عليكم الميتة}..
[3] ذم الفعل أو التوعد عليه بالعقاب، نحو: "من غش فليس منا"، والترك ليس واحدًا من هذه الثلاثة، فلا يقتضي التحريم.
ثانيهما: أن الله تعالى قال: {وَمَا ءاتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ولم يقل وما تركه فانتهوا، فالترك لا يفيد التحريم.
ثالثها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أمرتكم به [فأتوا] منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" ولم يقل: وما تركته فاجتنبوه. فكيف دلّ الترك على التحريم؟
رابعها: أن الأصوليين عرّفوا السنة بأنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره ولم يقولوا: وتركه، لأنه ليس بدليل.
خامسها: تقدّم أن الحكم خطاب الله، وذكر الأصوليين: أن الذي يدل عليه قرءان أو سنة أو إجماع أو قياس، والترك ليس واحدًا منها فلا يكون دليلا.
سادسها: تقدم أن الترك يحتمل أنواع غير التحريم، والقاعدة الأصولية أن ما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال، بل سبق أنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك شيئا لأنه حرام، وهذا وحده كاف لبطلان الاستدلال به.
سابعها: أن الترك أصل لأنه عدم فعل، والعدم هو الأصل والفعل طارىء والأصل لا يدل على شيء لغة ولا شرعًا، فلا يقتضي الترك تحريمًا.
أقوال غير محررة
قال ابن السمعاني: إذا ترك الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا وجب علينا متابعته فيه، واستدل بأن الصحابة حيت رأوا النبي صلى الله عليه وسلم أمسك يده عن الضب توقفوا وسألوه عنه.
قلت: لكن جوابه بأنه ليس بحرام -كما سبق- يدل على أن تركه لا يقتضي التحريم. فلا حجة له في الحديث، بل الحجة فيه عليه.
وسبق أن الترك يحتمل أنواعًا من الوجوه، فكيف تجب متابعته في أمر محتمل لأن يكون عادة أو سهوًا أو غير ذلك مما تقدّم؟!
كلام ابن تيمية
سئل عمن يزور القبور ويستنجد بالمقبور، في مرض به أو بفرسه
أو بعيره، ويطلب إزالة الذي بهم ونحو ذلك؟
فأجاب بجواب مطول، وكان مما جاء فيه قوله: "ولم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين ولا أمر به أحد من الأئمة"، يعني أنهم لم يسألوا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كما كانوا يسألونه في حال حياته.
وقلت في الرد عليه: وأنت خبيربأن هذا لا يصح دليلا لما يدعيه وذلك لوجوه:
أحدها: أن عدم فعل الصحابة لذلك يحتمل أن يكون أمرًا اتفاقيًا، أي اتفق أنهم لم يطلبوا لم يطلبوا الدعاء منه بعد وفاته. ويحتمل أن يكون ذلك عندهم غير جائز، أو يكون جائزًا وغيره أفضل منه فتركوه إلى الأفضل.. ويحتمل غير ذلك من الاحتمالات.. والقاعدة أن ما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال انتهى المراد منه.
وقلن يوؤيّد أنه لم يتركوه لعدم جوازه أن بلال بن الحارث المزني الصحابي ذهب عام الرمادة إلى القبر النبوي وقال: "يا رسول الله استسق لأمتك" فأتاه في المنام وقال له: "اذهب إلى عمر وأخبره أنكم مُسقون وقل له: عليك الكيس الكيس". فأخبر عمر فبكى وقال: "اللهم ما ءالوا إلا ما عجزت عنه" ولم يعنفه على ما فعل ولو كان غير جائز عندهم لعنّفه عمر.
[ذكر] حديث صحيح لا يرد قولنا
قال البخاري في صحيحه: "باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم" وروى فيه ابن عمر قال: "اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب. فقال: إني اتخذت خاتمًا من ذهب". فنبذه وقال: "إني لن ألبسه أبدًا" فنبذ الناس خواتيهم. قال ابن الحافظ: اقتصر على هذا المثال لاشتماله على تأسيهم به في الفعل والترك.
قلت: في تعبيره في الترك تجوز، لأن النبذ فعل، فهم تأسوا به في الفعل، والترك ناشئ عنه.
وكذلك لما خلع نعله في الصلاة، وخلع الناس نعالهم، تأسوا به في خلع النعل، وهو فعل نتيجته الترك.
وليس هذا محل بحثنا كما هو ظاهر.
فأجاب بجواب مطول، وكان مما جاء فيه قوله: "ولم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين ولا أمر به أحد من الأئمة"، يعني أنهم لم يسألوا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كما كانوا يسألونه في حال حياته.
وقلت في الرد عليه: وأنت خبيربأن هذا لا يصح دليلا لما يدعيه وذلك لوجوه:
أحدها: أن عدم فعل الصحابة لذلك يحتمل أن يكون أمرًا اتفاقيًا، أي اتفق أنهم لم يطلبوا لم يطلبوا الدعاء منه بعد وفاته. ويحتمل أن يكون ذلك عندهم غير جائز، أو يكون جائزًا وغيره أفضل منه فتركوه إلى الأفضل.. ويحتمل غير ذلك من الاحتمالات.. والقاعدة أن ما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال انتهى المراد منه.
وقلن يوؤيّد أنه لم يتركوه لعدم جوازه أن بلال بن الحارث المزني الصحابي ذهب عام الرمادة إلى القبر النبوي وقال: "يا رسول الله استسق لأمتك" فأتاه في المنام وقال له: "اذهب إلى عمر وأخبره أنكم مُسقون وقل له: عليك الكيس الكيس". فأخبر عمر فبكى وقال: "اللهم ما ءالوا إلا ما عجزت عنه" ولم يعنفه على ما فعل ولو كان غير جائز عندهم لعنّفه عمر.
[ذكر] حديث صحيح لا يرد قولنا
قال البخاري في صحيحه: "باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم" وروى فيه ابن عمر قال: "اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب. فقال: إني اتخذت خاتمًا من ذهب". فنبذه وقال: "إني لن ألبسه أبدًا" فنبذ الناس خواتيهم. قال ابن الحافظ: اقتصر على هذا المثال لاشتماله على تأسيهم به في الفعل والترك.
قلت: في تعبيره في الترك تجوز، لأن النبذ فعل، فهم تأسوا به في الفعل، والترك ناشئ عنه.
وكذلك لما خلع نعله في الصلاة، وخلع الناس نعالهم، تأسوا به في خلع النعل، وهو فعل نتيجته الترك.
وليس هذا محل بحثنا كما هو ظاهر.
وأيضًا فإننا لا ننكر اتباعه صلى الله عليه وسلم في كل ما
يصدر عنه، بل نرى فيه الفوز والسعادة لكن ما لم يفعله كالاحتفال بالمولد النبوي
وليلة المعراج، لا نقول إنه حرام، لأنه افتراء على الله، إذ الترك لا يقتضي
التحريم.
وكذلك ترك السلف لشيء -أي عدم فعلهم له- لا يدل على أنه محظور. قال الإمام الشافعي: "كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف". لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت، أولما هو أفضل منه أو لعله لم يبلغ، جميعهم علم به.
ماذا يقتضي الترك؟
بيّنا فيما سبق أن الترك لا يقتضي تحريمًا، وإنما يقتضي جواز المتروك، ولهذا المعنى أورده العلماء في كتب الحديث. فروى أبو داود والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال: "كان ءاخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيّرت النار".
وأورده تحت ترجمة: [ترك الوضوء مما مسّت النار].
والاستدلال به في هذا المعنى واضح، لأنه لو كان الوضوء مما طبخ بالنار واجبًا ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وحيث تركه دل على أنه غير واجب.
قال الإمام عبد الوهاب التلمساني في مفتاح الوصول: "ويلحق في الفعل بالدلالة، الترك. فإنه كما يستدل بفعله صلى الله عليه وسلم على عدم التحريم يستدل بتركه على عدم الوجوب. وهذا كاحتجاج أصحابنا على عدم وجوب الوضوء مما مسّت النار به".
روى أنه صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ، وكاحتجاجهم على أن الحجامة لا تنقض الوضوء، بما روى أنه صلى الله عليه وسلم احتجم ولم يتوضأ وصلى. أنظر مفتاح الوصول ص: 93 طبعة مكتبة الخانجي ومن هنا نشأت القاعدة الأصولية: جائز الترك ليس بواجب.
إزالة اشتباه
قسّم العماء ترك النبي صلى الله عليه وسلم لشيء ما، على نوعين: نوع لم يجد ما يقتضيه في عهده ثم حدث له مقتض بعده صلى الله عليه وسلم، فهذا جائز على الأصل.
وكذلك ترك السلف لشيء -أي عدم فعلهم له- لا يدل على أنه محظور. قال الإمام الشافعي: "كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف". لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت، أولما هو أفضل منه أو لعله لم يبلغ، جميعهم علم به.
ماذا يقتضي الترك؟
بيّنا فيما سبق أن الترك لا يقتضي تحريمًا، وإنما يقتضي جواز المتروك، ولهذا المعنى أورده العلماء في كتب الحديث. فروى أبو داود والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال: "كان ءاخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيّرت النار".
وأورده تحت ترجمة: [ترك الوضوء مما مسّت النار].
والاستدلال به في هذا المعنى واضح، لأنه لو كان الوضوء مما طبخ بالنار واجبًا ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وحيث تركه دل على أنه غير واجب.
قال الإمام عبد الوهاب التلمساني في مفتاح الوصول: "ويلحق في الفعل بالدلالة، الترك. فإنه كما يستدل بفعله صلى الله عليه وسلم على عدم التحريم يستدل بتركه على عدم الوجوب. وهذا كاحتجاج أصحابنا على عدم وجوب الوضوء مما مسّت النار به".
روى أنه صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ، وكاحتجاجهم على أن الحجامة لا تنقض الوضوء، بما روى أنه صلى الله عليه وسلم احتجم ولم يتوضأ وصلى. أنظر مفتاح الوصول ص: 93 طبعة مكتبة الخانجي ومن هنا نشأت القاعدة الأصولية: جائز الترك ليس بواجب.
إزالة اشتباه
قسّم العماء ترك النبي صلى الله عليه وسلم لشيء ما، على نوعين: نوع لم يجد ما يقتضيه في عهده ثم حدث له مقتض بعده صلى الله عليه وسلم، فهذا جائز على الأصل.
وقسم تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضى لفعله
في عهده، وهذا الترك يقتضي منع المتروك، لأنه لو كان فيه مصلحة شرعية لفعله النبي
صلى الله عليه وسلم، فحيث لم يفعله دل على أنه لا يجوز.
ومثل ابن تيمية في ذلك بالأذان لصلاة العيدين الذي أحدثه بعض الأمراء وقال في تقريره: فمثل هذا الفعل تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضيًا له مما يمكن أن يستدل به من ابتدعه، لكونه ذكر الله ودعاء للخلق إلى عبادة الله وبالقياس على أذان الجمعة.
فلما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالأذان للجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، دل تركه على أن ترك الأذان هو السنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك.. +إلخ كلامه.
وذهب إلى هذا أيضًا الشاطبي وابن حجر الهيثمي وغيرهما، وقد اشتبهت عليهم هذه المسئلة بمسئلة السكوت في مقام البيان.
صحيح أن الأذان في العيدين بدعة غير مشروعة، لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركه ولكن لأنه صلى الله عليه وسلم بيّن في الحديث ما يعمل في العيدين ولم يذكر الأذان، فدل سكوته على أنه غير مشروع.
والقاعدة: أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر.
وإلى هذه القاعدة تشير الأحاديث التي نهت عن السؤال ساعة البيان.
روى البزار عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرّم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا: {وما كان ربك نسيا}".
قال البزار إسناده صالح، وصححه الحاكم.
وروى الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدودًا فلا تعتدوها وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها".
ومثل ابن تيمية في ذلك بالأذان لصلاة العيدين الذي أحدثه بعض الأمراء وقال في تقريره: فمثل هذا الفعل تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضيًا له مما يمكن أن يستدل به من ابتدعه، لكونه ذكر الله ودعاء للخلق إلى عبادة الله وبالقياس على أذان الجمعة.
فلما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالأذان للجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، دل تركه على أن ترك الأذان هو السنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك.. +إلخ كلامه.
وذهب إلى هذا أيضًا الشاطبي وابن حجر الهيثمي وغيرهما، وقد اشتبهت عليهم هذه المسئلة بمسئلة السكوت في مقام البيان.
صحيح أن الأذان في العيدين بدعة غير مشروعة، لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركه ولكن لأنه صلى الله عليه وسلم بيّن في الحديث ما يعمل في العيدين ولم يذكر الأذان، فدل سكوته على أنه غير مشروع.
والقاعدة: أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر.
وإلى هذه القاعدة تشير الأحاديث التي نهت عن السؤال ساعة البيان.
روى البزار عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرّم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا: {وما كان ربك نسيا}".
قال البزار إسناده صالح، وصححه الحاكم.
وروى الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدودًا فلا تعتدوها وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها".
في هذين الحديثين إشارة واضحة إلى القاعدة المذكورة. وهي
غير الترك الذي هو محل بحثنا في هذه الرسالة، فخلط إحداهما بالأخرى مما لا ينبغي.
ولذا بيّنت الفرق بينهما حتى لا يشتبها على أحد. وهذه فائدة لا توجد إلا في هذه الرسالة والحمد لله.
تتميم
قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سلام بن أبي مطيع عن ابن أبي دخيلة عن أبيه قال: كنت عند ابن عمر فقال: "نهى رسول الله عن الزبيب والتمر يعني أن يخلطا".
فقال لي رجل من خلفي ما قال؟ فقلت: "حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر والزبيب" فقال عبد الله بن عمر: "كذبت"! فقلت: "ألم تقل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه؟ فهو حرام" فقال: "أنت تشهد بذلك؟" قال سلام كأنه يقول: ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم فهو أدب.
قلت: انظر إلى ابن عمر -وهو من فقهاء الصحابة- كذب الذي فسّر نهى بلفظ حرّم، وإن كان النهي يفيد التحريم. لكن ليس صريحًا فيه بل يفيد الكراهة أيضًا وهي المراد بقول سلام: فهو أدب. ومعنى كلام ابن عمر: أن المسلم لا يجوز له أن يتجرأ على الحكم بالتحريم إلا بدليل صريح من الكتاب أو السنة، وعلى هذا درج الصحابة والتابعون والأئمة.
قال إبراهيم النخعي وهو تابعي: كانوا يكرهون أشياء لا يحرمونها، وكذلك كان مالك والشافعي وأحمد كانوا يتوقون وقف إطلاق لفظ الحرام على ما لم يتيقن تحريمه لنوع شبهة فيه، أو اختلاف أو نحو ذلك، بل أحدهم يقول أكره كذا، لا يزيد على ذلك.
ويقول الإمام الشافعي تارة: أخشى أن يكون حرامًا، ولا يجزم بالتحريم يخاف أحدهم إذا جزم بالتحريم أن يشمله قول الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}.
ولذا بيّنت الفرق بينهما حتى لا يشتبها على أحد. وهذه فائدة لا توجد إلا في هذه الرسالة والحمد لله.
تتميم
قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سلام بن أبي مطيع عن ابن أبي دخيلة عن أبيه قال: كنت عند ابن عمر فقال: "نهى رسول الله عن الزبيب والتمر يعني أن يخلطا".
فقال لي رجل من خلفي ما قال؟ فقلت: "حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر والزبيب" فقال عبد الله بن عمر: "كذبت"! فقلت: "ألم تقل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه؟ فهو حرام" فقال: "أنت تشهد بذلك؟" قال سلام كأنه يقول: ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم فهو أدب.
قلت: انظر إلى ابن عمر -وهو من فقهاء الصحابة- كذب الذي فسّر نهى بلفظ حرّم، وإن كان النهي يفيد التحريم. لكن ليس صريحًا فيه بل يفيد الكراهة أيضًا وهي المراد بقول سلام: فهو أدب. ومعنى كلام ابن عمر: أن المسلم لا يجوز له أن يتجرأ على الحكم بالتحريم إلا بدليل صريح من الكتاب أو السنة، وعلى هذا درج الصحابة والتابعون والأئمة.
قال إبراهيم النخعي وهو تابعي: كانوا يكرهون أشياء لا يحرمونها، وكذلك كان مالك والشافعي وأحمد كانوا يتوقون وقف إطلاق لفظ الحرام على ما لم يتيقن تحريمه لنوع شبهة فيه، أو اختلاف أو نحو ذلك، بل أحدهم يقول أكره كذا، لا يزيد على ذلك.
ويقول الإمام الشافعي تارة: أخشى أن يكون حرامًا، ولا يجزم بالتحريم يخاف أحدهم إذا جزم بالتحريم أن يشمله قول الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}.
فما لهؤلاء المتزمتين اليوم يجزمون بتحريم أشياء مع
المبالغة في ذمها بلا دليل إلا دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها،
وهذا لا يفيد تحريمًا ولا كراهة، فهم داخلون في عموم الآية الذكورة.
نماذج من الترك
هذه نماذج لأشياء لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم:
1. الاحتفال بالمولد النبوي.
2. الاحتفال بليلة المعراج.
3. إحياء ليلة النصف من شعبان.
4. تشييع الجنازة بالذكر.
5. قراءة القرءان على الميت في الدار.
6. قراءة القرءان عليه في القبر قبل الدفن وبعده.
7. صلاة التراويح أكثر من ثمان ركعات.
فمن حرّم هذه الأشياء ونحوها بدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها فاتل عليه قول الله تعالى {ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}.
لا يقال: وإباحة هذه الأشياء ونحوها داخلة في عموم الآية لأنا نقول: ما لم يرد نهي عنه يفيد تحريمه أو كراهيته، فالأصل فيه الإباحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وما سكت عنه فهو عفو" أي مباح.
وبعد: فقد أوضحنا مسئلة الترك، وأبطلنا قول من يحتج به بما أبديناه من الدلائل التي لم تدع قولا لمُنصف ولا تركت هربًا لصاحب جدل ولحاج.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.
انتهى الكتاب
نماذج من الترك
هذه نماذج لأشياء لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم:
1. الاحتفال بالمولد النبوي.
2. الاحتفال بليلة المعراج.
3. إحياء ليلة النصف من شعبان.
4. تشييع الجنازة بالذكر.
5. قراءة القرءان على الميت في الدار.
6. قراءة القرءان عليه في القبر قبل الدفن وبعده.
7. صلاة التراويح أكثر من ثمان ركعات.
فمن حرّم هذه الأشياء ونحوها بدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها فاتل عليه قول الله تعالى {ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}.
لا يقال: وإباحة هذه الأشياء ونحوها داخلة في عموم الآية لأنا نقول: ما لم يرد نهي عنه يفيد تحريمه أو كراهيته، فالأصل فيه الإباحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وما سكت عنه فهو عفو" أي مباح.
وبعد: فقد أوضحنا مسئلة الترك، وأبطلنا قول من يحتج به بما أبديناه من الدلائل التي لم تدع قولا لمُنصف ولا تركت هربًا لصاحب جدل ولحاج.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.
انتهى الكتاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق