دعوني أقول مايجيش في صدري
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.
لقد أشرقت لي شمس الحياة وأنا انظر الى والدي الرجل البسيط المكافح لاجل لقمة العيش
والدي ذاك الرجل المزارع الذي يستيقظ في الصباح الباكر آخذا معوله ليقضي جل وقته وهو يكدح بمحراثه في قطعة أرض صغيرة
وما ذاك الا ليسد لنا متطلبات الحياة من طعام وشراب ولباس فقط
أ ما عن صلاته فقد كان ملتزما بها وبصومه ولكن صلاته كان يصليها في الارض لأنه لايستطيع ان يأتي الى البيت في كل مرة ليصليها
عدا ذالك فانه لايوجد مسجد في القرية التي نسكنها لأن معظم من يقطن في هذه القرية لايملكون قوت يومهم
ولطالما استيقظت بين فصول الزراعة لنبحث عن افطار فلانجد سوى بضعة أمتار مربعة زرعها وآلدي بصلا
لنقوم بقطع عروق البصل الخضراء ونطبخها لنسد جوعنا
وهذا هو أغلب الأحوال عند أكثر أهل قريتي وبوضعنا هذا فنحن كنا أغنياء بنظر أهل القرية لاننا نمتلك دراجة نارية نقضي بها حوائجنا
ولكن هذه الدراجة يستخدمها معظم أهل القرية
فضلا على أن عدد عائلتنا تسعة شباب بعضهم قد سافر الى بلدان أخرى طلباً للقمة العيش
منها على سبيل المثال ليبيا والاردن ولبنان هذه الدول التي كانوا يستطيعون السفر اليها أما دول الخليج فلاقدرة لهم بالسفر إليها للتكاليف الباهظة
وفي يوم من الايام وبعد ان أحضرت لوالدي شهادة الابتدائية التي احمل بها اجتياز المرحلة الابتدائية بدرجة مقبول
ولأن معظم أوقاتنا بعد دوام المدرسة نقضيها برعاية الاغنام او بمساعدة والدي في الارض
وما ان يرى والدي هذه الشهادة التي احملها الا وتأخذه نشوة من الفرح ليعلن لي عما يكنه لي في داخلة
نعم قال لي اي بني انت اصغر اخوتك واريد ان استفيد منك في الدنيا والاخرة
كيف ذاك يا والدي ؟؟؟
اريد ان اضعك في مدرسة شرعية لتكون عالما وداعيا الى الله عزوجل وانت ترتدي عمامتك البيضاء ولافخر بك امام الناس
وفي اليوم التالي يصطحبني والدي الى اقرب مدرسة شرعية وتبعد عن بيتنا150 كم
لنقابل مدير المدرسة الشرعية بالرفض لي لان نجاحي بدرجة مقبول
نعم مقبول لانني كنت اقضي وقتي بعد دوام المدرسة في رعي الاغنام ومساعدة والدي في الارض
ولان الاساتذه اغلب الايام لم يكونوا موجودين لاعطائنا الدروس لانهم من قرى اخرى وعندهم أراضي يعملون بها
والدي ذاك الرجل المحب للعلم واهله لم يقصر بعد ان رفضت من المدرسة الشرعية
ذهب الى احد العلماء وكلمه عني وعما يريد فقام هذا العالم بتكليم مدير المدرسة الشرعية ليتم قبولي والحمد لله
وهاهو وآلدي يودع ابنه ويتركه في المدرسة بعد ان يعطيني مصروفي الشهري
الذي لايتجاوز الاربعة دولارات
وغالبا ما كنت آتي الى البيت لزيارة اهلي كل شهر فلا اجد عند والدي المصروف الذي كان يعطيني اياه
ليقوم والدي بالاستدانة من الجيران وطالما كان يوصيني بقوله يابني اقتصد في مصروفك
نعم بقيت طوال هذه المدة على هذا الحال
انهيت دراستي الشرعية والحمد لله والان بدأت مأساة جديدة يالها من حياة كلها مآسي
وهي أن شهادتي الشرعية غير مقبولة في بلدنا الحبيب مما دفعني الى البحث عن مسجد في احدى القرى ليكون راتبي على اهل القرية
ولنتعرض الى اشد الاذلال من قبل اهل القرية ففلان لايعجبه صوتي وفلان يقول انني اطيل في خطبتي و . و. و , الخ
وفلان لايدفع ما يستوجب عليه من راتب لي عدى الشروط التي يشترطونها علي واولها انه يجب ان اكون متزوجا
هذا الراتب الذي كان لايتجازو في السنة الواحدة (1000 ) دولار
كنت آخذه من الناس وانا في غاية الذل والمهانة
فهل يكفي هذا الراتب مصروفي في البيت ام ذهابي الى الازهر ؟؟؟
في كل سنة مرتين ليكلفني السفر الى الازهر في المرة الواحدة (1000) دولار
نعم ذهبت في اول مرة الى الازهر بالطائرة وذلك لان احد التجار تبرع لي بالتذكرة
اما باقي الرحلات فكنت اذهب بالسيارات وذلك لأن تكلفتها أقل
أنهيت السنة الاولى والثانية في الأزهر
وجاءتني فرصة للسفر الى احدى دول الخليج
نعم هذا ما يحلم به جميع أبناء بلدي أو حتى اقراني في المدرسة الشرعية
فهل ارفض وامامي مصاريف كبيرة وامامي ما يسمى بالخدمة الالزامية في الجيش
نعم ... كل من كنت استشيره كان يقول لي اذهب ولاتقف أبدا
وأخيرا سافرت الى هذه الدولة ولله الحمد ونجحت في اجتياز الاختبار
ولكن واجهتني مشكلة في التوظيف وهو ان عمري دون السن القانوني لاجلس سنتين بمن دون عمل
أصلي إماماً بالناس مقابل اعطائي سكن ولم يكن لدي اي خيار فالرجوع الى بلدي مستحيل لان اول كلمة سيقولها الناس عني انني فاشل
لم اعد استطيع اكمال دراستي في الازهر لانه لايوجد عندي نقودا اسافر بها
بل والله احيانا لايوجد عندي طعام لي ولأولادي لنبقى بلاطعام إلى يوم أخر
وبعد حوالي سنتين عينت براتب مؤذن لانه لايوجد وظائف أئمة
شاغرة ولانني لااحمل الشهادة الجامعية
راتبي الذي لايتجاوز ( 800 ) دولار شهريا قضيت من الزمن مايقارب سنتين ونصف لقضاء ديوني
وليرفع الراتب ويبلغ (2000 ) دولار وتكبر العائلة والاولاد
ويأتيني مصروفا آخر وهو مدارس الاولاد
جلست في هذه البلد عشر سنوات سافرت خلالها ثلاث مرات لزيارة اهلي لانه لايوجد عندي مايسد مصروف سفري
عدى انه يتوجب علي ان ادفع ضريبة مغترب في كل سنة لسفارة بلدي
وكذالك يستوجب علي دفع بدل الخدمة الالزامية بعد مضي خمس سنوات بمبلغ قدره ( 5000) دولار
لم استطع دفعها الا من خلال القرض من البنوك التي تسمى نفسها بنوك اسلامية والاسلام منها براء ولا استطيع ان اقوم بعمل اضافي لانه يمنع في هذا البلد مزاولة عملين
اما نظرة الاخوة الخليجيين الينا فلم يكن الحال احسن من نظرة ابناء بلدنا عندما كنا ائمة هناك
ففي بلدنا كنا اذلاء مقهورين وهنا مرتزقة متسولين
عدى النظرة الفوقية التي ينظرونها الينا فهم اسيادنا ونحن خدم لهم هذا هو نظرهم الينا
سافرت الى بلدي في سيارتي التي اخذتها ايضا على البنك
وفي الجمارك يقوم ابناء بلدي في كل معاملة اقدمها بأخذ رشوة فان لم ادفع يمارسون علي أشد أنواع الابتزاز والعذاب
وبعد أن أصل إلى بيت أهلي يقوم الامن بعد وصولي بايام الى بالمجيء الي والتحقيق معي
لأن دراستي شرعية ولأنني جئت من بلد خليجي
ولابد بعد كل هذا من اعطائهم مايطلبونه مني من أموال وانا ابتسم ولااستطيع الكلام لأن التهمة جاهزة لديهم
وهذه هي المأساة اعيشهاالى الان
مات والدي وماتت والدتي وانا في بلد الغربة
وكل هذا ليخرج علماء الامة الذين يعيشون في قصور وسيارات فارهة ليفتوا بعدم الخروج على الحاكم وليكونوا السيف المسلط على الفقير من قبل الحكام
الا لاسامحكم الله ايها العلماء فهلا عشتم حياة الفقراء لننظر اي فتوى ستفتونها
رحم الله القائل (عجبت للفقراء كيف لا يخرجون بالسيوف على الأغنياء )
هذه هي جزء من معاناة الفقير وهناك الكثير الكثير ممن يعيشون مثل هذه المعاناة واشد منها
وإن مما يضحكني : أنه منذ مدة وقبل الثورة جاء الامن الى بيتنا بحجة تفتيش عن اسلحة وبينما هم يفتحون خزانة والدي رحمه الله وجدوا ورقة قد اعطيتها لوالدي فيها ورد الامام النووي
والورقة مكتوب في اعلاها
حزب الامام النووي فاقتاد هؤلاء الزبانية اخي لأنه من حزب الامام النووي
وصحيح كما يقال شر البلية مايضحك اصبح للامام النووي رحمه الله حزب
حتى لقد خشيت أن يأتي يوم يحرقون المصاحف لان فيها كلمة حزب وقد فعلوها ودمروا المساجد خلال هذه الثورة
وأخيرا أسأل الله أن ينصرنا على هذا الطاغية وأن يعجل بالفرج
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
هذه صرخة مكلوم أسأل الله ان يصل مداها الى من القى السمع وهو شهيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق