كيف يجمع الإنسان بين الخوف والرجاء والخشية والمحبة
كيف يجمع الإنسان بين الخوف والرجاء والخشية والمحبة
- كيف يجمع الإنسان بين الخوف والرجاء والخشية والمحبة
- بسم الله الرحمن الرحيم
- الحمدلله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد
- والصلاة والسلام على طبيب القلوب وقرة العين أول شافع ومشفع سيدنا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه المنتجبين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد .
- ما أعظم أن يحلق الإنسان في طيات القرآن الكريم بفكره ليتدبر كلام ربه سبحانه وتعالى ويعيش الحال التي أرادها الله عز وجل أن يحيى بها .
- قال تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) . محمد
- لذلك خلق الله الإنسان على وفق منهج ودستور وهي الحكمة التي نبه الله عز وجل عليها بأن ذكر القرآن اولاً ثم خلق الإنسان .
- قال تعالى . ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان ) . الرحمن
- وإننا نعرج اليوم على مفهوم من مفاهيم الكتاب العزيز لنفهم المراد فنستطيع أن نعايش هذه الحال وهذا ما سألت عنه الكثير من العلماء فلم أجد مايشف الصدر
- وينير الفكر ويُسدي الرشد إلى أن قررت أن أعيش هذه الحال فمن الله سبحانه وتعالى علي فألقى في خلدي وأفطنني إلى هذه الحال . فلله الحمد والمنة على ماتفضل به علي .
- وهذه الحالة أيها الإخوة هي كيف يتحقق الإنسان فيعيش بين
- الخوف والرجاء والخشية والمحبة
- فمن ميزان العقل البشري أن الإنسان لايستطيع أن يجمع بينها في قلبه. ومعلوم لديكم أيها الإخوة أن من يتربى على الخوف من إنسان منذ نعومة أظفاره لن يحبه أبدا وأن من يحب لايخاف كذلك .
- (قالت السيدة رابعة العدوية رحمها الله ( اللهم اني ماعبدتك حين عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفاً من نارك ولكني علمت أنك رب تستحق العبادة فعبدتك )
- وهذا هو حال الصادقين المخلصين.
- وإني أستعرض أولاً الآيات التي تدل على الخوف ثم اعرج عليها بالآيات التي تدل على الخشية ثم الرجاء ثم المحبة .
- ولنبدأ أولاً في آيات الخوف .
- قال تعالى (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) الرحمن (46)
- وقال (وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ال عمران 175
- وقال تعالى بشأن الخشية
- ( إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) يس (11)
- وقال (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) تبارك (12)
- قال الرازي في المفاتيح.هذه إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِ مُتَّقِيًا مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي لِأَنَّ مَنْ يَتَّقِي مَعَاصِيَ اللَّهِ فِي الْخَلْوَةِ اتَّقَاهَا حَيْثُ يَرَاهُ
- وقال تعالى بشأن الرجاء
- ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الإسراء:57
- وقال بشأن المحبة
- (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [آل عمران:31
- قال الرازي في مفاتيحه
- إنَّ الْخَوْفَ خَشْيَةٌ سَبَبُهَا ذُلُّ الْخَاشِي، وَالْخَشْيَةُ خَوْفٌ سَبَبُهُ عَظَمَةُ الْمَخْشِيِّ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فَاطِرٍ: 28] لأنهم عرفوا عظمة الله فخافوه لا لذل منهم، بل لعظمة جانب الله،
- فهذه الحالات الأربع هل يستطيع الواحد منا ان يجمعها في قلبه في آن وآحد فيحققها في شخص فيكون خائفاً منه وراجياً له ويخشاه ويحبه فهذا من المستحيل في ميزان العقل البشري
- ولكي تتضح الصورة لابد أن نضرب مثلاً لينجلي لنا الأمر ويتضح
- وأقرب مثالاً على هذا هو الأب
- فالأب أنت تحبه وتخشاه وتخافه وترجوه ولكن كيف ذلك
- فعندما تكون مطيعاً له غير عاصٍ لأوامره فإنك لن تخافه ولكنك تخشاه
- والخشية هنا تعني التوقير والإحترام فإن عصيته خفت من عقابه فإذا أراد أن يعاقبك رجوته أن يصفح عنك ويغفر زلتك
- إذاً فتفعيل جانب المحبة يكمن في الوقت الذي تكون طائعاً لله فيه لأن الإيمان يزيد بزيادة الطاعات وينقص بنقصانها ولكنك تُصحب المحبة أثناء طاعتك بالخشية التي تعني الأدب والتوقير والاحترام لجناب المولى جل جلاله دون الخوف منه
- وأما الخوف فمطلوب منك إذا أردت أن تفعل معصية أن تتذكر عقاب الله عزوجل لك حتى لاتقدم على فعلها فإذا فعلتها مطلوب منك أن ترجوا الله عز وجل أن يعفوا عنك ويغفر ذنبك .
- إذاً ففي حالة الرضا والطاعة مطلوب منك أن تُفعّل محبتك لله عز وجل مع الخشية دون الخوف
- وأما في حالة الإقدام على معصيةٍ فمطلوب منك أن تخاف الله عز وجل كي لاتفعلها
- وإذا فعلتها فيجب عليك أن ترجوه كي يعفوا عنك ويغفرها لك
- والرجاء يكون أيضاً عند فعل الطاعة فتكون راجياً له أن يتقبلها منك ويثيبك عليها
- طبعاً هذه الحالات بالنسبة للناس الذين لم يصلوا إلى مرحلة انقطاع الملذات والشهوات عن النفس وإذا أراد الإنسان الأسلم لدينه فليعش الآن بين الخوف والرجاء حتى يتخلى عن حظوظ النفس وملذاتها وشهواتها ثم ليتحلى في محبة مولاه فيصير إلى مرحلة الكمال .
- وأما العارفين والأولياء فكان الخوف عندهم لأجل أن لايتركهم ويُعرض عنهم
- فأنت حينما تتعلق بشخص أيما تعلق ٍتخاف أن يتركك
- وكذلك حال العارفين والأولياء ولذلك قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين
- فمن كثرة العشق له خافوا أن يتركهم . هذا هو حال أهل الله الذين طلّقوا الدنيا وقطعوا علائق النفس البشرية فسكروا في لذة الحب فساروا وهم هائمين في محبته حتى تفانت النفس والروح في جناب الحضرة الإلهية فتحققوا من مقام الشهود فلم يروا إلا ذاته المشهود
- يا حبيب القلوب أنت الحبيب ........... أنت أنسي وأنت مني قريب
- يا حبيباً بذكره يتداوى ............. كل ذي سقم فنعم الطبيب
- طلعت شمس من أحب بليل ............ فاستنارت وما تلاها غروب
- إن شمس النهار تغرب بالليل ............ وشموس القلوب ليست تغيب
- فإذا ما الليل أسدل ستره ............. فإلى ربها تحن القلوب
- لطيبة عرج إن بين قبابها *** حبيباً لأسقام القلوب طبيب
- إذا لم تطب في طيبة عند طيب *** به طابت الدنيا فأين تطيب
- إذا لم يجب ربنا في حيه الدعاء *** ففي أي حي للدعاء يجيب
- روى بعض الصالحين الذين كانوا يذهبون إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج على الإبل ثم يذهبون إلى زيارة القبر النبوي الشريف على ساكنه أفضل الصلاة وأتم التسليم فإذا وصلوا إلى مكانٍ قريب من القبر ربطوا الإبل وذهبوا لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم فإذا عادوا إلى الإبل وجدوها تبكي شوقاً إليه صلى الله عليه وسلم وتمد أعناقها ودمعها سياح فقيل .
- بح بالغرام ما عليك من جناح ... في حب من تسعى له الأرواح
- بحر العلوم تلاطمت أمواجه ... والنور حول مقامه وضَّــاح
- من ذا يلمني في الأنين وفي البكا ... والنوق حول مقـامه ترتـاح
- وتمد من طول الجفا أعنـاقها ... شوقاً إليه ودمعهــا سيـاح
- لما أتت وادي العقيق تباشرت ... وبــدا لها بعد الظلام صباح
- قلبي تولـع بالحجـاز وأهله ... يا حسـرتي بعد التولع راحوا
- قوم إذا سمعــوا بذكر محمد ... شقوا الثياب من الغرام وساحوا
- صلى عليك الله يا علم الهدى ... ما جـاء من بعد الظلام صباح
- فبالله عليكم من الذي يلمني إن أردت أن أنصب سهامي على من أراد أن ينزع عني هيامي . من قوم طمس الله على بصيرتهم فجعلوا الهيام به صلى الله عليه وسلم غلو وهو القائل في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه
- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ .
- أسأل الله عز وجل أن يحققني وإياكم في مقام المحبة وأن يرزقني وإياكم حسن التفهم والدرك . بجاه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
- وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق